( باب في  صفة شراب رسول الله   صلى الله عليه وسلم )  
أي ما كان يشربه ، وفي نسخة صحيحة باب ما جاء إلخ ( حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ) أي ابن عيينة ، كما سيأتي ( عن  معمر  عن   الزهري  عن   عروة ) أي ابن الزبير     ( عن  عائشة  ، قالت : كان أحب الشراب ) بالرفع على أنه اسم كان وقوله : ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) متعلق بأحب وخبر كان ( الحلو البارد ) وقيل : بالعكس ، وهو الماء العذب ; لما روى  أبو داود  أنه صلى الله عليه وسلم  كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا  ، وهي بضم السين المهملة ، وسكون القاف عين بينها وبين  المدينة   يومان ، وفيه خلاف ذكرناه في شرح المشكاة ، قال   ابن بطال     :  واستعذاب الماء لا ينافي الزهد   ، ولا يدخل في الترفه المذموم ، بخلاف تطييبه بنحو المسك ، فقد كرهه  مالك  لما فيه من السرف ، وقد شرب الصالحون الماء الحلو وطلبوه ، وليس في شرب الماء المالح فضيلة ، وقد أشار إليه سبحانه بقوله :  وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج   وهو ضرب مثل للمؤمن والكافر ، والفرات الذي يكسر العطش والسائغ الذي يسهل انحداره ، والأجاج الذي يحرق لملوحته ، كان السيد  أبو الحسن الشاذلي  قدس الله سره يقول : إذا شربت الماء الحلو أحمد ربي من وسط قلبي .  
وقيل : يحتمل أنه أراد الماء الممزوج بالعسل ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم ير السكر على أن ما في العسل من الشفاء ، كما قال تعالى :  فيه شفاء للناس   مع نظر الاعتبار في أنه يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه .  
قال ابن القيم : فيه من حفظ الصحة ما لا يهتدي لمعرفته إلا أفاضل الأطباء ، فإن  شرب العسل ولعقه على الريق   يزيل البلغم ، ويغسل حمل المعدة ، ويجلو لزوجتها ، ويدفع عنها الفضلات ، ويسخنها باعتدال ، ويفتح السدد والماء البارد رطب ، يقمع الحرارة ، ويحفظ البدن ، وقيل : يحتمل أنه أراد الماء المنقوع فيه تمر وزبيب على ما سبق في باب النبيذ ، وقال بعضهم : كان يشرب اللبن خالصا تارة وبالماء البارد أخرى لأن اللبن عند الحلب يكون حارا وتلك البلاد حارة غالبا فكان يكسر حره بالماء البارد .  
فقد روى   البخاري  أنه صلى الله عليه وسلم  دخل على أنصاري في حائط له يحول الماء ، فقال له : إن كان عندك ماء بات في شن - أي : قربة خلقة - وإلا كرعنا فانطلق للعريش فسكب في قدح ماء ، ثم حلب عليه من داجن فشرب صلى الله عليه وسلم     .  
وحاصل عنوان الباب      [ ص: 303 ] أن الحلو البارد أحب الشراب إليه ، وهو بعمومه يشمل الماء القراح ، والمخلوط بالحلاء واللبن الخالص ، والمخلوط بالبارد ، فلا يرد عليه ما سيأتي أنه كان يقول في اللبن : زدنا منه ، وفي غيره أطعمنا خيرا منه ، مع أن المراد من غيره هو الطعام لا الشراب ، فيرتفع الإشكال من أصله .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					