الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحس بالبعد عن الله تعالى، فكيف أقوي علاقتي به من جديد؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أريد أن أعرف: هل يوجد طريقة أُعوِّدُ بها لساني على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟

أحس أنني أبتعد عن الله أكثر فأكثر، ويومًا بعد يوم، مع أنني محافظة على صلواتي كلها، فكيف أقوي علاقتي به من جديد؟

جزاكم الله خيرًا على مجهوداتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ وئام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وإنا نحمد الله إليك محافظتك على الصلاة، فهذا دليل خير فيك، وسؤالك عن الطريق الذي يقربك من الله سؤال موفق، إذ لا شيء أعظم من تعلّق قلب المؤمن بربّه عز وجل، ولا أمان ولا سعادة ولا هناء إلا بالقرب من الله تعالى، فإن المتعلّق بالله يجد ألطاف الله وكرمه وعنايته في حركاته وسكناته، وهذا لا ينال -أختنا- بالأماني، بل لا بد من الجهد حتى يتعلق القلب ويصفو، قال الله: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، وعليه فبذل الجهد ومجاهدة النفس -خاصة في زماننا هذا الذي كثرت فيه الفتن- هو الطريق لحياة القلب.

أختنا الكريمة: أما عن سؤالك الأول، وهو كيفية تعويد اللسان على الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهي تتطلب منك ثلاثة أمور:
1- التعرف إلى النبي: صفاته وأخلاقه وشمائله؛ حتى تتولد عندك المحبة وتزداد.

2- التعرف إلى فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وتذكير نفسك بها.

3- تخصيص وقت للصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا بأس من وضع عدد ما حتى تلتزمي به، ويمكنك الزيادة بعد ذلك، المهم ألا تشغلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو الذكر عامة عن عمل هام كدراسة، أو أعمال منزل، أو غير ذلك من الأمور الواجبة عليك، ويمكنك كذلك وضع تذكيرات حولك كالجوال والمذياع وغيرها، مما فيها تذكير بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

الاستمرار على هذه الثلاثة سيؤدي إلى اعتياد اللسان على الذكر بإذن الله.

ثانيا: سؤالك عن تقوية علاقتك بالله عز وجل تحتاج منك إلى ما يلي:

1- الطريق لصلاح القلب لا يكون إلا بـ (التحلية والتخلية)، وهما خطان متكاملان لا يستقيم البناء على أحدها وترك الآخر؛ فإن مُزاحَمةُ المَعاصي القلبيَّة للطاعات القلبيَّة تورث الضعف القلبي، وتؤثر على عامل التحلية المرادة، والقرآن الكريم قد بيَّن أنه ليس للعبد قلبان يطيع بأحدهما ويعصي بالآخر؛ قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4]
والمعنى كما قال الإمام القرطبي في تفسيره: "لا يجتمع في القلب الكفرُ والإيمان، والهدى والضلال، والإنابة والإصرار".
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئٍ، ولا يجتمع الصدق والكذب جميعًا في قلب مؤمنٍ، ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعًا»".

وقال العلامة ابن القيم في "روضة المحبِّين ونُزهة المشتاقين" فأنت تجد تحت هذا اللفظ أن القلبَ ليس له إلا وجهةٌ واحدة، إذا مال بها إلى جهةٍ لم يَمِلْ إلى غيرها، وليس للعبد قلبان يطيع الله ويتبع أمره ويتوكل عليه بأحدهما، والآخر لغيره، بل ليس له إلا قلبٌ واحد، فإن لم يُفْرِدْ بالتوكل والمحبة والتقوى لربَّه، وإلا انصرف ذلك إلى غيره". أ.هـ.

وقال كذلك "والله سبحانه لم يجعلْ لرجلٍ مِن قلبين في جوفه، فَبِقَدْرِ ما يدخل القلب مِن همٍّ وإرادة وحب؛ يخرج منه هَمٌّ وإرادة وحب يُقابله، فهو إناءٌ واحدٌ، والأشربةُ مُتعددة، فأي شرابٍ مَلَأَهُ لم يبقَ فيه موضع لغيره، وإنما يمتلئ الإناءُ بأعلى الأشربة إذا صادفه خاليًا، فأما إذا صادفه مُمتلئًا من غيره لم يساكنه حتى يخرجَ ما فيه، ثم يسكن موضعه" وعليه فأول الطريق هو محاصرة المعاصي والابتعاد عنها فإن زلت القدم فالمسارعة إلى التوبة والاستغفار مع الإحسان في الطاعة والإكثار من النافلة.

2- الإكثار بعد الفرائض من النوافل: وهذا سبب عظيم لمحبة الله عز وجل للعبد، وإذا أحبك الله طوع كل الأعضاء لطاعته قال -صلى الله عليه وسلم-: ( يقولُ اللَّهَ تبارك وتعالى: ما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أفضل من أداء ما افترضتُ عليْهِ، وما يزالُ يتقرَّبُ عبدي إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أحبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كنتُ سمعَهُ الَّذي يسمعُ بِهِ وبصرَهُ الَّذي يبصرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يبطشُ بِها ولئن سألني لأعطينَّهُ ولئنِ دعاني لأجيبنه ولئن استعاذَني لأعيذنَّهُ) والنوافل كثيرة منها: الصلاة، وقراءة القرآن، والصيام، وذكر الله، فهي متنوعة وتستطيعين أن تعمري وقتك بتلك الطاعات.

3-الصحبة الصالحة: فالمرء على دين خليله هكذا علمنا الإسلام، الصحبة الصالحة معين لك على الطاعة، والفاسدة عياذًا بالله معوقة للطاعة مقربة من المعصية، ولهذا نريد منك بارك الله فيك التقرب إلى بعض الأخوات الصالحات، والاستعانة بهن على الطاعة، والابتعاد عن كل أخت تقربك من المعصية أو تصرفك عن الطاعة، فالصحبة من أهم العوامل التي تؤثر على صلاح النفس أو فسادها.

4- طلب العلم: إن طلب العلم الشرعي عبادة يتقرب بها العبد إلى الله، والله عز وجل يرفع أهل العلم: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

فاجتهدي في تخصيص وقت لطلب العلم، أو السماع إلى المحاضرات، أو حضور بعض المحاضرات، المهم أن يكون ذلك بعلم الأهل، وألا يشغلك ذلك عن واجب آخر عليك.

5-الدعاء: من الوسائل الهامة كذلك: كثرة الدعاء لله عز وجل أن يرزقك القلب المطمئن والإيمان الصادق، فإن كثرة الدعاء تشعرك بالقرب من الله تعالى كما قال جل شأنه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وسبب نزول هذه الآية أن بعض الصحابة قالوا للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "يا رسول الله، أقريب ربّنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟"، فبيَّنت الآية الكريمة أنّ الله -تعالى- قريب، ورقيب، وشهيد، يعلم ما يُسرّ الداعي في صَدره، وما يُعلن، فيُجيبه، ويُعطيه.

هذه بعض المعينات فاستعيني الله بها، واستمري على الطاعة ولا ترهقي نفسك بكثرة الأعمال في البداية، فإن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، واستعيني كذلك بعد الله بالتقرب إلى أهلك، وخاصة والديك، أحسني إليهما قدر جهدك، واطلبي منهما الدعاء لك، وإنا نسأل الله الكريم أن يرزقك الصلاح، وأن يبارك في عمرك، وأن يحفظك بحفظه، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً