وإني وإن أوعدته أو وعدته سأخلف إيعادي ، وأنجز موعدي
قال رحمه الله : " فإن قيل : فقد قال الله تعالى : ( البيهقي ومن يعص الله ورسوله ، ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها ) قيل : هكذا نقول الحدود اسم جمع ، وإنما يصير متعديا لحدود الله تعالى أجمع بترك الإيمان ، وتارك الإيمان مخلد في النار .فإن قيل قد قال : ( وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين ) قيل : وقد قال : ( إن الأبرار لفي نعيم ) .
والفاسق المؤمن بر بإيمانه .
فإن قيل : ليس برا مطلقا .
قيل : وكذلك ليس بفاجر مطلقا .
فإن قيل : فجوره أحبط إيمانه .
قيل : ليس الفصل بين هذا القول ، وبين من يقول : من المرجئة أن إيمانه أحبط فجوره ، فدل أنه أراد بالفجار الذين قابل بينهم ، وبين الأبرار الكفار ؛ لأن وكذلك رأس البر الإيمان ، والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه قول الله عز وجل : ( رأس الفجور الكفر ، إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) [ ص: 473 ]
وقوله : ( لا أضيع عمل عامل منكم ) .
وقوله : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة ، وإن تك حسنة يضاعفها ، ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) .
وقوله : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) .
وقوله : ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ) .
وقوله : ( فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير ) .
وقوله : ( وعد الله المؤمنين ، والمؤمنات ) .
وقوله : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) فهذه الآيات وما ورد في معناها كلها تدل على أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا ، وأحسن الأعمال الإيمان بالله وبرسوله .
ولأنا وجدنا الله عز وجل وعد على الطاعات ثوابا ، وعلى المعاصي عقابا فليس لأحد أن يقول يرى ما عمل من المعاصي دون ما عمل من الطاعات ، وقد عملهما جميعا إلا ولآخر أن يعكس ذلك فلا يجد القائل بذلك فضلا ، ولأنا قد أجمعنا على حصول طاعاته ، واختلفنا في زوال حكمها فلا يرفع حكم ما تيقناه من حصول الطاعات بمعصية لا تنفيها ولا تضادها . ومن قال بتخليد المؤمن في النار كان قد أضاع أجر عمله ، ولم يجعل له عوضا ،
فإن ما للظالمين من حميم ، ولا شفيع يطاع ) [ ص: 474 ] احتجوا في إبطال الشفاعة بقوله عز وجل : (
فالظالمون هاهنا هم الكافرون ، ويشهد لذلك مفتتح الآية إذ هي في ذكر الكافرين ، فإن احتجوا بقوله : ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) .
قيل : هذا دليلنا ؛ لأن الفاسق مرتضى بإيمانه قال الله عز وجل : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) .
واصطفينا وارتضينا واحد في اللسان ، ثم قال : ( فمنهم ظالم لنفسه ) أي من المصطفين ظالم لنفسه ، والظلم هو الفسق فأخبر أن فيهم ظالما ، وقال في قصة يونس ( إني كنت من الظالمين ) .
وقد روينا من أوجه ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) الآية ، قال : " كلهم في الجنة " ، وهو في الجزء السابع من كتاب البعث مذكور بشواهده . عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (
وقيل : معناه ( إلا من ارتضى ) أن يشفعوا له كما قال : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) .
قال الحليمي رحمه الله : " ولا تحتمل الآية غير ذلك ؛ لأن المرتضين عند الله لا يحتاجون إلى شفاعة ملك ، ولا نبي فصح أن المعنى ما قلناه ، ولا يجوز أن يقال إن الله لا يرتضي أن يشفع لصاحب الكبيرة ؛ لأن المذنب هو الذي يحتاج إلى الشفاعة ، فكلما كان ذنبه أكبر كان إلى الشفاعة أحوج ، فكيف يجوز أن يكون اشتداد حاجته إلى الشفاعة حائلا بينه ، وبين الشفاعة ، وليس امتناع الشفاعة للكافرين ؛ لأن ذنبه كبير ، ولكنه بجحده البارئ المشفوع إليه ، أو الرسول الشافع له ، أو ؛ لأن الله تعالى أخبر أنه [ ص: 475 ] لا يشفع فيه أحدا ، وهذه المعاني كلها معدومة في صاحب الكبيرة من أهل القبلة .
وقوله : " ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ) لا يدفع الشفاعة ؛ لأن المراد بالملك الدفع بالقوة ، وإنما الشفاعة تذلل من الشافع للمشفوع عنده ، وإقامة الشفيع بذلك من المشفوع له ، فلا يوم أليق به وأشبه بأحواله من يوم الدين وقد ورد عن سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم في إثبات الشفاعة وإخراج قوم من أهل التوحيد من النار ، وإدخالهم الجنة أخبار صحيحة صريحة قد صارت من الاستفاضة ، والشهرة بحيث قارنت الأخبار المتواترة ، وكذلك في مغفرة الله تبارك وتعالى جماعة من أهل الكبائر دون الشرك من غير تعذيب فضلا منه ورحمة ، والله واسع كريم .
قال رحمه الله : " وقد ذكرنا هذه الأخبار في كتاب البعث والنشور ، ونحن نشير هاهنا إلى طرف منها قال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( البيهقي ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) وروينا في الحديث الثابت عن يزيد الفقير ، عن ما دل على أن ذلك في الشفاعة وكذلك عن جابر بن عبد الله حذيفة بن اليمان ، وغيرهم . [ ص: 476 ] وابن عمر