( مسألة ) : في الصحيحين ، عن - رضي الله عنه - قال : أبي هريرة موسى على البشر . فسمعه رجل من الأنصار ، فقام فلطم خده ، وقال : تقول والذي اصطفى موسى على البشر [ ص: 1123 ] والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا ؟ فذهب اليهودي إليه - صلى الله عليه وسلم - فقال : أبا القاسم ، إن لي ذمة وعهدا ، فما بال فلان لطم وجهي ؟ فقال : لم لطمت وجهه ؟ فذكره ، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى رئي في وجهه ، ثم قال : لا تفضلوا بين أنبياء الله - عز وجل ، فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض ، إلا من شاء الله ، ثم ينفخ فيه أخرى ، فأكون أول من بعث ، فإذا موسى آخذ بالعرش ، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أم بعث قبلي ؟ ولا أقول : إن أحدا أفضل من يونس بن متى . بينما يهودي يعرض سلعته ، أعطي بها شيئا كرهه ، فقال : لا والذي اصطفى
ولهما عن - رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ابن عباس يونس بن متى . ولهما عن ما ينبغي لعبد أن يقول : إني خير من - رضي الله عنه ، عن أبي هريرة يونس بن متى لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من . النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
وفي رواية لمسلم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : - يعني : الله - تبارك وتعالى : لا ينبغي لعبد لي . . . الحديث .
قال النووي - رحمه الله تعالى - في الحديث الأول : قوله - صلى الله عليه وسلم : " " جوابه من خمسة أوجه : لا تفضلوا بين أنبياء الله
أحدها : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم ، فلما علم أخبر به .
والثاني : قاله أدبا وتواضعا .
والثالث : أن النهي إنما هو عن تفضيل ، يؤدي إلى تنقيص المفضول .
[ ص: 1124 ] والرابع : إنما نهى عن تفضيل يؤدي إلى الخصومة والفتنة ، كما هو المشهور في سبب الحديث .
والخامس : أن النهي مختص بالتفضيل في نفس النبوة ، فلا تفاضل فيها ، وإنما التفاضل بالخصائص وفضائل أخرى .
ذكر ابن كثير - رحمه الله تعالى - وجها أن التفضيل ليس إليكم ، وإنما هو إلى الله - عز وجل ، وعليكم الانقياد له والتسليم ، والإيمان به ، اه .
قلت : الوجه الأول من كلام النووي ضعيف ، والثاني والخامس فيهما نظر ، والرابع قريب ، ويقوى عندي الوجه الثالث مع ما ذكره ابن كثير ، فليس التفضيل بالرأي ومجرد العصبية ، ولا بما يلزم منه تنقص المفضول والحط من قدره ، كل هذا وما في معناه محرم قطعا ، منهي عنه شرعا ، وهو الذي غضب منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولو لم يقصده ذلك الأنصاري - رضي الله عنه ، فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم ، ونهيه عن ذلك تعليم عام للأمة ، وزجر بليغ لجميعهم ; كيلا يقع ذلك أو يصدر عن أحد منهم فيهلك .
وأما التفضيل بما أكرمه الله - عز وجل - ورفع به درجته ، ونوه في الوحي بشرفه من الفضائل الشرعية والأخروية ، وغير ذلك مما شهد الله تعالى به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - مما ذكرنا ومما لم نذكر ، فهو الذي يجب اعتقاده والإيمان به ، والتصديق والانقياد له والتسليم ، فلا يؤخذ علم ما يختص بالله ورسوله إلا عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم ، والله المستعان وبه التوفيق .
وقال النووي - رحمه الله تعالى - فيما قاله - صلى الله عليه وسلم - في شان يونس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال هذا زاجرا عن أن يتخيل أحد من الجاهلين شيئا من حط مرتبة يونس - صلى الله عليه وسلم - من أجل ما في القرآن من قصته ، قال العلماء : وما جرى ليونس - صلى الله عليه وسلم - لم يحطه من درجة النبوة مثقال ذرة ، وخصص يونس بالذكر لما ذكرناه من ذكره في القرآن بما ذكر ، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم : يونس ، فالضمير قيل : يعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم ، وقيل : يعود إلى القائل ، أي لا يقول ذلك بعض الجاهلين من [ ص: 1125 ] المجتهدين في عبادة أو غير ذلك من الفضائل ، فإنه لو بلغ من الفضائل ما بلغ ، لم يبلغ درجة النبوة . ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من
ويؤيد هذا التأويل الرواية التي فيها قوله - صلى الله عليه وسلم : يونس بن متى . والله أعلم . لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من