الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( وإن تزوج الحر امرأة يظنها حرة الأصل ) فبانت أمة ( أو شرطها حرة فبانت أمة وكان الحر ممن لا يجوز له نكاح الإماء ) بأن يكون غير عادم الطول خائف العنت .

                                                                                                                      فالنكاح غير صحيح ولا مهر قبل الدخول ( أو كان ) الحر ( ممن يجوز له ذلك ) أي نكاح الإماء لكونه عادم الطول خائف العنت ( واختار الفسخ ) فله ذلك لأنه عقد غر فيه أحد الزوجين بحرية الآخر وكان له ذلك .

                                                                                                                      فثبت فيه الخيار كالآخر ثم إن فسخ ( وكان ذلك قبل الدخول ) بها ( فلا مهر ) لحصول الفرقة من قبلها ( وإن [ ص: 100 ] كان ) الزوج ( دخل بها ) ثم فسخ ( فلها المسمى ) لتقرره بالدخول ( وولده منها حر ) لأنه اعتقد حريتها فكان ولده حرا لاعتقاده ما يقتضي حريته ( ويفديه ) الزوج ( بقيمته يوم ولادته ) قضى بذلك عمر وعلي وابن عباس لأنه محكوم بحريته عند الوضع .

                                                                                                                      فوجب أن يضمنه حينئذ لأنه وقت فوات رقه ولأن الزيادة بعد الوضع لم تكن مملوكة لمالك الأمة فلم يضمنها كما بعد الخصومة ( إن ولدته حيا لوقت يعيش لمثله سواء عاش أو مات بعد ذلك ) أي بعد أن ولدته بخلاف ما إذا ولدته ميتا أو حيا لدون ستة أشهر ، لأنه في حكم الميت ولا قيمة له ( ويرجع ) الزوج ( بذلك ) أي بالفداء .

                                                                                                                      ( و ) يرجع ( بالمهر ) يعني إذا لم يختر إمكان النكاح حيث يكون له الإمضاء ( على من غره سواء كان الغار واحدا أو أكثر كما يأتي قريبا ) قضى به عمر وابن عباس وعلي وكذلك إن غرم الزوج أجرة خدمتها له فله الرجوع بها على الغار ( وإن كان ) حين تزوج بالمرأة ( ظنها عتيقة ) فبانت أمة ( فلا خيار له ) لأن الأصل عدم العتق فكأنه دخل على بصيرة ( والحكم في المدبرة وأم الولد والمعلق عتقها بصفة ) قبل وجودها ( كالأمة القن وولد أم الولد يقوم كأنه عبد ) .

                                                                                                                      ويغرم أبوه قيمته يوم ولادته ( وكذلك ولد المعتق بعضها ) يكون حرا إذا غر بها ( ويفدي ) الزوج ( من ولدها بقدر ما فيه من الرق ) وباقيه حر لا فداء فيه ( وكذلك المكاتبة ) إذا غر بها ( ويفديه ) أي ولدها أبوه المغرور بها ( ومهرها وقيمة ولدها لها ) لأن ذلك من كسبها ( إلا أن يكون الغرور منها فلا شيء لها ) لأنه لا فائدة في أن يجب لها ثم يرجع به عليها .

                                                                                                                      ( ويثبت كونها أمة ببينة فقط لا بمجرد الدعوى ) لحديث { لو يعطى الناس بدعواهم } ( ولا ) يثبت كونها أمة أيضا ( بإقرارها ) بذلك لأنه إقرار على غيرها فلم يقبل .

                                                                                                                      ( وإن حملت المغرور بها فضربها ضارب فألقت جنينا ميتا ) فعلى الضارب غرة لأنه جنى على جنين حر ( يرثها ورثته ) أي ورثة الجنين كأنه ولد حيا ومات عنها .

                                                                                                                      ( وإن كان الضارب أباه ) فعليه غرة و ( لم يرثه ) لأنه قاتل ( ولا يجب فداء هذا الولد للسيد ) لأنه ولد ميتا ولا قيمة له .

                                                                                                                      ( ويفرق بينهما ) أي بين الأمة ومن غر بها ( إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء ) بأن كان حرا فاقدا الشرطين أو أحدهما ( وإن كان ممن يجوز له نكاح ) الإماء ( فله الخيار ) كما تقدم ( فإن رضي بالمقام معها فما ) حملت به وولدته ( بعد الرضا فرقيق ) لمالك الأمة تبعا لأمه لأن ولد الأمة من نمائها ونماؤها لمالكها وقد انتفى الغرر [ ص: 101 ] المقتضي للحرية .

                                                                                                                      ( وإن كان المغرور ) بالأمة ( عبدا فولده ) منها ( أحرار ) لأنه وطئها معتقدا حرية أولادها فأشبه الحر ( يفديهم ) أي يفدي العبد أولاده من الأمة التي غر بها بقيمتهم يوم الولادة ( إذا عتق لتعلقه ) أي الفداء ( بذمته ) لأنه فوت رقهم باعتقاده الحرية ولا مال له في الحال فتعلق الفداء بذمته ويفارق الجناية والاستدانة لأنهم إنما عتقوا من طريق الحكم من غير جناية منه ولا أخذ عوض .

                                                                                                                      ( ويرجع ) العبد ( به ) أي بالفداء ( على من غره ) قال في الكافي والشرح : ولا يرجع به حتى يغرمه لأنه لا يرجع بشيء لم يفت عليه ( كأمره ) أي كما لو أمر إنسان ( عبدا بإتلاف مال غيره ) مغررا به ( بأنه ) أي المال ( له ) أي للآمر ( فلم يكن ) المال له وأغرمه مالكه قيمته فإنه يرجع على الآمر .

                                                                                                                      ( ويرجع ) العبد ( عليه ) أي على الغار ( بالمهر المسمى أيضا ) لما تقدم في الحر ( وشرط رجوعه ) أي المغرور حرا أو عبدا ( على الغار ) له ( أن يكون ) الغار ( قد شرط له أنها حرة ولو لم يقارن الشرط العقد ) بأن تقدم عليه ( حتى مع إبهامه حريتها ) بأن علم رقها وكتمه ( قاله في الشرح والمغني ) قال في المنتهى : والغار من علم رقها ولم يبينه .

                                                                                                                      وفي نسخ ( نصا ) لكن سيأتي كلام الشرح : لا يكون غارا إلا بالاشتراط أو الإخبار بحريتها أو إيهامه ذلك بقرائن تغلب على ظنه حريتها فينكحها على ذلك ويرغب فيها ويصدقها صداق الحرائر ( ولمستحق الفداء ) والمهر ( مطالبة الغار ابتداء ) أي من غير أن يطالب الزوج لاستقرار الضمان عليه ( فإن كان الغار ) هو ( السيد ولم تعتق بذلك ) أي ولم يكن التغرير بلفظ ثبتت به الحرية ( فلا شيء له على الزوج ) لعدم الفائدة في أنه يجب له ما يرجع به عليه .

                                                                                                                      ( وإن كان ) الغار ( الأمة ) غير المكاتبة تعلق الواجب ( برقبتها ) فيغرم الزوج المهر وقيمة الأولاد للسيد ، ويتعلق ذلك برقبتها ، فيخير سيدها بين فدائها بقيمتها إن كانت أقل مما يرجع به عليها أو يسلمها فإن اختار فداءها بقيمتها سقط قدر ذلك عن الزوج فإنه لا فائدة في أن نوجبه عليه ثم نرده إليه وإن اختار تسليمها سلمها وأخذ ما وجب له .

                                                                                                                      ( وإن كان ) الغار ( أجنبيا رجع ) الزوج بما غرمه ( عليه ) لما تقدم ( وإن كان الغرر منها ) أي الأمة .

                                                                                                                      ( ومن وكيلها فالضمان بينهما نصفان ) كالشريكين في الجناية ويتعلق ما وجب عليها برقبتها كما تقدم .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية