الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخشى على ابنتي من التأثر بخلافاتنا الزوجية، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم

أنا متزوجة منذ 12 سنة، وأنا وزوجي نحاول الاجتهاد في ديننا، وتربية طفلتنا الوحيدة، ذات الثماني سنوات، في ما يرضي الله.

لا أدري ما الذي يقع لنا منذ بداية علاقتنا من مخاصمات على أشياء تافهة، تأخذ حجماً ضخماً؛ مما يؤدي إلى حياة منكدة مليئة بالمشاكل، لا سيما وزوجي لا يحرص على كتم ما يقع بيننا، فغضبه شديد، ولا يعرف حدوداً، فهو يصير عنيفاً، وبذيء اللسان أمام بنتنا، وكثيراً ما يهجر المنزل لأيام عديدة، ويهدد بالطلاق، وحاول العديد من أعضاء العائلة التدخل، لكنه يعطيهم صورة خاطئة عني، وينسب إلي كل الأخطاء، ليظهر أنه بريء، وأني الظالمة.

حاولت مراجعة نفسي، وتغيير ما يزعجه، لكن عند تراجعي عن شيء يطلب مني شيئاً آخر، ولا شيء يرضيه، صار حتى حديثي معه يزعجه.

تمر الأيام ثم يتقلب مزاجه، فيأتي ليراضيني، ويقول لا تكثري الكلام وقت غضبه، وبأن الشيطان هو الذي يريد أن يفرق بيننا، ولكنه لا يقبل الاعتراف بأخطائه، فهو عندما يأتيني مسالماً لا يتقبل مني أن أناقشه، وأنصحه بالتستر وقت الغضب، وألا يدخل طفلتنا في مشاكلنا.

مع مرور كل هذه السنين صرت متقبلة لهذا الحال، أستخير الله، وأكل أمري له، لكن ابنتي أصبحت تفهم ما يقع، وتتدخل للصلح بيننا، وتطلب منا ألا نفترق، لأنها تسمع أباها يتحدث عن الطلاق، وتصبح خائفة عند ارتفاع الأصوات، وتبكي وتتوسل لأبيها ألا يهجر البيت!

هذا الذي يحدث يحز في قلبي! ومظهر هذه الطفلة الصغيرة التي تحملت ما لا طاقة لها به قبل أوانها، فرغم أننا لا نقصر في أي شيء تجاهها، إلا أن هذا الخصام المستمر لا شك أنه يؤثر سلباً عليها، وأخاف من تداعياته المستقبلية لديها.

أحاول دائماً أن أطمئنها، وأشرح لها أن هذا خطأ، ولا ينبغي علينا إقحامها في المشاكل، ولكنها دائماً معنا، وعندما يتركنا أبوها لم يعد لي ما أفسر لها به تصرفاته، فنحن ننصحها بالحلم والصبر، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس، ولا ترى في الحقيقة أي تطبيق لهذه القيم في أسرتنا، فأخشى زعزعة عقيدتها عند كبرها.

أحس أني عاجزة تمام العجز عن تغيير هذا النمط الذي أصبحنا عليه، فصرنا نعيش على مزاج زوجي، عندما يكون راضياً مرتاحاً يعاملنا كالأميرات، وعندما يتقلب مزاجه تسود حياتنا، ويتركنا وحيدتين، ولا يسأل عنا، ولا يفتح معنا هاتفه.

أحاول إدخال البهجة على طفلتي رغم كآبتي، ولكن لا أستطيع القيام بعدة أشياء، حرصاً منا على حفظ نفسي وماله في غيابه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ س حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت به، فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولاً: دعينا ابتداءً أن نضع قاعدتين، ثم بعد ذلك نجيبك على سؤالك مباشرةً:

القاعدة الأولى: اعلمي -أيتها الكريمة- أن أكثر البيوت الزوجية سعادةً ما كانت الأخطاء فيها محصورة، فالأصل وجود مشاكل وخلافات ومنغصات، والمطلوب ليس محو الأخطاء؛ لأن هذا محال، بل المطلوب منا تعلم فن إدارة الخلاف؛ لأن هذا هو المقدور عليه.

اعلمي -أيتها المباركة- أنه لو كان ثمة بيت يصح ألا تكون فيه مشكلة لكان بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن هذا لم يحدث، وقد ذكرت لنا الأحاديث والسير الكثير من المشاكل التي وقعت في بيته -صلى الله عليه وسلم-، وكيف عالجها بحكمته.

القاعدة الثانية: أن الحكم في البيت المستقر على المجموع على جميع ما يحدث فيه، وهذا يعني أن من كثر خيره، وقل غلطه، فهذا هو المرجو، وقد منحكم الله في هذا البيت خصالاً جيدةً منها:

- الاتفاق على التدين كأصل في البيت.
- المحافظة على عبادتكم وتقربكم من الله عز وجل.
- التفهم على أغلب الحياة الزوجية، والتعايش مع الخلافات إلا في القليل النادر، وخاصةً عند الغضب.

هذا يدل على أن البيت مثالي لحياة طيبة رغم ما فيه من كدر، نسأل الله أن يذهب الهم الذي فيه، وأن ينعم عليكم بالخير فيه.

ثانياً: رجوع الزوج بعد ذهاب الغضب دال على خير فيه، ودال على محاسبته نفسه، ودال على أنه يريد مثلك الاستقرار في البيت والهدوء فيه، لكن غلبته نفسه والشيطان؛ لذا ننصحك -أختنا- بالاقتراب منه أكثر، وتفهم ما يعانيه من انفلات اللسان عند الغضب، ونوصيك بعدة أمور:

1- العناد لن يجلب لك الراحة، بل نتيجته العقاب بالصمت، أو الخروج من البيت، أو التهديد بالطلاق، وإذا كانت القاعدة أن دفع المضرة الأكبر مقدم على دفع الأصغر، فنرجو عند الغضب خاصةً الابتعاد عن العناد.

2- كثرة الإحسان منك إليه محض فضل الله عليك، وهو أجر لك، وزاد بين يدي الله سبحانه، واعلمي أنه حتماً سيقابل ذلك بالإحسان إليك، ولو بعد حين، فالرجل الذي يراك تكرمينه عند الغضب خاصةً؛ سيدفعه ذلك إلى التحكم رويداً رويداً في لسانه.

3- إننا نريد منك تعميق فكرة الحوار، والاجتهاد في أخذ عهد منه أثناء هدوء أعصابه بأن لا يكون التشاجر أمام البنت مطلقاً، وألا يكون العقاب بترك البيت، واحرصي أن تدعميه في هذا الجانب، فإن زلت قدمه مرةً فتجاهليها، وحين يعود إلى صوابه ذكريه، وادعمي فيه كل تغير إيجابي.

4- اجلسي مع ابنتك وأخبريها أن الحياة مستقرة، وأن الوالد حين يغضب يقول ما لا يعتقد، وأنه يعود سريعاً إلى هدوئه، وما كان عليه من خير، فاطمئني واهدئي. إخبار البنت بهذا أمر جيد في هذا السن.

5- كذلك نوصيك بالمحافظة على الأذكار، وخاصةً أذكار الصباح والمساء والنوم، وقراءة سورة البقرة كاملةً كل ليلة، أو على الأقل الاستماع إليها؛ فإن هذا من الحفظ لك ولبيتك.

نحن نسأل الله أن يصلح زوجك، وأن يهديكم، وأن يوفقكم لكل خير، والله المستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً