الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وصحت ) بشروط أربعة أشار لأولها بقوله ( إن سلما ) أي المتعاقدان ( من كراء الأرض بممنوع ) بأن لا تقع الأرض أو بعضها في مقابلة بذر أو طعام أو ما تنبته [ ص: 373 ] ككرائها بذهب أو فضة أو عرض أو حيوان فإن لم يسلما من ذلك منعت ككرائها بطعام ولو لم تنبته كعسل أو بما أنبتته ولو غير طعام كقطن وكتان واستثني من ذلك الخشب ونحوه فيجوز كما يأتي في الإجارة وأشار للشرط الثاني بقوله ( وقابلها ) أي الأرض ( مساو ) لكرائها غير بذر بدليل ما قبله من عمل بقر أو يد والمراد قابلها مساو على قدر الربح الواقع بينهما كأن تكون أجرة الأرض مائة والبقر والعمل خمسين ودخلا على أن لرب الأرض الثلثين ولرب البقر والعمل الثلث أو يكون أجرتهما مائة كالأرض ودخلا على النصف فتجوز فيهما وإلا فسدت فمعنى التساوي أن يكون الربح مطابقا للمخرج ولثالثها بقوله ( وتساويا ) في الربح بأن يأخذ كل من الربح بقدر ما أخرج وإلا فسدت ولا شك أن أحد الشرطين يغني عن الآخر .

فإن حمل ما قبل هذا على المقابلة بالنصف أفاد أنه إذا كان أحدهما الثلث والآخر الثلثين فسدت ولو دخلا على أن الربح بقدر ما أخرج كل وليس كذلك فالحق أن شرطها شيئان فقط كما قال أبو الحسن الصغير لا تصح الشركة في المزارعة إلا بشرطين أن يسلما من كراء الأرض بما يخرج منها وأن يعتدلا فيما بعد ذلك انتهى أي يعتدلا فيما يخرج من الربح على قدر ما أخرجا .

وأما الشرط الرابع فسيأتي ما فيه ( إلا لتبرع ) من أحدهما للآخر بشيء من الربح من غير وعد ولا عادة ( بعد ) لزوم ( العقد ) بالبذر فيجوز وأشار للشرط الرابع بقوله ( وخلط بذر إن كان ) المراد بالبذر الزريعة فيشمل الحب وغيره كالقطن والقصب ونحوهما وقوله إن كان أي منهما معا ، فإن كان من عند أحدهما فلا يتأتى خلط أي أن البذر إذا كان منهما فلا بد من خلطه حقيقة أو حكما كما أشار له بقوله ( ولو ) كان الخلط ( بإخراجهما ) له بأن يحمل كل بذره إلى الأرض ويبذره بها من غير تميز لأحدهما عن الآخر فتصح الشركة حيث دخلا على التعاون والشركة في الجميع كما هو الموضوع ، فإن تميز بذر كل بجهة فلا شركة بينهما ولكل واحد ما أنبته حبه ويتراجعان في الأكرية ويتقاصان ورد بالمبالغة القول بعدم الصحة في الخلط الحكمي المذكور [ ص: 374 ] واشتراط الحسي وما مشى عليه المصنف هو أحد قولي سحنون وابن القاسم ورجح ولهما أيضا قول مع مالك أنه لا يشترط الخلط حسا ولا حكما فلو بذر كل منهما في جهة أو فدان غير الآخر صحت عندهم وهو ظاهر كلام أبي الحسن المتقدم ورجحه بعضهم وبقي على المصنف شرط وهو تماثلهما جنسا وصنفا فلو أخرج أحدهما قمحا والآخر فولا أو شعيرا لم تصح ولكل واحد ما أنبته بذره ويتراجعان في الأكرية وقيل بالصحة أيضا وفرع المصنف على ما مشى عليه قوله .

( فإن ينبت بذر أحدهما وعلم ) ربه الذي لم ينبت بذره لفراغه أو سوسه أو قدمه وبعض الحب الذي إذا أصابه الدخان لم ينبت كالبرسيم وبذر الكتان والملوخية سواء تميز البذر المذكور في جهة أو اختلط ( لم يحتسب به ) في الشركة ( إن غر ) صاحبه بأن علم ولم يبين له ( وعليه ) أي على الغار لشريكه إذ الشركة باقية بينهما ( مثل نصف ) البذر ( النابت ) في شركة المناصفة ومثل حصته من النابت في غيرها فلو عبر بهذه العبارة لكان أشمل ( وإلا ) يغر بأن اعتقد أنه ينبت أو أنه لا ينبت وبين لصاحبه ( فعلى كل ) منهما لشريكه ( نصف بذر الآخر ) في شركة المناصفة ( والزرع بينهما ) على كل حال فعلى من لم ينبت بذره مثل نصف النابت غر أم لا وعلى من نبت بذره مثل نصف غير النابت أي قديما أو مسوسا إن لم يغر وموضوع المسألة أن من لم ينبت بذره علم وإلا فلا رجوع لأحدهما على الآخر والزرع بينهما وأن الإبان قد [ ص: 375 ] فات وإلا فعلى من لم ينبت زرعه الإتيان ببدل بذره جيدا فيزرعه ثم مثل المصنف لما استوفى شروط الصحة بخمس مسائل بقوله ( كأن تساويا ) أو تساووا ( في الجميع ) أرضا وعملا وبذرا وبقرا وآلة ( أو قابل بذر أحدهما عمل ) والأرض بينهما بملك أو كراء أو كانت مباحة ( أو ) قابل ( أرضه ) أي أرض أحدهما ( وبذره ) عمل من الآخر بيد وبقر وآلة أو بقر فقط ، وأما عمل يد فقط فستأتي مع قيدها ( أو ) قابل الأرض و ( بعضه ) أي بعض البذر عمل من الآخر مع بعض البذر فالمعنى أخرج أحدهما الأرض وبعض البذر والآخر العمل وبعض البذر وشرط صحة هذه ( إن لم ينقص ما للعامل ) أي ما يأخذه من الربح ( عن نسبة بذره ) بأن زاد أو ساوى مثال الأول أن يخرج أحدهما الأرض وثلثي البذر والثاني العمل وثلث البذر على أن يأخذ كل نصف الربح فقد أخذ العامل أزيد من نسبة ماله من البذر ومثال الثاني أن يأخذ رب الأرض الثلثين من الربح والعامل الثلث .

فإن نقص العامل عن نسبة بذره منع كما لو أخرج مع عمله نصف البذر على أن يأخذ ثلث الربح ( أو لأحدهما الجميع ) الأرض والبذر والبقر ( إلا العمل ) باليد فقط وهي مسألة الخماس فتصح

التالي السابق


( قوله بشروط أربعة ) جعلها الشارح أربعة مجاراة لكلام المصنف وسيأتي له أن الصواب كما لابن شاس [ ص: 373 ] وأبي الحسن وغيرهما أن الشروط اثنان فقط السلامة من كراء الأرض بممنوع والتساوي في الربح بأن يأخذ كل واحد منهم بقدر ما أخرج وسيظهر لك وجه ذلك ( قوله ككرائها بذهب أو فضة ) هذا مثال للجائز وهو السلامة من كراء الأرض بممنوع ( قوله ، فإن لم يسلما من ذلك منعت ) قالت الشافعية محل منع كراء الأرض بما يخرج منها إذا اشترط الأخذ من عين ما يخرج من خصوص تلك البقعة صريحا ولم يكتفوا بالجنس وهي فسحة وفي بن جواز كراء الأرض بما يخرج منها عند الداودي ويحيى بن يحيى والأصيلي كما مر وحينئذ فقول الشارح منعت أي على المشهور لا اتفاقا .

( قوله ونحوه ) أي كالبوص الفارسي والعود القاقلى والصندل والحلفاء والحشيش والشب والكبريت ونحوهما من المعادن .

( قوله وإلا فسدت ) أي وإلا بأن دخلا على المناصفة في الصورة الأولى أو على الثلث والثلثين في الصورة الثانية فسدت لدخولهما على التفاوت فيها ( قوله مطابقا للمخرج ) أي منهما أي ، فإن كان المخرج منهما متساويا فلا بد أن يكون الربح مناصفة وإن كان الخارج من أحدهما أكثر من الخارج من الآخر فلا بد أن يكون له من الربح بقدر ما أخرج ( قوله بأن يأخذ كل من الربح بقدر ما أخرج وإلا فسدت ) أي وإلا يأخذ منه بقدر ما أخرج فسدت كما إذا تساويا في جميع ما أخرجاه وشرطا في عقد الشركة أن جميع ما يحصل من الزرع على الثلث والثلثين أو كان ما أخرجاه على الثلث والثلثين وشرطا أن ما يحصل من الزرع بينهما مناصفة ( قوله على المقابلة بالنصف ) أي بأن قيل وقابلها مساو من بقر وعمل بأن يكون أجرتهما قدر أجرة الأرض وتساويا في الربح بأن كان كل واحد يأخذ نصفه .

( قوله إذا كان أحدهما الثلث ) أي أخرج الثلث إلخ ( قوله فسيأتي ما فيه ) أي من أن اشتراط خلط البذر حقيقة أو حكما قول سحنون والمذهب عدم اشتراط ذلك كما هو قول ابن القاسم ومالك على أنه لا وجه لجعل خلط البذر شرطا من شروطها ; لأن شرطها ما كان عاما في جميع صورها وهذا خاص ببعض الصور ( قوله بعد العقد ) لبيان الواقع ; لأن التبرع لا يكون إلا بعد العقد إذ ما كان فيه لم يكن تبرعا ولو صرحوا بأنه تبرع ; لأنه حينئذ مدخول عليه فهو مشترط ا هـ وذلك بأن يخرج كل قدر ما أخرجه الآخر وعقدا على التساوي في الخارج وبذرا ثم تبرع أحدهما للآخر بشيء من حصته .

( قوله وخلط بذر ) عطف على سلما أي وشرط صحتها خلط بذر فهو عطف عليه بالنظر للمعنى هذا إذا قرئ خلط مصدرا ، وأما إن قرئ بصيغة الفعل فالعطف ظاهر ( قوله كالقطن والقصب ونحوهما ) أي كالخس والبصل وغيرهما من الخضر التي تنقل لكن فيه أن القطن يزرع حبه ، وإن كان لا يبذر بل يدفن في الأرض ، فإن جعل قوله كالقطن راجعا للحب وما بعده راجعا لغيره صح وإلا فالأولى حذف القطن ( قوله أي منهما ) أشار الشارح [ ص: 374 ] بذلك إلى إن كان في كلام المصنف ناقصة لا أنها تامة كما قال بعض وأن المعنى وخلط بذر إن وجد ، فإن لم يوجد فلا تصح إلا بخلط الزريعة هذا إذا حمل البذر على حقيقته ، فإن أريد به ما يشمل الزريعة ضاع مفهوم إن وجد لاندراجه في المنطوق تأمل ( قوله واشتراط الحسي ) تظهر ثمرة القولين إذا أخرجاه معا وبذراه وصار لا يتميز بذر أحدهما من بذر الآخر فيصح على ما مشى عليه المصنف لا على ما رده بلو ( قوله وما مشى عليه المصنف ) أي من اشتراط خلط البذر ولو حكما أحد قولي سحنون قال طفى هذا الشرط إنما يعرف لسحنون وعزاه له في الجواهر واقتصر عليه وتبعه المصنف وابن الحاجب ومذهب مالك وابن القاسم عدم اشتراط الخلط لا حسا ولا حكما بناء على أصلهما في شركة الأموال وسحنون على أصله في اشتراط الخلط هناك فكل طرد أصله ثم نقل عن اللخمي ما نصه اختلف إذا كان البذر منهما هل يشترط الخلط في الصحة فأجاز مالك وابن القاسم الشركة إذا أخرجا قمحا أو شعيرا ، وإن لم يخلطاه بناء على أصلهما في العين الدراهم والدنانير ، وإن لم يخلطاها واختلف قول سحنون فقال مرة بقول مالك وابن القاسم وقال مرة إنما تصح الشركة إذا خلطا الزريعة أو حملاها إلى الفدان أو جمعاها في بيت فظهر لك أن اشتراط الخلط ولو حكما إنما هو عند سحنون فقط ا هـ كلامه .

( قوله أحد قولي سحنون وابن القاسم ) ونحوه في عبق قال بن و هذا يقتضي أن لابن القاسم قولين كسحنون وهو خلاف ما تقدم عن اللخمي وابن يونس فكان الأولى للشارح أن يقول وهذا أحد قولي سحنون وله قول آخر مع ابن القاسم ومالك أنه لا يشترط الخلط حسا ولا حكما تأمل انظر بن ( قوله تماثلهما ) أي تماثل ما أخرجاه من البذر إن كان البذر منهما .

( قوله على ما مشى عليه ) أي من كفاية إخراجهما للبذر إلى الفدان وبذر كل واحد وفيه أن قول المصنف ، فإن لم ينبت إلخ إنما يتفرع على قول مالك وابن القاسم أنه لا يشترط الخلط أصلا ولا يصح تفريعه على قول سحنون باشتراط الخلط ; لأن التمييز عنده يوجب بطلان الشركة مطلقا نبت بذر كل واحد منهما أم لا فتعين أن يراد بالخلط في كلام المصنف مجرد المعاونة تساهلا حتى يصح التفريع والمعنى أن البذر إذا كان منهما فيشترط تعاونهما ولو بإخراجهما بأن يخرجا بالبذر معا ويبذر كل واحد منهما بذره كان بذر كل واحد متميزا عن بذر الآخر أولا وهذا أحد قولي سحنون ، والمردود عليه بلو قول سحنون الآخر لا يكفي إخراجهما على الوجه المذكور بل لا بد أن يصير البذران بحيث لا يتميز أحدهما عن أحدهما عن الآخر والقول الأول الذي مشى عليه المصنف موافق لقول مالك وابن القاسم أنه لا يشترط الخلط حقيقة ولا حكما وحينئذ فحمل شارحنا تبعا لغيره الإخراج في كلام المصنف على القول الثاني غير مناسب لعدم صحة التفريع وهذا الذي قلنا محصل كلام ح .

ومن هذا يعلم أن قول الشارح ورد بالمبالغة ، القول باشتراط الخلط الحسي لا يصح إذ لم ينقل عن أحد اشتراط الخلط الحسي في البذر وعدم كفاية الخلط الحكمي ; لأن الخلط الحكمي بمعنى عدم التمييز متفق على الجواز فيه وإنما الخلاف في التعاون مع التمييز كما علمت انظر بن ( قوله بأن علم ) أي أنه لا ينبت ( قوله وعليه مثل نصف النابت ) أي وعليه أيضا نصف كراء الأرض ما لم ينبت ونصف قيمة العمل فيه كما جزم بذلك في التوضيح وذكر ابن عرفة ما يقتضي أن في ذلك خلافا انظر ا هـ بن .

( تنبيه ) ذكر عج أن من اشترى حبا وبين للبائع أنه للزراعة ولم ينبت ، فإن كان البائع يعلم أنه لا ينبت أو كان شاكا في ذلك فإن المشتري يرجع عليه بجميع الثمن وبأجرة الأرض والعمل إن فات الإبان وإلا رجع عليه بالثمن فقط ; لأن البائع غره والشراء في زمن الزراعة بثمن ما يزرع كالشرط ، وإن اشترى للأكل فزرعه فلم ينبت لم يرجع بشيء .

( قوله وأن الإبان ) أي وموضوع المسألة أن الإبان إلخ [ ص: 375 ] قوله كأن تساويا ) أي وذلك كأن تساويا إلخ أي وذلك المستوفي للشروط كتساويهما في جميع ما أخرجاه فالكاف للتمثيل لا للتشبيه وأن مصدرية لا شرطية وقوله كأن تساويا في الجميع أي ودخلا على أن كل واحد يأخذ من الربح بقدر ما أخرجه وإلا فلا تجوز كما مر للدخول على التفاوت ( قوله وبذره ) أي ولو كانت الأرض لها بال ( قوله أو بقر فقط ) احترز به عن عمل اليد فقط لئلا يتكرر مع مسألة الخماس الآتية وما قاله من الجواز في هذه الصورة قول سحنون وقال ابن المواز بمنعها ( قوله إلا العمل ) المراد به الحرث لا الحصاد والدراس ; لأنه مجهول فمتى شرط عليه أزيد من الحرث فسدت وليس للعامل إلا أجرة عمله والعرف كالشرط ، وأما لو تطوع بزائد عن الحرث بعد العقد كالحراثة والسقي والتنقية والحصاد والدراس ونحو ذلك فذلك جائز ا هـ خش وما ذكره من عدم جواز اشتراط الحصاد والدراس وما معهما هو قول سحنون وصححه ابن الحاجب والتونسي وابن يونس وعن ابن القاسم أن المراد بالعمل الحرث والحصاد والدراس فيجوز اشتراطها على العامل انظر بن




الخدمات العلمية