الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                439 ص: فإن قالوا: فقد رواه عن عروة أيضا غير الزهري ، وغير هشام ، فذكروا في ذلك ما حدثنا محمد بن الحجاج وربيع المؤذن ، قالا: نا أسد قال: نا ابن لهيعة ، قال: ثنا أبو الأسود ، أنه سمع عروة يذكر عن بسرة، ، عن النبي - عليه السلام - مثله.

                                                قيل لهم: كيف تحتجون في هذا بابن لهيعة ، وأنتم لا تجعلونه حجة لخصمكم فيما يحتج به عليكم؟! قال أبو جعفر رحمه الله: ولم أرد بشيء من ذلك الطعن على أبي عبد الله بن أبي بكر ، ولا على ابن لهيعة ، ولا على غيرهما ولكني أردت بيان ظلم الخصم، فثبت وهاء حديث الزهري بالذي دخل بينه وبين عروة ، ووهاء حديث الزهري أيضا وهشام بالذي بين عروة وبسرة، ؛ ولأن عروة لم يقل ذلك ولم يرفع به رأسا، وقد يسقط الحديث بأقل من هذا.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا إيراد آخر على أهل المقالة الثانية، بيانه: أنكم قد قلتم ما قلتم في الروايات المتقدمة، وها نحن وجدنا رواية أخرى سالمة مما ذكرتم، فذكروا في ذلك ما رواه الطحاوي عن محمد بن الحجاج الحضرمي وربيع بن سليمان المؤذن كلاهما عن أسد بن موسى ، عن عبد الله بن لهيعة ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل المدني ، عن عروة ... إلى آخره، وأجاب عن ذلك بقوله: "قيل لهم ... " إلى آخره وهو ظاهر.

                                                ملخصه: أنكم متى احتججتم بابن لهيعة في هذا، يلزم قلب الموضوع، وهو احتجاجكم بمن كنتم تضعفونه عند كون الحجة عليكم، وهو طلق.

                                                فإن قلت: ابن لهيعة مرضي عند الطحاوي، ولهذا يحتج به في مواضع من كتابه فيكون الحديث صحيحا عنده من هذا الطريق، ويلزمه القول به.

                                                [ ص: 94 ] قلت: لا نسلم أنه يحتج به، بل يذكره في المتابعات، ولئن سلمنا أنه يحتج به وأنه ثقة عنده؛ فالحديث ضعيف لاضطرابه كما ذكرنا، ولكون المدار على عروة في طرق هذا الحديث، وهو لم يرفع به رأسا، وهو معنى قوله: "ولأن عروة لم يقل ذلك ولم يرفع به رأسا، وقد يسقط الحديث بأقل من هذا" بيانه أن هذا أحرى أن يسقط، وبعد التسليم بالكل فالحديث منقطع معنى بمعارضة دليل أقوى منه، فسقط به بيانه: أنه مخالف للكتاب وهو قوله تعالى: فيه رجال يحبون أن يتطهروا فإن الآية نزلت في أهل قباء؛ لأنهم كانوا يستنجون بالماء بعد الاستنجاء بالأحجار فقال لهم النبي - عليه السلام -: إن الله قد أثنى عليكم، فما الذي تصنعون؟ فقالوا: نستنجي بالماء بعد الاستنجاء بالأحجار" فلو جعل المس حدثا لما مدحهم الله تعالى بالماء الذي لا يتصور إلا بمس الفرجين جميعا، ولو كان التطهير الذي مدحهم عليه حدثا لا يكون الاستنجاء تطهيرا؛ إذ التطهير يحصل بزوال الحدث لا بإثباته، أو نقول: أنه محمول على غسل اليدين ليس إلا، كإيراد ذلك في حديث بريدة بن الحصيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مس صنما فليتوضأ".

                                                رواه البزار : فإن أحدا ما أوجب الوضوء من مس الصنم.

                                                فإن قلت: قد قال ابن حبان: وليس المراد من الوضوء غسل اليد؛ وإن كان العرب تسمي غسل اليد وضوءا بدليل ما أخبرنا ... وأسند عن عروة ، عن مروان ، عن بسرة قالت: قال رسول الله - عليه السلام -: "من مس فرجه فليتوضأ وضوءه للصلاة". وأسند أيضا : عن عروة ، عن بسرة قالت: قال رسول الله - عليه السلام -: "من مس فرجه فليعد الوضوء".

                                                قال: والإعادة لا تكون إلا لوضوء للصلاة.

                                                [ ص: 95 ] قلت: أكثر الروايات "فليتوضأ" فقط كما في رواية أبي داود وابن ماجه وغيرهما، وفي رواية الترمذي "فلا يصلي حتى يتوضأ" وكل ذلك يحتمل غسل اليدين كما ذكرناه، ورواية ابن حبان: "وضوءه للصلاة" قيل: إنه مدرج من بعض [1\ق122-أ] الرواة.

                                                ولئن سلمنا أنه غير مدرج، فالجواب عنه ما ذكرنا، وأما قوله: "والإعادة لا تكون إلا لوضوء الصلاة" فغير مسلم؛ لأنه يجوز أن يكون المراد إعادة غسل اليدين للتنظيف طلبا للتنزه.

                                                قوله: "ولم أرد بشيء من ذلك ... " إلى آخره بسط للعذر بأنه إنما ذكر ما ذكره لعدم إنصاف الخصم وتماديه في العسف، لا لأجل الطعن على أحد ، على عبد الله بن أبي بكر، ولا على عبد الله بن لهيعة، ولا على غيرهما من الأئمة، وهذا غاية الإنصاف منه؛ لشدة ورعه، وإظهار أنه بصدد طلب الحق لا لإظهار الهوى والتعصب.




                                                الخدمات العلمية