( ( من رحمة ونحوها كوجهه ويده وكل ما من نهجه ) ) ( ( وعينه وصفة النزول
وخلقه فاحذر من النزول ) ) ( ( فسائر الصفات والأفعال
قديمة لله ذي الجلال ) ) ( ( لكن بلا كيف ولا تمثيل
رغما لأهل الزيغ والتعطيل ) ) ( ( فمرها كما أتت في الذكر
من غير تأويل وغير فكر ) )
[ ص: 221 ] إذا علمت ذلك ، وقد أشار إليها بقوله ( ( من رحمة ) ) وهي صفة قديمة قائمة بذاته تعالى تقتضي التفضل والإنعام كما تقدم في أول الكتاب . فمما يثبته له تعالى السلف دون غيرهم - صفة الرحمة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - في شرح العقيدة الأصفهانية : الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ، فإنه قد علم بالسمع مع العقل أن الله ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، كما قال : ( ( هل تعلم له سميا ) ) ، ( ( فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ) ) ، ( ولم يكن له كفوا أحد ) ، وقد علم بالعقل أن المثلين يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر ، ويجب له ما يجب له ، ويمتنع عليه ما يمتنع عليه ، فلو كان المخلوق مثلا للخالق للزم اشتراكهما فيما يجب ويجوز ويمتنع ، والخالق يجب وجوده وقدمه ، والمخلوق يستحيل وجوب وجوده وقدمه ، بل يجب حدوثه وإمكانه ، فلو كانا متماثلين للزم اشتراكهما في ذلك ، وهذا جمع بين النقيضين .
قال : إذا عرف هذا فنقول : إن الله تعالى سمى نفسه في القرآن العظيم بالرحمن الرحيم ، ووصف نفسه بالرحمة ، كما قال : ( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ) ، ( ورحمتي وسعت كل شيء ) .
قال : ومن الناس من جعل رحمة الله تعالى عبارة عما يخلقه من النعمة ، ومنهم من جعل رحمته إرادته لأنهم زعموا أن الرحمة لغة رقة القلب وانعطافه ، وذلك من الكيفيات التابعة للمزاج ، والله تعالى منزه عنها ، فالمراد بها في حقه إرادة الخير والإحسان إلى من يرحمه ، فإن أسماء الله تعالى تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال ، دون المبادئ التي هي انفعالات ، وقد مر في أول الكتاب الكلام على الرحمة بما لعله يشفي ويكفي .