فصل في بيان كبائر الذنوب وصغائرها وفواحشها  
قال الله عز وجل : ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن   ) . 
وقال : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم   ) . 
وقال : ( الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم   ) . 
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في عدد الكبائر ما :  [ ص: 450 ] 
[  280  ] أخبرنا  أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي ،  أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عثمان الأدمي ،  حدثنا  أبو إسماعيل الترمذي ،  حدثنا الأويسي ،  حدثنا  سليمان بن بلال  ، عن ثور بن زيد ،  عن أبي الغيث ، عن  أبي هريرة  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  " اجتنبوا السبع الموبقات " . قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : " الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات "   . 
رواه  البخاري  في الصحيح ، عن  عبد العزيز بن عبد الله الأويسي .  وأخرجه  مسلم  من وجه آخر ، عن سليمان   [ ص: 451 ] 
قال  الإمام أحمد  رحمه الله تعالى : " وليس في تقييده ذلك بالسبع منع الزيادة عليهن ، وإنما فيه تأكيد اجتنابهن ، ثم قد ضم إليهن غيرهن " . 
روينا عن  عبيد بن عمير  ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم :  " الكبائر تسع   " ، فذكرهن وذكر معهن عقوق الوالدين واستحلال البيت الحرام " . 
وفي الحديث الثابت ، عن  أنس بن مالك  رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر فقال : " الشرك بالله ، وقتل النفس وعقوق الوالدين   " . وقال :  " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر : قول الزور - أو قال - شهادة الزور بدل " قول الزور " .  
وروي في الحديث الثابت ، عن  عبد الله بن عمرو  قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما الكبائر ؟ قال : " الإشراك بالله " . قال : ثم ماذا ؟ قال : " عقوق الوالدين " . قال : ثم ماذا ؟ قال : " اليمين الغموس " .  
وفي الحديث الثابت ، عن  عبد الله بن عمرو  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  " من الكبائر شتم الرجل والديه " . قالوا يا رسول الله : وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال : " نعم ، يسب أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه   " .  [ ص: 452 ] 
وفي الحديث الثابت ، عن  عبد الله بن مسعود  قال : 
قلت : يا رسول الله ، أي الذنوب أعظم عند الله عز وجل ؟ قال : " أن تجعل لله ندا ، وهو خلقك " قلت : ثم ماذا ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم " . قلت : ثم ماذا ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " .  
وفي الحديث الثابت ، عن  عبادة بن الصامت ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصبة من أصحابه : " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان ، ولا تعصوا في معروف "   . 
وقد ورد في الكتاب تحريم الميتة ، والدم ولحم الخنزير ، وسائر ما ذكر معهما ، وورد فيه تحريم الخمر والميسر ، وورد فيه تحريم أكل مال اليتيم ، وتحريم أكل الأموال بالباطل ، وتحريم قتل النفس ، وتحريم الزنا ، والسرقة ، وغير ذلك وهو في مواضعه مذكور " . 
وورد في السنة حديث  جابر بن عبد الله  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم " ليس بين العبد وبين الشرك إلا ترك الصلاة "  . 
وإنما أراد والله أعلم تخصيص الصلاة بوجوب القتل بتركها " وقد أورد  الحليمي  رحمه الله بعض ما أوردناه ، ثم قال : " وإذا تتبع ما في الكتاب والسنة من المحرمات كثر ، وإنما أوردنا هذا لنبين الصغائر والكبائر بيانا حاويا نأتي به على ما نحتاج إليه في هذا الباب بإذن الله ،  [ ص: 453 ] فنقول : قتل النفس بغير حق كبيرة ،  فإن كان المقتول : أبا ، أو ابنا ، أو ذا رحم من الجملة ، أو أجنبيا متحرما بالحرم ، وبالشهر الحرام فهو فاحشة . 
وأما الخدشة ، والضربة بالعصا مرة أو مرتين فمن الصغائر .  
والزنا كبيرة فإن كان بحليلة الجار ، أو بذات محرم ، أولا بواحدة من هاتين ولكن يأتيه في شهر رمضان ، أو في البلد الحرام فهو فاحشة   . 
قال الله عز وجل : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم   ) . 
وأما ما دون الزنا الموجب للحد فإنه من الصغائر ،  فإن كان مع امرأة الأب ، أو حليلة الابن ، أو مع أجنبية ، أثم لكن على سبيل القهر والإكراه كان كبيرة ، وقذف المحصنات كبيرة ، وإن كانت المقذوفة أما ، أو أختا ، أو امرأة زانية كان فاحشة . 
وقذف الصغيرة والمملوكة ، والحرة المتهتكة من الصغائر ،  وكذلك القذف بالخيانة ، والكذب والسرقة . 
والفرار من الزحف كبيرة ،  فإن كان من واحد أو اثنين ضعيفين ، وهو أقوى منهما أو اثنين حملا عليه بلا سلاح ، وهو شاك السلاح فذلك فاحشة ، وعقوق الوالدين كبيرة فإن كان مع العقوق سب أو شتم أو ضرب فهو فاحشة ، وإن كان العقوق بالاستثقال لأمرهما ونهيهما والعبوس في وجوههما ، والتبرم بهما مع بذل الطاعة ولزوم الصمت فهذا من الصغائر ، فإن كان ما يأتيه من ذلك يلجئهما إلى أن ينقبضا عنه فلا يأمرانه ، ولا ينهيانه ، ويلحقهما من ذلك ضرر ، فهذا كبيرة . 
والسرقة من الكبائر ،  وأما أخذ المال في قطع الطريق فاحشة ، ولذلك تقطع يد السارق ، وتقطع يد المحارب ، ورجله من خلاف ،  [ ص: 454 ] وقتل النفس في قطع الطريق فاحشة ،  ولذلك لا يعمل عفو الوالي عنه إذا قدر عليه قبل التوبة . 
وسرقة الشيء التافه صغيرة ، فإن كان المسروق منه مسكينا لا غنى به عما أخذ منه فذلك كبيرة ، وإن لم يكن على السارق الحد . 
وأخذ أموال الناس بغير حق كبيرة  فإن كان المأخوذ ماله مفتقرا ، أو كان أبا الآخذ أو أمه ، أو كان الآخذ بالاستكراه والقهر فهو فاحشة ، وكذلك إن كان على سبيل القمار ، فإن كان المأخوذ شيئا تافها ، والمأخوذ منه غنيا ، لا يتبين عليه من ذلك ضرر فذلك صغيرة . 
وشرب الخمر من الكبائر  فإن استكثر الشارب منه حتى سكر ، أو جاهر به فذلك من الفواحش فإن مزج خمرا بمثلها من الماء فذهبت شرتها وشدتها فذلك من الصغار . 
وترك الصلاة من الكبائر  فإن صار عادة فهو من الفواحش فإن كان أقامها ، ولم يؤتها حقها من الخشوع لكنه التفت فيها ، أو فرقع أصابعه ، أو استمع إلى حديث الناس ، أو سوى الحصى ، أو أكثر من مس الحصى من غير عذر فذلك من الكبائر ، فإن اتخذه عادة فهو من الفواحش . 
وإن ترك إتيان الجماعة لغيرها فهو من الصغائر  فإن اتخذ ذلك عادة ، وقصد به مباينة الجماعة ، والانفراد عنهم فذلك كبيرة ، وإن اتفق على ذلك أهل قرية ، أو أهل بلد فهو من الفواحش . 
ومنع الزكاة كبيرة ورد السائل صغيرة  فإن اجتمع على منعه ، أو كان المنع من واحد إلا أنه زاد على المنع الانتهار ، والإغلاظ فذلك كبيرة ، وهكذا إن أتى محتاج رجلا موسعا على الطعام فرآه فتاقت إليه نفسه فسأله منه فرده فذلك كبيرة "  [ ص: 455 ] 
قال : " والأصل في هذا الباب أن كل محرم بعينه منهي عنه لمعنى في نفسه ، فإن تعاطيه كبيرة ، وتعاطيه على وجه يجمع وجهين ، أو أوجها من التحريم فاحشة ، وتعاطيه على وجه يقصر به عن رتبة المنصوص ، أو تعاطي ما دون المنصوص الذي لا يستوفي معنى المنصوص ، أو تعاطي المنصوص الذي نهى عنه لأن لا يكون ذريعة إلى غيره فهذا كله من الصغائر  [ ص: 456 ] 
وتعاطي الصغير على وجه يجمع وجهين ، أو أوجها من التحريم كبيرة ، ومثال ذلك موجود فيما مضى ذكره ، وأعاده هاهنا وزاد فيما ذكره من الذريعة أن يدل رجلا على مطلوب ليقتل ظلما ، أو يحضره سكينا وهذا يحرم لقوله : ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان   ) . 
لكنه من الصغائر ؛ لأن النهي عنه لئلا يكون ذريعة للظالم إلى التمكن من ظلمه ، وكذلك سؤال الرجل لغيره الذي لا يلزمه طاعة أن يقتل آخر ليس من الكبائر ؛ لأنه ليس فيه إلا إرادة هلاكه من غير أن يكون معها فعل والله أعلم . 
قال  البيهقي  رحمه الله : " وقد نجد اسم الفاحشة واقعا على الزنا ، وإن لم ينضم إليه زيادة حرمة ، لكنه لما رأى الله عز وجل فرق بين الكبائر ، والفواحش في الذكر فرق هو أيضا بينهما فكل ما كان أفحش ذكرا جعله زائدا على الكبيرة والله أعلم " وقد فسر  مقاتل بن سليمان  الكبائر : " بكل ذنب ختم بالنار ، والفواحش ما يقام فيه الحد في الدنيا " .  
ودل كلام  الحليمي  رحمه الله وغيره من الأئمة على أن الإصرار على الصغيرة كبيرة ،  وقد وردت أخبار وحكايات في التحريض على اجتناب الصغائر خوفا من الإصرار عليها فتصير من الكبائر . 
				
						
						
