وقال ابن عربي إمام الاتحادية محي الزندقة والإلحاد في آيات الله تعالى : إن أهلها يعذبون فيها ثم تنقلب طبيعتهم وتبقى طبيعة النارية يتلذذون بها لموافقتها طبعهم .
وقال الجهم وشيعته : إن الجنة والنار تفنيان كلاهما لأنهما حادثتان ، وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه . بناء على أصله الفاسد في منع تسلسل الحوادث وبقائها بإبقاء الله تعالى لها .
وقال طائفة من المعتزلة والقدرية : لم يكونا الآن موجودتين بل ينشئهما الله [ ص: 869 ] تعالى يوم القيامة . وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله وأنه ينبغي أن يفعل كذا ولا ينبغي له أن يفعل كذا قياسا لله تعالى على خلقه في أفعالهم ، فهم مشبهة في الأفعال ، ودخل التجسيم فيهم فصاروا مع ذلك معطلة وقالوا : خلق الجنة والنار قبل الجزاء عبث ؛ لأنها تصير معطلة مددا متطاولة . فردوا من نصوص الكتاب والسنة ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى وحرفوا النصوص عن مواضعها وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم قبحهم الله تعالى .
وقال : تفنى حركات أهل الجنة والنار ويصيرون جمادا لا يحسون بنعيم ولا ألم . وكل هذه الأقوال مخالفة لصحيح المعقول وصريح المنقول ، ومحادة ومشاقة لله تعالى وللرسول صلى الله عليه وسلم ، وتقديم للعقول السخيفة ، وزبالة الأذهان البعيدة والقلوب الشقية الطريدة ، وزخارف فاسدي السيرة والسريرة والظاهر والباطن والعمل والعقيدة . وما أحسن ما قاله أبو الهذيل العلاف ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته الكافية الشافية في أثناء حكايته عقيدة جهم وشيعته دمرهم الله تعالى :
وقضى بأن الله كان معطلا والفعل ممتنع بلا إمكان ثم استحال وصار مقدورا له
من غير أمر قام بالديان بل حاله سبحانه في ذاته
قبل الحدوث وبعده سيان وقضى بأن النار لم تخلق ولا
جنات عدن بل هما عدمان فإذا هما خلقا ليوم معادنا
فهما على الأوقات فانيتان وتلطف العلاف من أتباعه
فأتى بضحكة جاهل مجان قال الفناء يكون في الحركات لا
في الذات واعجبا لذا الهذيان أيصير أهل الخلد في جناتهم
وجحيمهم كحجارة البنيان ما حال من قد كان يغشى أهله
عند انقضاء تحرك الحيوان وكذاك ما حال الذي رفعت يدا
ه أكلة من صحفة وخوان فتناهت الحركات قبل وصولها
للفم عند تفتح الأسنان وكذاك ما حال الذي امتدت يد
منه إلى قنو من القنوان [ ص: 870 ] فتناهت الحركات قبل الأخذ هل
يبقى كذلك سائر الأزمان تبا لهاتيك العقول فإنها
والله قد مسخت على الأبدان تبا لمن أضحى يقدمها على ال
آثار والأخبار والقرآن