التوظيفات الاقتصادية الأخلاقية للتفاؤلية
وظفت التشاؤمية في الاقتصاد العلماني، ومن أوضح توظيفاتها السياسات السكانية.. هـذه السياسات السكانية بدأت بنظرية مالتس كما ظهرت بعد ذلك في نظريات اقتصادية كثيرة منها نظرية الأجر الحديدي. والعولمة المعاصرة تتبنى التشاؤمية بكاملها في السياسات السكانية، ومن الأدلة على ذلك أن نظرية العولمة على نحو ما ساهم فيها بول كندي بكتابه: الإعداد للقرن الحادي والعشرين، تجعل المشكلة السكانية على نحو ما تصورها روبرت مالتس ضمن الأسس الفكرية لهذه العولمة. ولم تقف العولمة المعاصرة بذلك عند حد الأساس الفكري، وإنما نقلته إلى التطبيق، ومن الأدلة على نقله للتطبيق هـذه الحروب الواسعة التي تشنها العولمة في كثير من بقاع الأرض، وخاصة عالمنا الإسلامي.
التشاؤمية بهذا الفهم تحمل بصمة أخلاقية سالبة، فكرا وسياسات تطبيقية. في مقابل ذلك فإن التفاؤلية في الاقتصاد الإسلامي تغرس قيما أخلاقية موجبة، منها:
أ- الإيمان بأن الموارد الاقتصادية متوازنة مع البشر الموجودين على سطح الأرض يجعل المسلم يسع (الغير ) أخلاقيا. إن هـذا الأمر في غاية الأهمية. ولبيان هـذه الأهمية نشير إلى قول لفيلسوف فرنسا سارتر عندما قال: الجحيم هـم الآخرون. والمسلم لا يعتقد في جحيمية الآخرين.
ب- الإيمان بالتفاؤلية في الاقتصاد بتوازن الموارد الاقتصادية مع السكان [ ص: 128 ] يجعل العمل هـو القيمة الحاكمة في حصول كل إنسان على نصيبه من هـذه الموارد. وبذلك لا تصبح الحرب وسيلة لأن يكون للإنسان نصيب في الموارد، بل يصبح العمل هـو الوسيلة. إن هـذا أحد القيم الموجبة في الاقتصاد، بل الحاكمة لقيم أخرى في الاقتصاد.
جـ- الإيمان بالتفاؤلية في الاقتصاد فيما يتعلق بكفاية الموارد الاقتصادية لكل السكان هـو الأساس الذي يقوم عليه السلام الاجتماعي في داخل المجتمع. هـذا الأمر يفهم بالإحالة إلى التطبيقات التي تلازمت مع التشاؤمية. في ظل التشاؤمية عملت فئات من السكان المواطنين على طرد فئات من السكان المواطنين لترك الوطن، محتجين بأن الموارد المتاحة ليست كافية لإعاشة الجميع، وقد استخدمت في عملية الطرد ضغوط اقتصادية قاسية، وأحيانا ضغوط غير اقتصادية. التفاؤلية في الاقتصاد المؤسسة على أن الموارد متوازنة مع البشر هـي الأساس الذي يبنى الأساس الذي يقوم عليه السلام الاجتماعي.
د- التفاؤلية تعني أن الفقر قابل للقضاء عليه بالموارد الاقتصادية المتاحة، بينما تعني التشاؤمية أنه لا يمكن القضاء على الفقر. ونستطيع القول: إن الذي يؤمن بالتشاؤمية لا يكون قادرا على تقديم حلول فعالة للقضاء على الفقر، لأن وجود عالم بلا فقر لا يسعه تكوينه العقلي.. في مقابل ذلك، فإن الذي يؤمن بالتفاؤلية هـو القادر على أن يسع فكريا إمكانية وجود عالم بلا فقر، وبالتالي يضع السياسات التي تحقق ذلك. [ ص: 129 ]