الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

نحو تقويم جديد للكتابة العربية

الأستاذ الدكتور / طالب عبد الرحمن

مناقشة الحجة الثالثة

من يتأمل هذه الحجة يجد أنها قيلت من رجل أجنبي -غير عربي- تلتبس عليه حروف ليست بحروف لغته، فتبدو أمام عينيه متشابهة ومدعاة للالتباس والخلط، ويكاد الأمر يقترب من نظرة رجل أوروبي إلى أبناء الجنس الأصفر، الذين يبدون لناظريه وكأنهم نسخ متعددة من كتاب واحد. غير أن هذه النظرة ليست هي نظرة أبناء الجنس الأصفر إلى أنفسهم.

ونود ههنا أن ننبه إلى المسائل الآتية:

1. ليس هناك دليل على أن وضع نقطة على حرف الراء -مثلا- لجعله زايا أعقد أو أصعب من وجود شكلين منفصلين [ ص: 91 ] كل الانفصال مثل R و Z . ولا أدري لماذا لا ينظر المنتقدون إلى تساوي أشكال بعض الحروف وتميز أحدها من الآخر بالنقاط، أقول: لماذا لا ينظرون إليه على أنه وسيلة تيسير (تتمثل في الاختصار في عدد الأشكال المختلـفة) لا مدعاة لبس وخلط؟

2. لا تخلو الحروف اللاتينية -عند التأمل فيها- من التشابه بين مجموعات فيها، حيث يتميز الواحد من الآخر، ضمن المجموعة نفسها، بتعديل في كل منها. فالمجموعة الأولى -مثلا- تستند إلى شكل كروي، يفتح ويغير فيه اتجاه الفتحة، مع تغيير طفيف في قسم منها. فلننظر في المجموعات الآتية:

-O, Q, a, G, c, e, u, n, v.

- b, d, p, B, D, q, g.

- A, V, W,M, N, Z, Y.

- E, F, T, t, J, f, L, H, I, X, K.

3. يضطر الكاتب العربي والإنجليزي والهندي... إلخ، من يكتب منهم بيده ومن يطبع، ومن يكلف آخرين بالطباعة، إلى مراجعة المكتوب أو المطبوع، لتمحيص النتيجة والتحقق من خلو [ ص: 92 ] المدون من الخطأ.

وإذا كان المقصود أن انفصال النقطة عن الحرف، واضطرار الكاتب، من ثم إلى أن يعمل يده مرتين في الحرف المنقوط; مرة لكتابته مهملا، والثانية لتنقيطه، فإن الكاتب بالحروف اللاتينية قـد يضطـر إلى الأمـر نفسـه. فمن يكتـب حـرف ( t ) مثلا لا يستطيع أن يكتبه دفعة واحدة من غير رفع يده لكتابة الجزء الآخر (الخطيط الأفقي مثلا) . وقل مثل ذلك في حروف أخرى مثل (H, E, A, Q, f... إلخ) .

فليس اضطرار الكاتب إلى مراجعة ما يكتبه منقصة تقتصر على الكاتب العربي وحده دون غيره.

4. يتعرض الكاتب العربي، والهندي، والإنجليزي... إلخ، إلى الخطأ والزلل، ويستوي في ذلك الكاتب بيده، والطابع على الآلة الكاتبة، والطباع في المطبعة. أم إن هؤلاء المنتقدين يقصرون غلط الكاتب أو الطباع على العربي دون غيره؟

5. لا يجهد القارئ العربي لكثرة الحروف المنقوطة، لأنه اعتاد عليها وألفها، ولكن قد يجهد ويتعرض للارتباك واللبس [ ص: 93 ] والحيرة من كانت قدرته من العربية ضئيلة، كالأجانب الذي يتعلمون العربية. والظاهر أن ههنا ما يسميه علماء النفس بالإسقاط، فلأن الأجنبي تلتبس عليه الأمور، فيظن أن هذا الإشكال لا بد أن يواجه العربي أيضا. والأمر يشبه من ابتدأ بتعلم اللغة الإنجليزية فيتوجب عليه أن (يتذكر) أن الميم في الإنجليزية تكتب عكس w، ثم يظن -بعد ذلك- أن الإنجليز قد يواجهون مشكلة في تمييزهم بين الحرفين. أو يشبه تعجبنا من الأقدمين الذين كانوا يستخدمون الكتابة المسمارية، كيف استطاعوا أن يميزوا بينها وهي مجموعة (مسامير) متماثلة لا فرق بين الواحد والآخر!

التالي السابق


الخدمات العلمية