وأشار إلى ثالث أحكام الفلس الأخص بقوله ( وحبس ) المفلس بالمعنى الأخص ( لثبوت عسره إن جهل حاله ) لا إن علم عسره ( ولم يسأل ) أي ولم يطلب من جهل حاله ( الصبر ) أي التأخير عن الحبس ( له ) أي لثبوت عسره ( بحميل بوجهه ) وأولى بالمال ( فغرم ) حميل الوجه ( إن لم يأت به ) أي بمجهول الحال ( وإن أثبت عدمه ) عند ابن رشد بناء على أن يمين المديان أنه لا مال له بعد ثبوت العسر من تمام النصاب بمعنى أنه يتوقف عليها ثبوت عسره ، وقال اللخمي إن أثبت عسره لم يضمن بناء على أن يمين المدين استظهار لا يتوقف عليها ثبوت العسر واقتصر عليه المصنف في باب الضمان حيث قال لا إن أثبت عدمه أو موته لا في غيبته قال بعضهم والمشهور ما للخمي لكن اللخمي قيده بما إذا لم يكن الغريم ممن يظن به أنه يكتم المال وإلا غرم الضامن مطلقا ويمكن تمشية المصنف هنا على ما للخمي أيضا بأن يقيد قوله ولو أثبت عدمه بمن يتهم بإخفاء المال وذكر قسيم مجهول الحال بقوله ( أو ظهر ملاؤه ) بحسب ظاهر حاله فيحبس ( إن تفالس ) أي أظهر الفلس من نفسه بادعائه الفقر ولم يعد بالقضاء ولم يسأل الصبر بحميل ، وملاؤه بالمد الغنى ، وأما بالقصر مهموزا فالجماعة وبلا همز فالأرض بجنس المتسعة ( وإن وعد ) أي من ذكر من مجهول الحال وظاهر الملاء ( بقضاء وسأل تأخير كاليوم ) واليومين والأربعة والخمسة على قول مالك قال في المبسوط وهو أحسن ( أعطى حميلا بالمال ) عند سحنون ، ولا يكفي حميل بالوجه ، وقال ابن القاسم يكفي ( وإلا ) يعطي يأتي حميلا بالمال بأن لم يأت بحميل أصلا أو أتى بحميل بالوجه ( سجن ) حتى يأتي بحميل بالمال أو بوفاء الدين ( كمعلوم الملاء ) وهو الملد المعاند [ ص: 279 ] ومنه من يأخذ أموال الناس للتجارة ، ثم يدعي ذهابها ولم يظهر ما يصدقه من احتراق منزله أو سرقته أو نحوهما فإنه يحبس أبدا ، ولا يقبل منه حميل فالتشبيه في مطلق السجن ( وأجل ) باجتهاد الحاكم المدين غير المفلس علم ملاؤه أو ظهر إذا طلب التأجيل ( لبيع عرضه إن أعطى حميلا بالمال ) لا بالوجه ( وإلا سجن ) وليس للحاكم بيعه كالمفلس ; لأن المفلس قد ضرب على يديه ومنعه من التصرف في ماله فيبيع عرضه عليه كما قدمه المصنف فلا يحتاج لتأجيل ( وفي حلفه ) أي المدين ولو مفلسا لم يعلم عنده ناض أي في جبره على الحلف ( على عدم الناض ) أي الذهب والفضة وعدم جبره على حلفه ( تردد ) في مجهول الحال وظاهر الملاء ومعلومه ، وأما معلوم الناض فلا يحلف يدل عليه قوله ( وإن علم بالناض ) عنده ( لم يؤخر ) ولم يحلف ( وضرب ) أي معلوم الملاء علم بالناض أم لا فهو عطف على سجن لا على لم يؤخر ( مرة بعد مرة ) باجتهاد الحاكم قال ابن رشد ولو أدى إلى إتلاف نفسه ( وإن شهد بعسره ) أي شهدت بينة بعسر مجهول الحال ، وظاهر الملاء قائلة ( إنه ) أي مدعي العسر ( لا يعرف له مال ظاهر ، ولا باطن حلف كذلك ) أي يقول في يمينه لا أعرف لي مالا ظاهرا ، ولا باطنا إذ يحتمل أن له مالا في الواقع لا يعلمه والمذهب أنه يحلف على البت ( وزاد ) في يمينه ( وإن وجد ) مالا ( ليقضين ) الغرماء حقهم وفائدة الزيادة عدم تحليفه إذا ادعى عليه أنه استفاد مالا [ ص: 280 ] ( وأنظر ) باجتهاد الحاكم لقوله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ( وحلف ) المدين بتشديد اللام ( الطالب ) الذي هو رب الدين ( إن ادعى ) المديان ( عليه ) أي على الطالب ( علم العدم ) ولم يصدقه ; لأن حبسه حينئذ ظلم ، فإن صدقه على أنه عديم فلا يمين ، ولا حبس ووجب إنظاره ، فإن نكل الطالب حلف المدين ، ولا يحبس ، فإن نكل حبس ويجوز تخفيف حلف وفاعله الطالب ( وإن سأل ) الطالب ( تفتيش داره ) أي دار المدين ولو غير مفلس ومثل الدار الحانوت والمخزن ( ففيه ) أي ففي إجابته لذلك ( تردد ) قال ابن ناجي والعمل عندنا على عدمه ، وأما تفتيش جيبه أو كمه أو كيسه فيجاب قطعا ; لأنه أمر خفيف ( ورجحت بينة الملاء ) على بينة العدم ( إن بينت ) سببه بأن بينت أنه أخفاه ، فإن لم تبين قدمت بينة العدم بينت وجه العدم أم لا ( وأخرج المجهول ) حاله من السجن ( إن طال سجنه ) وطوله معتبر ( بقدر الدين ) قلة وكثرة ( و ) حال ( الشخص ) قوة وضعفا ويخلى سبيله بعد حلفه على نحو ما مر واحترز بالمجهول من ظاهر الملاء فإنه لا يخرج إلا بشهادة بينة بعدمه على ما تقدم .


