الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

نحو تقويم جديد للكتابة العربية

الأستاذ الدكتور / طالب عبد الرحمن

ملاحظات

بعد أن عرضنا لنقدات المنتقدين، ودفاع المدافعين، يمكن لنا [ ص: 66 ] أن نلاحظ أمورا عدة في دعوات الرافضين للكتابة العربية، أهمها ما يلي:

1. أنهم أوحوا إلى العربي أن العيوب المنسوبة إلى الكتابة العربية خاصة بها، تنعدم أو تكاد في الكتابات الأخرى. صحيح أن قسما منهم أشار إلى بعض تلك العيوب في لغات أخرى، كاللغات السامية، ولكن إشارتهم تلك كانت عجلة عابرة، في حين بولغ في إبرازها وتضخيمها في العربية.

2. أنهم سعوا إلى أن يفهموا العربي أن تلك العيوب قاتلة، وأن فيها دمارا للتعلم، والاستيعاب، وأنها جعلت الكتابة العربية واحدة من أسوأ الكتابات في العالم، إن لم تكن أسوأها.

3. أغفلوا ميزات الكتابة العربية، فقدموا بذلك صورة غير متوازنة، ومفتقرة إلى الموضوعية.

4. أشعروا العرب بأن الكتابات الغربية، والإنجليزية والفرنسية خاصة، هي القمة والمثل الأعلى، وهذا ما يفسر دعوتهم (أو دعوة قسم منهم) إلى الأخذ بالحرف اللاتيني (متذكرين بطبيعة الحال الأثر التركي) . [ ص: 67 ]

5. سيطر نفس انتقادي على ملاحظاتهم، بحيث إنهم نظروا نظرة آحادية - انتقادية إلى ما يمكن أن يعد مفيدا وضارا في الوقت نفسه. مثال ذلك أنهم نظروا إلى تساوي مجموعات من الحروف في الشكل (مثل الباء والتاء والثاء) على أنه مدعاة للارتباك؛ ولا أدري لم لم يقولوا بأنه يقلل من عدد الأشكال المختلفة التي ينبغي على الطالب أن يتعلمها؟ بعبارة أخرى طرح المنتقدون أفكارهم وكأنهم (يجب أن ينتقدوا) أو ينبغي العثور على خلل في هذا الجانب أو ذاك، لا أن يقلبوا الأمر من جوانبه المتعددة.

6. كان بعض المنتقدين من الإنجليز والفرنسيين. ومن الطريف أن هؤلاء لم يدعوا إلى تغيير كتاباتهم هم، على ما فيها من نواقص سنشير إليها في فقرة لاحقة في هذا الفصل، ولكنهم دعوا إلى تغيير الكتابة العربية!

أما المدافعون عن الكتابة العربية، والمتمسكون بها، فقد كانت ردودهم سليمة ووجيهة، ففي الجانب الجمالي، على سبيل المثال، ليست هناك كتابة -على قدر ما أعلم- ذات [ ص: 68 ] طاقات جمالية توازي أو تداني الكتابة العربية. وفي فن الخط العربي مصداق ذلك.

بيد أننا نلاحظ على الردود السابقة ما يأتي:

1. تفادى المدافعون مناقشة جزئيات الانتقادات وتفصيلاتها، وقصروا منـاقشاتهم على العموميات والبواعث والنتائج.

2. سلموا ضمنا، بعيوب الخط العربي، ولكنهم رفضوا نتيجـة ذلك التسليـم، وهي تغيير الكتـابة العربيـة أو اطراحها.

3. يصعب على غير العربي المسلم الإقرار بهذه الردود. فإذا كان انتقاد المنتقدين (فنيا) و (موضوعيا) -حسب زعمهم- فبإمكانهم رفض الردود القائمة على أساس تاريخي أو جمالي.

4. قد يجاب بأن الجمال مسألة نسبية وقائمة على الألفة والتعود، وقديما قيل: لا مشاحة في الذوق.

5. أغفل المدافعون، مثـلهم مثل المنتقـدين، المزايـا الذاتيـة (أي اللغوية، غير التاريخية أو الجمالية) للكتابة العربية، [ ص: 69 ] وكأنهم نظروا إلى الكتابة العربية نظرتهم إلى عملة أثرية: فهي عديمة القيمة بوصفها عملة، ولكنها عظيمة القيمة بوصفها أثرا.

التالي السابق


الخدمات العلمية