الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          شرر

                                                          شرر : الشر : السوء والفعل للرجل الشرير ، والمصدر الشرارة ، والفعل شر يشر . وقوم أشرار : ضد الأخيار . ابن سيده : الشر ضد الخير ، وجمعه شرور ، والشر لغة فيه ; عن كراع . وفي حديث الدعاء : والخير كله بيديك والشر ليس إليك ; أي أن الشر لا يتقرب به إليك ، ولا يبتغى به وجهك ، أو أن الشر لا يصعد إليك ، وإنما يصعد إليك الطيب من القول والعمل ، وهذا الكلام إرشاد إلى استعمال الأدب في الثناء على الله ، تعالى وتقدس ، وأن تضاف إليه عز وعلا محاسن الأشياء دون مساوئها ، وليس المقصود نفي شيء عن قدرته وإثباته لها ، فإن هذا الدعاء مندوب إليه ، يقال : يا رب السماء والأرض ، ولا يقال : يا رب الكلاب والخنازير وإن كان هو ربها ; ومنه قوله تعالى : ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها . وقد شر يشر ويشر شرا وشرارة ، وحكى بعضهم : شررت بضم العين . ورجل شرير وشرير من أشرار وشريرين ، وهو شر منك ، ولا يقال أشر ، حذفوه لكثرة استعمالهم إياه ، وقد حكاه بعضهم . ويقال : هو شرهم ، وهي شرهن ، ولا يقال هو أشرهم . وشر إنسانا يشره إذا عابه . اليزيدي : شررني في الناس وشهرني فيهم بمعنى واحد ، وهو شر الناس ; وفلان شر الثلاثة وشر الاثنين . وفي الحديث : ولد الزنا شر الثلاثة ; قيل : هذا جاء في رجل بعينه كان موسوما بالشر ، وقيل : هو عام ، وإنما صار ولد الزنا شرا من والديه ; لأنه شرهم أصلا ونسبا وولادة ; لأنه خلق من ماء الزاني والزانية ، وهو ماء خبيث ، وقيل : لأن الحد يقام عليهما ، فيكون تمحيصا لهما ، وهذا لا يدرى ما يفعل به في ذنوبه . قال الجوهري : ولا يقال : أشر الناس إلا في لغة رديئة ; ومنه قول امرأة من العرب : أعيذك بالله من نفس حرى وعين شرى أي خبيثة من الشر ، أخرجته على فعلى مثل أصغر وصغرى ; وقوم أشرار وأشراء . وقال يونس : واحد الأشرار رجل شر مثل زند وأزناد ، قال الأخفش : واحدها شرير وهو الرجل ذو الشر مثل يتيم وأيتام . ورجل شرير مثال فسيق أي كثير الشر ، وشر يشر إذا زاد شره . يقال : شررت يا رجل وشررت ، لغتان شرا وشررا وشرارة . وأشررت الرجل : نسبته إلى الشر ، وبعضهم ينكره قال طرفة :


                                                          فما زال شربي الراح حتى أشرني صديقي وحتى ساءني بعض ذلك

                                                          فأما ما أنشده ابن الأعربي من قوله :


                                                          إذا أحسن ابن العم بعد إساءة     فلست لشري فعله بحمول



                                                          إنما أراد لشر فعله فقلب . وهي شرة وشرى : يذهب بهما إلى المفاضلة ; وقال كراع : الشرى أنثى الشر الذي هو الأشر في التقدير كالفضلى الذي هو تأنيث الأفضل ، وقد شاره . ويقال : شاراه وشاره وفلان يشار فلانا ويماره ويزاره أي يعاديه . والمشارة : المخاصمة . وفي الحديث : لا تشار أخاك ، هو تفاعل من الشر أي لا تفعل به شرا فتحوجه إلى أن يفعل بك مثله ، ويروى بالتخفيف ; ومنه حديث أبي الأسود : ما فعل الذي كانت امرأته تشاره وتماره . أبو زيد : يقال في مثل : كلما تكبر تشر . ابن شميل : من أمثالهم : شراهن مراهن . وقد أشر بنو فلان فلانا أي طردوه وأوحدوه . والشرة : النشاط . وفي الحديث : إن لهذا القرآن شرة ثم إن للناس عنه فترة ; الشرة : النشاط والرغبة ; ومنه الحديث الآخر : لكل عابد شرة . وشرة الشباب : حرصه ونشاطه . والشرة : مصدر لشر . والشر بالضم : العيب . حكى ابن الأعرابي : قد قبلت عطيتك ثم رددتها عليك من غير شرك ولا ضرك ، ثم فسره ، فقال : أي من غير رد عليك ، ولا عيب لك ، ولا نقص ولا إزراء . وحكى يعقوب : ما قلت ذلك لشرك ، وإنما قلته لغير شرك ، أي ما قلته لشيء تكرهه ، وإنما قلته لغير شيء تكرهه ; وفي الصحاح : إنما قلته لغير عيبك . ويقال : ما رددت هذا عليك من شر به ، أي من عيب ولكني آثرتك به ; وأنشد :


                                                          عين الدليل البرت من ذي شره



                                                          أي من ذي عيبه أي من عيب الدليل ; لأنه ليس يحسن أن يسير فيه حيرة . وعين شرى إذا نظرت إليك بالبغضاء . وحكى عن امرأة من بني عامر في رقية : أرقيك بالله من نفس حرى وعين شرى ; أبو عمرو : الشرى : العيانة من النساء . والشرر : ما تطاير من النار . وفي التنزيل العزيز : إنها ترمي بشرر كالقصر ; واحدته شررة وهو الشرار ، واحدته شرارة ; وقال الشاعر :


                                                          أو كشرار العلاة يضربها ال     قين على كل وجهه تثب



                                                          وشر اللحم والأقط والثوب ونحوها يشره شرا وأشره وشرره وشراه على تحويل التضعيف : وضعه على خصفة أو غيرها ليجف ; قال ثعلب وأنشد بعض الرواة للراعي :


                                                          فأصبح يستاف البلاد كأنه     مشرى بأطراف البيوت قديدها



                                                          قال ابن سيده : وليس هذا البيت للراعي إنما هو للحلال ابن عمه . [ ص: 54 ] والإشرارة : ما يبسط عليه الأقط وغيره ، والجمع الأشارير . والشر : بسطك الشيء في الشمس من الثياب وغيره ; قال الراجز :


                                                          ثوب على قامة سحل تعاوره     أيدي الغواسل للأرواح مشرور



                                                          وشررت الثوب واللحم وأشررت ; وشر شيئا يشره إذا بسطه ليجف . أبو عمرو : الشرار صفائح بيض يجفف عليها الكريص . وشررت الثوب : بسطته في الشمس . وكذلك التشرير وشررت الأقط أشره شرا إذا جعلته على خصفة ليجف ، وكذلك اللحم والملح ونحوه . والأشارير : قطع قديد . والإشرارة : القديد المشرور . والإشرارة : الخصفة التي يشر عليها الأقط ، وقيل : هي شقة من شقق البيت يشرر عليه ; وقول أبي كاهل اليشكري :


                                                          لها أشارير من لحم تتمره     من الثعالي ووخز من أرانيها



                                                          قال : يجوز أن يعني به الإشرارة من القديد وأن يعني به الخصفة أو الشقة . وأرانيها أي الأرانب . والوخز : الخطيئة بعد الخطيئة والشيء بعد الشيء أي معدودة ; وقال الكميت :


                                                          كأن الرذاذ الضحك حول كناسه     أشارير ملح يتبعن الروامسا



                                                          ابن الأعرابي : الإشرارة صفيحة يجفف عليها القديد وجمعها الأشارير ، وكذلك قال الليث . قال الأزهري : الإشرار ما يبسط عليه الشيء ليجف فصح به أنه يكون ما يشرر من أقط وغيره ، ويكون ما يشرر عليه . والأشارير : جمع إشرارة ، وهي اللحم المجفف . والإشرارة : القطعة العظيمة من الإبل لانتشارها وانبثاثها . وقد استشر إذا صار ذا إشرارة من إبل ، قال :


                                                          الجدب يقطع عنك غرب لسانه     فإذا استشر رأيته بربارا



                                                          قال ابن بري : قال ثعلب : اجتمعت مع ابن سعدان الراوية ، فقال لي : أسألك ، فقلت : نعم ، فقال : ما معنى قول الشاعر ؟ وذكر هذا البيت ، فقلت له : المعنى أن الجدب يفقره ويميت إبله فيقل كلامه ويذل ; والغرب : حدة اللسان . وغرب كل شيء : حدته . وقوله : إذا استشر أي صارت له إشرارة من الإبل ، وهي القطعة العظيمة منها ، صار بربارا وكثر كلامه . وأشر الشيء : أظهره ; قال كعب بن جعيل وقيل : إنه للحصين بن الحمام المري يذكر يوم صفين :


                                                          فما برحوا حتى رأى الله صبرهم     وحتى أشرت بالأكف المصاحف



                                                          أي نشرت وأظهرت ; قال الجوهري و الأصمعي : يروى قول امرئ القيس :


                                                          تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا     علي حراصا لو يشرون مقتلي



                                                          على هذا قال ، وهو بالسين أجود . وشرير البحر : ساحله مخفف ; عن كراع . وقال أبو حنيفة : الشرير مثل العيقة يعني بالعيقة ساحل البحر وناحيته ; وأنشد للجعدي :


                                                          فلا زال يسقيها ويسقي بلادها     من المزن رجاف يسوق القواريا
                                                          يسقي شرير البحر حولا ترده     حلائب قرح ثم أصبح غاديا



                                                          والشران على تقدير فعلان : دواب مثل البعوض ، واحدتها شرانة ، لغة لأهل السواد ; وفي التهذيب : هو من كلام أهل السواد ، وهو شيء تسميه العرب الأذى شبه البعوض ، يغشى وجه الإنسان ولا يعض . والشراشر : النفس والمحبة جميعا . وقال كراع : هي محبة النفس ، وقيل : هو جميع الجسد ، وألقى عليه شراشره ، وهو أن يحبه حتى يستهلك في حبه ; وقال اللحياني : هو هواه الذي لا يريد أن يدعه من حاجته ; قال ذو الرمة :


                                                          وكائن ترى من رشدة في كريهة     ومن غية تلقى عليها الشراشر



                                                          قال ابن بري : يريد كم ترى من مصيب في اعتقاده ورأيه ، وكم ترى من مخطئ في أفعاله وهو جاد مجتهد في فعل ما لا ينبغي أن يفعل ، يلقي شراشره على مقابح الأمور وينهمك في الاستكثار منها ; وقال الآخر :


                                                          وتلقى عليه كل يوم كريهة     شراشر من حيي نزار وألبب



                                                          الألبب : عروق متصلة بالقلب . يقال : ألقى عليه بنات ألببه إذا أحبه ; وأنشد ابن الأعرابي :

                                                          وما يدري الحريص علام يلقي شراشره أيخطئ أم يصيب والشراشر : الأثقال ، الواحدة شرشرة . يقال : ألقى عليه شراشره أي نفسه حرصا ومحبة ، وقيل : ألقى عليه شراشره أي أثقاله . وشرشر الشيء : قطعه وكل قطعة منه شرشرة . وفي حديث الرؤيا : فيشرشر بشدقه إلى قفاه ; قال أبو عبيد : يعني يقطعه ويشققه ; قال أبو زبيد يصف الأسد :


                                                          يظل مغبا عنده من فرائس     رفات عظام أو غريض مشرشر



                                                          وشرشرة الشيء : تشقيقه وتقطيعه . وشراشر الذنب : ذباذبه . وشرشرته الحية : عضته ، وقيل : الشرشرة أن تعض الشيء ثم تنفضه . وشرشرت الماشية النبات : أكلته أنشد ابن دريد لجبيها الأشجعي :


                                                          فلو أنها طافت بنبت مشرشر     نفى الدق عنه جدبه فهو كالح



                                                          وشرشر السكين واللج : أحدهما على حجر . والشرشور : طائر صغير مثل العصفور ; قال الأصمعي : تسميه أهل الحجاز الشرشور ، وتسميه الأعراب البرقش ، وقيل : هو أغبر على لطافة الحمرة ، وقيل : هو أكبر من العصفور قليلا . والشرشر : نبت . ويقال : [ ص: 55 ] الشرشر بالكسر . والشرشرة : عشبة أصغر من العرفج ولها زهرة صفراء وقضب وورق ضخام غبر ، منبتها السهل تنبت متفسحة كأن أقناءها الحبال طولا ، كقيس الإنسان قائما ، ولها حب كحب الهراس ، وجمعها شرشر ; قال :


                                                          تروى من الأحداث حتى تلاحقت     طرائقه واهتز بالشرشر المكر



                                                          قال أبو حنيفة عن أبي زياد : الشرشر يذهب حبالا على الأرض طولا كما يذهب القطب إلا أنه ليس له شوك يؤذي أحدا ; الليث في ترجمة قسر :

                                                          وشرشر وقسور نصري

                                                          قال الأزهري : فسره الليث ، فقال : والشرشر الكلب ، والقسور الصياد ; قال الأزهري : أخطأ الليث في تفسيره في أشياء ، فمنها قوله : الشرشر الكلب ، وإنما الشرشر نبت معروف قال : وقد رأيته بالبادية تسمن الإبل عليه وتغزر ، وقد ذكره ابن الأعرابي وغيره في أسماء نبوت البادية . ابن الأعرابي : من البقول الشرشر . قال : وقيل للأسدية أو لبعض العرب : ما شجرة أبيك ؟ قال : قطب وشرشر ووطب جشر ; قال : الشرشر خير من الإسليح والعرفج . أبو عمرو : الأشرة واحدها شرير : ما قرب من البحر ، وقيل : الشرير شجر ينبت في البحر ، وقيل : الأشرة البحور ; قال الكميت :


                                                          إذا هو أمسى في عباب أشرة     منيفا على العبرين بالماء أكبدا



                                                          وقال الجعدي :


                                                          سقى بشرير البحر حولا يمده     حلائب قرح ثم أصبح غاديا



                                                          وشواء شرشر : يتقاطر دسمه ، مثل شلشل . وفي الحديث : لا يأتي عليكم عام إلا والذي بعده شر منه . قال ابن الأثير : سئل الحسن عنه فقيل : ما بال زمان عمر بن عبد العزيز بعد زمان الحجاج ؟ فقال : لا بد للناس من تنفيس ، يعني أن الله تعالى ينفس عن عباده وقتا ما ، ويكشف البلاء عنهم حينا . وفي حديث الحجاج : لها كظة تشتر ; قال ابن الأثير : يقال اشتر البعير كاجتر ، وهي الجرة لما يخرجه البعير من جوفه إلى فمه يمضغه ثم يبتلعه ، والجيم والشين من مخرج واحد . وشراشر وشريشر وشرشرة : أسماء . والشرير : موضع ، هو من الجار على سبعة أميال ; قال كثير عزة :


                                                          ديار بأعناء الشرير كأنما     عليهن في أكناف عيقة شيد



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية