الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
نتائج البحث

أولا: ظهر بطلان النزعات الثلاثة المخالفة لمنهج الجمهور في فهم وتفسير النصوص - فالباطنية : ألغوا المعاني الظاهرة، وحرفوا النصوص إلى رموز، جعلوا إدراكها من حق الإمام المعصوم، مما أدى إلى هـدم النصوص وتقويض بنيان الشريعة. وسبب ذلك يعود إلى نواياهم الفاسدة الداعية إلى إبطال الشريعة، والجهل بأدوات تفسير النصوص، ودعوى نقصان الشريعة، وتحسين الظن بالعقل، واتباع الهوى، ورفض المعرفة الكسبية، والاحتكام إلى المعرفة الذوقية. وأدى بهم ذلك إلى الغلو في التأويل للنص الديني، متكئين عليه في نصرة نزعاتهم المتطرفة وآرائهم الباطلة، فامتلأت بذلك كتب التفسير والسنة بآراء باطنية وهمية وخيالية بعيدة عن الحق ومقاصد الدين.

- أما الظاهرية : فقد رفضوا المعرفة العقلية للنص، واقتصروا على إدراك الظواهر دون الغوص في المعاني، فأدى ذلك إلى إنكار القياس والتعليل، وبذلك ضاق منهجهم في استيعاب المصالح الإنسانية المتجددة، وانحسر مجال المعرفة عندهم فيما دل عليه الظاهر، مع التوسع في الاستصحاب فوق الحاجة. وأدى بهم ذلك إلى الغفلة عن مقاصد الشريعة، ومناقضتها أحيانا، والخطأ في استنباط الأحكام وتفسير النصوص، وعدم التمييز بين درجات الأحكام الآمرة والناهية، والتحايل والابتداع. [ ص: 192 ] - وأما العقلانيون: فقد غالوا في استعمال العقل إلى درجة معارضة النصوص بالمصلحة العقلية، فعطلوا بذلك النصوص بدعوى قصورها وعجزها عن استيعاب المصالح المتجددة. وسبب ذلك ادعاؤهم باستقلال العقل في إدراك المصالح في مجال العادات. وقد تبين فساد دعواهم؛ نظرا لمحدودية النظر العقلي، ولكون العقل تابعا للشرع لا العكس؛ ولأن في المصالح العادية ما هـو معقول، وما هـو غير معقول لا يدرك إلا بالنص، ولكون الشريعة لا تنافي العقول ولا تعارضها.

ثانيا: رجحان منهج الجمهور الذين جمعوا بين ظواهر النصوص ومعانيها في اعتدال دون غلو ولا تقصير فأعطوا للظاهر حقه وللمعنى حقه، معتمدين على قواعد البيان العربي، وعرف الخطاب، والفهم الجمهوري، وتعليل النصوص، والتمييز بين مقامات الخطاب الشرعي، وإدراك المقاصد الشرعية الثابتة قطعا أو ظنا، فجاء منهجهم وافيا، ومستوعبا لمصالح الناس؛ سواء ما دل عليه النص بعبارته أو بروحه.

ثالثا: فهم الظاهر لا بد أن يتم وفق معرفة قواعد الخطاب العربي الذي نزل به الوحي وعرف العرب في التخاطب، والفهم الغالب عند جمهورهم.

رابعا: لا بد أن يتفق المعنى مع الظاهر، أو يشهد له نص آخر، أو يندرج ضمن مقاصد الشريعة ومن ثم فلا عبرة بالمعاني المستندة على مجرد المكاشفة، والإلهام، والمنام، والغيب. [ ص: 193 ]

خامسا: ضرورة تقديم المعاني الشرعية على اللغوية والعرفية والوقوف عند المسميات الشرعية الأصلية دون المصطلحات الحادثة المتأخرة، وتقديم المعاني الحقيقة على المجازية إلا عندما يتعذر الحال، فتحمل على المعاني المجازية.

سادسا: التمييز بين مقامات الخطاب بمعرفة القرائن الحالية والمقالية، والقرائن اللفظية والمعنوية، وتقديم مقام التشريع على غيره من المقامات؛ كمقام الترغيب والترهيب، ومقام التقوى والتقديس.

سابعا: لمعرفة المعاني المقصودة شرعا مسالك تحدد معنى المقصد وصفته وأماراته حتى لا يختلط بالمعاني الوهمية والخيالية البعيدة عن روح الشريعة، وقد ظهر من خلال البحث أن هـذه المسالك قسمان:

- مسالك ظنية: تهدف إلى استخراج المعاني والمقاصد الجزئية من آحاد النصوص، وذلك باستخراج علل النصوص والأحكام، بوساطة مسالك العلة المعروفة في أصول الفقه؛ كالنص، والإجماع، والمناسبة وغيرها.

- مسالك قطعية: تهدف إلى استخراج المعاني الكلية والمقاصد العامة؛ بالاعتماد على استقراء النصوص أو دلالة القرآن الصريحة، أو السنة المتواترة.

والله من وراء القصد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [ ص: 194 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية