الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

دراسة في البناء الحضاري (محنة المسلم مع حضارة عصره)

الدكتور / محمود محمد سفر

[ ص: 112 ]

الركيزة الثالثة: تبني أساليب الحضارة المعاصرة أو إبداع البدائل

إن المسلمين ـ بيقين ـ يملكون عقيدة سماوية كاملة، بمجموعة قيمها الحية، ومبادئها الفعالة. وأسسها الصحيحة، ومعانيها السامية، التي كانت وستظل إلى يوم الدين نبراسا لهم وللإنسانية عامة، تحثهم على الخير، وتدفعهم إلى النهوض والسمو، وكانت وستظل سياجا واقيا لهم من الهبوط والتدني، وجسرا متينا يصلهم بعصرهم، ويربطهم بحضارته.

أجل: إننا ـ نحن المسلمين دون سوانا من خلق الله ـ نملك هـذا الرصيد القيمي الضخم.. الذي يعتبر في ذاته خميرة البقاء، وتكمن في حناياه أسرار التقدم، وتستقر في رحمه خلايا الانطلاق والحضارة، وتتمركز في جوهره الركائز الأساسية، والشروط الضرورية للبعث الحضاري، ولكننا ـ للأسف ـ نملك النظم، فلا مناص لنا من أن نكون بإزاء هـذا وذاك وجها لوجه أمام خيارين، لا مفر منهما:

الخيار الأول:

أن نتبنى المؤسسات الحضارية الغربية بوضعها الحالي، آخذين في الاعتبار أن نظمها الحاكمة، ومدخلاتها الإنتاجية، تحتاج إلى تعديل، وتبديل، يأتي عن طريق الممارسة، والتجربة، والإصرار على تحقيق المباديء والقيم، والأخلاقيات في النظم المعدلة، للوصول بها إلى معطياتها الحضارية، دون التأثير بسلبياتها الاجتماعية، والفكرية.

الخيار الثاني:

أن نبدع البدائل، وهذا أمر لا يفتي فيه إلا المتخصص في أعمال مثل هـذه المؤسسات. [ ص: 113 ]

إن خيار إبداع البدائل للنظم لا بد من أن يوضح ويحدد دور الفقهاء وعلماء الشريعة بيننا، وهو دور العين السحرية الثاقبة، المتبصرة في نهاية خط الإنتاج.

بمعنى: أنه دور التحكم في النوعية التي تحكمها المبادئ، والقيم والأخلاقيات الإسلامية، فما وافقها من النظم مضى، وما خالفها يعاد لأهل الاختصاص للتغيير والتبديل.

ونؤكد هـنا: أن أهل الاختصاص، هـم القادرون دون سواهم، على التغيير والتبديل؛ من حيث بات من السمات الواضحة لعالم الحضارة المعاصرة، أنه عالم التخصص، في كل شيء، ولا سيما في مجالات العلوم، والمعرفة، والتقنية، حتى غدا الأمر وكأن في كل فرع من فروع العلوم الإنسانية، والتطبيقية، والمجردة، مدارس متخصصة تنبثق عنها دقائق وتفصيلات، يوقف علماء وباحثون حياتهم عليها في محاريب العلم، ومعامل التجارب.

فمهمة إبداع البدائل لا بد أن يضطلع بها متخصص في دراسات النظم، التي تحكم مؤسسات شبيهة بالمؤسسات المرجوة كما أسلفنا، آخذين في الاعتبار أن البديل المقترح، إنما هـو من قبيل المحاولة الإسلامية وليس هـو الإسلام؛ لأننا من خلال التجربة والاحتكاك قد نكتشف تقصير النظم المقترحة، في تحقيق كل جوانب مبادئنا وقيمنا، وأخلاقياتنا، فنلجأ إلى تغيير هـذه النظم، أو إصلاحها حتى تكون أكثر تحقيقا لما ندين له، ونؤمن به.

والحق: أن الصراط المستقيم في مثل هـذا ليس واضحا من غير هـداية الله تعالى، وهدايته لا تأتي إلا باستمرار المجاهدة وديمومتها، من أجل هـذا فإننا نتوجه إلى الله تعالى في كل صلاة ضارعين إليه: ( اهدنا الصراط المستقيم ) (الفاتحة:6 ) ، آملين في وعده: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) (العنكبوت:69 ) .

والحق الذي نؤمن به، أن القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، قد [ ص: 114 ] اشتملا على جميع الأصول العامة، والقواعد الكلية، والمبادئ والقيم والأخلاقيات كلها اللازمة لانبثاق أرقى النظم الحضارية، وهذه الثوابت في حد ذاتها كافية جدا لهذا المهمة.

أما النظم الحضارية نفسها، فهي محاولات بشرية، تنطلق من القيود كلها، إلا القيود الأخلاقية، والمبادئ الأساسية، والأطر القيمية، التي يحددها الكتاب والسنة، وهما ـ بيقين ـ خير أساس لقيام حضارة إنسانية مثلى، لا تطاولها حضارة.

التالي السابق


الخدمات العلمية