( حدثنا ، حدثنا سفيان بن وكيع جميع ) : بضم الجيم وفتح الميم ، وثقه وضعفه غيره ، قاله ابن حبان ابن حجر ، وقال العسقلاني : جميع ضعيف رافضي ، انتهى . واختلف في قبول ، والأصح أنه إن كانت بدعته ليست بكفر وهو غير داع إلى بدعته فيقبل إن كان متصفا بالضبط والورع . ( رواية المبتدع بن عمر ) : بضم العين وفتح الميم ، قال ميرك : كذا وقع في نسخ الشمائل مكبرا وكذا أورده المزي في التهذيب وتبعه الذهبي في الميزان لكن قال الشيخ ابن حجر في التقريب جميع بن عمير بالتصغير فيهما . ( بن عبد الرحمن ) : انتهى . وجعل العصام أصله ( عمرو ) بالواو ، وقال : هكذا في شفاء في روايته عن القاضي عياض أبي عيسى ، وفي بعض النسخ عمر ، واختار الشيخ ابن حجر أنه بالتصغير ، ثم قال : وقد دق نظر الشارح المحدث في هذا المقام فقال : وكأنه غير اسم أبيه تارة إلى عمرو وتارة إلى عمير كما هو دأب الرافضة من التنفر من عمر رضي الله عنه ، قلت : لأنه من الأشداء على الكفار ، وبالغوا حتى قال بعضهم : ما أحب العمر لشبهه الصوري بعمر . ( العجلي ) : بكسر العين وسكون الجيم نسبة إلى عجل قبيلة عظيمة ينسب إليها جماعة من الصحابة والتابعين وغيرهم . ( إملاء ) : مصدر منسوب أي قال سفيان : حدثنا جميع حال كونه ممليا أو ملقيا أو تاليا . ( علينا من كتابه ) : أي لا من حفظه ، وإيثاره لزيادة الاحتياط أو لنسيان بعض المروي ، ونصبه على التمييز ، أو يكون أملأ مصدرا لقوله : " حدثنا جميع " من غير لفظه ، وهو مصدر أمليت بمعنى أمللت ، وهما لغتان في القرآن ، والمضاعف هو الأصل والمملي حدثنا رجل إلخ ، ووقع في بعض النسخ أملاه بلفظ الماضي واتصال ضمير المفعول به وهو حال من فاعل حدثنا بتقدير قد ، والقول بأنه استئناف بعيد جدا ، ولما كان الإملاء أعم من أن يكون بحفظه أو كتابه قيده بقوله من كتابه ، وقال بعض الشراح الإملاء عند المحدثين إلقاء الحديث على الطالب مع بيان ما يتعلق به من شرح اللغات وتوضيح المعاني والنكات . ( قال حدثني ) : وفي نسخة أخبرني وهو بيان لحدثنا الثاني . ( رجل من بني تميم ) : صفة رجل ، قال العسقلاني : هو عبد الله التميمي مجهول الحال . ( من ولد أبي هالة ) : صفة بعد صفة ، وهو بفتح الواو واللام بضم أوله وسكون ثانيه ، وهو مستعمل هنا بمعنى الجمع أي من أولاده وأسباطه فالمراد ولده بالواسطة . ( زوج ) : صفة خديجة لأبي هالة أو عطف بيان أو بدل منه ، واختلف في اسمه فقيل : هند بن زرارة وكان من أشراف قريش ورؤسائهم مات في الجاهلية ، وأما فهي أم المؤمنين بنت خديجة خويلد ، وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة ، كانت أولا في حيال عتيق بن خالد المخزومي فولدت له عبد الله وبنتا ، ثم مات عتيق وخلفه أبو هالة فولدت له ذكرين هالة وهندا ، ثم مات أبو هالة فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة ولها يومئذ أربعون سنة ، ونشأ هند في حجر تربية النبي صلى الله [ ص: 39 ] عليه وسلم ، وصارت أم أولاده الذكور والإناث سوى خديجة إبراهيم ، وهي به باتفاق العلماء ، وأقامت تحت فراشه صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة ، ومناقبها كثيرة يطول شرحها ، توفيت في رمضان سنة عشر من النبوة أول من آمن بمكة وهي بنت خمس وستين سنة ، ودفنت بالحجون ، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم قبرها ولم تشرع صلاة الجنازة حينئذ ، كذا ذكره ميرك شاه وخالفه ابن حجر حيث قال : وكانت تحت أبي هالة ثم تزوجها عتيق . ( يكنى ) : صفة ثالثة لرجل لا لزوج على ما توهم ، وهو بضم الياء وسكون الكاف ، وفي نسخة يكنى من التكنية ، في القاموس : كني زيد ، يكنى أبا عمرو ، وبه كنية بالكسر والضم سماه به كأكناه وكناه . فقوله : ( أبا عبد الله ) : منصوب على أنه مفعول ثان سواء كان مشددا أو مخففا مجردا أو مزيدا ، قال الحنفي : يكنى على صيغة المجهول من الثلاثي المجرد ، وفي بعض النسخ من التكنية ، وفي الصحاح فلان يكنى بأبي عبد الله ، وكنيته أبا زيد ، وبأبي زيد تكنيه ، فعلى هذا النسخة الثانية ظاهرة والأولى تحتاج إلى القول بأنه منصوب بنزع الخافض أو على المدح ، وقال ميرك : الرواية يكنى بصيغة المجهول مخففا من الثلاثي المجرد فيحتمل أن يكون أبا عبد الله منصوبا بالمدح ; أعني بتقدير يعني ، وتعقبه العصام بقوله : يكنى على صيغة المجهول مخففا مجردا أو مزيدا ومشددا على اختلاف النسخ ، والكل بمعنى ، وقد يتعدى إلى مفعولين بنفسه ومنه يكنى أبا عبد الله ، وقد يتعدى إلى الثاني بحرف الجر كذا في القاموس فلا تقصر نسخة المخفف على كونه ثلاثيا مجردا فتكون من القاصرين ولا تجعلها محتاجة إلى النصب بنزع الخافض فتخرج عن زمرة المتبصرين ، ثم قال : أبو عبد الله مجهول من الطبقة السادسة ، ولم يخرج حديثه أحد من أئمة الصحاح إلا الترمذي في الشمائل ، ولقاؤه ابن أبي هالة منتف قطعا ; لأن الطبقة السادسة لم يثبت لهم لقاء الصحابة وابن أبي هالة من قدماء الصحابة لا محالة قلت إنما يتم هذا لو أريد بابن أبي هالة ولده بلا واسطة وأما على ما سيأتي من أن المراد به حفيده فلا إشكال في الاتصال . ( عن ابن لأبي هالة ) : في الميزان أن اسمه عمر ، وفي نسخة عن ابن أبي هالة ، قال ميرك : وهو حفيد أبي هالة لا ابنه بلا واسطة واسمه هند ، وهو ابن هند شيخ الحسن كما ذكره ، وقال : وعلى قول الدولابي أبي عبيد حيث ذكر أن اسم أبي هالة هند أيضا فهو ممن اشترك مع أبيه وجده في الاسم وهو من الظرف التاريخية . ( عن الحسن بن علي رضي الله عنهما ) : سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته الأكبر ، ولد في رمضان سنة ثلاثين من الهجرة ، ولما قتل أبوه بايعه على الموت أربعون ألفا ، ثم سلم الأمر إلى وسيد شباب أهل الجنة معاوية في سنة إحدى وأربعين تحقيقا لما أخبر به صلى الله عليه وسلم بقوله : " ، مات في سنة خمس وأربعين ، وبقي نسله من إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين حسن بن حسن وزيد بن حسن . ( قال سألت خالي ) : يعني أخا أمه الإضافي ، وهي سيدة نساء العالمين بنت سيد المرسلين . ( فاطمة الكبرى هند بن أبي هالة ) : ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمه خديجة الكبرى رضي الله عنهما ، أخرج حديثه الترمذي في [ ص: 40 ] الشمائل . ( وكان وصافا عن حلية النبي صلى الله عليه وسلم ) : حال من مفعول " سألت " بتقدير قد ، والوصاف صيغة مبالغة من وصف الشيء وصفا وصفة ، وفي القاموس الوصاف العارف للصفة وهو أنسب بالمقام ، وكان القياس وصافا حليته بدون عن أو وصافا لحليته بلام التقوية وكأنه على تضمين الكشف ، ويجوز أن يجعل الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف أي وصفا صادرا أو ناشئا عن حليته كما قالوا في قوله تعالى : ( وما ينطق عن الهوى ) : ، كذا قيل : والأظهر أن الجار متعلق بسألت على ما يدل عليه رواية الشفاء سألت خالي هند بن أبي هالة عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وصافا ، فجملة وكان وصافا معترضة بين مفعولي " سألت " ، وقال ابن حجر تنازعه سألت ووصافا لتضمنه معنى مخبرا ، ثم الحلية بكسر الحاء وسكون اللام الهيئة والشكل ، وقد يستعمل بمعنى الزينة ، وقيل هي ما يتزين به ويطلق على الصفة . ( وأنا أشتهي أن يصف لي ) : أي لأجلي ، والجملة حال من فاعل سألت أو من مفعوله على التداخل والترادف أو منهما معا لوجود الرابطة ، وقيل : إنها جملة معترضة أيضا عطفا على الأولى . ( منها ) : أي على حليته . ( شيئا ) : أي بعضا من أوصافه الجليلة ونعوته الجميلة ، قال ابن حجر وتنوينه للتعظيم والتكثير أو للتقليل وهو الأنسب بالسياق . ( أتعلق به ) : أي أتشبث بذلك الوصف وأجعله محفوظا في خزانة خيالي ، وقيل أي أتمسك به واتصف به ، والخلاف لفظي وهو علة غائية للسؤال ، وفي النهاية : وإنما قال الحسن رضي الله عنه ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو في سن لا يقتضي التأمل في الأشياء ويحفظ الأشكال والأعضاء . ( فقال ) : أي هند ، عطف على سألت . ( كان ) : لمجرد الرابطة ، وأغرب العصام : فقال كان للاستمرار أي كان من ابتداء طفوليته إلى آخر زمانه ، ووجه الغرابة أن هندا لم يدرك حال صغره مع أنه ينافي بعض الأوصاف الآتية فتدبر . ( رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما ) : بفتح الفاء وسكون الخاء ، وقال ميرك : ضبطناه بكسر الخاء المعجمة لكن المذكور في كتب اللغة بسكون الخاء ، وقال الحنفي : ضبطناه بفتح الفاء وسكون الخاء المعجمة وكسرها ، ومنهم من اقتصر على السكون . قلت : السكون هو الصحيح رواية والكسر حكاية . ( مفخما ) : خبر بعد خبر لكان وهو اسم مفعول من التفعيل أي كان عظيما في نفسه معظما في الصدور والعيون عند كل من رآه ولم يرد بالفخامة فخامة الجسم ، وإن كان ضخما في الجملة لأنه لم يكن نحيفا وزادت الضخامة في آخر عمره لما أتاه الله تعالى جميع سؤله [ ص: 41 ] وأراحه من غم أمته ، وكان حكمته ما أشار إليه بعض التابعين لما قيل له : ما هذا السمن ؟ قال : كلما تذكرت كثرة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وما اختصهم الله به ازددت سمنا . وقال بعض العارفين : كلما تذكرت إني عبد الله وإنه أهلني للإيمان والإيقان زاد سمني . وأما ما ورد أن الله يبغض السمين ; فمحمله إذا نشأ عن غفلة وكثرة نعمة حسية كما يدل عليه رواية يبغض اللحامين ، وقيل : ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالسمن ، وقيل : الفخامة في وجهه ; نبله وامتلاؤه مع الجمال والمهابة . والحاصل أنه كان معظما في الظاهر والباطن وإن كان هو وأصحابه برآء من التكلف . ( يتلألأ ) : أي يستنير . ( وجهه تلألؤ القمر ) : وبالنصب أي لمعانه . ( ليلة البدر ) : أي في أربعة عشر المعبر عنها بطه بطريق الإشارة ; لأن القمر فيها في نهاية إضائته ثم تشبيه بعض صفاته بنحو الشمس والقمر إنما جرى على عادة الشعراء والعرب أو على التقريب والتمثيل وإلا فلا شيء يعادل شيئا من أوصافه إذ هي أعلى وأجل من كل مخلوق ، وآثر ابن أبي هالة ذكر القمر ; لأنه يتمكن من النظر إليه ويؤنس من شاهده بخلاف الشمس ; لأنها تغشي البصر وتؤذيه ، وفي الصحاح سمي بدرا ; لأنه يسبق طلوعه غروب الشمس فإنه يبدره بالطلوع ، انتهى . وقيل البدر معناه التمام . ( أطول ) : بالنصب على أنه خبر آخر . ( من المربوع ) : أي الحقيقي وهو ما بين الطويل والقصير على حد سواء يقال رجل ربعة ومربوع ، وما سبق أنه كان ربعة مؤول بأنه نوع من المربوعات أو بأنه كذلك في بادئ النظر وأطول منه عند إمعان النظر ، والحاصل أن الأول بحسب الظاهر والثاني بحسب الواقع ، نعم من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه إذا دخل بين جماعة طوال كان في نظر الحاضرين أطول منهم جميعا ، كما روى أنه لم يكن أحد يماشيه من الناس إلا طاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولربما اكتنفه الرجلان فيطولهما فإذا فارقاه نسبا إلى الطول ونسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الربعة ، والسر في ذلك هو التنبيه على أنه لا يتطاول عليه أحد من الأمة صورة كما لا يتطاولون عليه معنى . ( وأقصر من المشذب ) : على صيغة المفعول من التشذيب وهو الطويل البائن الطول مع نقص في لحمه ، وأصله من النخلة الطويلة التي شذب عنها جريدها أي قطع وفرق لأن بذلك تطول ، كذا قيل : والمعنى بيان طوله وفيه استعارة ، وفي القاموس : المشذب بصيغة المفعول طويل حسن الجسم ، وفي نسخة هي أصل ميرك من المتشذب بصيغة اسم الفاعل من [ ص: 42 ] باب التفعل ، قال العصام : ولم نجده في اللغة قلت : مطاوعة التفعل للتفعيل قياس كالتنبيه والتنبه والتذكير والتذكر وغيرهما فهو بمعنى الأول فعلم أنه كان بينهما ، وهو بمعنى ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد . ( عظيم الهامة ) : بالنصب وهي بتخفيف الميم ; الرأس وجمعها الهام ، وقال في المهذب : الهامة وسط الرأس ولا يخفى أن الأولى هو المراد هنا ثم الهام والهامة مثل التمر والتمرة ، والجمهور على أن عينه واو وشذ الجوهري فذكره في الهاء والياء . ( رجل الشعر ) : بكسر الجيم وسكونها ، وبفتح العين وسكونها ; أي كان في شعره جعودة وتثن وفيه تجريد . ( إن انفرقت عقيقته ) : أي شعر رأسه ، والعقيقة في الحقيقة الشعر الذي يولد عليه المولود قبل أن يحلق في اليوم السابع ، فإذا حلق ونبت ثانيا فقد زال عنه اسم العقيقة ، وربما سمي الشعر عقيقة بعد الحلق أيضا على المجاز لأنه منها ونباته من نباتها ، وبذلك جاء الحديث لئلا يلزم أن يكون شعره باقيا من حين ولادته فإنه مستبعد جدا في العادة ، فإن عادتهم حلق شعر المولود في السابع وكذا ذبح الغنم وإطعام الفقراء اللهم إلا أن يقال إنه من الكرامات الإلهية لئلا يذبح باسم الآلهة الصناعية ، ويؤيده ما قال في فتاويه من أنه يستحب لمن لم يعق عنه أن يعق عن نفسه فإنه صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة ، لكن يحتمل أنه ما اعتبر عقيقتهم لكونها على اسم غيره سبحانه ، وفي رواية : عقيصته بالصاد المهملة بدل القاف الثانية ، وهي الخصلة إذا لويت وضفرت فالمراد شعره المعقوص ، قيل : هذه الرواية أولى والانفراق مطاوع به التفريق والفرق ، والثاني أنسب بقوله : ( فرق ) : بالتخفيف ، يقال : فرق شعره أي ألقاه إلى جانبي رأسه فانفرق أي صار متفرقا ، والمعنى إذا انفرقت وانشقت بنفسها من المفرق فرقها أي أبقاها على انفراقها . ( وإلا ) : أي وإن لم تنفرق بنفسها . ( فلا ) : أي فلا يفرقها بل يتركها معقوصة ، ثم استأنف بقوله : ( يجاوز ) : أي أحيانا . ( شعره ) : بفتح العين وتسكن . ( شحمة أذنيه ) : بضم الذال وسكونها . ( إذا ) : ظرف ليجاوز . ( هو ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم . ( وفره ) : بالتشديد أي جعل شعره وافرا وأعفاه من الفرق ، وفي التاج : أي فتحه ، وقيل يصح أن يكون يجاوز مدخول النفي أي إن انفرق شعره بعد ما عقصه فرق أي ترك كل شيء [ ص: 43 ] من منبته وإلا ينفرق بل استمر معقوصا كان موضعه الذي يجمع فيه حذاء أذنيه فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره أي جمعه ، قال القفال المروزي ابن حجر وسيأتي للمصنف ، وفي مسلم نحوه كان يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رءوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون رءوسهم وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسدل الشعر إرساله ، والمراد هنا إرساله على الجبين واتخاذه كالقصة ، وأما فرقه فهو فرق بعضه من بعض ، ويجوز الفرق والسدل لكن الفرق أفضل لأنه الذي رجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم . ( أنه صلى الله عليه وسلم أزهر اللون ) : بالنصب أي أبيضه بياضا نيرا مشربا بحمرة ، ففي القاموس : الزهرة ; بياض وحسن فيمكن أن يكون معناه أحسن اللون ، وأزهر اسم تفضيل ، وقيل معناه متلألئ اللون ، وفي المهذب : الأزهر الأبيض المستنير ، قال العصام : اللون مستدرك ويرد بأنه لو أطلق لأمكن أن يصرف إلى السن ونحوه . ( واسع الجبين ) : أي واضحه وممتده طولا وعرضا وهي بمعنى الصلت الجبين في رواية وعظيم الجبهة ، وقيل : كناية عن طلاقة الوجه ، والجبين فوق الصدغ وهما جبينان عن يمين الجبهة وشمالا . ( أزج الحواجب ) : الزجج تقوس في الحاجب مع طول في طرفه على ما في القاموس ، وفي الصحاح : دقة الحاجبين بالطول ، وفي الأساس : الدقة والاستقواس ويمكن الجمع ثم الحاجب في الأصل بمعنى الساتر ، والمانع سمي به لأنه الساتر ما تحته من البشرة ، وجمع بناء على أن التثنية جمع ويؤيده قوله الآتي " بينهما عرق " أو للمبالغة في طوله كأن كل قطعة من حاجبيه حاجب ويناسبه وصفه بالسبوغ بقوله : ( سوابغ ) : أي كوامل ، وهو حال من الحواجب ; لأنه في المعنى فاعل ، أي دقت وتقوست حال كونها سوابغ ، والأظهر أنه منصوب على المدح ، وقيل : مرفوع على أنه مبتدأ محذوف ، وأبعد من قال أنه خبر بعد خبر لكان إذ لا يصح الإخبار عن مفرد مذكر بجمع مؤنث فيه ضمير راجع إلى ذلك المفرد ، وأغرب من قال أنه وصف للحواجب فإنه كالنكرة في المعنى لأنه لا يصح وصف ذي اللام المنكر في المعنى بمفرد [ ص: 44 ] يصح دخول اللام عليه بدون اللام اتفاقا . ( في غير قرن ) : بالتحريك مصدر قولك رجل أقرن أي مقرون الحاجبين ، والمراد أن حاجبيه قد سبغا حتى كادا يلتقيان ولم يلتقيا ، والقرن غير محمود عند العرب ويستحبون البلج وهو الصحيح في صفته صلى الله عليه وسلم بخلاف ما روته أم معبد حيث قالت في صفته : " أزج أقرن " ، ويمكن أن يجمع بينهما على تقدير صحة روايتها بأن يقال : كان بين حاجبيه فرجة دقيقة لا تتبين إلا لمتأمل فهو غير أقرن في الواقع وإن كان أقرن بحسب الظاهر ، فكأنه جمع من لطافة العرب وظرافة العجم صلى الله عليه وسلم ، وفي بعض الروايات من غير قرن ففي بمعنى من وغير بمعنى لا ; أي بلا قرن وهو حال والأحسن أن يكون متداخلا . وقوله : ( بينهما عرق ) : وارد على المعنى لأن الحواجب في معنى الحاجبين وهو أيضا حال من الحاجب ، ويجوز في الجملة الاسمية ترك الواو ، والعرق بكسر العين وهو أجوف يكون فيه الدم والعصب غير أجوف . ( يدره الغضب ) : من الإدرار على الرواية الصحيحة أي يجعله الغضب ممتلئا ، قال ميرك : وصح في بعض النسخ يدره من حد نصر متعديا ، انتهى . ويقال در اللبن ، ومن المجاز : درت العروق امتلأت يعني كان بين حاجبيه عرق يمتلئ دما إذا غضب كما يمتلئ الضرع لبنا إذا در ، كذا في النهاية ، وفي الفائق يقال : في وجهه عرق يدره الغضب أي يحركه ويظهره وهذا أظهر لمعنى الإدرار . ( أقنى العرنين ) : بكسر العين وسكون الراء أي طويل الأنف ، وقيل رأسه ويؤيد الأول ما في رواية " أقنى الأنف " ، والقنأ طول الأنف ودقة أرنبته وحدب في وسطه ، ففي الإضافة تجريد أو مبالغة ، وفيه دليل على أن أفعل الصفة قد يجيء لغير اللون والعيب خلافا لبعض النحاة . ( له نور يعلوه ) : الظاهر أن الضميرين راجعان إلى العرنين لأن ما بعده من تتمات صفات الأنف ، وقيل الضمير في " له " عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبعد من قال أنه يعود إلى " أقنى " . ( يحسبه ) : بكسر السين وفتحها أي يظن النبي صلى الله عليه وسلم . [ ص: 45 ] ( من لم يتأمله ) : أي قبل التأمل . ( فيه ) : أي في وجهه وأنفه صلى الله عليه وسلم . ( أشم ) : مفعول ثان ليحسب ، والشمم ارتفاع القصبة مع استواء أعلاها وإشراف الأرنبة قليلا ، وهذا إنما كان لحسن قناه ولنور علاه بحيث يمنع الناظر من التفكر فيه ولو أمعن النظر حكم بأنه ليس أشم ، والجملة استئناف مبين . ( ) : بتشديد المثلثة أي غليظها ، وفي رواية كان كثيف اللحية ، وفي أخرى عظيم اللحية ذكره كث اللحية ميرك ، فما في شرح ابن حجر وغيره أي غير دقيقها ولا طويلها ينافي الرواية والدراية ; لأن الطول مسكوت عنه مع أن عظم اللحية بلا طول غير مستحسن عرفا ، فإن كان الطول الزائد بأن تكون زيادة على القبضة فغير ممدوح شرعا . ( سهل الخدين ) : أي سائل الخدين غير مرتفع الوجنتين ، وروى البزار والبيهقي : كان أسيل الخدين وهو بمعنى ما تقرر . ( ) : أي عظيمه ، وقيل واسعه ، وهو يحمد عند العرب ، والضليع في الأصل الذي عظمت أضلاعه ووفرت فاتسع جنباه ثم استعمل في موضع العظيم وإن لم يكن ثمة أضلاع وفيه إيماء إلى قوة فصاحته وسعة بلاغته ، وقال ضليع الفم شمر : أراد عظيم الأسنان ، وقيل : معناه شدة الأسنان وكونها تامة . ( مفلج الأسنان ) : بصيغة المفعول من التفليج بالفاء والجيم أي منفرجها ، وهو خلاف متراص الأسنان ، قاله الجوهري ويروى : أفلج الأسنان ، وسيأتي أنه كان أفلج الثنيتين ، ولعله أخبر كل بما رآه ولم يتعرض لما سواه ، والأول محمول على التغليب أو مطلق أريد به الخاص والله أعلم ، وفي رواية : أشنب والشنب بفتح الشين المعجمة والنون بعده موحدة رقة الأسنان وماؤها ورونقها ، وفي رواية لابن سعد : مبلج الثنايا بالموحدة ، وفي أخرى : لابن عساكر براق الثنايا ، قال ابن حجر : أخرج أحمد وغيره ، أنه صلى الله عليه وسلم شرب من دلو فصب في بئر ففاح منها مثل رائحة المسك وأبو نعيم : أنه بزق في بئر بدار أنس فلم يكن بالمدينة بئر أعذب منها ، والبيهقي : أنه كان يوم عاشوراء يتفل في أفواه رضعائه رضعاء بنته فاطمة ويقول : " لا يرضعون إلى الليل " فكان ريقه يجزيهم ، : والطبراني أن نسوة مضغن قديدة مضغها فمتن ولم يوجد لأفواههن خلوف ، وأنه مسح بيده وبها [ ص: 46 ] ريقه ظهر عتبة وبطنه فلم يشم أطيب منه رائحة ، : وابن عساكر أن الحسن اشتد ظمؤه فأعطاه لسانه فمصه حتى روي ، علي وبهما رمد فبرئ . ( وبصق يوم خيبر بعيني دقيق المسربة ) : بضم الراء ; الشعر المستدق ما بين اللبة إلى السرة ، ووصفها بالدقة للمبالغة أو على التجريد ، وأما بفتحها فواحدة المسارب وهي المراعي . ( كأن ) : بتشديد النون . ( عنقه ) : بضمتين ويسكن . ( جيد دمية ) : بضم الدال المهملة وسكون الميم وفتح التحتية أي رقبته صورة مصورة من عاج ونحوه ، والجيد بكسر الجيم بمعنى العنق ، وغاير بينهما كراهة التكرار اللفظي وإرادة التفنن المعنوي ، والمقصود بيان أن طول عنقه في غاية الاعتدال وكيفية هيئته من نهاية الجمال ، إذ الغالب تشبيه الأشكال والهيئات بالصورة ، وإيراد المبالغة في الحسن والبهاء لأنها يتأنق في صفتها ويبالغ في تحسينها . ( في صفاء الفضة ) : قيل : صفة لدمية أو لجيد دمية أو خبر بعد خبر لكان عنقه وهو الأولى وفيه إيماء إلى بياض عنقه الذي يبرز للشمس المستلزم أن سائر أعضائه أولى وإشارة إلى أن بياضه كان في غاية الصفاء لا أن بياضه كريه اللون كلون الجص وهو الأبيض الأمهق . ( معتدل الخلق ) : بفتح الخاء المعجمة أي كانت أعضاؤه متناسبة غير متنافرة وكأنه إجمال بعد تفصيل بالنسبة إلى ما سبق ، وإجمال قبل التفصيل بالنسبة إلى ما لحق ، وإنكار هذا الكلام من بعض الفضلاء العظام مكابرة في هذا المقام ، وقول ابن حجر : معتدل الخلق في جميع أوصاف ذاته لأن الله حماه خلقا وشريعة وأمة من غائلتي الإفراط والتفريط يوهم أن الرواية بضم الخاء وليس كذلك واللهم إلا أن يراد بالخلق المخلوقات فيكون من قبيل : عالم القوم هذا ، وقد قال ميرك : هذه الفقرة صححت في أصل سماعنا بالنصب والرفع معا ، فالنصب على الخبرية لكان السابق أو المحذوف كالأخبار السابقة ، والرفع على أنه [ ص: 47 ] خبر مبتدأ محذوف هو هو والجملة مستقلة ، انتهى . والنصب أظهر . ( بادن متماسك ) : قال الحنفي : قوله : " بادن " روايتنا إلى هنا بالنصب ومنه إلى آخر الحديث بالرفع ، وقال ميرك : الصحيح في أصول مشايخنا " بادن متماسك " بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، والجملة مستقلة أو خبر بعد خبر لكان ، وقيل يحتمل أن يكون قوله : " بادن متماسك " منصوبا كما هو مقتضى السياق ، ويكتفى بحركة النصب على الألف كما هو رسم المتقدمين في كتبهم المنصوبات ، ويؤيده ما وقع في جامع الأصول نقلا عن الشمايل " بادنا متماسكا " بالألف وكذا في الفائق وكذا في الشفاء كتب بالألف أيضا ، والظاهر من هذا الكلام أن الغرض أن يكون جميع الجمل الواقعة في هذا الخبر على نسق واحد لكن لا يستقيم النصب في بعض الجمل كقوله : " سواء البطن والصدر " ، وقوله : " نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء " ، وقوله : " جل نظره الملاحظة " فتأمل ، انتهى . والظاهر أن نقل جامع الأصول إنما هو بالمعنى وأما غيره فيحتمل أن يكون روايته بالنصب وعلى تقدير ثبوت النصب هاهنا لا يلزم أن يكون جميع الجمل على منوال واحد ، ثم قوله : " بادن " اسم فاعل من بدن بمعنى ضخم ، والضخامة قد تكون بعظم الأعضاء وقد تحصل بالسمن ، ولما لم يوصف صلى الله عليه وسلم بالسمن قال بعض الشراح : المراد به عظم الأعضاء ، وأردفه بقوله : " متماسك " وهو الذي يمسك بعض أعضائه بعضا ليعلم أن عظم أعضائه لم يخرجها من حد الاعتدال ، وقيل : المتماسك هو المكتنز اللحم غير سهل ولا مسترخ كأن سمنه استمسك بعضه بعضا ، فعلى هذا يحتمل أن يكون المراد بالبادن السمين ، وأتبعه بقوله : " متماسك " لنفي الاسترخاء المذموم عند العرب المكروه في المنظر أي فهو معتدل الخلق بين السمن والنحافة وهذا هو الظاهر ، والخلاف في أنه سمن أو ما سمن لفظي ويؤيده أن البادن فسره القاضي عياض بذي لحم والحاصل أنه تخصيص بعد تعميم أو تذييل وتتميم . ( للقاضي عياض سواء البطن والصدر ) : صفة " بادن " أو خبر مبتدأ محذوف ، قال ميرك : صحح في أصل سماعنا وأكثر النسخ الحاضرة والمصححة سواء بالرفع منونا والبطن والصدر بالرفع فيهما فيحتمل أن يكون الألف واللام عوضا عن المضاف إليه أي سواء بطنه وصدره ، انتهى . ونظيره ( فإن الجنة هي المأوى ) فيصير كقوله تعالى : ( سواء محياهم ومماتهم ) ، ويحتمل أن يكون بتقدير منه نحو السمن منوان بدرهم أي منه فيصير كقوله تعالى : ( سواء العاكف فيه والبادي ) فاندفع ما قال العصام : أن البطن والصدر مرفوعان على الفاعلية دون الابتداء لكن يلزم كون التركيب [ ص: 48 ] قبيحا لخلوه عن ضمير الموصوف كما علم في مسائل الحسن الوجه فالتعويل على الإضافة وهو رواية الفائق ، نعم لو نصب البطن لكان أحسن وبالجملة سواء مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف وجاء في سواء كسر السين والفتح على ما في القاموس . قلت والرواية بالفتح ، والمعنى أنهما مستويان لا ينبو أحدهما عن الآخر ، وسواء الشيء وسطه لاستواء المسافة إليه من الأطراف على ما ذكره في النهاية ، وفي نسخة برفع سواء غير منون وخفض البطن والصدر ، وقال صاحب الفائق : سواء في الأصل اسم بمعنى الاستواء يوصف به كما يوصف بالمصادر ، فهو هاهنا بمعنى مستو أضيف إلى البطن وفيه ضمير عائد إلى المبتدأ والمعنى أن صدره وبطنه لا يزيد على صدره ، وصدره لا يزيد على بطنه ، انتهى . يعني أن بطنه ضامر فهو مساو لصدره وصدره عريض فهو مساو لبطنه . فقوله : ( عريض الصدر ) : كالمؤكد لما قبله ، وكون الصدر عريضا مما يمدح في الرجال . ( ) : سبق معناهما . ( أنور المتجرد ) : بفتح الراء من باب التفعل ، وفي نسخة من باب التفعيل وهو ما جرد عنه الثوب من البدن ، يقال : فلان حسن الجردة ، والمجرد والمتجردة والتجريد التعرية عن الثوب ، والمتجرد المعرى كقولهم حسن العرية والمعرى وهما بمعنى ، والمعنى أن عضوه الذي ستره الثوب كان أنور إذا صار مكشوفا ، وقيل : المراد بالأنور النير كما قيل في قوله تعالى : ( بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس وهو أهون عليه ) ، والنير الأبيض المشرق فإن اسم التفضيل لا يضاف إلى المفرد المعرفة ، قال الحنفي : روي المتجرد بكسر الراء على أنه اسم فاعل من التجرد من باب التفعل أي العضو الذي كان عاريا عن الثوب وبفتحها أيضا على أنه اسم مكان منه أي العضو الذي هو موضع التجرد عن الثوب ومآلهما واحد ، وقال العصام : روي المتجرد مفتوح الراء ومكسوره ففي القاموس : امرأة بضة الجردة والمجرد والمتجرد أي بضة عند التجرد ، والمتجرد مصدر فإن كسرت الراء أردت الجسم ، انتهى . وليس كسر الراء في نسخة معتمدة ، وأغرب الحنفي حيث قال في حاشية شرحه : ومنهم من قصر على الفتح ، ويوافقه الأصول المعتمدة ، انتهى . فتأمل . ( موصول ما بين اللبة ) : بفتح اللام وتشديد الموحدة وهي النقرة التي فوق الصدر . ( والسرة بشعر ) : متعلق بموصول المضاف إلى معموله إضافة الوصف والمعنى ، وصل ما بين لبته وسرته بشعر ، وما إما موصولة أو موصوفة . ( يجري ) : أي يمتد ذلك الشعر . ( كالخلط ) : أي طولا ورقة وفي بعض الروايات كالخليط والأول أبلغ للإشعار بأن الأشعار مشبهة بالحروف وهذا الشعر معنى هو دقيق المسربة [ ص: 49 ] ( عاري الثديين ) : بفتح المثلثة وسكون الدال . ( والبطن مما سوى ذلك ) : قال الحنفي . إشارة إلى ما بين اللبة والسرة ، والظاهر أن يقال مما سوى ذلك الشعر أو الخط ، والمعنى لم يكن على ثدييه وبطنه شعر غير مسربته ، ويؤيده ما وقع في حديث ابن سعد : له شعر من لبته إلى سرته يجري كالقضيب ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره . وفي النهاية قوله : " عاري الثديين " أراد أنه لم يكن عليهما شعر ، وقيل : أراد أنه لم يكن عليهما لحم فإنه قد جاء في صفته أشعر الذراعين والمنكبين وأعلى الصدر ، انتهى . وفيه بحث لا يخفى قيل ولم يكن تحت إبطيه شعر وهو ضعيف لما صح أنه عليه السلام كان ينتف شعر إبطيه ، ولعل النفي منصب على كثرة شعره . ( أشعر الذراعين ) : وهو بكسر الذال من المرفق إلى الأصابع . ( والمنكبين ) : بفتح الميم وكسر الكاف مجتمع رأس الكتف والعضد . . ( وأعالي الصدر ) : أي أن شعر هذه الثلاثة غزير كثير والأشعر ضد الأجرد وهو أفعل صفة لا أفعل تفضيل ، وفي القاموس : والأشعر كثير الشعر وطويله ، وفي أكثر الشروح أي كثيره وقيل طويله والمقام يحتملهما ، والله أعلم . ( طويل الزندين ) : بفتح الزاي وسكون النون وبالدال المهملة وهو ما انحسر عنه اللحم من الذراع على ما في الفائق ، وفي المغرب : هما طرفا عظم الساعدين ، وفي القاموس : الكوع بالضم طرف الزند الذي يلي الإبهام ، والكاع طرف الزند الذي يلي الخنصر وهو الكرسوع . ( رحب الراحة ) : أي واسع الكف حسا ومعنى والرواية بفتح الراء ويجوز الضم في اللغة بمعنى السعة ، قيل : رحب الراحة دليل الجود وضيقها دليل البخل . ( ) : سبق معناه . ( شثن الكفين والقدمين سائل الأطراف ) : بالسين المهملة وبهمز مكسور بعد ألف وفي آخره لام ، وقول الحنفي : بالسين المهملة وبالياء آخر الحروف ; موهم ومراده الأصل ، وفسره الشفاء بالطويل الأصابع ، وقيل المراد امتداد اليدين وارتفاع الأصابع لكن من غير إفراط ، وروى بعضهم وبالنون وهو لغة في سائل كجبريل وجبرين . ( أو قال ) : شك من الراوي أي قال ابن أبي هالة أو الحسن أو من دونهما من مشايخ الراوي . ( شائل الأطراف ) : بالشين المعجمة ومعناه يئول إلى [ ص: 50 ] ارتفاع الأصابع وهو ضد انقباضها وإلى طول اليدين من قولهم : شالت الميزان إذا ارتفعت إحدى كفتيه ، قيل : لم يذكر الهروي ولا صاحب النهاية هذا اللفظ بالمعجمة ، والشول : الارتفاع ، فإن صح فمعناه مائل إلى الطول ، قال الحنفي : قيل وقع في بعض النسخ " وسائر الأطراف " أو قال " سائر الأطراف " بالمهملة ، وفي بعض الروايات " سائل أو سائر الأطراف " ; فالسائر الأول بمعنى الباقي من السؤر عطفا على القدمين أي شثن سائر الأطراف ، قال ميرك : ونقل بعض الشراح أنه وقع في بعض النسخ " وسائر الأطراف " بواو العطف وبالراء بدل اللام ، وهذا وإن كان صحيحا رواية كما قال في الشفاء نقلا عن القاضي عياض أنه قال : وأما على الرواية الأخرى " وسائر الأطراف " فإشارة إلى فخامة جوارحه كما وقعت مفصلة في الحديث ، لكن لا يلائم سياق ابن الأنباري الترمذي فإنه قال " سائل الأطراف " ، ثم فسر بقوله : أو قال سائر الأطراف ، فلو قال الشارح وقع في بعض الروايات لكان أولى وأصوب ، والله أعلم ، ونقل جامع الأصول هذا الحديث عن الشمايل ولم يذكر فيه أو قال " شائل الأطراف " لكنه مستقيم على قانون العربية - كما ذكرناه - مع ثبوت نقله عن الثقات فلا وجه للقول بأنه وقع سهوا من الناسخ بدلا من السائن بالمهملة والنون كما وقع في سائر كتب الحديث ، قال السيوطي في مختصر النهاية : سائل الأطراف وبالنون أي ممتد الأصابع . ( خمصان الأخمصين ) : بلفظ التثنية ، في القاموس : الخمصان بالضم وبالتحريك ضامر البطن فهو صفة مؤنثة بالتاء ، وقال ابن الأثير : الأخمص من القدم الموضع الذي لا يلصق بالأرض منها عند الوطء ، والخمصان المبالغ منه أي أن ذلك الموضع من أسفل قدميه شديد التجافي عن الأرض ، وقال : إذا كان خمص الأخمص بقدر لم يرتفع جدا ولم يستو أسفل القدم جدا فهو أحسن ما يكون وإذا استوى أو ارتفع جدا فهو ذم ، فالمعنى على هذا الأنسب بأوصافه أن أخمصه معتدل الخمص بخلاف الأول ، انتهى كلام النهاية ، ويؤيد الأخير ما في الفائق : يعني أنهما مرتفعان عن الأرض ليس بالأرح الذي يمسها أخمصاه ، والأرح بالراء والحاء المهملة المشددة ، لكن قال ابن الأعرابي في كتاب الشفاء وفي حديث القاضي عياض خلاف هذا ، قال فيه : أبي هريرة إذا وطئ بقدمه وطئ بكلها ليس له أخمص ، قال : وهذا يوافق قوله : مسيح القدمين ، وبه قالوا سمي المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام أي أنه لم يكن أخمص كذا قال ، ولم يتعرض لوجه الجمع بين الروايتين ، ويفهم من ظاهر كلامه ترجيح رواية حيث أيده بما تقدم ، وفيه أن الراوي ذكر قوله : " مسيح القدمين " عقيب قوله : " خمصان الأخمصين " فلو أريد به أنه لم يكن أخمص لكان بينهما تناقض صريح ، فظهر أن لقوله : " مسيح القدمين " معنى آخر - كما سيأتي بيانه - ، وظهر وجه الجمع بين الروايتين مما نقله صاحب النهاية عن أبي هريرة أن خمصه في غاية الاعتدال فمن أثبت الخمص [ ص: 51 ] أراد أن في قدميه خمصا يسيرا ، ومن نفاه نفى شدته ، قال ابن الأعرابي ميرك : هذا غاية ما يمكن في وجه الجمع بين الخبرين لكن المرجح من حيث الإسناد حديث فإنه أخرجه أبي هريرة يعقوب بن سفيان وغيرهما بأسانيد قوية ، وإسناد حديث والبزار هند هذا لا يخلو عن ضعف لأجل جميع بن عمرو فإنه ضعيف عند النقاد وإن كان ذكره في الثقات وفيه مجهولان أيضا ، انتهى . وأما قول ابن حبان العصام : إن النهاية جعلها مبالغة في ارتفاعها ، وزعم أن الصيغة للمبالغة فمبني على زعمه لأن الظاهر أن المبالغة مفهومة من إضافة " الخمصان " إلى " الأخمصين " ، ثم قد يقال لباطن القدم أخمص على ما في القاموس وينافيه ما في المهذب من أن الأخمص هو الشخص لا الموضع الخاص منه ، لكن المراد هنا هو الأول سمي أخمص لضموره ودخوله في الرجل ، يقال خمص بالضم والكسر والفتح خمصا ورجل خمصان بالضم وامرأة خمصانة إذا كانا ضامري البطن . ( مسيح القدمين ) : أي أملسهما ليس فيهما تكسر ولا شقاق ، وفي الفائق يريد ممسوح ظاهر القدمين أي ملساوان لينتان ، فالماء إذا صب عليهما مر مرا سريعا ، ويفسره أو يؤيده قوله : ( ينبو ) : على وزن يدعو أي يتباعد ويتجافى . ( عنهما الماء ) : ويؤيده ما قال : أي ظهر قدمه أملس لا يقف عليه الماء لملاسته ، وقال أبو موسى المديني الشيخ الجزري : مسيح القدمين الذي ليس بكثير اللحم فيهما . ( إذا زال ) : أي ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتفع عن مكانه ، أو زال قدمه بتقدير مضاف ، فإن القدم مؤنث على ما في القاموس ردا على الجوهري ، وأغرب من جعل الضمير إلى الماء نظرا إلى القرب اللفظي وغفل عن الفساد المعنوي . . ( زال قلعا ) : بفتح القاف وسكون اللام أي رفع رجله عن الأرض رفعا بائنا بقوة لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطاه تبخترا ، قال في النهاية : روي قلعا بالفتح والضم فبالفتح مصدر بمعنى الفاعل أي يزول قالعا للرجل من الأرض وبالضم إما مصدر أو اسم وهو بمعنى الفتح أيضا ، وقال الهروي : قرأت هذا الحرف في غريب الحديث قلعا بفتح القاف وكسر اللام وكذلك قرأته بخط لابن الأنباري الأزهري ، ويجوز أن يكون قلعا على تقدير كونه مصدرا أو اسما بمعناه مفعولا مطلقا أي زال زوال قلع ، ومعناه قريب مما ورد في كأنما ينحط في صبب إذ الانحدار من الصبب والقلع من الأرض قريب بعضه من بعض ، والمعنى أنه كان يستعمل التثبيت ولا يتبين منه حينئذ استعجال ولا استمهال وهذا معنى قوله تعالى : ( وصف مشيه صلى الله عليه وسلم واقصد في مشيك ) أي توسط فإن خير الأمور أوساطها ، قال العصام : قلعا ككتف حال وغيره منصوب مصدر أي ذهاب قلع أو تقلع قلعا ، وقوله : ( يخطو ) : بوزن يعدو أي يمشي . ( تكفيا ) : جملة مؤكدة لما قبله وهو بكسر الفاء المشددة بعدها ياء ، وفي نسخة تكفؤا بضم الفاء بعدها همزة وسبق تحقيقها أي مائلا إلى سنن المشي لا إلى طرفيه . ( ويمشي ) : تفنن في العبارة . ( هونا ) : قال الحنفي : مصدر بغير لفظ الفعل أي يمشي مشي هون ، والصواب ما قال ابن حجر أنه نعت لمصدر محذوف أي مشيا هونا أو حال أي هينا في تؤدة وسكينة وحسن سمت ووقار وحلم لا يضرب بقدميه ولا يخفق بنعليه أشرا ولا بطرا ، ومن ثم قال في قوله تعالى : ( ابن عباس وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ) [ ص: 52 ] أي بالطاعة والعفاف والتواضع ، وقال الحسن : حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا ، وقال : سرعة المشي تذهب ببهاء الوجه ; يريد الإسراع الخفيف لأنه يخل بالوقار إذ الخير في الأمر الوسط ، وحاصله أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع رجليه من الأرض أو إحدى رجليه من الأخرى رفعا بائنا بقوة لا كمن يمشي مختالا ويقارب خطاه تنعما . ( الزهري ذريع المشية ) : خبر بعد خبر بكسر الميم للنوع ، ومعناه المشي المعتاد لصاحبه على ما في الجاربردي أو سريع المشي واسع الخطا على ما في النهاية ومعناه أن مشيته مع سرعته كأن الأرض تطوى إليه - كما سيأتي - كانت برفق وتثبت دون العجلة ، وأما إسراع عمر رضي الله عنه فكان جبليا لا تكلفيا ، وما أحسن قول ميرك فقوله : إذا زال زال قلعا ; إشارة إلى كيفية رفع رجليه عن الأرض ، وقوله : " يمشي هونا " إشارة إلى كيفية وضعهما على الأرض ، وقوله : " ذريع المشية " أي واسع الخطو من قولهم فرس ذريع أي واسع الخطو بين الذراعين إشارة إلى سعة خطوه في المشي وهي المشية المحمودة للرجال ، وأما النساء فإنهن يوصفن بقصر الخطا قال أي أن مشيه كان يرفع فيه رجليه بسرعة ويمد خطوه خلاف مشية المختال ، ويقصد همته ، وكل ذلك برفق وثبت دون عجلة كما قال : ( القاضي عياض ) : والظرف يحتمل أن يتعلق بما قبله أو بعده وعلى التقديرين فهو كالمبين لقوله : " ذريع المشية " ، وقوله : ( إذا مشى كأنما ينحط من صبب ) : عطف على الشرطية الأولى أعني إذا زال قلعا لأن ما بعدها من لواحقها . ( جميعا ) : على وزن فعيلا في الأصول المصححة ، وفي بعض الروايات جمعا على وزن ضربا وهو منصوب على المصدر أو الحال ، أراد أنه لا يسارق النظر ، وقيل لا يلوي عنقه يمنة ويسرة إذا نظر إلى الشيء وإنما يفعل ذلك الطائش الخفيف ولكن كان يقبل جميعا ويدبر جميعا لما أن ذلك أليق بجلالته ومهابته . ( وإذا التفت التفت خافض الطرف ) : بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف هو هو أو خبر بعد خبر والمراد بالخفض ضد الرفع والطرف بفتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء العين ولم يجمع لأنه في الأصل مصدر واسم جنس يعني إذا لم ينظر إلى شيء يخفض بصره لأن هذا شأن المتأمل المشتغل بالباطن ولأنه شأن المتواضع [ ص: 53 ] بالطبع ويؤكده ويفسره قوله : ( نظره ) : أي مطالعته . ( إلى الأرض أطول ) : أي أكثر أو زمن نظره إليها أطول أي أزيد وأمد ( من نظره إلى السماء ) : ويجوز أن يكون وصفا برأسه مخبرا عن نهاية تواضعه وخضوعه وغاية حيائه من ربه وكثرة خوفه وخشوعه ، والمراد أن نظره إلى الأرض حال السكوت وعدم التوجه إلى أحد أطول من نظره إلى السماء فلا ينافي ما ورد من حديث أبي داود عن قال : عبد الله بن سلام مع أنه قد يحتمل أن الرفع محمول على حال توقعه انتظار الوحي في أمر ينزل عليه ، وقيل : الأكثر لا ينافي الإكثار . ( كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء جل نظره ) : بضم الجيم واللام المشددة أي معظمه وأكثره . ( الملاحظة ) : وهي مفاعلة من اللحظ وهو النظر باللحاظ وبفتح اللام فيهما ، يقال : لحظه ولحظ إليه بمؤخر العين ، واللحاظ بالفتح شق العين مما يلي الصدغ ، وأما الذي يلي الأنف فالموق والماق ، واللحاظ بالكسر مصدر لاحظته إذا راعيته ، والمراد أن جل نظره في غير أوان الخطاب الملاحظة فلا يناقض قوله إذا التفت التفت جميعا وتحمل الملاحظة على حال العبادة . ( يسوق أصحابه ) : أي يقدمهم أمامه ويمشي خلفهم تواضعا وإشارة إلى أنه كالراعي يسوقهم وإيماء إلى مراعاة أضعفهم فيتأخر عنهم رعاية للضعفاء وإعانة للفقراء ، وفي بعض النسخ " يقدم أصحابه " من التقديم ، أخرج أحمد عن عبد الله بن عمر قال : . وفيه رد على أرباب الجاه من الجهلاء وأصحاب التكبر والخيلاء ، وأخرج ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطأ عقبه عقب رجل الدارمي بإسناد صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال : " " ، وأخرج خلوا ظهري للملائكة أحمد عن جابر قال : ، ولعله مأخوذ من قوله تعالى : ( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يمشون أمامه ويدعون ظهره للملائكة والملائكة بعد ذلك ظهير ) ويروى : " ينس أصحابه " ، في القاموس : النس بالنون والسين المشددة السوق ينس وينس . ( ويبدر ) : من حد نصر [ ص: 54 ] بمعنى يسبق ويبادر . ( من لقي بالسلام ) : متعلق بيبدر أي بالتسليم فإنه مصدر سلمت ، وفي بعض النسخ " يبدؤ " من البدء بمعنى الابتداء ، والمعنى أنه يجعل سلامه أول ملاقاته ، قيل : لأن ذلك سمة المتواضع ، وقال العصام : أقول إيثارا لمن لقيه على نفسه بأجزل المثوبة لأن فريضة وهي أفضل من ثواب السنة ، قلت : هذا غفلة عن القاعدة المقررة ; أن الإيثار في العبادات غير محمود وذهول عن قول العلماء إن هذه سنة أفضل من الفرض لأنها سبب لحصوله ، وأما ما قال جواب السلام الحنفي وفي النسخ يبدو أي بالواو فمناف لقوله ، وقال الفائق : " يبدأ " أي بالهمزة وتبعه العصام فلا يظهر وجهه وإن قال الحنفي ، والمؤدى في تلك الروايات واحد .