المبحث الثالث: أهمية مهارات التربية الإسلامية
تحتل مهارات التربية الإسلامية أهمية كبيرة بالنسبة إلى طالب العلم؛ ذلك أن الله تبارك وتعالى عندما خلق الإنسان جعل له أدوات تساعده على كسب المعرفة، ومعرفة كيفية توظيفها، وطرق الإفـادة منها،
كما يقول عز وجل : ( وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) (النحل:78) ..
فالطبيعة البشرية بما جبلها الله تعالى عليه من ضعف ونقص بشري بحاجة إلى ما يساعدها على النمو السليم والترقي في مدارج العلم، لتتربى تربية سليمة وتنتهج النهج المستقيم الذي أراده الله تعالى لها.
وقد فطن المسلمون منذ سابق زمانهم إلى أن التربية السليمة تحتاج إلى علم، والعلم يحتاج إلى مهارات، وهذه المهارات لا بد أن يكتسبها المتعلم، وأن يكون قادرا على أدائها. ومن هـذا المنطلق فقد أدرك المسلمون أن العلم ليس ذلك الكم من المعارف والمعلومات، ولكنه قبل ذلك مهارات تعين المسلم على التدبر والتفكر والتأمل ثم خشية الله عز وجل ، كما جاء " عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «ليس العلم عن كثرة الحديث إنما العلم خشية الله» "
[1] ، وجاء عن الإمام أحمد ، رحمه الله، أنه قال: " «ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم بالخشية» "
[2] . [ ص: 55 ]
وقد اهتمت التربية الإسلامية بالمهارات إيمانا منها بأن الشيء الذي يبقى مع المتعلم، ويساعده على نموه المستمر هـو تلك المهارات التي يتعلمها، ولهذا فإنها تجنبت التركيز على الكم، لا سيما إذا كان المتعلم في بداياته، فقد جاء الإمام أبو حنيفة ، رحمه الله، عندما أراد أن يتعلم إلى أستاذه حماد ، فقال له حمـاد: «ما جاء بك؟ قال: أطلب الفقه. قال: تعلم كل يوم ثلاث مسائل، ولا تزد عليها شيئا حتى يتفق لك شيء من العلم.. ففعل ولزم الحلقة حتى فقه؛ فكان الناس يشيرون إليه بالأصابع»
[3] .
ومهارات التربية الإسلامية تمكن المتعلم من التعلم بطريقة سليمة، إيمانا منها بأن النفس البشرية غير قادرة على استيعاب العلم دفعة واحدة، وأن النفس البشرية تحتاج إلى فقه وإلى فهم، وهذا كله لا يحدث إلا بامتلاك المهارات التي تساعد على ذلك: ( مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هـي قيعان لا تمسـك ماء ولا تنبت كـلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هـدى الله الذي أرسلت به )
[4] .. [ ص: 56 ]
قال الإمام ابن القيم ، رحمه الله، في أهل الصف الأول، الذين أشار إليهم الحديث: إنهم أهل الحفظ والفهم، الذين حفظوه وعقلوه وفهموا معانيه واستنبطوا وجوه الأحكام والحكم والفوائد منه، فهؤلاء بمنـزلة الأرض التي قبلت الماء، وهذا بمنـزلة الحفظ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وهذا هـو الفهم فيه والمعرفة والاستنباط، فإنه بمنـزلة إنبات الكلأ والعشب بالماء، فهذا مثل الحفاظ الفقهاء أهل الرواية والدراية»
[5] .
وإذا كان ذلك كله لا يتم الوصول إليه إلا بالمهارات؛ فإن امتلاك المهارة من أهم ما يعين النفس البشرية على العلم، ثم التربية السوية. جاء عن « يونس بن يزيد قال: قال لي ابن شهاب : يا يونس لا تكابر العلم فإن العلم أودية، فأيها أخذت فيه قطع بك قبل أن تبلغه، ولكن خذه مع الأيام والليالي، ولا تأخذ العلم جملة فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي»
[6] .
ولمهارات التربية الإسلامية أهمية كبيرة في مساعدة المتعلم على أن يتعلم بصورة جيدة؛ ذلك أنه في كل مرحلة من مراحل التعلم بحاجة إلى أن يتعلم بشكل سليم. يقول أبو عمرو بن العلاء: «أول العلم الصمت. والثاني حسن الاستماع، والثالث حسن السؤال، والرابع حسن الحفظ. والخامس نشره عند أهله»
[7] . ويرى العلامة ابن قيم الجوزية أن العلم ست مراتب: «أولها حسن السؤال، الثانية حسن الإنصات والاستماع، الثالثة حسن الفهم، الرابعة الحفظ. الخامسة التعليم، السادسة - وهي ثمرته - وهي العمل به ومراعاة حدوده، فمن الناس من يحرمه لعدم حسـن سؤاله، إما لأنه لا يسأل بحال، أو يسـأل عن شي وغيره أهم إليه منه، كمن يسأل عن فضوله التي لا يضر جهله بها ويدع ما لا غنى له عن معرفته، وهذه حال كثير من الجهال المتعلمين؛ ومن الناس من يحرمه لسوء إنصاته...» [8] . [ ص: 57 ]
ويمكن أن يضـاف إلى كل ما سـبق عـدد من الروايات، أوردها ابن عبد البر ، لبعض العلماء
[9] : حيث يقول فضيل بن عياض : «أول العلم الإنصات، ثم الاستماع، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر» . ويقول ابن المبارك : «أول العلم النية، ثم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر» . وسئل محمد بن النضر الحارثي عن العلم قال: «أول العلم الاستماع، قيل: ثم ماذا؟ قال: الحفظ، قيل: ثم ماذا؟ قال: العمل، قيل: ثم ماذا ؟ قال: النشر» . وقال سفيان : «أول العلم الاستماع، ثم الإنصات، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر» . ويضيف ابن عبد البر أنه «كان يقال: العالم النبيل الذي يكتب أحسن ما يسمع، ويحفظ أحسن ما يكتب، ويحـدث بأحسن ما يحفظ»
[10] .
إن كل نشـاط يؤديه المتعلم يحتاج فيه إلى مهارة، وهذه المهارة لا يمتلكها المتعلم لمجرد علم عابر يمر عليه مرور الكرام، إنما لا بد لـه أن يتمكن من امتلاك المهارات؛ لأن المهارات -كما سبق الحديث عن خصائصها- تتطلب التدرج؛ فحتى يتقن المتعلم مهارة ما، لا بد أن يتمكن من المهارة التي تسبقها. «قال الأصمعي : قال الخليل : حين أردت النحو أتيت الحلقة فجلست سنة لا أتكلم، إنما أسمع. فلما كان في السنة الثانية نظرت.. لما كان في السنة الثالثة: تدبرت. فلما كان في السنة الرابعة: سألت وتكلمت»
[11] . [ ص: 58 ] «وكان المأمون يوصـي بعض بنيه فيقـول: اكتب أحسـن ما تسمع، واحفظ أحسن ما تكتب، وحدث بأحسن ما تحفظ»
[12] .
ولمهارات التربية الإسلامية أهمية كبيرة؛ لأن «ما يجهله العبد أضعاف أضعاف ما يعلمه»
[13] ؛ ولأن المعرفة تتزايد كل يوم؛ ولأنه في سبيل الإفادة من كل ما يتعلمه لا يسـتغن عن المهارة؛ ولأن المتعـلم إذا أراد أن يوظف ما تعلمه من علم على نحو سليم بحاجة مستمرة إلى معرفة المهارة التي تساعده على التطبيق والعمل؛ انطلاقا من «أن العلم إمام العمل وقائد له، والعمل تابع له ومؤتم به، فكل عمل لا يكون خلف العلم مقتديا فهو غير نافع لصاحبه بل مضرة عليه»
[14] . فمن هـنا تجد أن مهارات التربية الإسلامية تمثل أهمية بالغة للمتعلم؛ لأنه لا يمكن أن يتعلم الطالب العلم، وأن يتدرج فيه بدون هـذه المهارات. جاء عن أبي الحسن علي الترمذي ، قال: «وجدت في كتاب الحكمة: العلم ميت، إحياؤه الطلب، فإذا حيي بالطلب فهو ضعيف، قوته الدرس، فإذا قوي بالدرس فهو محتجب، إظهاره بالمناظرة، فإذا ظهر بالمناظرة فهو عقيم، نتاجه العمل»
[15] .
ومهارات التربية الإسلامية مهمة، لأن
[16] : «الهدف التثقيفي في التربية الإسلامية لا يقف عند حد العلم النظري، وإنما يتعداه إلى العلم التطبيقي. [ ص: 59 ]
فالتربية الإسلامية تدعو إلى التوازن بين الناحيتين النظرية والعملية في تربية الفرد... والهدف التثقيفي في التربية الإسلامية ينشد تنمية القدرات العقلية للفرد، ووقايته من أسـباب التخـلف العقـلي، وتكوين عقلية مؤمنة ينظر بها الفرد إلى دنيا العلوم فيرى بها أدلة عظمة الله وحكمته في مخلوقاته. هـذا إلى جانب تنمية روح الإبداع والإتقان في كل ما يقوم به الفرد من أعمال، وذلك استجابة لتشجيع الله على الإتقان؛ لأنه أتقن كل ما صنع،
لقوله تعالى: ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) (النمل:88) ؛
ولأنها أيضا
[17] تساعد على « اكتساب المتعلم بعض مهارات التفكير السليم بأنواعه، وتدريبه على حل مشكلاته العامة والخاصة»، وتعمل على «تنوير عقل المتعلم وتوسيع أفقه، بحيث تتكون لديه الرؤية الإسلامية الصحيحة التي تجنبه التقليد الأعمى...»، إضافة إلى أنها تساعد على «اكتساب بعض مهارات التعلم الذاتي، وبعض الحقائق والمعلومات الدينية المناسبة له».
ومهارات التربية الإسلامية تساعد المتعلم على الخروج من دائرة الفهم الضيق، إلى دائرة الفهم الواسع، والوعي التام بما يدور حوله؛ لأنها تمكنه من «البحث والاستقصاء والتعليل والتحليل والموضوعية وإبداء الرأي، وكذلك تنمية القيم والاتجاهات والعادات الدينية اللازمة لضبط السلوك وترشيده والعمل الجماعي»
[18] . كما أنها تساعد المتعلم على الوصول إلى «المستويات [ ص: 60 ] العليا من التفكير، وتأكيد أساليب البحث والاستقصاء، بدلا من اللفظة المباشرة وأسلوب حل المشكلات في مقابل سرد الحقائق والمعلومات»
[19] . وهي تنقل المتعلم من السلبية والخمول إلى الإيجابية والنشاط، وفيها تحفيز للنفس على التفاعل والإثارة، وفيها «تنبيه للحس، وإرهاف للذهن، وتصفية للنفس، وإذكاء للروح»
[20] ؛ الأمر الذي يجـعل من ذلك كله وزنا عظيما لها في ميدان التربية الإسلامية وتدريسها.
والتدريس الجيد في التربية الإسلامية لا يتم بشكل فعال ومثمر بدون أن يمارس المتعلمون المهارات بجميع أنواعها، ذلك أن مهارات التربية الإسلامية من مقتضيات تدريسها؛ لأن نشاط تدريس التربية الإسلامية هـو نشاط شامل «يشمل التحدث، والشرح، والوصف، والتصوير، والتوضيح، وضرب الأمثلة، وإجراء التجارب، والإشارة، والإملاء، والكتابة، والتوجيه، والإرشاد، والمقارنة، والموازنة، والتحليل، والتعديل، والاستقراء، والاستنباط، والقياس، والتقويم، وغير ذلك»
[21] .
ولمهارات التربية الإسلامية أهمية كبيرة في سبيل تربية طالب العلم على آداب طلب العلم، والسعي الجاد إليه، والصبر عليه، والاهتمام به عما سواه من الشواغل الدنيوية؛ لأن من الآداب التي ينبغي أن يحرص عليها طالب [ ص: 61 ] العلم «ألا يزال مجتهدا في الاشتغال بالعلم، قراءة وإقراء، ومطالعة وتعليقا، ومذاكرة وتصنيفا»
[22] .
كما أن مهارات التربية الإسلامية، إضافة إلى ما تساعد عليه من توجيه المتعلم إلى آداب عظيمة لا يستغن عنها، في طلبه للعلم، توجه المتعلم إلى حسن المقصد، ونبل الهدف؛ لأن المتعلم الذي يتوق لطلب معالي الأمور، والوصول في العـلم إلى أعظم غاياته، وأنبل مقاصـده وأهدافه، هـو الذي لا يكتفي من العلم أن يقال عنه: إنه تعلم فقط، ولكنه الذي يحرص على امتلاك المهارات التي تساعده على أن يتعلم طيلة حياته. عن حبيب بن عبيد قال: «تعلموا العلم واعقلوه وانتفعوا به، ولا تعلموه لتتجملوا به؛ إنه يوشك، إن طال بك العمر، أن يتجمل بالعلم كما يتجمل الرجل بثوبه»
[23] .
ومهارات التربية الإسلامية مهمة؛ لأنها تساعد المتعلم على الاستيعاب الأمثل لما يتعلمه، وتمكنه من الإفادة من العلم، من خلال اهتمامها بمهارات الممارسة والتطبيق. فالتربية الإسلامية لا تقف بالمتعلم عند حدود الوعي النظري فقط لما يتعلمه ولكنها تقوده إلى التطبيق والممارسة،
يقول الحق تبارك وتعالى: ( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك [ ص: 62 ] سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم ) (البقرة:260) .. وجاء " عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، أنه قال: «كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن. » "
[24] . وروي " عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال: «حدثنا الذين كانوا يقرئوننا، كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا» "
[25] . وقال بعض السلف: «كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به»
[26] . وقال الإمام الغزالي ، رحمـه الله، في رسـالته إلى تلمـيذه: «ولو قرأت العـلم مائة سنة، وجمعت ألف كتاب، لا تكون مستعدا لرحمة الله تعالى إلا بالعمل»
[27] . فالعمل والممارسة والتطبيق، من خلال مهارات عملية يؤديها المتعلم، أمر في غاية الضرورة لتوظيف ما يتعلمه المتعلم ويفيد منه.
كما تظهر أهمية مهارات التربية الإسلامية من خلال اهتمامها بجانب الممارسة العملية والتطبيق الفعلي من قبل المتعلم، فهي تدعوه إلى أن يكون ماهرا في العمل والتطبيق أيضا؛ لأنه لن يكون لما يتعلمه من جوانب نظرية قيمة ما لم يعمل به؛ بل إن عـلامة الذكاء والفطـنة والنجابة لديه لا تتم إلا من خلال التطبيق الفعلي لما يتعلمه؛ ولا بد أن يهدف أساسا من علمه [ ص: 63 ] إلى التطبيق له، وفي سبيل هـذا يقول ابن الجوزي ، رحمه الله: «تأملت العلماء والمتعلمين، فرأيت القليل من المتعلمين عليه النجابة؛ لأن أمارة النجابة طلب العلم للعمل به»
[28] . ويقول أيضا: «وليس العلم بمجرد صورته هـو النافع بل معناه، وإنما ينال معناه من تعلمه للعمل به»
[29] .
ومهارات التربية الإسلامية نافعة ومفيدة للمتعلم؛ لأنها تجعل «العمل مشوقا ونافعا وقابلا للاستخدام خارج الفصل أو الورشة، بحيث يشعر المتعلم بالفائدة التي تعود عليه وبقيمة الجهد الذي يبذله فيه، وبالتالي يسعى إلى متابعة النشاط في تحصيله واستكماله بنفسه»
[30] ؛ ولأن كل موضوع من موضوعات التربية الإسلامية يقتضي أداء المتعلم لمهارات التربية الإسلامية العملية؛ لأننا عندما ننظر «إلى موضوعات التربية الإسلامية في كل الجوانب المختلفة، في العقائد وفي العبادات والمعاملات، نجد أن الأمر يفضي فيها بالممارسات والتطبيق العملي لما اشتملت عليه من الحقائق والمفاهيم والتعميمات»
[31] .
ومما يبرهن على أهمية مهارات التربية الإسلامية أنها تمكن المتعلم بتزويده بعدد من المهارات التي تساعده على التطبيق العملي الفعلي لما تعلمه من علم؛ فالمتعلم الذي لا يتمكن من هـذه المهارات يكون مصير العلم الذي [ ص: 64 ] تعلمه إلى الضياع فيما بعد؛ لأن « العلم إذا لم يطبق عمليا، ولم يكن له أثر في حياة الناس فإن العـالم يكون قد ضـاع مرتين: مرة حين أضاع نفسه ولم يفدها بالعلم الذي حصـله، ومرة حين أضـاع أمته التي يعيش بينها ولها عليه حق العون والنهوض بها وإنقاذها من التردي»
[32] .
وتظهر أهمية مهارات التربية الإسلامية بشكل كبير في مجال ضرورة تزويد المتعلم بالمهارات الاجتماعية؛ ذلك أن المتعلم بحاجة إلى معرفة كيفية التعامل مع الآخرين، وكيفية التطبيق السليم للآداب الاجتماعية؛ هـذا فضلا عن أنه أساسا مكلف بأداء الشعائر المفروضة في جماعة. ومن هـذا المنطلق فقد أكد بعض علماء السلف ضرورة أن يعي المتعلم مثل هـذه الأمور. فقد رأى ابن جماعة أن على المتعلم «أن يحافظ على القيام بشعائر الإسلام وظواهر الأحكام كإقامة الصلاة في المساجد للجماعات، وإفشاء السلام للخواص والعوام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى... وكذلك القيام بإظهار السنن وإخماد البدع، والقيام لله في أمور الدين وما فيه مصالح المسلمين على الطريق المشروع والمسلك المطبوع...»
[33] .
ومهارات التربية الإسلامية تمكن المتعلم من أن يعيش فردا في جماعة، فيتعرف من خلالها على كيفية التعامل السليم، وأصول العلاقات الاجتماعية المتينة، ويبذل كل ما في وسعه لخدمة المصلحة العامة.. وكما أن مهارات [ ص: 65 ] التربية الإسلامية تأخذ بيد المتعلم إلى أن يعيش مستقلا بفكره، متميزا بشخصيته، معتمدا على نفسه، فإنها أيضا تعوده على القدرات الاجتماعية العامة، وكيف يعمل في جماعة، مبتعدا عن الأثرة والأنانية وحب الذات؛ لأن «الإسلام يرمي إلى تربية الفرد تربية من شأنها غرس الروح الجماعية في كيانه، حتى يصل مرحلة الاستعداد للتضحية برغباته ومطالبه إذا تعارضت مع مصالح الجماعة ومطالبها، وحتى يصل أيضا إلى درجة الاستعداد للتضحية بنفسه في سبيل المحافظة على الجماعة ووجودها وبقائها»
[34] . إن التربية الإسلامية «قد وسعت دائرة المهارات التي تسعى إلى تنميتها، بحيث أصبحت شـاملة لجميع المهارات التي يحتاج إليها التلميذ في أثناء ممارسة الحياة خارج المدرسة»
[35] .
إن مهارات التربية الإسلامية ميدان خصب، يمهد لطالب العلم التزود من معينه أبلغ ما يمكن أن يتزود منه، وتمكنه من توظيف كل ما يتعلمه من علم بإبداع وإتقان، وتحقق له الفاعلية والإيجابية، والتزود المستمر من العلم، كما أنها تساعد المتعلم على أن يكون ناضجا في تفكيره، ناضجا في سلوكه، ناضجا في أسلوبه في التعامل مع الجماعة، وهو الأمر الذي يؤكد أن مهارات التربية الإسلامية لا تقتصر فقط على المهارات العقلية وحدها، فالمهارات العقلية على الرغم من أهميتها، ووزنـها الكبير بالنسبة إلى جميع المهارات، إلا أنها شملت إلى جانب ذلك أيضا المهارات العملية والمهارات الاجتماعية. [ ص: 66 ]