وبعد أعوام ثلاثة مضت من بعد معراج النبي وانقضت أوذن بالهجرة نحو يثربا
مع كل مسلم له قد صحبا
( وبعد أعوام ثلاثة ) وقيل خمسة ، وقيل أقل من ذلك وقيل أكثر ، وهذا الذي في المتن هو اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - في الثلاثة الأصول ، وله فيه سلف ، وليست مسألة التاريخ اعتقادية في هذا الباب ، ، فلا تأثير لاختلاف أهل السير في تاريخه وتعيين سنته ووقته . غير أن الراجح فيه كونه بين عاشر البعثة وبين هجرته - صلى الله عليه وسلم - إلى والإسراء والمعراج ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة المدينة ، وعلى قول من يقول : إن - رضي الله عنها - أدركت فريضة الصلوات ، فالمعراج في سنة عشر أو قبلها ، والله أعلم ; لأنها توفيت هي خديجة وأبو طالب في ذلك العام .
( أوذن بالهجرة ) أمره الله - عز وجل - بها ( نحو يثرب ) وهي المدينة المنورة ( مع كل مسلم ) في ذاك الزمن ( له قد صحبا ) على الإسلام ، وكانت هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة ، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة .
قال - رحمه الله تعالى : حدثنا البخاري مطر بن الفضل ، حدثنا ، حدثنا روح بن عبادة هشام ، حدثنا عكرمة ، عن - رضي الله عنهما - قال : ابن عباس بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ، ثم أمر [ ص: 1075 ] بالهجرة فهاجر عشر سنين ، ومات وهو ابن ثلاث وستين . بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأربعين سنة ، فمكث
وقال البغوي - رحمه الله تعالى - في تفسير قول الله - عز وجل : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) ، ( الأنفال 30 ) : وهذه الآية معطوفة على قوله ( واذكروا إذ أنتم قليل ) واذكر ( إذ يمكر بك الذين كفروا ) ، ( وإذ قالوا اللهم ) وأن هذه السورة مدنية ، وهذا المكر والقول إنما كان بمكة ، ولكن الله ذكرهم بالمدينة كقوله تعالى : ( إلا تنصروه فقد نصره الله ) ، ( التوبة 40 ) ، وكان هذا المكر على ما ذكره وغيره من أهل التفسير أن ابن عباس قريشا فرقوا لما أسلمت الأنصار أن يتفاقم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فاجتمع نفر من كبارهم في دار الندوة ; ليتشاوروا في أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وكانت رءوسهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام وأبو سفيان والمطعم بن عدي وشيبة بن ربيعة والنضر بن الحارث وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام ونبيه ومنبه بن الحجاج وأمية بن خلف ، فاعترضهم إبليس لعنه الله في صورة شيخ ، فلما رأوه ، قالوا : من أنت ؟ قال : شيخ من نجد ، سمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم ، ولن تعدموا مني رأيا ونصحا . قالوا : ادخل فدخل . فقال أبو البختري : أما أنا فأرى أن تأخذوا محمدا وتحبسوه في بيت وتشدوا وثاقه ، وتسدوا باب البيت ، غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه ، وتتربصوا به ريب المنون حتى يهلك فيه ، كما هلك من قبله من الشعراء . قال : فصرخ عدو الله الشيخ النجدي ، وقال : بئس الرأي رأيتم ، والله لئن حبستموه في بيت فخرج أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه ، فيوشك أن يثبوا عليكم ويقاتلوكم ويأخذوه من أيديكم . قالوا : صدق الشيخ النجدي . فقال من هشام بن عمرو بني عامر بن لؤي : أما أنا فأرى أن تحملوه على بعير وتخرجوه من بين أظهركم ، فلا يضركم ما صنع ، وإلى أين وقع إذا غاب عنكم واسترحتم منه . فقال إبليس - لعنه الله : ما هذا لكم برأي تعتمدونه ، تعمدون إلى رجل قد أفسد أحلامكم ، فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم ، ألم تروا إلى حلاوة منطقه [ ص: 1076 ] وحلاوة لسانه ، وأخذ القلوب بما تسمع من حديثه ، والله لئن فعلتم ذلك ، ليذهبن وليستميلن قلوب قوم ، ثم يسير بهم إليكم فيخرجكم من بلادكم . قالوا : صدق الشيخ النجدي . فقال أبو جهل : والله ، لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره ، إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش شابا نسيبا وسيطا فتيا ، ثم يعطى كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم يضربونه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرق دمه بين القبائل كلها ، ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها ، وإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل ، فتؤدي قريش ديته . فقال إبليس - لعنه الله : صدق هذا الفتى ، وهو أجودكم رأيا ، القول ما قال ، لا أرى رأيا غيره . فتفرقوا على قول أبي جهل وهم مجمعون له ، فأتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بذلك ، وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي يبيت فيه ، فأذن الله له عند ذلك بالخروج إلى المدينة ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينام في مضجعه ، وقال له : اتشح ببردتي هذه ، فإنه لن يخلص إليك منهم أمر تكرهه . علي بن أبي طالب
ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ قبضة من تراب ، فأخذ الله أبصارهم عنه ، فجعل ينثر التراب على رءوسهم وهو يقرأ ( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا . . . إلى قوله : ( فهم لا يبصرون ) ، ( يس 8 ) ، ومضى إلى الغار من ثور هو وأبو بكر ، وخلف عليا بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده ، وكانت الودائع تودع عنده - صلى الله عليه وسلم - لصدقه وأمانته ، وبات المشركون يحرسون عليا في فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحسبون أنه النبي - صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبحوا ساروا إليه ، فرأوا عليا - رضي الله عنه - فقالوا : أين صاحبك ؟ قال : لا أدري ، فاقتصوا أثره وأرسلوا في طلبه ، فلما بلغوا الغار ، رأوا على بابه نسج العنكبوت ، فقالوا : لو دخله لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاثا ، ثم قدم المدينة ، فذلك قوله تعالى : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ) ، ( الأنفال 30 ) ، وبسط حديث الهجرة ما ساقه - رحمه الله تعالى - قال : حدثنا البخاري يحيى بن [ ص: 1077 ] بكير قال : حدثنا الليث ، عن عقيل ، قال : فأخبرني ابن شهاب - رضي الله عنه - أن عروة بن الزبير عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي قال ابن الدغنة فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار ارجع واعبد ربك ببلدك فرجع وارتحل معه ابن الدغنة فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج تخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا . فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فلبث أبو بكر بمكة يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا : إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان . قالت عائشة فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال : قد علمت الذي عاقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني [ ص: 1078 ] أخفرت في رجل عقدت له . فقال أبو بكر فأنا أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين " " وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل إني رأيت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة . أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي " فقال أبو بكر : وهل ترجو ذلك بأبي أنت ؟ قال نعم فحبس وتجهز أبو بكر نفسه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر قال قال ابن شهاب عروة قالت عائشة - رضي الله عنها : أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فدى له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر . قالت : فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر : أخرج من عندك فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله قال فإني قد أذن لي في الخروج . فقال أبو بكر : الصحبة بأبي أنت يا رسول الله قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم قال أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالثمن . قالت فبينما نحن يوما جلوس في بيت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطته على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين قالت ثم لحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر بغار في جبل ثور فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع عبد الله بن أبي بكر قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام . ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث . واستأجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رجلا من بني الديل وهو من بني عبد بن [ ص: 1079 ] عدي هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل .
قال : وأخبرني ابن شهاب عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن جعشم يقول : جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر دية كل واحد منهما من قتله أو أسره فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال : يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدا وأصحابه . قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت له : إنهم ليسوا هم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا يبتغون ضالة لهم ، ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فحططت بزجه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها : أأضرهم ؟ أم لا ؟ فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت . فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت له : عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم . ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم ، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أن قال : أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر
قال فأخبرني ابن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عروة بن الزبير الزبير في ركب [ ص: 1080 ] من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر ثيابا بيضا . وسمع المسلمون لقي بالمدينة بمخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة . فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته : يا معاشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون . فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامتا فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحيي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك فلبث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا . لا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجدا وطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينقل معهم اللبن في بنيانه ويقول وهو ينقل اللبن :
هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر
اللهم إن الأجر أجر الآخره فارحم الأنصار والمهاجره
وهذا الكلام كما ترى ليس من باب الشعر ، ولا هو في شيء من بحوره وأوزانه ، وإنما هو كلام منتثر ، اتفقت تقفيته لا عن قصد كما يقع كثيرا .
وقال - رحمه الله تعالى : حدثني محمد ، حدثنا عبد الصمد ، حدثنا أبي ، حدثنا ، حدثنا عبد العزيز بن صهيب رضي الله عنه قال : أقبل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أنس بن مالك المدينة وهو مردف أبا بكر وأبو بكر شيخ يعرف ونبي الله - صلى الله عليه وسلم - شاب لا يعرف قال فيلقى الرجل أبا بكر فيقول : يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك ؟ فيقول : هذا الرجل يهديني السبيل . قال فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق وإنما يعني سبيل الخير . فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم فقال : . قال : فكان أول النهار جاهدا على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وكان آخر النهار مسلحة له فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جانب يا رسول الله هذا فارس قد لحق بنا فالتفت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال " اللهم اصرعه " فصرعه الفرس ثم قامت تحمحم فقال يا نبي الله مرني بما شئت . قال : فقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا الحرة ثم بعث إلى الأنصار فجاءوا إلى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر فسلموا عليهما وقالوا : اركبا آمنين مطاعين فركب نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وحفوا بهما بالسلاح فقيل في المدينة : جاء نبي الله جاء نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فأشرفوا ينظرون ويقولون : جاء نبي الله جاء نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب فإنه ليحدث أهله إذ سمع به وهو في نخل لأهله يخترف لهم فعجل أن يضع الذي يخترف لهم فيها . فجاء وهي معه فسمع من نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ثم رجع إلى أهله فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : عبد الله بن سلام أبو أيوب : أنا يا نبي الله - صلى الله عليك وسلم - هذه داري وهذا بابي قال : فانطلق فهيئ لنا مقيلا . قال قوما على بركة الله تعالى . فلما جاء نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أي بيوت أهلنا أقرب ؟ فقال فقال : أشهد [ ص: 1082 ] أنك رسول الله وأنك جئت بحق وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في فأرسل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبلوا فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا معشر عبد الله بن سلام اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق فأسلموا . قالوا : ما نعلمه . قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قالها ثلاث مرار . قال : فأي رجل فيكم ؟ قالوا ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا . قال أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا حاشى لله ، ما كان ليسلم . قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا حاشا لله . ما كان ليسلم . قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا حاشا لله ما كان ليسلم . قال : يا عبد الله بن سلام ابن سلام اخرج إليهم . فخرج فقال يا معشر اليهود اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بحق فقالوا كذبت فأخرجهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم . جاء
وقال - رحمه الله تعالى : حدثنا أحمد بن عثمان ، حدثنا شريح بن مسلمة ، حدثنا عن أبيه عن إبراهيم بن يوسف أبي إسحاق قال : سمعت البراء يحدث قال : ابتاع أبو بكر من عازب رحلا فحملته معه قال فسأله عازب عن مسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أخذ علينا بالرصد فخرجنا ليلا فأحثثنا ليلتنا ويومنا حتى قام قائم الظهيرة ثم رفعت لنا صخرة فأتيناها ولها شيء من ظل . قال ففرشت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فروة معي ثم اضطجع عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - فانطلقت أنفض ما حوله فإذا أنا براع قد أقبل في غنمه يريد من الصخرة مثل الذي أردنا فسألته لمن أنت يا غلام ؟ فقال أنا لفلان فقلت له هل في غنمك من لبن ؟ قال نعم . قلت له هل أنت حالب ؟ قال نعم . قال فأخذ شاة من غنمه فقلت له انفض الضرع قال فحلب كثبة من لبن ومعي إداوة من ماء عليها خرقة قد روأتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصببت على اللبن حتى برد أسفله ثم أتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت اشرب يا رسول الله فشرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى رضيت . ثم ارتحلنا والطلب في إثرنا . قال البراء فدخلت مع [ ص: 1083 ] أبي بكر على أهله فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حمى فرأيت أباها أقبل وقال : كيف أنت يا بنية ؟
وقال : حدثنا ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت - رضي الله عنهما - قال : أول ما قدم علينا البراء بن عازب مصعب بن عمير وكانوا يقرئان الناس ، فقدم وابن أم مكتوم بلال وسعد ، ثم قدم وعمار بن ياسر في عشرين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم ، ثم قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فما رأيت أهل عمر بن الخطاب المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جعل الإماء يقلن : قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما قدم حتى قرأت ( سبح اسم ربك الأعلى ) ، ( الأعلى 1 ) في سور من المفصل .