[ 1362 ] أخبرنا حدثنا أبو عبد الله الحافظ ، أبو سعيد أحمد بن محمد بن عمرو الأحمسي [ ص: 25 ] من أصل كتابه ، حدثنا الحسين بن حميد بن الربيع اللخمي ، حدثنا حدثنا أبو غسان مالك بن [ ص: 26 ] إسماعيل النهدي ، جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي ، حدثني رجل ، بمكة ، عن [ ص: 27 ] ابن لأبي هالة التميمي ، عن قال : سألت خالي الحسن بن علي ، هند بن أبي هالة وكان وصافا [ ص: 28 ] عن حلية النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أشتهي أن يصف لي شيئا منها أتعلق به ، قال :
قال : قلت : صف لي منطقه .
قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان ، طويل الفكرة ، ليس له راحة لا يتكلم في غير حاجة ، طويل السكوت ، يفتح كلامه ويختمه بأشداقه ، يتكلم بجوامع الكلم ، فصل لا فضول ولا تقصير ، دمث ليس بالجافي ولا المهين ، يعظم النعمة ، وإن دقت ، لا يذم منها شيئا لا يذم ذواقا ، ولا يمدحه " . " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع ، وأقصر من المشذب ، عظيم الهامة ، رجل الشعر ، إن انفرقت عقيصته فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن ، بينهما عرق يدره الغضب ، أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم كث اللحية سهل الخدين ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان دقيق المسربة ، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة ، معتدل الخلق ، بادنا متماسكا ، سواء البطن والصدر ، عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس أنور المتجرد ، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك ، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر ، طويل الزندين ، رحب الراحة سبط القصب شثن الكفين والقدمين ، سائل الأطراف ، خمصان الأخمصين ، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال قلعا يخطو تكفيا ويمشي هونا ، ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب ، وإذا التفت التفت جميعا ، خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى [ ص: 29 ] السماء ، جل نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه يبدر من لقيه بالسلام .
وفي رواية غيره : " لم يكن ذواقا ، ولا مدحة ولا تغضبه الدنيا ، وما كان لها وإذا تعوطي الحق ، لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ، إذا أشار أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها ، وإذا تحدث اتصل بها فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى ، وإذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم ، ويفتر عن مثل حب الغمام " .
قال : فكتمتها الحسين زمانا ، ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه فسأله كما سألته ، ووجدته قد سأل أباه ، عن مدخله ومجلسه ومخرجه ومسلكه ، فلم يدع منه شيئا .
قال : الحسين :
قال : وسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه ؟
فقال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ولا يفرقهم - ، أو قال : ينفرهم شك - يكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ، ولا خلقه ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس ويحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهيه ، معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا ، لكل حال عنده عتاد ، ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه ، الذين يلونه من الناس خيارهم ، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة " . أبو غسان
قال : فسألته عن مجلسه .
فقال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر ولا يؤطن الأماكن وينهى عن إيطانها ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر بذلك ، ويعطي كل جلسائه بنصيبه ، ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه ، من جالسه [ ص: 31 ] أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول ، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء ، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ، ولا توبن فيه الحرم ، ولا تنثى فلتاته متعادلين ، يتفاضلون فيه بالتقوى متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ويحوطون - أو قال : يحفظون - فيه الغريب " .
قال : قلت : كيف كانت سيرته في جلسائه ؟
قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي ولا يوئس منه ولا يخيب فيه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والإكثار ، وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحدا ولا يعيره ، ولا يطلب عورته [ ص: 32 ] ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه ، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤسهم الطير ، وإذا سكت تكلموا ، ولا يتنازعون عنده من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ ، حديثهم عنده حديث أولهم ، يضحك مما يضحكون ، ويتعجب مما يتعجبون منه ، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته حتى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم ، ويقول : إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ ولا يقطع عن أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام " .
قال : قلت : كيف كان سكوته ؟ قال : " كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أربع الحلم والحذر والتقدير والتفكر .
فأما تقديره ففي تسويته النظر والاستماع من الناس .
وأما تفكيره - أو قال تفكره - ففيما يبقى ويفنى وجمع له الحلم والصبر ، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه .
وجمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسنى ليقتدى به ، وتركه القبيح لينتهى عنه واجتهاده في الرأي فيما هو أصلح لأمته ، والقيام لهم فيما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة " . سألت أبي ، عن دخول النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك ، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزءا لله وجزءا لأهله وجزءا لنفسه ، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس ، فيرد ذلك على العامة بالخاصة ، ولا يدخر - أو قال لا يدخر عنهم شيئا - وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألتهم عنه وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول لهم : ليبلغ الشاهد منكم الغائب وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي بحاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه [ ص: 30 ] ثبت الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون روادا ولا يتفرقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة .