[ ص: 250 ]    ( حدثنا   علي بن حجر     ) بضم مهملة وسكون جيم ( حدثنا  إسماعيل بن إبراهيم  عن  أيوب  عن  القاسم التميمي ) هو ابن عاصم التميمي ويقال : الكليني  بنون بعد التحتية ، مقبول من الرابعة ، كذا في التقريب ، وفي نسخة ضعيفة التيمي بميم واحدة (  زهدم الجرمي  قال : كنا عند  أبي موسى     ) أي حاضرين أو جالسين ( قال ) أي :  زهدم  وأعيد تأكيدا ( فتقدم طعامه ) بصيغة المجهول من التقدم ، كذا مضبوط في أصل السيد ، وفي نسخة صحيحة فقدم بصيغة المفعول من التقديم ، وهو ظاهر ، ففي القاموس قدم القوم كنصر وقدمهم واستقدمهم ، تقدمهم والمعنى فأتي بطعامه ( وقدم في طعامه ) أي في أثنائه أو في جملته ( لحم دجاج ) والثاني أظهر ; لأنه لو كان هناك طعام آخر لما تنحى ، وأكل من غيره ، ويمكن أن يكون تبعده من أكله خصوصا فتأمل ( وفي القوم ) أي الحاضرين ( رجل من  بني تيم الله      ) أي  عبد الله  من قولهم تيمه الحب أي عبده وذلله ، وهو  تيم الله بن ثعلبة  ، وهم حي من  بني بكر   يقال لهم  اللهازم      ( أحمر ) صفة رجل ( كأنه مولى ) أي من مواليهم على حسب ظنه ، أو يشبه مولى لحمرة وجهه ( قال ) أي  زهدم     ( فلم يدن ) أي لم يقرب الرجل إلى الطعام ، وهو معنى التبعد السابق ، أو هما كنايتان عن عدم إقباله على الطعام ، وانتفاء تناوله منه ( فقال له  أبو موسى     : ( ادن ) أي اقرب إلى الطعام ، وكل ( فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل منه ) تذكير الضمير فيه وفيما بعده راجع إلى الدجاج هنا ، بخلافه هناك ، فإنه إلى الدجاجة ، ولكل وجهة تظهر وجهه ( قال ) أي الرجل ( إني رأيته يأكل شيئا ) وفي نسخة نتنا ( فقذرته ) بكسر الذال المعجمة أي استقذرته وعددته قذرا ، قال  ميرك     : ولا بد من اعتبار هذه الجملة في الطريق الأولى أيضا ; ليترتب عليه قوله : ( فحلفت أن ) وفي نسخة أني ( لا أطعمه ) بفتح العين أي لا آكله ( أبدا )      [ ص: 251 ] أي مدة ما أعيش في الدنيا .  
قال  الحنفي     : واعلم أن قصة الدجاج عند  أبي موسى  إن كانت واحدة ، لا تخلو عن إشكال للتفاوت بين الروايتين اللتين أوردهما المصنف ، إذ الأولى بظاهرها يدل على أن اعتذار الرجل عن تنحيه من القوم ، مقدم على قول  أبي موسى  إياه : ادن فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحديث .  
والرواية الثانية بظاهرها يدل على عكس ذلك ، فلا بد أن يصرف إحداهما عن الظاهر ، تدبر .  
قلت : تدبرنا ووجدنا القصة واحدة ، فدبرنا أن الجمع بينهما ممكن بتعدد قوله : ادن ، بل هو متعين ; لأنه قال له حين تنحى : ادن ما لك ، أو ما لك ادن ، كما هو العادة ، ولما تعلل بما تعلل ، قال له : ادن فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحديث هذا .  
وفي تلبيس إبليس   لابن الجوزي  ،  ومن جهلة الصوفية من يقلل المطعم   ، وأكل الدسم حتى ييبس بدنه ، ويعذب نفسه بلبس الصوف ، ويمتنع من الماء البارد ، وما هذه طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا طريق صحابته وأتباعهم ، وإنما كانوا يجوعون إذا لم يجدوا شيئا ، فإذا وجدوا أكلوا ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل اللحم ويحبه ، ويأكل الدجاج ويحب الحلواء ، ويستعذب له الماء البارد ، فإن الماء الحار يؤذي المعدة ولا يروي .  
وكان رجل يقول : لا آكل الخبيص ; لأني لا أقوم بشكره ، فقال   الحسن البصري     : هذا رجل أحمق ، وهل يقوم بشكر الماء البارد  ، وقد  كان   سفيان الثوري  إذا سافر حمل معه في سفرته اللحم المشوي ، والفالوذج  ، انتهى .  
ومحمله قوله تعالى :  قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق   وقال عز وجل :  ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا   ومن دعائه عليه السلام :  اللهم اجعل حبك أحب إلي من الماء البارد     .  
وقال  السيد أبو الحسن الشاذلي  قدس الله سره : الذي يشرب الماء البارد ، ويحمد الله من وسط قلبه ، يعني مرتبة الشكر ، أتم من حالة الصبر ، فإن الأول يورث المحبة ، نعم . إذا لم يوجد فمقامه الصبر ، وبهما يتم مقام الرضى بالقضاء ، وهو باب الله الأعظم ، وقد قال تعالى :  ورضوان من الله أكبر   و  يحبهم ويحبونه   و  رضي الله عنهم ورضوا عنه   
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					