( فسائر الصفات ) الذاتية من الحياة والقدرة والإرادة والسمع والبصر والعلم والكلام وغيرها وسائر الصفات الخبرية من الوجه واليدين والقدم ، والعينين ونحوها ( ( و ) ) سائر صفات ( ( الأفعال ) ) من الاستواء [ ص: 258 ] والنزول والإتيان والمجيء والتكوين ونحوها ( ( قديمة لله ) ) أي هي ( ( ذي الجلال ) ) والإكرام ليس منها شيء محدث وإلا لكان محلا للحوادث وما حل به الحادث فهو حادث تعالى الله عن ذلك . ولما كان ربما توهم متوهم أن ذلك [ ص: 259 ] سلم للتشبيه والتمثيل المنفي في محكم النص استدرك ذلك فقال ( ( لكن ) ) بإسكان النون ( ( بلا كيف ولا تمثيل ) ) وإثبات ذلك والاعتراف به والإقرار والإذعان بموجبه لما دلت عليه النصوص القرآنية والأحاديث الثابتة [ ص: 260 ] النبوية فاعتقدنا ذلك ، واعتمدناه متابعة للسلف وارتضيناه ( ( رغما ل ) ) أي لأجل رغم أنوف ( ( أهل الزيغ ) ) أي لأجل الميل والانحراف عن نهج أهل الحق ، والشك والجور عن سبيل أهل الصدق ، يقال زاغ إذا مال وأزاغ غيره [ ص: 261 ] إذا أماله ( و ) رغما لأنوف أهل ( التعطيل ) من الطوائف الضالة والفرق المائلة ، فمذهب السلف حق بين باطلين ، وسنة بين بدعتين; فإن من الناس من حمل النصوص على التشبيه والتمثيل فضل وأضل ، ومنهم من حملها على التحريف والتعطيل ، فألحد وانفصل عن الحق وختل ، وأهل الحق أثبتوا النصوص واعتقدوها بلا تكييف ، فهم يقولون إثبات وجود لا إثبات تكييف وتحديد ، ولهذا قال ( فمرها ) أي آيات الصفات وأخبارها ، ولا تتعرض لمعانيها وأسرارها ، بل تفسيرها أن نمرها ( كما أتت في الذكر ) القرآني ، والحديث الصحيح عن المعصوم العدناني ( من غير تأويل ) لها ( وغير فكر ) في معانيها; فإن ذلك ليس في طوق البشر أن يكلفوه ، ولا في وسعهم أن يعرفوه ، وعلى ذلك مضت أئمة السلف ، والحق من سلف ، فكان صفات قديمة عند سلف الأمة وأئمة الإسلام لله ، الزهري ، والإمام مالك ، والأوزاعي ، وسفيان الثوري ، والليث بن سعد ، وابن المبارك ، والإمام أحمد ، وغيرهم - رضي الله عنهم - يقولون في مثل هذه الآيات ، يعني التي فيها مجيء الله ، ووجهه وإتيانه ، والأخبار كخبر النزول " مروها كما جاءت " ، وقال وإسحاق بن راهويه : سفيان بن عيينة . كل ما وصف الله نفسه في كتابه فتفسيره قراءته ، والسكوت عنه ليس لأحد أن يفسره إلا الله ورسوله
وسمع - رضي الله عنه - شخصا يروي حديث النزول ، ويقول ينزل بغير حركة ، ولا انتقال ، ولا تغير حال [ ص: 262 ] فأنكر الإمام أحمد عليه ذلك ، وقال قل كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو كان أغير على ربه منك . الإمام أحمد
وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - في كتاب الفقه الأكبر : ما ذكر الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف ، ولا يقال إن يده قدرته ونعمته ، لأن فيه إبطال الصفة ، وهو قول أهل القدر والاعتزال ، ولكن يده صفته بلا كيف ، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف .
وقال العلامة ابن الهمام أن الأصبع واليد صفة له تعالى لا بمعنى الجارحة بل على وجه يليق به هو سبحانه أعلم .
وقال في كتابه " إلجام العوام " في الباب الأول منه : اعلم أن الحق الصحيح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر ، هو مذهب السلف أعني الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم أجمعين - . ثم قال : حقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من هذه الأخبار من عوام الخلق يجب عليه سبعة أمور ، التقديس ثم التصديق ثم الاعتراف بالعجز ثم السكوت ثم الكف ثم الإمساك ثم التسليم لأهل المعرفة . أبو حامد الغزالي
( فالتقديس ) تنزيه الرب عن الجسمية وتوابعها ، ( والتصديق ) الإيمان بقوله - صلى الله عليه وسلم - وأن كل ما ذكر حق ، وهو فيما قاله صادق ، وأنه حق على الوجه الذي قاله وأراده ، ( والاعتراف بالعجز ) أن يقر أن معرفة مراده ليس على قدر طاقته ، وأن ذلك ليس من شأنه وحرفته ، ( والسكوت ) بأن لا يسأل عن معناه ولا يخوض فيه مخاطرا بدينه ، وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر . وأما ( الإمساك ) فأن لا يتصرف في تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخرى والزيادة فيها والنقصان منها والجمع والتفريق ، بل ألا ينطق لا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه من الإيراد والإعراب والتصريف والصيغة ، ( وأما الكف ) فبأن يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر فيه ، ( وأما التسليم ) لأهل المعرفة فأن لا يعتقد أن ذلك إن خفي عليه لعجزه فقد خفي على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى الأنبياء ، أو على الصديقين والأولياء ، انتهى ، وقد مر أنه لا يعلم حقيقة ما هو تعالى غيره فعليه المعول ، والله تعالى أعلم .
[ ص: 263 ] ولما فرغ من ذكر ما يجب له تعالى من الأسماء والصفات الذاتية والإخبارية والفعلية ، أخذ في ذكر ما يستحيل في حقه تعالى فقال :