الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      [ ص: 969 ] ذكر أقوال التابعين .

      قال عبيد بن عمير : إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم وسيماكم ونجواكم وحلاكم ومجالسكم .

      وقال سعيد بن جبير ( يحول بين المرء وقلبه ) ، ( الأنفال 24 ) ، قال : يحول بين المؤمن والكفر ، وبين الكافر والإيمان .

      وقال - رحمه الله تعالى - فذكر قصة بخت نصر وملك ابنه ، فرأى كفا فرجت بين لوحين ، ثم كتبت سطرين ، فدعا الكهان والعلماء فلم يجد عندهم منه علما ، فقالت له أمه : إنك لو أعدت لدانيال منزلته التي كانت له من أبيك - وكان قد جفاه - أخبرك ، فدعاه فقال : إني معيد لك منزلتك من أبي ، فأخبرنا ما هذان السطران ؟ قال : أما ما ذكرت أنك معيد لي منزلتي من أبيك ، فلا حاجة لي بذلك ، وأما هذان السطران فإنك تقتل الليلة ، فأخرج من في القصر أجمعين ، وأمر بقفلة جلاد ، فقفلت بها الأبواب عليه ، وأدخل معه آمن أهل القرية في نفسه معه سيف ، وقال له : من جاء من خلق الله فاقتله ، وإن قال أنا فلان ، وبعث الله عليه البطن ، فجعل يمشي والآخر مستيقظ ، حتى إذا كان على شطر الليل ، رقد ورقد صاحبه ، ثم نبهه البطن فذهب يمشي والآخر راقد ، فرجع فاستيقظ فقال : أنا فلان ، وضربه بالسيف فقتله . وقال ابن المسيب : ما قدر الله فهو قدر . وكان إياس بن معاوية يقول : أعلم الناس بالقدر ضعفاؤهم ، يقول : إن كل [ ص: 970 ] من لم يدخل في خصومة القدر كان من قوله إذا تكلم : كان من قدر الله كذا وكذا .

      وقال معمر : إن ابن شبرمة كان يغضب إذا قيل له مد الله في عمرك ، يقول : إن العمر لا يزاد فيه ولا ينقص منه . وقال أبو حازم : قال الله تعالى : ( فألهمها فجورها وتقواها ) ، ( الشمس 8 ) قال : فالفاجرة ألهمها الله الفجور ، والتقية ألهمها الله التقوى . وقال مجاهد : قول الله ( إني أعلم ما لا تعلمون ) قال : علم من إبليس المعصية ، وخلقه لها .

      وعن إبراهيم بن أبي عبلة قال : وقف رجاء بن حيوة على مكحول وأنا معه ، فقال : يا مكحول ، بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر ، ووالله ، لو أعلم ذلك لكنت صاحبك من بين الناس ، فقال مكحول : لا والله ، أصلحك الله ، ما ذاك من شأني ولا من قولي أو نحو ذلك .

      وقال إبراهيم النخعي : إن آفة كل دين كان قبلكم ، أو قال : آفة كل دين القدر . وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير : لم نوكل في القرآن إلى القدر ، وأخبرنا أنا إليه نصير . وكان طاوس بمكة يصلي ، ورجلان خلفه يتجادلان في القدر ، فانصرف إليهما فقال : يرحمكما الله ، تجادلان في حكم الله ؟

      [ ص: 971 ] وقال ميمون : لا تسبوا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تعلموا النجوم ، ولا تجادلوا أهل القدر . وقال طاوس أيضا : أدركت ناسا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون : كل شيء بقدر . وقال أبو حازم : لعن الله دينا أنا أكبر منه - يعني : التكذيب بالقدر . يقول هذا عندما يروى حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يؤمن المرء حتى يؤمن بالقدر خيره وشره .

      وعن عمرو بن محمد قال : كنت عند سالم بن عبد الله ، فجاءه رجل فقال : الزنا بقدر ؟ فقال : نعم . قال : كتبه علي ؟ قال : نعم . قال : ويعذبني عليه ؟ قال : فأخذ له الحصى . وقال الحسن : من كذب بالقدر ، فقد كذب بالقرآن .

      وقال مجاهد في قوله تعالى ( لهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون ) ، ( المؤمنون 63 ) ، قال : أعمال لا بد لهم من أن يعملوها .

      وعن أبي صالح ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) ، ( النساء 79 ) وأنا قدرتها عليك . وقال حميد : قدم الحسن مكة ، فقال لي فقهاء مكة - الحسن بن مسلم وعبد الله بن عبيد : لو كلمت الحسن فأخلانا يوما ، فكلمت الحسن فقلت : يا أبا [ ص: 972 ] سعيد ، إخوانك يحبون أن تجلس لهم يوما . قال : نعم ، ونعمت عين ، فواعدهم يوما فجاءوا واجتمعوا ، وتكلم الحسن وما رأيته قبل ذلك اليوم ولا بعده أبلغ منه ذلك اليوم ، فسألوه عن صحيفة طويلة ، فلم يخطئ فيها شيئا إلا في مسألة . فقال له رجل : يا أبا سعيد ، من خلق الشيطان ؟ قال : سبحان الله ، سبحان الله ، وهل من خالق غير الله ؟ ثم قال : إن الله تعالى خلق الشيطان ، وخلق الشر وخلق الخير . فقال رجل منهم : قاتلهم الله يكذبون على الشيخ .

      وقال أيضا : قرأت على الحسن في بيت أبي خليفة القرآن أجمع ، من أوله إلى آخره ، وكان يفسره على الإثبات . وقال خالد الحذاء : قلت للحسن : أرأيت آدم أللجنة خلق أم للأرض ؟ قال : للأرض . قال قلت : أرأيت لو اعتصم ؟ قال : لم يكن بد من أن يأتي على الخطيئة .

      وقال إياس بن معاوية : ما كلمت أحدا من أهل الأهواء بعقلي كله إلا القدرية ، فإني قلت لهم : ما الظلم فيكم ؟ فقالوا : أن يأخذ الإنسان ما ليس له . فقلت لهم : فإن الله على كل شيء قدير .

      ولعبد الرزاق ، عن معمر قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة : أما بعد ، فإن استعمالك سعد بن مسعود على عمان كان من الخطايا التي قدر الله عليك ، وقدر أن تبتلى بها .

      ولعبد الله بن أحمد عنه - رضي الله عنه - قال : لو أراد الله أن لا يعصى لم [ ص: 973 ] يخلق إبليس ، ثم قرأ ( ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم ) ، ( الصافات 163 ) .

      وله عنه - رضي الله عنه - أنه قال لغيلان : ألست تقر بالعلم ؟ قال : بلى . قال : فما تريد مع أن الله يقول : ( فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم ) ، ( الصافات 162 - 163 ) ؟

      وله عن أبي جعفر الخطمى قال : شهدت عمر بن عبد العزيز وقد دعا غيلان لشيء بلغه في القدر ، فقال : ويحك يا غيلان ، ما هذا الذي بلغني عنك ؟ قال : يكذب علي يا أمير المؤمنين ، ويقال علي ما لم أقل . قال : ما تقول في العلم ؟ قال : قد نفذ العلم . قال : فأنت مخصوم ، اذهب الآن ، فقل ما شئت . ويحك يا غيلان ، إنك إن أقررت بالعلم خصمت ، وإن جحدته كفرت ، وإنك أن تقر به فتخصم خير لك من أن تجحده فتكفر . قال : ثم قال له : تقرأ يس ؟ فقال : نعم . فقال له : اقرأ ( يس والقرآن الحكيم ) ، ( يس 1 - 2 ) فقرأ ( يس والقرآن الحكيم . . . إلى قوله : لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون ) ، ( يس 1 - 7 ) قال : قف ، كيف ترى ؟ قال : كأني لم أقرأ هذه الآية يا أمير المؤمنين . قال : زد ( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ) ، ( يس 8 - 9 ) قال له عمر : قل ( سدا فأغشيناهم ) ، قال : قال له عمر : قل ( فأغشيناهم فهم لا يبصرون وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) ، ( يس 9 - 10 ) قال : كيف ترى ؟ قال : كأني لم أقرأ هذه الآيات ، وإني أعاهد الله أن لا أتكلم في شيء مما كنت أتكلم فيه أبدا . قال : اذهب . فلما ولى ، قال : اللهم إن كان كاذبا فيما قال ، فأذقه حر السلاح . قال : فلم يتكلم زمن عمر ، فلما كان زمن يزيد بن عبد الملك ، جاء رجل لا يهتم لهذا ولا ينظر فيه ، قال : فتكلم غيلان ، فلما ولي هشام ، أرسل إليه ، فقال : أليس قد عاهدت الله تعالى [ ص: 974 ] لعمر أن لا تتكلم في شيء من هذا الأمر أبدا ؟ قال : أقلني ، فلا والله لا أعود . قال : لا أقالني الله إن أقلتك ، هل تقرأ فاتحة الكتاب ؟ قال : نعم . قال : اقرأها ، فقرأ ( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين ) ، ( الفاتحة 2 - 5 ) قال : قف ، علام تستعينه ؟ أعلى أمر بيده لا تستطيعه إلا به ، أو على أمر في يدك أو بيدك ؟ اذهبا به فاقطعا يديه ورجليه ، واضربوا عنقه واصلبوه . قال ابن عون : أنا رأيت غيلان مصلوبا على باب دمشق .

      وعنه قال في أصحاب القدر : فإن تابوا ، وإلا نفوا من دار المسلمين . وقال مالك ، عن عمه سهل قال : كنت مع عمر بن عبد العزيز ، فقال لي : ما ترى في هؤلاء القدرية ؟ قال قلت : أرى أن تستتيبهم ، فإن قبلوا ، وإلا عرضتهم على السيف . فقال عمر بن عبد العزيز : ذلك رأيي . قلت : أسألك ، فما رأيك أنت ؟ قال : هو رأيي . القائل لمالك فما رأيك ؟ هو إسحاق بن عيسى .

      وكان نافع مولى ابن عمر يقول لأمير كان على المدينة : أصلحك الله ، اضرب أعناقهم - يعني : القدرية .

      وقال ابن سيرين : إن لم يكن أهل القدر من الذين يخوضون في آيات الله ، فلا أدري من هم . وقال مجاهد : لا يكون مجوسية حتى يكون قدرية ، ثم تزندقوا ، ثم تمجسوا .

      [ ص: 975 ] وقال منصور بن عبد الرحمن : سألت الحسن عن قوله تعالى : ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ) ، ( هود 118 ) فقال : الناس مختلفون على أديان شتى إلا من رحم ربك ، ومن رحم غير مختلف فيه ، فلقنته ( ولذلك خلقهم ) قال : نعم ، خلق هؤلاء لجنته ، وخلق هؤلاء لناره ، وخلق هؤلاء لرحمته وهؤلاء لعذابه .

      وقال أيضا : قلت للحسن : قوله تعالى : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) ، ( الحديد 22 ) قال : قسمة الله ، ومن يشك في هذا ؟ كل مصيبة بين السماء والأرض ففي كتاب الله تعالى قبل أن يبرأ النسمة .

      وقال محمد بن كعب القرظي : نزلت هذه الآية ( يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر ) ، ( القمر 47 - 49 ) في أهل القدر . وفي رواية عنه قال : نزلت تعييرا لأهل القدر . وعنه أن الفضل الرقاشي قعد إليه ، فذاكره شيئا من القدر ، فقال له محمد بن كعب القرظي : تشهده ، فلما بلغ ( من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ) رفع محمد عصا معه ، فضرب بها رأسه وقال : قم ، فلما قام فذهب ، قال : لا يرجع هذا عن رأيه أبدا .

      وقال مطر - رحمه الله : لقيني عمرو بن عبيد فقال : والله ، إني وإياك لعلى أمر واحد . قال : وكذب والله ، إنما عنى على الأرض . وقال : والله ، ما أصدقه في شيء .

      [ ص: 976 ] وعن ثابت البناني قال : رأيت عمرو بن عبيد ، وهو يحك المصحف ، فقلت : ما تصنع ؟ فقال : أثبت مكانه خيرا منه . وعن حماد بن زيد قال : كنت مع أيوب ويونس وابن عون وغيرهم ، فمر بهم عمرو بن عبيد ، فسلم عليهم ووقف وقفته ، فما ردوا عليه السلام ، ثم جاز فما ذكروه .

      وعن الحسن بن شقيق قال : قلت لعبد الله - يعني : ابن المبارك : سمعت من عمرو بن عبيد ؟ قال هكذا بيده ، أي كثيرا . قلت : فلم لا تسميه وأنت تسمي غيره من القدرية ؟ قال : لأن هذا كان رأسا .

      وعن معاذ بن مكرم قال : رآني ابن عون مع عمرو بن عبيد في السوق ، فأعرض عني ، قال فاعتذرت إليه ، قال : أما إني قد رأيتك فما زادني .

      وعن أبي بحر البكراوي قال : قال رجل لعمرو - يعني : ابن عبيد - وقرأ عنده هذه الآية : ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) ، ( البروج 22 ) فقال له : أخبرني عن ( تبت يدا أبي لهب ) ، ( المسد 1 ) كانت في اللوح المحفوظ ؟ قال : ليست هكذا كانت . قالوا : وكيف كانت ؟ قال : كانت تبت يدا من عمل بمثل ما عمل أبو لهب . فقال له الرجل : وهكذا ينبغي لنا أن نقرأ إذا قمنا إلى الصلاة ؟ فغضب عمرو ، فتركه حتى سكن ، ثم قال له : يا أبا عثمان ، أخبرني عن ( تبت يدا أبي لهب ) كانت في اللوح المحفوظ ؟ فقال : ليس هكذا كانت . قال : فكيف كانت ؟ قال : تبت يدا من عمل بمثل عمل أبي لهب . قال : فرددت عليه ، قال عمرو : إن علم الله ليس بسلطان ، إن علم الله لا يضر ولا ينفع . قلت : إن كان قال هذا ، ومات عليه [ ص: 977 ] فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وإن كان ذلك مكذوبا عليه ، فلعنة الله على الكاذبين .

      وعن سلام بن أبي مطيع قال : كنت أمشي مع أيوب في جنازة ، وبين أيدينا ثلاثة رهط قد كانوا مع عمرو بن عبيد في الإعتزال ، ثم تركوا رأيه ذلك وفارقوه ، قال : فقال لي أيوب من غير أن أسأله : لا ترجع قلوبهم إلى ما كانت عليه .

      وعن أبي رجاء قال : رأيت رجلين يتكلمان في المربد في القدر ، فقال فضل الرقاشي لصاحبه : لا تقر له بالعلم ، إن أقررت له بالعلم فأمكنت من نفسك ، يسحبك عرض المربد .

      وعن حوثرة بن أشرس قال : سمعت سلاما أبا المنذر غير مرة وهو يقول : سلوهم عن العلم ، هل علم أو لم يعلم ؟ فإن قالوا قد علم ، فليس في أيديهم شيء ، وإن قالوا لم يعلم ، فقد حلت دماؤهم .

      قال حوثرة : وحدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي جعفر الخطمي قال : قيل لعمر بن عبد العزيز : إن غيلان يقول : القدر كذا وكذا ، قال : فمر به ، فقال : أخبرني عن العلم . قال : سبحان الله ، فقد علم الله كل نفس ما هي عاملة وإلى ما هي صائرة . فقال عمر بن عبد العزيز : والذي نفسي بيده ، لو قلت غير هذا ، لضربت عنقك ، اذهب الآن فجاهد جهدك .

      وعن معاذ بن معاذ قال : صليت خلف رجل من بني سعد ، ثم بلغني أنه قدري ، فأعدت الصلاة بعد أربعين سنة أو ثلاثين سنة .

      وقال إبراهيم بن طهمان : الجهمية كفار ، والقدرية كفار .

      [ ص: 978 ] وقال عمرو بن دينار : قال لنا طاوس : اخزوا معبدا الجهني ، فإنه قدري . وقال الحسن بن محمد بن علي : لا تجالسوا أهل القدر . وقال عكرمة بن عمار : سمعت القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله يلعنان القدرية الذين يكذبون بقدر الله حتى يؤمنوا بخيره وشره .

      وقال مرحوم بن عبد العزيز العطار : سمعت أبي وعمي يقولان : سمعنا الحسن وهو ينهى عن مجالسة معبد الجهني يقول : لا تجالسوا معبدا ، فإنه ضال مضل . قال مرحوم : قال أبي : ولا أعلم أحدا يومئذ يتكلم في القدر غير معبد ورجل من الأساورة يقال له سسويه .

      وقال عكرمة : سألت يحيى بن أبي كثير عن القدرية فقال : هم الذين يقولون : إن الله لم يقدر الشر . وقال مسلم بن يسار : إن معبدا يقول بقول النصارى .

      وقال عمارة بن زاذان : بلغني أن القدرية يحشرون يوم القيامة مع المشركين ، فيقولون : والله ما كنا مشركين ، فيقال لهم : إنكم أشركتم من حيث لا تعلمون . قال : وبلغني أنه يقال لهم يوم القيامة : أنتم خصماء الله - عز وجل .

      وقال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول : لا يصلى خلف القدرية والمعتزلة والجهمية .

      [ ص: 979 ] وسألت أبي مرة أخرى عن الصلاة خلف القدري فقال : إن كان يخاصم فيه أو يدعو إليه ، فلا يصلى خلفه .

      سمعت أبي وسأله علي بن الجهم عمن قال بالقدر يكون كافرا ؟ قال : إذا جحد العلم ، إذا قال : إن الله لم يكن عالما حتى خلق علما فعلم ، فجحد علم الله ، فهو كافر . اه من كتاب السنة .

      وكلام الصحابة والتابعين وسائر الأئمة من القرون الثلاثة المفضلة يطول ذكره ، ومحله كتب النقل الجامعة ، وفيما ذكرنا كفاية ، ولله الحمد والمنة . اللهم يا ربنا ومليكنا وإلهنا ، قد علمت من سعد بطاعتك والجنة ، ومن شقي بمعصيتك والنار ، وكتبت ذلك وسطرته وقدرته ، وقضيته وشملت الجميع قدرتك ، ونفذت فيه مشيئتك ، ولك الحكمة البالغة والحجة الدامغة ، ولا يدري عبدك في أي القسمين ولا في أي القبضتين هو ، وأنت تعلم ، اللهم إياك نعبد إيمانا بكتبك ، وتصديقا لرسلك ، وانقيادا لشرعك ، وقياما بأمرك ودينك ، وإياك نستعين إيمانا بربوبيتك ، واستسلاما لقضائك وقدرك ، وافتقارا إليك وتوحيدا لك في إلهيتك وربوبيتك وأسمائك وصفاتك وخلقك وتكوينك ، ولا مشيئة إلا أن تشاء ، ولا قدرة لنا إلا على ما أقدرتنا عليه ، ولا معصوم إلا من عصمت ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، اللهم اجعلنا ممن أعطى واتقى وصدق بالحسنى فيسرته لليسرى ، اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، غير المغضوب عليهم ممن علم الحق وكتمه وتركه وأباه واشترى بآياتك ثمنا قليلا ، ولا الضالين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، اللهم يا من يحول بين المرء وقلبه ، حل بيننا وبين معصيتك والكفر ، يا مقلب القلوب ، ثبت قلوبنا على دينك حتى نلقاك به ، ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) ، ( آل عمران 8 ) .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية