الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              - القرآن الكريـم والظلم:

              ورد الفعل ظلم ومشتقاته في القرآن الكريم في نحو (289) موضعا، تغطي أكثر من نصف سوره. وقد جاء الفعل ظلم في الكتاب العزيز في صورة (35) مشتقة لغوية، أكثرها ورودا مشتقة ظالمين، وهذا القدر من ذكر الظلم بمترادفاته ومشتقاته يدل على مدى خطورة هذا الداء العضال على الأفراد والجماعات والمجتمعات.

              نزه المولى عز وجل نفسه عن الظلم في آيات كثيرة في محكم التنزيل، من هذه الآيات على سبيل المثال لا الحصر [1] ، قال تعالى:

              ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين ) (آل عمران :108)، ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) (النساء:40)، ( ولا يظلم ربك أحدا ) (الكهف:49)، ( وما الله يريد ظلما للعباد ) (غافر:31)، ( وما أنا بظلام للعبيد ) (ق:29).

              ورفض الخطاب القرآني الظلم وحرمه، ولم يوجب الصبر عليه، قال تعالى مخاطبا المؤمنين في مكة: ( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون * وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين * ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على [ ص: 54 ] الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم * ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) (الشورى:39-42).

              وقد علل الكتاب العزيز في تشريع جهاد الدفع لرفع الظلم الواقع على النفس بقوله تعالى في سورة الحج الآيات (39-41): ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) [2] .

              لذلك جاء تحريم الظلم وهو نقيض العدل في مواضع عدة في الكتاب العزيز، وبصورة مباشرة وواضحة لا لبس فيها، وحذر الله تعالى في القرآن الكريـم من التـردي في وهدة الظـلـم، وتوعد بسـوء العـاقبة للظـالمـين، يقـول عز وجل في آيات الظلم في آخر سورة إبراهيم:

              ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء * وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم [ ص: 55 ] من قبل ما لكم من زوال * وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال * وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال * فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام * يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار * وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد * سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار * ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب * هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب ) (إبراهيم:42-52).

              وفي سورة الكهف، يتوعد الله تعالى الظالمين بالعذاب الشديد يوم القيامة، فيقول تعالى: ( ... إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ) (الكهف:29).

              وفي سورة الأعراف يلعن المولى عز وجل الظالمين ويطردهم من رحمته بقوله: ( فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ) (الأعراف:44).

              ويتوعد العزيز الجبار في سورة النساء الظلمة من مغتصبي أموال اليتامى، بقوله تعالى: ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) (النساء:10).

              وهـكذا لم يترك القرآن الكريم بابا من أبواب الظلم إلا حذر منه، ومن الولوج فيه، مقرنا ذلك بالوعيد بالعذاب الشديد تارة، وباللعن تارة أخرى. [ ص: 56 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية