الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المقارنة بين الظاهرتين

تلك باختصار ظاهرة الانتقال الحراري، من وسط ذي حرارة مرتفعة، إلى وسط آخر أقل منه حرارة. فماذا عن الظاهرة الحضارية وطرق انتقالها من مجتمع متقدم ذي حضارة باهرة، مسيطرة، إلى مجتمع متخلف اتكالي، يعيش عالة على منتوجات، وأفكار وعادات وأشياء الحضارة المسيطرة عليه بنظمها الحاكمة‍‍؟‍‍‍!

هل تظل وسائل النقل في الظاهرتين واحدة؟ وكيف؟!

نعم إن الطرق الثلاثة للانتقال بالتوصيل ، والحمل ، والإشعاع ، تتكرر أيضا مع الظاهرة الحضارية التي بين أيدينا.

فبالاتصال (التوصيل ) تنتقل كثير من العادات الأجنبية عبر تفاعل أفراد المجتمع المضغوط، مع الحضارة الضاغطة، فيحملون معهم بعض عادات هـذه الحضارة، وتقاليدها، ويحملونها إلى غيرهم، وغيرهم يحملها إلى غيره، ومن ثم تنتقل كثير من العادات والتقاليد عبر هـذه الطريقة الانتقالية من المجتمع الحضاري الضاغط إلى المجتمع المضغوط (الأقل حضارة ) .

وهناك أيضا انتقال حضاري عن طريق الحمل، وهذه الظاهرة تبدو [ ص: 28 ] واضحة فيمن يأتي إلى بلداننا من الأجانب مصطحبين معهم ـ بطبيعة الحال ـ عاداتهم، وتقاليدهم، يختلطون بنا، ونتأثر بهم، ويتأثرون بنا.

وهناك أيضا انتقال عن طريق الإشعاع الفكري أو الإشعاع الحضاري، وهذا يحدث بتأثير متبادل بيننا وبين الحضارة الضاغطة، ومن ثم نبدأ في تقليد أهلها، وممارسة عاداتهم، وكما هـو معتاد فإننا ونحن المغلوبين حضاريا مولعون بتقليد الغالب في عاداته وتقاليده. والعادات والتقاليد هـي أسرع الأشياء تسربا وانتقالا، خصوصا تلك المتعلقة بمتاع الحياة الدنيا وزينتها، ولعلنا نذكر في هـذا المقام قول ابن خلدون : إن المغلوب دائما مولع بتقليد الغالب في عاداته، وتقاليده، وأسلوب حياته.

ولسائل أن يسأل: ماعمق التأثير الحضاري بأصنافه الثلاثة، على مجتمع أقل تحضرا من مجتمع متقدم حضاريا؟ وبتعبير آخر في هـذه التأثيرات الثلاثة التي كان فيها تشبيه ما بين الانتقال الحراري والانتقال الحضاري: أيهما يكون أكثر تأثيرا، وأكثر عمقا، وأكثر تقبلا في المجتمع.

التالي السابق


الخدمات العلمية