الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        ثانيا: مهارات التفكير

        التفكير دعـامة مهمة للفرد، يضيء له الطريق، ويسـاعده على فهم ما يدور حوله.. ومن خلال التفكير يؤدي المخلوق الوظيفة العظيمة التي أمره الله تبارك وتعالى بها؛

        يقول الله تعالى: ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هـذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ) (آل عمران:190-191) .

        وقال تعالى: ( لو أنزلنا هـذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا [ ص: 95 ] من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) (الحشر:21) . وجاء ( عن عطاء قال: انطلقت أنا وابن عمر وعبيد بن عمير إلى عائشة ، رضي الله عنها ، فدخـلنا عليها وبيننا وبينها حجاب... فقال ابن عمر... أخبرينا بأعجب ما رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكت وقالت: كل أمره عجبا، أتاني في ليلتي حتى مس جلده جلدي ثم قال: ذريني أتعبد لربي عز وجل ، قالت: فقلت: والله إني لأحب قربك، وإني أحب أن تعبد ربك، فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب الماء، ثم قام يصلي، فبكى حتى بل لحيته، ثم سجد فبكى حتى بل الأرض، ثم اضطجع على جنبه حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح، قالت: فقال: يا رسول الله، ما يبـكيك، وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ويحك يا بلال وما يمنعني ما أبكي وقد أنزل الله علي في هـذه الليلة:

        ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) (آل عمران:190) .

        ثم قال: «ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها )




        [1] . إن كل ذلك يدلل على ما يحتله التفكر والتفكير من منـزلة عظيمة في ديننا الإسلامي الحنيف.

        وإذا كان التفكير بهذه المثابة؛ فإن مهارات التفكير من أهم المهارات العقلية التي يجب تنميتها لدى المتعلمين. ومن أهم مهارات التفكير: مهارة الفهم، ومهارة التأمل، ومهارة حل المشكلات، ومهارة الاستنباط، ومهارة الاستقراء، ومهارة الاستدلال، ومهارة النقد، ومهارة الإبداع. [ ص: 96 ]

        1- مهارة الفهم مهارة الفهم تمثل الأساس المهم للتفكير السليم عند المتعلم. وقد عني ديننا الإسلامي الحنيف بالفهم عناية عظيمة، وهذا ما يتبين لنا من قوله تعالى:

        ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) (التوبة:122) ،

        ( وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما العلم بالتعلم )



        [2] . ومن هـنا فإن مهارة الفهم من المهارات التي ركز عليها المسلمون، وأكدوا ضرورتها؛ فهي تمكن المتعلم من الوقوف بوضوح على ما يريد أن يتعلمه؛ مما يسـاعده على ترجـمة ما يتعلمه إلى مواقف سلوكية وعملية في حياته.. جاء " عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، أنه قال: «كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن» "



        [3] .

        ومن هـذا المنطلق، فإن لتمكن المتعلم من مهارة الفهم أثرا كبيرا في إفادته من العلم الذي يتعلمه، وقد ذكر ابن عبد البر : أنه «قال أهل العلم والنظر: حد العلم التبيين وإدراك المعلوم على ما هـو به، فمن بان له الشيء فقد علمه.. قالوا والمقلد لا علم له، ولم يختلفوا في ذلك»



        [4] . وقد بلغ الفهم مكانة راقية، ما جعل الحكماء والعلماء يشيدون به ويؤكدون أهميته. فقد [ ص: 97 ] أورد الخطيب البغدادي



        [5] : أنه «قال لقمان لابنه: يا بني كن سريعا تفهم، بطيئا تكلم، ومن قبل أن تتـكلم تفهم»، وقال الإمام مالك ، رحمـه الله: «لا خير في جواب قبل فهم» .

        وعندما كان «الفهم معيارا للحكم على كثير من القضايا»



        [6] ، يضحى لمهارة الفهم أهمية كبيرة للمتعلم، لا سيما وأن امتلاكه لهذه المهارة يمكنه من «فهم المصطلحات الدينية المرتبطة بالإسلام عقيدة وشريعة»



        [7] ، كما يمكنه من فهم «التصور الإسلامي الصحيح للألوهية والكون والإنسان»



        [8] ، هـذا فضلا عن كون المتعلم يصبح قادرا على فهم كتاب الله، وفهم «معنى الأحاديث التي يتعلمها ويعبر عما ترشد إليه»



        [9] .

        إن أول ما يجب أن توظف فيه مهارة الفهم هـو توظيفها في سبيل فهم كتاب الله جل وعلا.. «إن هـذا القرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن يقبل عليه بهذه الروح... إنه لم يجئ ليكون متاع عقل، ولا كتاب أدب وفن، ولا كتاب قصة وتاريخ... إنما جاء ليكون منهاج حياة، منهاجا إلهيا خالصا»



        [10] . ومن هـنا فإن هـذه المهارة لا بد أن تساعد المتعلم على «فهم الألفاظ والتراكيب من السياق القرآني، ما تسنى ذلك»



        [11] . [ ص: 98 ]

        ومن مهارة الفهم معرفة اللغة التي نزل بها القرآن الكريم؛ ذلك أن اللغة العربية باب واسع، ومعرفتها وفهمها يعين المتعلم على فهم كتاب الله، وفي هـذا يقول الخطيب البغدادي : «وأما اللغة فبابها واسع، ونزل القرآن بلغة العرب؛ لأنها أوسع اللغات وأفصحها، وفي كتاب الله تعالى آيات مخرجها أمر ومعانيها وجوه متغايرة، فمنها تهديد، ومنها إعجاز، ومنها إيجاب، ومنها إرشـاد، ومنها إطـلاق، ولا تدرك معرفـة ذلك إلا من جهة اللغة»



        [12] . ومن هـنا نجد أن سلامة الفهم لكتاب الله تعتمد أساسا «على قواعد اللغة العربية»



        [13] . ومن مهارة الفهم «أن يفهم المتعلم ما يقرأ فهما صحيحا، حتى يستطيع أن يستخدم اللغة أداة لتثقيفه وتحصيل معلومته»



        [14] .

        ومن أهم مجالات تنمية مهارة الفهم: فهم «أنه ليست كل سورة في القرآن لا بد وأن تقرأ أوائلها بحروف الهجاء»



        [15] ، ومنها أيضا: «فهم معنى الآيات المحكمة والآيات المتشابهة»، و «التفريق بين المحكم والمتشابه»، و «فهم الاستدلال على المحكم والمتشابه» و «فهم مواقع الآيات المتشابهة»



        [16] . ومنها كذلك: «فهم مخارج الحروف ومحلها، وعدد كل مخرج من المخارج [ ص: 99 ] وحروف كل مخرج»



        [17] . إن تنمية مهارة الفهم، من خلال القرآن الكريم، يمكن أن تتم من خلال جميع مواد التربية الإسلامية التي يتلقاها المتعلم.

        إن مهارة الفهم من المهارات التي لا يمكن أن يتطور تفكير المتعلم بدونها وبدون توظيفها والاهتمام بها؛ ذلك أن الفهم مهارة يحتاجها المتعلم في جميع العمليات العقلية التي يقوم بها، فهي تساعد المتعلم أن يكون مستقلا في تفكيره، كما تجنبه الوقوع في التقليد الأعمى، وتساعد كذلك على تنمية جميع المهارات الأخرى التي يحتاجها. والتربية الإسلامية بجميع مجالاتها وفروعها تعد ميدانا عظيما لتنمية هـذه المهارة؛ لأن «التربية الإسلامية عنيت بفهم المادة عنايتها بالحفظ، ولم تهمل الفهم... مطلقا»



        [18] .

        2- مهارة التأمل

        التأمل هـو «مراجعة للنظر، كرة بعد كرة، حتى يتجلى له وينكشف لقلبه»



        [19] . ومهارة التأمل إحدى مهارات التربية الإسلامية التي تساعد على نمو تفكير المتعلم في هـذا المجال. ولما لهذه المهارة من أهمية كبيرة في تطوير القدرات العقلية بوجه عام، وقدرات التفكير بوجه خاص، فقد وجه الحق تبارك وتعالى إلى التفكير والتأمل في آيات كثيرة، ومن ذلك على سبيل المثال [ ص: 100 ] لا الحصر، قوله تعالى: ( أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ) (المؤمنون:68) ،

        وقولـه تعالى: ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) (ص:29) ،

        مما يؤكد منـزلة مهارة التأمل كإحدى المهارات الضرورية للمتعلم.

        إن المتعلم من خلال هـذه المهارة يوظف فكره كما أمره الله تعالى، ويكون بصيرا بما يتأمله ويقف عليه؛ ذلك أن للتأمل بابين واسعين: «الباب الأول: التفكر والتأمـل في آيات القرآن كلها، والفهم الخاص عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . والباب الثاني: التفكر في آياته المشهودة، وتأمل حكمته فيها وقدرته ولطفه وإحسانه وعدله وقيامه بالقسط على خلقه»



        [20] ، ويعني ذلك أن: «التفكر في القرآن نوعان: تفكر فيه ليقع على مراد الرب تعالى منه، وتفكر في معاني ما دعا عباده إلى التفكر فيه. فالأول تفكر في الدليل القرآني، والثاني تفكر في الدليل العياني. الأول تفكر في آياته المسموعة، والثاني تفكر في آياته المشهودة. ولهذا أنزل الله القرآن ليتدبر، ويتفكر فيه، ويعمل به، لا لمجرد تلاوته مع الإعراض عنه»



        [21] .

        ومهارة التأمل في التربية الإسلامية تعني أن المتعلم «ينبغي له إذا تلا القرآن الكريم أن يتفكر في معانيه، وأوامره ونواهيه، ووعده ووعيده، والوقوف عند [ ص: 101 ] حدوده»



        [22] . وتعني أيضا أنه «ليس العلم بمجرد صورته هـو النافع؛ بل معناه»



        [23] ، ومعناه لا يحدث إلا من خلال حسن توظيف المتعلم لمهارة التأمل، فهي تربيه على الإيجاز غير المخل، وتعلمه كيف يقف على المفيد، ويتجنب الإكثار؛ فقد أورد ابن عبد البر أن «الذي عليه جماعة فقهاء المسلمين وعلمائهم ذم الإكثار دون التفقه ولا تدبر، والمكثر لا يأمن مواقعة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لروايته عمن يؤمن وعمن لا يؤمن»



        [24] . ومهارة التأمل تعين على الفهم، لذلك ينبغي على المتعلم، كما يقول برهان الإسلام الزرنوجي : «أن يجتهد في الفهم عن الأستاذ: بالتأمل، وبالتفكر، وكثرة التكرار»



        [25] .

        ومهارة التأمل تجعل من الكون كله ميدانا فسيحا لها؛ فقد جعل الله تعالى «لها الكون محرابا للفكر والتدبر والاعتبار، وأبان لها عن تصميمه وبنائه وما يقوم عليه من وحدة ونظام»



        [26] . وقد جعلت من الكون ميدانا واسعا لها من أجل أن «تدعو الإنسان إلى التأمل في خلق السموات والأرض والاستدلال على عظمة الله واستخدام كل ما سخر الله للإنسان في هـذا الكون. وهذا يعني أن يعرف الإنسان سر هـذه الكائنات ونظامها ليسخرها فيما سخرها الله»



        [27] ، ويعني أيضا أن المتعلم يجب أن يكون «ساعيا إلى [ ص: 102 ] الحقائق، مفتوحا على الكون كله، في جولات من التأمل الواعي الدقيق، والنظر العلمي المنظم»



        [28] .

        ومهارة التأمل تساعد على توظيف الحواس واستخدامها فيما يعود علينا بالنفع والفائدة؛ لأن «الله خلق لنا السمع والفؤاد والبصر لنتفكر ونتأمل وننظر نظرة تمحيص، ونلاحظ ما حولنا، ثم نمحص ذلك بعقلنا وفؤادنا، لنستخدم ما سخر الله لنا»



        [29] . وإضافة إلى كل ذلك «نستطيع أن نلمح مبلغ اهتمام القرآن الكريم بتوعية الإنسان على الأشياء المادية والظواهر الكونية والطبيعية المحيطة به، من خلال الآيات القرآنية التي توجه الأنظار إلى ما في السموات والأرض من أشياء، وقد جاء ذلك بأساليب متنوعة تثير الانتباه وتعمق الوعي وتدعو إلى التأمل»



        [30] . وتفيدنا مهارة التأمل أيضا في فهم الحقائق، انطلاقا من أنه «لا ينبغي أن يكتفي الدارس بمعرفة ماهية الحقيقة التي يدرسها بل عليه أن يقلب فيها نظراته، ويدرسها من حيث مدى ما يمكن الانتفاع بها في المجالات المختلفة، ومدى ما فيها من دلالات»



        [31] .

        والمتعلم عند دراسته للقرآن الكريم لا بد أن تكون دراسته عميقة، من خلال الفهم العميق لآيات القرآن، وفهم ما تدل عليه، ذلك أن من أهم [ ص: 103 ] أهداف دراسة القرآن الكريم «تفهم معاني كلام الله، والتأثر به»



        [32] ، وهذا كله لا يحدث إلا من خلال توظيف المتعلم لمهارة التأمل. وتوظيف مهارة التأمل عند المتعلم لا يتم إلا من خلال معرفة المتعلم للمجالات التي يمكن من خلالها أن ينطلق تفكيره، ويتأمل في أسرارها، وهذا يمكن أن يصل إليه المتعلم من خلال آيات القرآن -كما سبـقت الإشارة- لأن «في القرآن الكريم إرشاد للإنسان ليتأمل ما في الكون من صنعة مثل خلق الموجودات بما فيها الإنسان، واستمرار نواميس الحياة كدوران الأرض والشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار»



        [33] .

        3- مهارة حل المشكلات

        إن مهارة حل المشكلات من المهارات الضرورية للمتعلم؛ فالمتعلم بحاجة إلى معرفة خطوات التفكير العلمي لمعرفة السبيل الأمثل في مواجهة المشكلات. وفي القرآن الكريم أمثلة للدعوة إلى التفكير واستخدام الأسلوب العلمي في حل المشكلات،

        من ذلك قوله تعالى: ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هـذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هـذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هـذا ربي هـذا أكبر [ ص: 104 ] فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) (الأنعام:75-79) ففي هـذه الآيات الكريمة ما يشير إلى الخطوات العلمية لحل المشكلة.

        ومهارة حل المشكلات من المهارات المعروفة التي كان يدرب علماء المسلمين طلابهم عليها، فمما روي عن الإمام أبي حنيفة ، رحمه الله، أن رجلا قال له: «إني قد دفنت شيئا، ولا أدري أين دفنته من البيت. قال: وأنا حري أن لا أدري به. قال: فبكى الرجل. فقال أبو حنيفة: قوموا بنا، فقام معه نفر من أصحابه، فأتى بهم الرجل إلى منـزله. فقال أين يكون من الدار؟ وأين موضع قماشك؟ فأدخلهم إلى بيت في الدار، فقـال لأصحابه: لو كان هـذا البيت لكم ومعكم شيء تريدون أن تدفنوه: كيف كنتم تصنعون؟ فقال هـذا: كنت أدفنه هـاهنا، وقال آخر هـنا، وقال الآخر موضعا آخر، حتى قالوا خمسة أقاويل. فحفر منها موضعين ووجده في الثالث، وقال له: اشكر الله الذي رده عليك»



        [34] . فهذا الموقف يشير بوضوح إلى الخطوات العلمية لحل المشكلة، وهي: الشعور بالمشكلة، ووضع الفروض، وجمع المعلومات، واختبار الفروض، والوصول إلى الحل. [ ص: 105 ]

        إن مهارة حل المشكلات تساعد على «ربط الإسلام بالواقع ربطا قائما على كون الإسلام حلا لمشكلات الواقع، وبناء لكيانه، أفرادا وجماعات ودولا، وسدا لحاجاته المتجددة، ومعافاة لأمراضه، ونهوضا به إلى أرقى المنازل وأرقى الدرجات، وأن البشـرية لن تنهض من كبوتها في واقعها المر إلا بالإسلام»



        [35] . ومهارة حل المشكلات تمكن المتعلم من القدرة على «تحليل المشكلات التي يتعرض لها الشباب، وتتعرض لها المجتمعات الإسلامية، والأزمات التي تواجه هـذه المجتمعات اليوم»



        [36] ، كما أنها تساعد المتعلم أيضا على: «ابتكار أساليب المعالجة التي تلائم روح العصر وتحدياته»



        [37] ، وفي ذات الوقت تحافظ على ثوابت الإسلام ودعاماته. إنها تمكن المتعلم من «الكشف عما في الإسلام من قدرة على حل مشكلات العصر، وما يعانيه المجتمع الدولي من صراعات مهلكة وخلافات مدمرة»



        [38] .

        من خلال كل ما سبق يتبين لنا أن مهارة حل المشكلات -التي يجب أن يتمكن المتعلمون منها- ليست بالضرورة أن تقتصر على المشكلات المحدودة زمانا ومكـانا ومجالا، ومن ذلك مثلا يجب ألا «تقتصر في الغالب على المشكـلات التي توفرها خبرات المنهج، بل يمتد أثر ذلك على مهارتهم فيما يعترضهم من مشكلات على المستوى الفردي أو المستوى الاجتماعي خلال ممارستهم للحياة في بيئاتهم»



        [39] . ومهارة حل المشكلات تتطلب من [ ص: 106 ] المتعلم أن يكون واعيا للمشكلات التي تواجهه في حياته، وأن تتوفر لديه القدرة على استخدام الخطوات العلمية في مواجهة هـذه المشكلات، وأن يكون بصيرا أيضا بالمشكلات التي تواجه مجتمعه، ولديه القدرة على الإسهام في حلها ومواجهتها.

        4- مهارة الاستنباط

        الاستنباط هـو «أداء عقلي يقوم به الفرد، ويتم عن طريق اشتقاق الأجزاء من القاعدة العامة »



        [40] . وقد اهتمت التربية الإسلامية بالاستنباط باعتباره من مهارات التفكير المهمة، فهو يساعد المتعلم على فحص العلم، والتمكن منه، ودراسة جزئياته وفروعه، والتعمق فيه. ومن خلال الاستنباط يصل المتعلم إلى غايته، وينمو تفكيره على النحو الذي يساعده على الإطلاع على مختلف الإنجازات العلمية والإفادة منها. يقول ابن خلدون في مقدمته: «إن الحذق في العلم والتفنن فيه والاستيلاء عليه، إنما هـو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه»



        [41] .

        ومهارة الاستنباط مهارة عظيمة؛ لأنها توجه المتعلم إلى دراسة ما خفي من أمور، والاعـتبار بمكنون العلم ومضمـونه، وقد جعل الله تعـالى الكون كله، وما فيه من مخلوقات، ميدانا للاستنباط والاعتبار،

        كما في قوله تعالى: ( وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) [ ص: 107 ] (الذاريات:20-21)

        ومهارة الاستنباط تساعد المتعلم على زيادة العلم، لكونها تهتم بتشجيعه نحو استنباط المسائل والموضوعات الفرعية الدقيقة، يقول الخطيب البغدادي : «ينبغي إنعام النظر في الآثار والسنن والتفتيش عن معانيها، والفكر في غوامضها، واستنباط ما خفي منها، فمن فعل ذلك كان جديرا بلحاق من سبقه من العلماء، والتبريز على المعاصرين له من الفقهاء»



        [42] . ويقول أيضا: «وليعلم أن الإكثار من كتب الحديث وروايته لا يصير به الرجل فقيها، وإنـما يتفقه باستنباط معانيه، وإنعام التفكير فيه»



        [43] . وقال عبد الله بن المعتز : «بالبحث والنظر تستخرج دقائق العلوم»



        [44] .

        وإذا كانت المهارات الأساسية مثل الفهم والتأمل تمهد لمهارة الاستنباط، فإن مهارة الاستنباط تمثل المهارة المهمة التي تساعد المتعلم للوصول إلى ثمرة الشيء وخلاصته، من خلال فهمه والتأمل فيه، لأن «من خصائص العقل أنه يتأمل فيما يدركه، ويقلبه على وجوهه، ويستخرج منه بواطنه وأسراره، ويبني عليها نتائجه وأحكامه»



        [45] . ومهارة الاستنباط تستوجب من المتعلم أن يكون قادرا على التفكير؛ لأن «الشريعة تربي الإنسان على التفكير المنطقي عن طريق استنباط الأحكام»



        [46] . [ ص: 108 ]

        وفي التربية الإسلامية أمثلة كثيرة لكيفية تنمية مهارة الاستنباط، فهي تنمو من خلال «استنباط الأحكام والمبادئ والقيم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية»



        [47] ، ومن خلال «الآيات القرآنية الكريمة التي تتعلق ببعض قضايا العقيدة»



        [48] ، كما تنمو من خلال «استنباط الأحكام الشرعية العملية من الأحاديث الشريفة»



        [49] ، وتنمو عند



        [50] : «استنتاج معاني الكلمات القرآنية من خلال السياق»، و «استنتاج الأحكام التي تتضمنها الآيات».

        ومهارة الاستنباط مهارة مهمة للمتعلم في جميع مواقف الدراسة في التربية الإسـلامية؛ فعند دراسة الآيات القرآنية هـو بحاجـة إلى اسـتنباط ما تتضمنه من أحكام وفوائد مهمة. وعند دراسة الحديث لا بد للمتعلم أن يكون قادرا على استنباط الأحكام والآداب التي ترشد إليها الأحـاديث.. وما يقال عن القرآن الكريم والحديث يقال أيضا عن بقية فروع مادة التربية الإسلامية وموضوعاتها الأخرى.

        5- مهارة الاستقراء

        إذا كنا مما سبق قد تعرفنا على مهارة الاستنباط، وأن الاستنباط هـو اشتقاق الأجزاء من القاعدة العامة؛ فإن الاستقراء هـو « أداء عقلي يقوم به الفرد، ويتم عن طريقه استنتاج القاعدة العامة من الجزئيات والحالات [ ص: 109 ] الفردية»



        [51] . ومهارة الاستقراء من المهارات المهمة للمتعلم، خاصة وأنه بحاجة إلى استقراء الكثير من الأفكار والقواعد العامة التي لا غنى له عنها. كما تظهر أهمية هـذه المهارة بالنظر إلى «أن الاستقراء هـو طريق الوصول إلى الأحكام العامة بواسطة الملاحظة أو المشاهدة، وبه نصل إلى القضايا الكلية»



        [52] .

        وهي من المهارات المهمة للمتعلم في التربية الإسلامية خاصة، فهناك الكثير من المواقف التي تدعو إلى استخدامها وتوظيفها. وفي القرآن الكريم ما يشير لأهميتها، من خلال الأمثال والشواهد،

        كما يقول تعالى: ( لو أنزلنا هـذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) (الحشر:21) ..

        وهي تساعد المتعلم على كيفية التنقل من الخاص إلى العام، ومن المفصل إلى المجمل، ومن الفرع إلى الأصل، ومن الجزء إلى الكل؛ ليقف بصورة شمولية على حقائق ما يتعلمه؛ وليساعده ذلك على نمو ملكة التفكير لديه، بجميع أنماطها ومستوياتها.

        وللاستقراء مجالات كثيرة في التربية الإسـلامية، منها على سبيل المثال لا الحصر: أن المتعلم يستطيع من خلال المواقف التعلمية من «التقاط [ ص: 110 ] الفكرة»



        [53] العامة لموضوع الدرس الذي يتعلمه، أو موضوعات الدرس الفرعية. كما أن المتعلم يستطيع استقراء «الغرض الذي تدور حوله السورة أو مجموعة الآيات التي تتلى»



        [54] ، كما يستطيع من خلال الاستقراء «تحديد المعنى العام للنص القرآني»



        [55] ، وكذلك تحديد موضوع عام لعدد من الموضوعات، أو جمع عدد من الموضوعات تحت فكرة واحدة.

        وفي جميع الأحوال، فإن المتعلم يحتاج إلى مهارة الاستقراء في كثير من المواقف التي يتعلمها، خاصة وأن الاستقراء باعتباره مهارة من مهارات التفكير في التربية الإسلامية، يفيد المتعلم في رفع مستوى استيعابه وفهمه لموضوعات التربية الإسلامية، انطلاقا من أن المتعلم لا يمكنه أن يظفر بتعلم ذي معنى إلا من خلال تفكير سليم، يسير عليه.

        6- مهارة الاستدلال

        اهتمت التربية الإسلامية بالاستدلال، باعتباره واحدا من أهم مهارات التفكير، وقد اهتم به علماء المسلمين حتى جعلوه أحد الطرق المهمة لاكتساب العلم؛ ذلك أن العلم الذي يكتسـبه الفرد إنما يتم بطرق كثيرة، إلا أن من أهمها: الاستدلال. ولهذا يقول ابن عبد البر : «وأما العلم المكتسب فهو ما كان طريقه الاستدلال والنظر، ومنه الخفي والجلي، فما قرب من العلوم الضرورية كان أجلى، وما بعد منها كان أخفى»



        [56] . [ ص: 111 ]

        والمتعلم بحاجة إلى مهارة الاستدلال؛ خاصة وأن القرآن الكريم يوجه إلى توظيف هـذه المهارة،

        يقول تعالى: ( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير ) (البقرة:260) ،

        ويقول تعالى: ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ) (الأعراف:143) ،

        فنجد في هـذه الآيات الكريمة ما يدعو إلى توظيف مهارة الاستدلال واستخدامها من قبل المتعلم.

        ومن مهارة الاستدلال أن يكون المتعلم قادرا على «الاستشهاد بالنصوص الإسلامية، من القرآن الكريم والحديث النبوي»



        [57] ، كأن يكون مثلا قادرا على «أن يستشهد بالآيات القرآنية عند مناقشة قضية عقدية معينة»



        [58] ، أو «أن تنمو قدرته في التدليل على وجود الله تعالى وقدرته سبحانه»



        [59] كأن «تقوى قدرته في الاستدلال بمنجزات العصر على وجود الله تعالى وقدرته»



        [60] مثلا، أو غير ذلك من القدرات التي تتطلب من المتعلمين الوصول إلى «استدلالات تتطلب منهم أن يذهبوا إلى ما وراء المعلومات المتوافرة لديهم»



        [61] . [ ص: 112 ]

        ومهارة الاستدلال تستوجب من المتعلم أن يكون قادرا على الاستقراء والاستنتاج؛ لأن «الاستدلال بوجه عام هـو استنتاج قضية من قضية، أو عدة قضايا أخرى... ويعرف الاستدلال أيضا بأنه الوصول إلى حكم جديد مغاير للأحكام التي استنتج منها، ولكنه في الوقت نفسه لازم لها، متوقف عليها»



        [62] .

        7- مهارة النقد

        تحتل مهارة النقد أهمية كبيرة في التربية الإسلامية، شأنها في ذلك شأن مهارات التفكير الأخرى. ذلك أن التربية الإسلامية تدعو المتعلم أن يكون ناقدا، قبل أن يكون مقلدا ومحاكيا. ( عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا )



        [63] . وكان الشافعي ، رحمه الله، يعتبر أن الذي يجمع العلم بدون نقد وتمحيص كمن يجمع حزمة الحطب في الليل، كما قال رحمه الله: «هذا مثل حاطب ليل: يقطع حزمة الحطب، فيحملها، ولعل فيها أفعى تلدغه، وهو لايدري»



        [64] . وأورد الخطيب عن أبي نعيم قوله: «كنت أمر على زفر ... فيقول... تعال حتى أغربل لك أحاديثك، فأريه ما قد سمعت، فيقول: هـذا يؤخذ به، وهذا لا يؤخذ به، وهذا ناسخ وهذا منسوخ»



        [65] . [ ص: 113 ]

        كما أورد عن سليمان بن موسى قوله: «يجالس العلـماء ثلاثة: رجل يسـمع ولا يكتب ولا يحفظ، فذاك لا شيء، ورجل يكتب كل شيء سمعه فذاك الحاطب، ورجل يسمع العلم فيختبره ويكتبه فذاك العالم»



        [66] .

        إن مهارة النقد تساعد المتعلم «على الدراسة الواعية، وتمحيص الحقائق، والاهتداء بنور الحق المستمد من الكتاب والسنة، وقراءة الحياة في ضوء السنن الربانية التي لا تتخلف ولا تتبدل»



        [67] . ومهارة النقد تمكن المتعلم من أداء عمله في يسر وسهولة، ويمكن من خلالها التفريق بين «التلميذ الذي يستطيع أن يفكر تفكيرا ناقدا... وتلميذ ليست لديه هـذه المهارة، فالتلميذ الأول يستطيع أن يؤدي الأعمال التي يكلف بها، في سهولة ويسر -خاصة إذا كان التدريس يهتم بإكساب التلاميذ تلك المهارات- بينما نجد التلميذ الثاني عاجزا عن أداء الأعمال التي يكلف بها، وكثيرا ما نجد قصورا في أدائه»



        [68] . كما تساعد مهارة النقد المتعلم على «تكوين بصيرة عقلية وعلمية للتمييز بين المفاهيم الصحيحة والمفاهيم الدخيلة في الإسلام»



        [69] ، فضلا عن كونها تعمل دائما على مساعدة المتعلم «على الوعي الفكري لكل ما يعمل أو يقول أو يريد أو يكتب»



        [70] . [ ص: 114 ]

        ومهارة النقد لا تتوقف عند تربية المتعلم على نقد ما يتلقاه من علم فحسب، ولكنها تربيه أيضا وتعلمه كيف يكون ناقدا موضوعيا تجاه نفسه؛ فهي كما تعني أن لا يكون المتعلم مقلدا لغيره، تعني أيضا «ذلك الأسلوب من التفكير الذي يحمل صاحبه المسئولية في جميع...ما ينتهي إليه»



        [71] ، لأن المتعلمين بحاجة مستمرة «أن تنمو عندهم مهارة التقويم الذاتي»



        [72] ، إنها تعني أن يكون المتعلم فاحصا واعيا يقظا مدركا لكل ما يتعلمه. إن مهارة النقد ليست مجرد مهارة يتعلمها المتعلم ويكتسبها ليفيد منها في مستقبله فحسب، ولكنها حاجة ملحة مستمرة، ذلك أن المتعلم «في حاجة إلى تنمية القدرة على التحليل والنقد»



        [73] ؛ لأن «الحاجة ماسة إلى أن يميز القارئ بين النافع والضار»



        [74] ، والحاجة ماسة إلى أن يفيد المتعلم مما يقرأه، والحاجة ماسة أيضا إلى أن يلم بكل ما يحيط به ويتمكن منه عن كثب.

        ومهارة النقد في التربية الإسلامية تتطلب «اكتساب المتعلم مهارة التفكير السليم تمكينا له من الرؤية الإسـلامية الصحيحة، التي يفرق بها بين ما هـو من الدين، وما هـو من البدع والخرافات، لكي لا يقف حائلا له بينه [ ص: 115 ] وبين قبول التغـيرات الاجـتماعية التي لا تتعـارض مع الإسـلام»



        [75] . كما تقتضي هـذه المهارة أيضا أن يكون المتعلم ماهرا في «تمييز ما هـو من العقيدة وما ليس منها»



        [76] ، وأن يكون ماهرا في «نقد انحرافات المجتمع وبدعه وخرافاته التي ألصقت بالدين»



        [77] . ولا بد في جميع الأحوال أن تتوفر لدى المتعلم «القدرة على الحـكم الصحـيح على الأشـياء»



        [78] . وينبغي -إضافة إلى كل ما سبق- أن تتوفر لدى المتعلمين القدرة على «نقد الأدلة، وتمييز الأفكار الخاطئة من الصائبة، والأفكار التي لها صلة بالموضوع الذي يقرءون فيه، والأفكار التي ليس لها صلة به»



        [79] ، وينبغي كذلك أن تتوفر لديهم «القدرة على التفريق بين الحقائق والآراء والعلل والعوامل التي تؤدي إلى نتائج معينة، وذلك حين قراءة الدروس أو قراءة الاستذكار»



        [80] .

        إن مهارة النقد التي يتعلمها المتعلم في المجالات التي سبق ذكرها تتيح له الفرصة للتفكير العميق، وتمكنه من سعة الأفق، وبعد النظر، والإدراك العميق لمغازي الأمور، كما تحميه من العشوائية والسطحية، وتجعله يشعر بقيمة العلم، ويدرك عن كثب أنه لن يتعلم التعليم الصحيح ويفكر التفكير السليم إلا بعد أن تكون له شخصيته المستقلة، وهويته المستقيمة، المنبثقة عما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 116 ]

        8- مهارة الإبداع

        خلق الله تبارك وتعالى الإنسان، وكرمه وفضله على كثير من مخلوقاته:

        ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) (الإسراء:70) ؛

        ومنحه العقل، وجعل من أهم وظائف هـذا العقل القيام بوظيفة الابتكار والإبداع.. فديننا الإسلامي الحنيف يحث المسـلم على الابتكار والإبداع؛ جاء ( عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينتقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينتقص من أوزارهم شيء )



        [81] ، وهو الأمر الذي يؤكد أن مهارة الإبداع من أهم مهارات التفكير التي يحتاجها المتعلم في التربية الإسلامية.

        إن مهارة الإبداع تتيح الفرصة أمام المتعلم للإبداع «والابتكار في مجالات تخدم المجتمع، وتخدم أهداف الأمة الإسلامية في المجالات المختلفة»



        [82] . والمجتمع المسلم هـو في «حاجة إلى الإنسان المفكر الذي يميل إلى الابتكار والإبداع؛ لأن المجتمع بهذه العناصر يرقى ويتقدم»



        [83] . ومن هـذا المنطلق فإنه لا بد «أن يكتسب المتعلم المهارات التي تمكنه من الإسهام في اكتشاف [ ص: 117 ] الطاقات والموارد الطبيعية... والعمل على توظيفها لخدمة الإسلام والمسلمين»



        [84] . إن التربية الإسلامية عندما تدفع المتعلم إلى مهارة الإبداع فإنما تدفعه لأن «الإسلام يحث أبناءه ويدفعهم إلى الابتكار والاختراع والإبداع واستخدام العلم وسيلة للنهوض والارتقاء. وأنه يدعو إلى أن يتبنى المجتمع الكشف عن الموهوبين والمتفوقين، ويتعهدهم بما يعود على الأمة العربية والعالم الإسلامي بالخير والفائدة وتعميق اعتقاد المتعلم بهذه المفاهيم»



        [85] .

        وفي التربية الإسلامية الكثير من المواقف التي تنمي مهارة الإبداع لدى المتعلم. فعند دراسة القرآن الكريم، مثلا، يستطيع المتعلم أن يفيد من الكلمات القرآنية، ويمكنه «استخدام هـذه الكلمات في تعبيرات خارج النص القرآني»



        [86] ، ويمكنه أيضا الإفادة من الأحاديث التي يدرسها في سياقات أخرى مختلفة غير التي درسها. كما يمكن للمتعلم أيضا أن يمارس مهارة الإبداع من خلال «توفر فرص الكتابة الإبداعية»



        [87] ، وذلك من خلال كتابة المتعلم باستخدام تعبيره الخاص. إن كل ذلك يساعد المتعلم على الإبداع في التربية الإسلامية.

        من هـنا يتبين أن مهارة الإبداع، هـي من أهم ما دعت إليه وأكدته التربية الإسلامية، وأن المواقف الدراسية التي يمر بها المتعلم من خلال مواقف التعلم في التربية الإسلامية تتيح له الفرصة لممارسة مهارة الإبداع والابتكار، شأنها في ذلك شأن جميع مهارات التفكير الأخرى. [ ص: 118 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية