الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما كان الواجب على كل من علم أن بسلعته شيئا يكرهه المبتاع أن يبينه مفصلا أشار لذلك بقوله ( وإذا علمه ) أي علم البائع حاكما ، أو وارثا ، أو غيرهما العيب ( بين ) وجوبا ( أنه به ) أي بالمبيع ( ووصفه ) زيادة على البيان إن كان شأنه الخفاء كالإباق ، والسرقة وصفا شافيا ; لأنه قد يغتفر شيء دون شيء ( أو أراه له ) إن كان ظاهرا كالعور والكي ( ولم يجمله ) يعني ولم يجز له أن يجمله وكثيرا ما يقع للمصنف التعبير بلم التي تفيد المضي والمراد الحال ، أو الاستقبال فيحمل على ما ذكرنا ، ولو قال ولا يجمله لكان أحسن ، فإن أجمله مع غيره من غير جنسه كقوله : هو زان سارق ، وهو سارق فقط لم يكف وله الرد ; لأنه ربما علم سلامته من الأول فظن أن ذكر الثاني معه كذكر الأول ، وإن أجمله في جنسه مع تفاوت أفراده كقوله : سارق فهل ينفعه ذلك في يسير السرقة ، وهو الأوجه ، أو لا ينفعه ( و ) منع من الرد بالعيب ( زواله ) [ ص: 120 ] أي العيب قبل الرد سواء زال قبل القيام به ، أو بعده وقبل الحكم عند ابن القاسم كأن يكون للرقيق ولد ، أو والد فيموت فلا رد ( إلا ) أن يكون ما زال ( محتمل العود ) كبول بفرش في وقت ينكر وسلس بول وسعال مفرط واستحاضة وجنون وبرص وجذام حيث قال أهل الطب يمكن عوده فإن زوال ما ذكر لا يمنع الرد ، ولو وقع الشراء حال زواله ( وفي زواله ) أي العيب إن كان عيب تزويج ( بموت الزوجة ) المدخول بها ، أو الزوج الذي دخل إذ الأقوال الثلاثة في الزوج أيضا ( وطلاقها ) بائنا ومثله الفسخ بغيره والواو بمعنى أو ( وهو المتأول ) على المدونة ( والأحسن أو ) يزول ( بالموت فقط ) من أحدهما دون الطلاق ( وهو الأظهر ) ; لأن الموت قاطع للعلقة دون الطلاق لكن في موتها مطلقا علية ، أو وخشا ، وأما في موته فلا يزول عيبها به إلا إذا كانت وخشا على هذا القول ( أو لا ) يزول بموت ولا طلاق ; لأن من اعتاد التزوج منهما لا صبر له على تركه غالبا ، وهو قول مالك قال البساطي ولا ينبغي أن يعدل عنه ( أقوال ) محلها في التزوج بإذن السيد من غير أن يتسلط على سيده بطلبه ، وأما لو حصل بغير إذن سيده ، أو يتسلط على السيد فعيب مطلقا في موت ، أو طلاق . .

التالي السابق


( قوله العيب ) أي الذي في المبيع سواء كان رقيقا ، أو غيره ( قوله بين وجوبا أنه ) أي العيب به أي كأن يقول له هذا العبد يأبق ، أو يسرق ، أو هذه الدابة تعثر فلو قال أبيعك بالبراءة من عيب كذا كالإباق ، أو السرقة ، والحال أنه يعلم أن هذا العيب به ولم يقل له هو به لم يفده ( قوله وصفا شافيا ) أي كاشفا عن حقيقته بأن يقول : إنه يأبق لموضع كذا ، أو شأنه سرقة ما قدره كذا ، ولا يجمل في البيان بحيث يقول إنه يأبق ، أو أنه سارق ; لأنه قد يغتفر الإباق لموضع دون موضع ، وقد يغتفر سرقة شيء دون شيء انتهى فالمراد بالإجمال أن يذكر أمرا كليا يدل على العيب الجزئي القائم بالعبد ، وعلى غيره كسارق فإنه شامل لسرقة دينار وأكثر وأقل وشامل لسرقة كل شهر ، أو كل يوم ، أو كل أسبوع ، أو كل سنة ولا شك أن القائم به واحد من تلك الأشياء ( قوله ، أو أراه له ) الضمير المنصوب راجع للعيب والمجرور للمشتري وكان الأولى أن يقول : أو أراه إياه ; لأن أرى البصرية تتعدى بنفسها لمفعولين بهمزة النقل وقال اللقاني اللام هنا مقحمة للتقوية ( قوله : ولم يجمله ) أي في البيان ( قوله : فيحمل على ما ذكرنا ) أي فيحمل كلام المصنف في المواضع التي عبر فيها بلم المفيدة للمضي على الحال ، أو الاستقبال كما في قوله هنا ولم يجمله ( قوله ، فإن أجمله مع غيره ) أي ، فإن ذكر ما فيه مجملا وذكره مع غيره كقوله سارق زان فلا يخفى أن الإجمال من حيث سارق ( قوله ، وإن أجمله في جنسه ) أي ، وإن أجمل في بيان العيب الذي فيه بأن ذكر جنسه كقوله سارق ( قوله مع تفاوت أفراده ) أي مع تفاوت أفراده فيه بأن كان بعض أفراد الجنس يأخذ منه أكثر من البعض الآخر مثلا سرقة دينار يأخذ من مطلق سرقة أكثر مما يأخذ منه سرقة درهم ( قوله فهل ينفعه ذلك في يسير السرقة ) أي في البراءة من يسير السرقة دون المتفاحش منها ، أو لا ينفعه ذلك مطلقا ; لأن بيانه مجملا كلا بيان ، والأول للبساطي والثاني لبعض معاصريه وفي بن أن كلام المدونة والنوادر كالصريح فيما قال البساطي كما في نقل المواق و ح واعلم أن محل الخلاف إذا أتى بلفظ محتمل للقليل والكثير من ذلك العيب ، والحال أنه عالم أن فيه قليل ذلك العيب ، وأما لو أتى بلفظ محتمل للعيوب كلها كثيرها وقليلها ، وهو يعلم أن بعضها فيه كأبيعك عظما في قفة ، أو أبيعك هذا الحيوان جزارى فانظر هل يجري فيه خلاف البساطي وغيره ، أو يتفقان على أن البراءة لا تنفع في هذا وفي شب الظاهر أن البراءة لا تنفع في هذا [ ص: 120 ] لأن ما علمه لم يبين أنه به ا هـ . عدوي ، وهو ظاهر المدونة كما في بن ( قوله أي العيب ) يعني القديم ، وهو الكائن حين البيع ، أو قبله وقوله قبل الرد متعلق بزواله ( قوله ، أو بعده وقبل الحكم ) أي بأن زال في زمن الخصام ( قوله عند ابن القاسم ) أي خلافا لأشهب القائل : إن زواله بعد القيام وقبل الحكم بالرد لا يمنع من رده ( قوله كأن يكون للرقيق ولد ، أو والد فيموت ) وكأن يكون به حمى ، أو بياض على سواد عينه فيزولان ، أو نزل ماء من عينه فيبرأ ( قوله وفي زواله إلخ ) يعني أنه وقع خلاف فيما إذا لم يطلع المشتري على تزويج الرقيق المشترى إلا بعد زوال العصمة بموت ، أو طلاق كما لو اشترى عبدا فظهر له أنه كان تزوج امرأة وماتت ، أو أنه طلقها ، أو اشترى أمة وظهر له أنها كانت قد تزوجت برجل وأنه مات ، أو طلقها فقيل لا رد له لزوال عيب التزويج بزوال العصمة بالموت والطلاق وقيل لا رد له إن زالت العصمة بالموت لا بالطلاق وذلك ; لأن عيب التزويج إنما يزول العصمة بالموت ; لأنه قاطع للعلة لا بالطلاق ، وقيل له الرد بزوالها بكل من الموت والطلاق ; لأن عيب التزويج باق ولم يزل بزوال العصمة لا بالموت ولا بالطلاق ( قوله إذ الأقوال الثلاثة إلخ ) فلو قال المصنف وفي زواله بموت الزوج ، أو طلاقه لكان أحسن لشمول الزوج للرجل والمرأة ( قوله وطلاقها إلخ ) ظاهر كلامالمواق أن الخلاف إنما هو في طلاق الزوجة المدخول بها ، وكذا موتها ، وأما طلاق غير المدخول بها وكذا موتها فإنه يمنع من الرد اتفاقا ; ولذا قيد الشارح بالمدخول بها ( قوله بائنا ) أي لا رجعيا ; لأنها زوجة ( قوله ، وهو المتأول ) أي تأويل فضل على المدونة واستحسنه التونسي وذلك ; لأن العصمة إذا ارتفعت بموت ، أو طلاق لم يبق إلا اعتبار الوطء ، وهو لو وهبها لعبده فوطئها ثم انتزعها منه وأراد بيعها لا يجب عليه بيان ذلك قاله المواق والثاني قول ابن حبيب وأشهب واستظهره ابن رشد والثالث رواية ابن القاسم عن مالك ا هـ . بن ( قوله ، أو يزول ) أي عيب التزويج ( قوله دون الطلاق ) أي وحينئذ فزوال العصمة بالطلاق لا يمنع من الرد بالعيب بخلاف زوالها بالموت فإنه يمنع من الرد ( قوله لكن في موتها مطلقا ) أي لكن في موت الزوجة يزول عيب التزويج من الرجل مطلقا سواء كان من علي الرقيق ، أو من وخشه وفي موت الزوج يزول عيب التزويج من الأمة إذا كانت وخشا لا إن كانت من علي الرقيق فقول الشارح علية ، أو وخشا الأولى عليا ، أو وخشا ( قوله ، أو لا يزول ) أي عيب التزويج بموت ولا طلاق أي وحينئذ فللمشتري الرد بذلك العيب ، ولو زالت العصمة بموت ، أو طلاق ( قوله فعيب مطلقا ) الأولى فالعيب باق مطلقا وحينئذ فله الرد باتفاق ، ولو زالت العصمة بموت ، أو طلاق والمراد بتسلط العبد على سيده بطلبه تشفعه بجماعة وسياقهم على سيده أن يزوجه . .




الخدمات العلمية