هذه الأمور المذكورة التي يتعلق بها العامة غالبها من الشرك الأصغر ، لكن إذا اعتمد العبد عليها بحيث يثق بها ويضيف النفع والضر إليها كان ذلك شركا أكبر والعياذ بالله ; لأنه حينئذ صار متوكلا على سوى الله ملتجئا إلى غيره .
ومن يثق بودعة أو ناب أو حلقة أو أعين الذئاب أو خيط او عضو من النسور
أو وتر أو تربة القبور لأي أمر كائن تعلقه
وكله الله إلى ما علقه
[ ص: 498 ] ( ومن يثق ) هذا الشرط جوابه ( وكله ) الآتي :
( بودعة ) قال في النهاية : هو شيء أبيض يجلب من البحر يعلق في حلوق الصبيان وغيرهم ، وإنما نهي عنه لأنهم كانوا يعلقونها مخافة العين .
( أو ناب ) كما يفعله كثير من العامة ، يأخذون ناب الضبع ويعلقونه من العين .
( أو حلقة ) وكثيرا ما يعلقونها من العين وسيأتي في الحديث أنهم يعلقونها من الواهنة ، وهو مرض العضد .
( أو أعين الذئاب ) وكثيرا ما يعلقونها ، يزعمون أن الجن تفر منها ، ومنهم من يقول : إنه إذا وقع بصر الذئب على جني لا يستطيع أن يفر منه حتى يأخذه ، ولهذا يعلقون عينه إذا مات على الصبيان ونحوهم .
( أو خيط ) وكثيرا ما يعلقونه على المحموم ويعقدونه فيه عقدا بحسب اصطلاحاتهم ، وأكثرهم يقرأ عليه سورة : ( ألم نشرح لك صدرك ) ( الشرح : 1 ) إلى آخرها ، ويعقد عند كل كاف منها عقدة ، فيجتمع في الخيط تسع عقد بعدد الكافات ، ثم يربطونه بيد المحموم أو عنقه .
( أو عضو من النسور ) كالعظم ونحوه يجعلونها خرزا ويعلقونها على الصبيان ، يزعمون أنها تدفع العين .
( أو وتر ) وكانوا في الجاهلية إذا عتق وتر القوس أخذوه وعلقوه يزعمون عن العين على الصبيان والدواب .
( أو تربة القبور ) وما أكثر من يستشفي بها ، لا شفاهم الله ، واستعمالهم لها على أنواع ، فمنهم من يأخذها ويمسح بها جلده ، ومنهم من يتمرغ على القبر تمرغ الدابة ، ومنهم من يغتسل بها مع الماء ، ومنهم من يشربها وغير ذلك . وهذا كله ناشئ عن اعتقادهم في صاحب ذلك القبر أنه ينفع ويضر ، حتى عدوا ذلك الاعتقاد فيه إلى تربته فزعموا أن فيها شفاء وبركة لدفنه فيها ، حتى إن منهم من يعتقد في تراب بقعة لم يدفن فيها ذلك الولي بزعمه ، بل قيل له : إن جنازته قد وضعت في ذلك المكان . وهذا وغيره من تلاعب الشيطان بأهل هذه [ ص: 499 ] العصور زيادة على ما تلاعب بمن قبلهم . نسأل الله العافية .
( لأي أمر كائن تعلقه ) الضمير عائد إلى ما تقدم وغيره ( وكله الله ) ; أي تركه ( إلى ما علقه ) دعاء عليه ; أي لا حفظه الله ولا كلأه ، بل تركه إلى ما وثق به واعتمد عليه دون الله عز وجل ، قال الله تعالى : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ( يوسف : 106 ) . وعن رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " عقبة بن عامر " رواه من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له أحمد . وله عن رضي الله عنهما عمران بن حصين " . أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال : " ما هذا ؟ " قال : من الواهنة . فقال : " انزعها ، فإنها لا تزيدك إلا وهنا ، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا عن ولابن أبي حاتم حذيفة رضي الله عنه أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) ( يوسف : 106 ) .
وفي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل رسولا أن " " . وعن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت رويفع رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رويفع ، لعل الحياة تطول بك ، فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وترا أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا بريء منه " . رواه يا أحمد . وله عن عبد الله بن [ ص: 500 ] عكيم مرفوعا : " " ورواه من علق شيئا وكل إليه الترمذي .
وعن زينب امرأة رضي الله عنه قالت : كان عبد الله بن مسعود عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهية أن يهجم منا على أمر يكرهه . قالت : وإنه جاء ذات يوم فتنحنح وعندي عجوز ترقيني من الحمرة ، فأدخلتها تحت السرير . قالت : فدخل فجلس إلى جانبي فرأى في عنقي خيطا فقال : ما هذا الخيط ؟ قالت قلت : خيط رقي لي فيه ، فأخذه فقطعه ثم قال : إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " " . قالت قلت له : لم تقول هذا وقد كانت عيني تقذف فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها ، فكان إذا رقاها سكنت . فقال : إنما ذاك من الشيطان ، كان ينخسها بيده فإذا رقاها كف عنها ، إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " . رواه أذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما أحمد ، وروى جملة الدلالة منه على الباب أبو داود ، أعني الجملة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتاب التوحيد : الرقى هي التي تسمى العزائم وخص منه الدليل ما خلا من الشرك ، فقد رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة ، والتمائم شيء يلقونه على الأولاد عن العين ، والتولة شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته اهـ . وقوله في الرقى : وخص منها الدليل ما خلا عن الشرك ، إلخ يشير إلى ما سنذكره بقولنا :