الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              1833 - وحدثنا أبو طلحة أحمد بن محمد بن عبد الكريم الفزاري ، قال : حدثنا عبد الله بن خيبق ، قال : حدثنا يوسف بن أسباط ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، قال : " كتب عامل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى عمر [ ص: 232 ] يسأل عن القدر ، فكتب إليه : أما بعد ، أوصيك بتقوى الله عز وجل ، والاقتصاد في أمره ، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت سنته وكفوا مؤونته ، فعليك بلزوم السنة ؛ فإنها لك بإذن الله عصمة ، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها ، أو عبرة فيها ، فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق ، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم ، فإنهم عن علم وقفوا ، وببصرنا قد كفوا ، ولهم على كشف الأمور كانوا أقدر ، وبفضل ما فيه كانوا أولى ، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ، ولئن قلتم : إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من ابتغى غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم ، فإنهم السابقون ، فقد تكلموا فيه بما يكفي ، ووصفوا منه ما يشفي ، فما دونهم من مقصر وما فوقهم من مجسر ، قد قصر قوم دونهم فجفوا ، وطمح عنهم أقوام فغلوا ، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم ، كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر ، فعلى الخبير بإذن الله وقعت ، ما أعلم أحدث الناس من محدثة ولا ابتدعوا من بدعة هي أبين أمرا ولا أثبت أثرا من الإقرار بالقدر ، لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء ، يتكلمون به في كلامهم وفي شعرهم ، يعزون به أنفسهم على ما فاتهم ، ثم لم يزده الإسلام بعد إلا شدة ، ولقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير حديث ولا حديثين قد سمعه منه المسلمون ، فتكلموا به في حياته وبعد وفاته يقينا وتسليما لربهم وتضعيفا [ ص: 233 ] لأنفسهم أن يكون شيء لم يحط به علمه ولم يحصه كتابه ، ولم يمض فيه قدره ، وأنه مع ذلك لفي محكم كتابه لمنه اقتبسوه ، ولمنه تعلموه ، ولئن قلتم : لم أنزل الله عز وجل آية كذا ، ولم قال الله كذا ، لقد قرؤوا منه ما قرأتم ، وعلموا من تأويله ما جهلتم ، وقالوا بعد ذلك كله بكتاب وقدر ، ما قدر ، وما قدر يكن ، وما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ولا نملك لأنفسنا ضرا ولا نفعا ، ثم رغبوا بعد ذلك ورهبوا " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية