الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      أكثر شرك الأمم في الإلهية ، لا بجحود الصانع

      والمقصود أن أكثر شرك الأمم التي بعث الله إليها رسله وأنزل كتبه غالبهم إنما أشرك في الإلهية ، ولم يذكر جحود الصانع إلا عن الدهرية والثنوية ، وأما غيرهم ممن جحدها عنادا كفرعون ونمرود وأضرابهم ، فهو مقرون بالربوبية باطنا كما قدمنا ، وقال الله عز وجل عنهم : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما ) ( النمل : 14 ) وبقية المشركين يقرون بالربوبية باطنا وظاهرا ، كما صرح بذلك القرآن فيما قدمنا من الآيات وغيرها ، مع أن الشرك في الربوبية لازم لهم من [ ص: 475 ] جهة إشراكهم في الإلهية وكذا في الأسماء والصفات ، إذ أنواع التوحيد متلازمة لا ينفك نوع منها عن الآخر ، وهكذا أضدادها ، فمن ضاد نوعا من أنواع التوحيد بشيء من الشرك فقد أشرك في الباقي ، مثال ذلك في هذا الزمن : عباد القبور إذا قال أحدهم : يا شيخ فلان - لذلك المقبور - أغثني ، أو افعل لي كذا ونحو ذلك ، يناديه من مسافة بعيدة وهو مع ذلك تحت التراب وقد صار ترابا . فدعاؤه إياه عبادة صرفها له من دون الله ; لأن الدعاء مخ العبادة ، فهذا شرك في الإلهية ، وسؤاله إياه تلك الحاجة من جلب خير أو دفع ضر أو رد غائب أو شفاء مريض أو نحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله معتقدا أنه قادر على ذلك ، هذا شرك في الربوبية ، حيث اعتقد أنه متصرف مع الله تعالى في ملكوته . ثم إنه لم يدعه هذا الدعاء إلا مع اعتقاده أنه يسمعه على البعد والقرب في أي وقت كان وفي أي مكان ، ويصرحون بذلك وهذا شرك في الأسماء والصفات ، حيث أثبت له سمعا محيطا بجميع المسموعات لا يحجبه قرب ولا بعد ، فاستلزم هذا الشرك في الإلهية الشرك في الربوبية والأسماء والصفات .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية