الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نهتم بتربية الشباب فهل أنا شديد في تعاملي معهم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أرجو عرض الاستشارة على الشيخ الفاضل موافي عزب -حفظه الله-.

نحن مجموعة من الشباب، نعمل على تربية بعض الشباب الصغار من المراهقين، من مدة ليست بالقليلة؛ فبعضهم له معنا سبع سنين. وهذا العمل هو مجرد تطوع منا لا نأخذ عليه أجراً، وحتى المراهقين أنفسهم أتوا بمحض إرادتهم، فنحن في المسجد الذي ندرس فيه لا نأخذ رسوماً مقابل تربيتهم، لكن وللأسف في الآونة الأخيرة ومع تفتح العالم على الإنترنت خصوصاً موقع الفيس بوك، بدأت أرى تراجعاً منهم أو انكشافاً لي عن حقيقتهم.

أعلم أنّ عليّ بلاغ دعوة الله وإرشاد هؤلاء الشباب لما فيه خيري الدنيا والآخرة، والهداية متروكة لله سبحانه، لكن لمّا أصرف وأفرغ من وقتي من أجل تحضير الدرس أو من أجل النشاطات والرحلات التي نرتبها لهم، وأرى استخفافاً بأوامر الله وبعداً عنه؛ فهذا ممّا يؤلم القلب، بل ويدفعني للكسل، لا أدّعِ العصمة لكن لا أجاهر بمعصية الله إن وقعت مني –وتقع بالتأكيد- ولا آتي الناس بوجهين هؤلاء بوجه المهتم بشريعة الله، ثم ألق هؤلاء بوجه آخر تماماً، كما هو حال كثير من هؤلاء الشباب؛ فالفيس بوك بتعليقاتهم ومشاركاتهم بيّن لي كثيراً من حقيقة الشباب أو أنه استهواهم فتراجعوا.

مع التنبيه على أن لدينا منهجا عاما في تقديم النصيحة بالعموم ولا نواجه أحداً بمعصيته بشكل مبدئي وإذا لم يستفد من النصيحة العامة فبعدها من الممكن أن يُتكلم معه بشكل فردي بقدر بالغ من السرية، كما ذكرتم في استشارة نصحتمونا بها برقم 2130302هذا عموماً ما يؤلمني من شأن الشباب.

وأنا مؤخراً صرت شديداً على عدد منهم ممن وصفتهم لكم لعلها تؤتي أُكًلا على عكس اللين الذي نحن عليه من مدة، بل الإخوة الذين معي يرون يغلب عليهم اللين، والشدة في تعليقاتي أو كلماتي تكون أيضا بالعموم ولا أخص أحداً. فأحد إخوتي انتقدني في هذا الذي أعمله، فأحببت أنا أسأل عن شرعية شدتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك – مرة أخرى - في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يجزيك عن هؤلاء الشباب خيرًا، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعل باطنك خيرًا من ظاهرك، وأن يجعلك من المربين المتميزين، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتك، وأن يعينك على الصبر والتحمل، وأن يشرح صدرك لتربية هؤلاء والصبر على أذاهم، وأن يجعل ذلك كله خالصًا لوجه الكريم.

بخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم الفاضل – عبد الرحمن، فنحن نرحب بك مرة أخرى ونرحب بك مرات ومرات في أي فترة وفي أي وقت؛ لأننا نسعد بأمثالك ممن يقدمون خدمة الإسلام والمسلمين على مصالح أنفسهم.

لكنك وكما لا يخفى عليك أن سياسة الناس ليس بالأمر الهين أخي الكريم عبد الرحمن، فسياسة الناس أمر عظيم جدًّا، ولذلك اختار الله لتغيير واقع الناس خيرة خلقه، وصفوة عباده، وهم الرسل والأنبياء، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء) يعني كانت ساستهم وقادتهم من الأنبياء؛ لأن تغيير الواقع ليس بالأمر الهين، من السهل عليك أن تغيّر ديكور بيتك، أو تغير لون ملابسك، أو تغير ترتيب غرفة نومك، بل وأن تهدم بنيانًا قائمًا وأن تقيم مكانه أفضل منه، أما تغيير سلوك الناس وتصرفاتهم فهذا أمر في غاية الصعوبة، والشباب كما تعلم هم يعيشون فترة تردد وقلق وعدم استقرار، ودائمًا يبهرهم الشيء الجديد والغريب، خاصة إذا كان يتعلق بجانب الشهوات، وهذا شيء طبيعي في معظم الشباب بصرف النظر عن كونهم يعيشون في بلاد الإسلام أو خارج بلاد الإسلام.

من هنا فإني أقول لك: على رسلك أخي الكريم (أبا عوف)؛ لأن الذي تفعله ليس أمرًا هينًا، فأنت تقوم بإحياء رسالة الأنبياء والمرسلين والسير على خطى سيد الأنبياء والمرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم – وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، أو من الشبهات والشهوات إلى صراط الله المستقيم، ليس بالأمر الهين، فمسألة الشدة لعلها لا تكون هي الأسلوب الأنجع أو الأشد إلا إذا انتهكت محارم الله تعالى، ولك في رسول الله - صلى الله عليه وسلم – الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة، وكان لا يغضب إلا إذا انتهكت محارم الله تعالى، وكان لا يأثر لنفسه قط، وأحيانًا قد تختلط الأوراق علينا – أخي الكريم عبد الرحمن – فنثأر لأنفسنا ونحن نظن أننا نثأر لله تعالى، وهذا أمر يلبسه الشيطان على كثير من طلبة العلم والدعاة، فما بالك بشاب مثلك أو برجل مثلي، ونسأل الله السلامة والعافية.

عليه فإني أقول: واصل عملية التذكير والنصيحة، ولكن أوصيك بمحاولة الحوار والإقناع، فإن الأولاد في مثل هذه السن ليسوا كالأطفال الصغار الذين تأمرهم أن يسيروا شمالاً يسيرون أو يمينًا يسيرون، وإنما هم يحللون كلامك الآن ويفاضلون بينه وبين غيره، وقد يتركونه فترة مع قناعتهم بأنه الحق والصواب، ولذلك اجلس مع هؤلاء الذين عرفت أنهم يدخلون إلى هذه الأجهزة، وحاول أن تتكلم معهم، وأن تبيّن لهم ببساطة ما هي الفوائد المرجوة من ضياع الوقت في مثل هذه الأشياء؟ وهل هذا أفضل أم العلاقة مع الله تعالى؟ وهل هذه الأمور ستؤدي إلى زيادة الإيمان وإلى تحسن المستوى العلمي وإلى تقدم الإنسان في حياته أم أنها ستضره؟ وماذا سيقول لله تبارك وتعالى عن هذه الأوقات التي تضيع بلا فائدة ولا جدوى؟

حاول بارك الله فيك أن تبسط لهم المعلومة، وأن تصبر عليهم، وأن تتحاور معهم، لأن تحاورك هذا يجعل المعلومة تصل إليهم بقناعة، وإذا اقتنعوا بشيء فمن الصعب أن يتخلوا عنه. لا تتردد في مسيرتك، ولا تتوقف عن عملك الصالح، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – كان عمله ديمة، وكان أحب الأعمال إليه أدومه وإن قل، فاستعن بالله تعالى، وكلما تسرب اليأس إلى قلبك، أو بدأ الشيطان يحاول أن يصرفك عن هذا الخير فتذكر أن هناك أنبياء يأتون يوم القيامة وليس معهم أحد استجاب لدعوتهم، وهناك النبي الذي يأتي معه الرجل والرجلين، وهناك النبي الذي يأتي معه الثلاثة والأربعة، والذي معه الرهط والرهيط، ويكفينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (ويأتي النبي ولا أحد معه) فاجتهد وواصل بارك الله فيك ما أنت فيه من الخير، ولا تتوقف، لأن توقفك معناه أنك تكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا، فعليك بطاعة الله تعالى، وأن تكون قدوة حسنة وأسوة صالحة لهؤلاء الشباب، ولا تجعل هذه السلبيات التي وردت تحول بينك وبين مواصلة الدعوة والرسالة، ولكن أوصيك بالهدوء والحلم والأناة وسعة الصدر، ولا تتعجل النتائج، وما أنت عليه خير بإذن الله تعالى، ولكن كما ذكرت حلل الكلام، حلل الموضوعات، حاول أن تقنعهم بوجهة نظرك بأسلوب رقيق وأسلوب طيب وأسلوب هادئ، أظهر لهم أنك تحبهم، وأنك في مقام أبيهم وأحن عليهم من أمهم. حاول أن تحتويهم بالحنان والعطف، واحرص على أن تكون مصدر ثقة لديهم جميعًا، حتى وإن كانت لديك زلات أو هنات فكما ذكرت هذه بينك وبين الله ولكن إياك ثم إياك أن تطفو على السطح لأنها ستعكر الصفو وسوف تكدر الخاطر وتصرف الناس عنك.

عليك بالدعاء لهم بالهداية، والدعاء لنفسك أن يقبل الله منك، وأن يثبتك، لأن العمل الذي تقوم به أخي الكريم (عبد الرحمن) حقيقة ليس بالعمل الهين، ولا بالعمل البسيط، وإنما هو عمل كبير وخلاق ورائع، ولذلك يحرص الشيطان أن يحرمك من أن تقطف الثمار بنفسك، أو أن تسعد بها عندما يراك وأنت مُقبل على ذلك.

أسأل الله أن يبارك فيك وفي وقتك وجهدك، وأن يشرح صدرك لكل خير، وأن يثبتك على الحق، وأن يرزقك الحلم والأناة، وأن تظل دائمًا معينًا لهؤلاء الشباب على الاستقامة على الدين، وأن يجزيك خير الجزاء.
هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً