( باب ما جاء في  كحل رسول الله صلى الله عليه وسلم      )  
الكحل بالفتح مصدر بمعنى استعمال الكحل في العين ، وبالضم اسم للذي يكتحل به ، قال  ميرك     : والمسموع من حيث الرواية الضم وإن كان للفتح وجه بحسب المعنى إذ ليس في أحاديث الباب التصريح بما يكتحل به إلا في طريق واحد ، وأكثر الطرق بيان كيفية اكتحاله .  
( حدثنا   محمد بن حميد ) : بالتصغير . ( الرازي ) : وهو أبو عبد الله  روى عن   ابن المبارك  ، وروى عنه  أحمد  ويحيى  اختلف فيه ، وكان   ابن معين  يقول : حسن      [ ص: 126 ] الرأي . وقيل حافظ ضعيف ، وأخرج حديثه  أبو داود   والترمذي   وابن ماجه     . ( أخبرنا   أبو داود الطيالسي     ) : منسوب إلى  الطيالسة   وهي جمع الطيلسان . ( عن  عباد ) : بفتح مهملة فموحدة مشددة . ( بن منصور ) : وهو أبو سلمة البصري  القاضي بها ، صدوق رمي بالقدر وتغير بآخره ، أخرج حديثه   البخاري  في التعليق والأئمة الأربعة في صحاحهم ، واختلف فيه . ( عن  عكرمة  ، عن   ابن عباس  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  اكتحلوا بالإثمد     ) : أي دوموا على استعماله ، وهو بكسر الهمزة وسكون المثلثة وميم مكسورة ، حجر يكتحل به ، وقال  التوربشتي     : هو الحجر المعدني ، وقيل هو الكحل الأصفهاني ، ينشف الدمعة والقروح ويحفظ صحة العين ويقوي عصابتها لا سيما للشيوخ والصبيان .  
وفي تاج الأسامي : الإثمد توتيا ، وفي رواية " بالإثمد المروح " ، وهو الذي أضيف إليه المسك الخالص كذا قالالدميري     .  
وفي سنن  أبي داود     : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإثمد المروح عند النوم وقال : "  ليتقه الصائم     " . وعند  البيهقي  من حديث  أبي رافع  أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد . وفي سنده مقال ، ولأبي الشيخ في كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم بسند ضعيف  عن  عائشة  قالت : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم إثمد يكتحل به عند منامه في كل عين ثلاثا     . ( فإنه ) : أي الإثمد أو الاكتحال . (  يجلو البصر     ) : من الجلاء ، أي يحسن العين لدفعه المواد الرديئة النازلة إليها من الرأس . (  وينبت الشعر     ) : من الإنبات ، قال  ميرك     : والشعر بفتح العين في الرواية ، قلت : ولعل وجهه مراعاة البصر ، ثم المراد شعر أهداب العين الذي ينبت على أشفارها . وعند  أبي عاصم   والطبري  من حديث  علي  بسند حسن : "  عليكم بالإثمد فإنه منبتة للشعر ، مذهبة للقذى ، مصفاة للبصر     " . ( وزعم ) : أي   ابن عباس  كما يفهم من رواية   ابن ماجه  ، ويصرح به الأحاديث الآتية ، وهو أقرب وبالاستدلال أنسب . وقيل   محمد بن حميد  ، وفي بعض النسخ " فزعم " بالفاء ، والزعم قد يطلق بمعنى القول المحقق وإن كان أكثر ما يستعمل فيما يشك فيه قال تعالى : (  زعم الذين كفروا      ) وفي الحديث : "  بئس مطية الرجل زعموا     " فإن كان الضمير   لابن عباس  على ما هو المتبادر من السياق فالمراد به القول المحقق كقول  أم هانئ  عن أخيها  علي  رضي الله عنهما للنبي صلى الله عليه وسلم : زعم ابن أمي أنه قاتل فلان وفلان لاثنين من أصهارها أجارتهما . وإن كان  لمحمد بن حميد  على ما جوزه بعضهم فالزعم باق على معناه المتبادر إشارة إلى ضعف حديثه بإسقاط الوسائط بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن الظاهر من العبارة أنه لو كان القائل   ابن عباس  لقيل : وإن النبي صلى الله عليه وسلم . ولم يكن لذكر زعم فائدة إلا أن يقال أنه أتى لطول الفصل كما يقع إعادة قال في كثير من العبارات ، وإيماء إلى أن الأول حديث مرفوع والثاني موقوف والأول قولي والثاني فعلي ، وأما قول العصام : والأوجه نسبة الزعم إلى   محمد بن حميد  ، ويؤيده      [ ص: 127 ] نسبة هذا القول في الحديث الثاني إلى   يزيد بن هارون  فغير صحيح ; لأن المراد بقول المصنف : وقال   يزيد بن هارون  في حديثه . أي حديثه الذي يرويه عن   ابن عباس  لا أنه في حديث نفسه ، والمقصود المغايرة اللفظية بين الرواة في الأسانيد المختلفة هذا . ولما كان زعم يستعمل غالبا بمعنى ظن ورد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ) : بفتح الهمزة ، وقوله : (  كانت له مكحلة     ) : بضم الميم والمهملة ، اسم آلة الكحل على خلاف القياس ، والمراد منها ما في الكحل . (  يكتحل منها كل ليلة     ) : بالنصب ، أي قبل أن ينام - كما سيأتي - والحكمة فيه أنه حينئذ أبقى للعين وأمكن في السراية إلى طبقاتها . ( ثلاثة ) : أي متوالية . ( في هذه ) : أي اليمنى . ( وثلاثة ) : أي متتابعة . ( في هذه ) : أي اليسرى ، والمشار إليه عين الراوي بطريق التمثيل ، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال : "  من اكتحل فليوتر     " . رواه  أبو داود  ، وفي الإيتار قولان : أحدهما أن يكتحل في كل عين ثلاثا كما في أحاديث الباب ليكون في كل عين يتحقق الإيتار ، والثاني أن يكتحل فيهما خمسة ثلاثة في اليمنى واثنين في اليسرى على ما روي في شرح السنة ، وعلى هذا ينبغي أن يكون الابتداء والانتهاء باليمين تفضيلا لها على اليسار كما أفاده الشيخ  مجد الدين الفيروزابادي  ، وجوز اثنين في كل عين وواحدة بينهما أو في اليمنى ثلاثا متعاقبة وفي اليسرى ثنتين فيكون الوتر بالنسبة إليهما جميعا . وأرجحها الأول لحصول الوتر شفعا مع أنه يتوصل أن يكتحل في كل عين واحدة ثم وثم ويئول أمره إلى الوترين بالنسبة إلى العضوين .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					