الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        المبحث الأول: كيفية تنمية مهارات التربية الإسلامية

        على الرغم من أن المتعلم يمثل محور العملية التربوية الرئيس، وأن العملية التعليمية الفاعلة لا تبلغ أفضل مستوى لها إلا عندما تتخذ المتعلم محددا رئيسا لكل نشاطاتها، ومصدرا فاعلا لكل مقوماتها، إلا أن ذلك لا يعني أن نجاح العمل التعليمي أو فشله مرهون بالمتعلم وحده. فالمعلم، بما يتخذ من آليات، وما يستخدم من استراتيجيات ، وما يبتكر من أساليب، وما ينفذ من طرائق ونشاطات، وما يستعين به من وسائل وإمكانات، يعد عاملا رئيسا في تقدم العملية التعليمية أو فشلها. كما أن المنهج وإعداده والتخطيط له وتنفيذه، [ ص: 191 ] وكيفية معالجته وتقويمه، يعد عاملا آخر لا يجب إنكاره. ولهذا، فإنه لكي تتم تنمية مهارات التربية الإسلامية، لا بد -فيما أرى- من اتباع استراتيجية شاملة، يتم من خلالها معالجة عمليات التدريس التي يقوم بها المعلم على النحو الذي يساعد على تطبيق جميع عناصر المنهج بشكل سليم. وهذه الاستراتيجية تشمل جميع عناصر المنهج، وهي: الأهداف، المحتوى، طرائق التدريس وأساليبه، والوسائل التعليمية، والنشاط المدرسي، والتقويم



        [1] . وفيما يأتي بيان كيفية تنمية مهارات التربية الإسلامية من خلال هـذه العناصر:

        1- تنمية مهارات التربية الإسلامية من خلال الأهداف

        بما أن الأهداف في التربية الإسلامية تشمل ثلاثة مستويات: مستوى علم اليقين، ومستوى عين اليقين، ومستوى حق اليقين



        [2] ؛ وكان «علم اليقين: ما علمه بالسماع والخبر والقياس والنظر، وعين اليقين: ما شاهده وعاينه بالبصر، وحق اليقين: ما باشره ووجده وذاقه وعرفه بالاعتبار»



        [3] ؛ فإن هـذه الأهداف يجب أن تكون شاملة للجوانب العقلية، والمهارية، والوجدانية. ولأن أهداف الجانب المهاري تمثل أحد جوانب الأهداف المهمة في التربية الإسلامية، فإن تدريس التربية الإسلامية في أي مرحلة من المراحل [ ص: 192 ] التعليمية يجب أن يتضمن هـذا النوع من الأهداف، الذي يشمل ثلاثة أنواع: أهداف مهارية عقلية (تهتم بتنمية مهارات المتعلم في جميع القدرات العقلية) ، وأهداف مهارية عملية (تشمل المهارات العملية العامة والخاصة) ، وأهداف مهارية اجتماعية (تشمل التكافل الاجتماعي، والعلاقات الاجتماعية، والنظام الاجتماعي) . ويجب أن تشتق أهداف التدريس -كما تجمع معظم أدبيات المناهج- من ثلاثة مصادر: المتعلم من حيث قدراته وحاجته وميوله؛ والمحتوى العلمي في مادة التربية الإسلامية؛ والمجتمع الذي يعيش فيه المتعلم بما فيه من خصائص ومتغيرات مختلفة. إنه لا بد للمعلم أن يخطط للأهداف بحيث تشمل تلك التي تساعد على تنمية مهارات التربية الإسلامية. وعلى معلم التربية الإسلامية أن يجتب تلك الأهداف التي تركز على جانب المعرفة وحدها؛ فالجانب المعرفي على الرغم من أهميته في تنمية المهارات العقلية، إلا أنه وحده لا يكفي؛ إذ لا بد مع إلمام المتعلم بالمعلومات أن يلم بالمهارات أيضا.

        2- تنمية مهارات التربية الإسلامية من خلال المحتوى

        إذا كان الغالب على محتوى مادة التربية الإسلامية، أنها تحتوي على معلومات، فإن ذلك لا يعني أن المحتوى يقتصر على المعلومات وحدها، ذلك أن المحتوى «عبارة عن المعرفة التي تتمثل في الحقائق والمفاهيم والتعميمات والمبادئ أو النظريات، وأنه عبارة عن المهارات والعمليات التي تتمثل في القراءة والكتابة... والتفكير الناقد وصنع القرار، وأنه عبارة عن القيم التي [ ص: 193 ] تتمثل في المعتقدات... »



        [4] ؛ وهو الأمر الذي يفيد بأن محتوى مادة التربية الإسلامية يجب أن يكون من بين ما يؤكد عليه جانب المهارات.

        وقد يكون تـم إعداد المحتـوى سلفا، أو قد يكون هـناك تحديد لأبرز ما يتضمنه من مفردات وموضوعات، وعلى الرغم من ذلك كله، فإن هـذا التحديد لا يعفي المعلم من التخطيط الجيد لمحتوى التدريس، والاهتمام بمهارات التربية الإسلامية سلفا، وهذا يحتاج من المعلم أن يكون ملما بمهارة تحليل المحتوى، وذلك ليقف على الطريقة السليمة لمعالجة المحتوى أثناء تدريسه، بما يضمن له تضمين مواقف التدريس بما يعمل على تنمية مهارات التربية الإسلامية عند المتعلم. وقد يتضمن المنهج بعض التوجيهات التي تساعد المعلم على التخطيط للمحتوى المهاري، وتنفيذه أثناء مواقف التدريس.

        ومما ينبغي على معلم التربية الإسلامية أن يهتم به، أثناء معالجة محتوى التدريس في التربية الإسلامية، ألا يركز عند مرحلة التخطيط على الجانب المعرفي وحده فقط، بل يجب أن يهتم بالمحتوى المهاري ويخطط له ضمن الوقت المتاح للتدريس. فلو أن من المحتوى المعرفي: أركان الصلاة، فإنه يجب على المعلم أن يضع محتوى مهاري آخر عن مهارات تطبيق أركان الصلاة. فالمحتوى المعرفي يزود المتعلم بالمفاهيم والحقائق والتعميمات والمبادئ..ولكن لا يبين له كيفية توظيفها وتفعيلها، وهذا ما نحتاج معه إلى المهارات. [ ص: 194 ]

        3- تنمية مهارات التربية الإسلامية من خلال طرائق التدريس وأساليبه

        ليس القصد من طريقة التدريس في التربية الإسلامية حشو ذهن المتعلم بالمعلومات، ليحفظها فقط، وإنما القصد الوصول على طريقة تساعد المتعلم على أن يتعلم، ويستمر في مواصلة طلبه للعلم، من خلال امتلاكه للمهارات التي تعيش معه دائما. إن ثمة فرق بين أن يمتلك المتعلم معلومة، وبين أن يمتلك مهارة. الأولى، عـلى الرغم من قيمـتها ومكانتها، إلا أنه لا يضمن لها البقاء مع المتعلم، أما المهارة فإنها تبقى، يتعلم بها المتعلم، ويتزود بها من العلم كلما تاق إليه.

        ومن هـذا المنطلق، فإن طرائق التدريس لدى المعلم يجب أن تكون متقنة؛ ولكي يتم ذلك، فإنه: أولا: يجب أن تكون لديه استراتيجية معينة للتدريس، يحددها حسب أهداف تدريسه، ويجب أن تهتم هـذه الاستراتيجية بمهارات التربية الإسلامية؛ لأنها جزء جوهري من محتوى التدريس.. وثانيا: لا بد أن تتضمن هـذه الاستراتيجية مجموعة من طرائق التدريس، التي تتفق والمستويات المختلفة للمتعلمين من جهة، وتستجيب لتأكيد مهارات التربية الإسلامية من جهة أخرى.

        ويجب التركيز على الطرائق التي تحفز المتعلم على روح المشاركة والفاعلية، واستبعاد الطرائق التي يكون دور المتعلم فيها سلبيا؛ ذلك أن مثل هـذا النوع من الطرائق قد لا يحفز المتعلم على ممارسة مهارات التربية [ ص: 195 ] الإسلامية أثناء موقف التدريس. ولما كان التدريس علما وفنا في آن واحد، فإن من المهم ألا يقتصر معلم التربية الإسلامية على طرائق التدريس وحدها، فإن طرائق التدريس مهما بلغ تنوعها، إلا أنها لا تكفي؛ إذ لا بد أن يستخدم معها أساليب التدريس.. وعلى الرغم من أن المعلم لا بد أن يستخدم أسلوبا معينا في تدريسه، إلا أنه لا بد أن يعرف تلك الأنواع من الأساليب الجيدة، مثل أسلوب التشجيع المعنوي للمتعلم، والتشجيع المادي، وأسلوب الثناء على المتعلم.. لأن في مثل هـذه الأساليب ما يحفز المتعلم على ممارسة مهارات التربية الإسلامية.

        4- تنمية مهارات التربية الإسلامية من خلال وسائل التدريس

        لما كان من الوسائل التعليمية في التربية الإسلامية تلك الوسائل العظيمة التي استخدمتها مدرسة النبوة، مثل: «ضرب الأمثال، والقصة، والرسوم الإيضاحية، والنماذج، والعينات»



        [5] ، وغيرها من الوسائل، فإنه يمكن لمعلم التربية الإسلامية استغلال مثل هـذه الوسائل في تنمية مهارات التربية الإسلامية لدى المتعلمين.

        فالوسيلة التعليمية، على الرغم مما تؤدي إليه من تبسيط للموضوع، وتقريب للمعاني بشكل يسير وسهل، فإنه يمكن أيضا، من خلال إتاحة [ ص: 196 ] الفرصة للمتعلم للمشاركة في إعداد هـذه الوسائل، أن يمارس المتعلم بعض مهارات التربية الإسلامية. فوسيلة الرسوم الإيضاحية -على سبيل المثال- يمكن أن يمارس المتعلم من خلالها مهارة الرسوم الإيضاحية، والمتعلم بحاجة أن يمتلك مثل هـذه المهارة كمهارة عملية مهمة.

        ويمكن لمعلم التربية الإسلامية، من خلال استخدامه لوسيلة التطبيق العملي لدروس يقوم بها -في العبادات مثلا- أن يساعد المتعلمين على امتلاك المهارات العملية المتعلقة بالعبادات، مثل: مهارة تطبيق الوضوء، ومهارات تطبيق الصلاة كمهارة الوقوف، ومهارة الركوع، ومهارة السجود، ومهارة الجلوس بين السجدتين... إلى غير ذلك من المهارات. ومن خلال استخدام الكتاب المدرسي كوسيلة، والسبورة الحائطية كوسيلة، فإنه يستطيع أن ينمي جميع المهارات المتعلقة بالقراءة، والكتابة، وغيرها من المهارات المتعلقة بالجانب العقلي. وهكذا نجد أن الوسائل التعليمية تمثل أساسا مهما لتنمية المهارات، لا يمكن للمعلم الاستغناء عنه.

        5- تنمية مهارات التربية الإسلامية من خلال النشاط المدرسي

        يعد النشاط المدرسي، أيا كان نوعه ومجاله، سواء تمت ممارسته داخل الصف أو خارجه، داخل المدرسة أو خارجها، من أهم ما يساعد على تنمية مهارات التربية الإسلامية. ذلك أن كثيرا من الأهداف التي يسعى معلم [ ص: 197 ] التربية الإسلامية إلى بلوغها، لا يمكنه تحقيق ذلك من خلال مواقف التدريس الخالية من ممارسة النشاط. وعندما يكون السعي إلى تنمية المهارة تدريبا للمتعلم على الانطلاق، وتنويعا للجو الرتيب الذي قد يعتاد عليه في غياب الأنشطة والمهارات، فإن كل مهارة يمتلكها المتعـلم بحاجة إلى نشـاط أو مجموعة من الأنشطة يمارسها.

        والأنشطة هـي ذلك المجال الواسع الذي يؤدي إلى تنمية المهارات في أرقى صورها، لا سيما إذا اهتمت المدرسة بالأنشطة التي تعود المتعلم على الحياة الاجتماعية بكل صورها وأنماطها. فالقيام بالرحلات، والمخيمات الكشفية، مثلا، تتيح الفرصة للمتعلم لممارسة جميع أنواع المهارات، سواء كانت مهارات عقلية، أو مهارات عملية، أو مهارات اجتماعية.

        ومن هـذا المنطلق، فإنه لا بد من ممارسة النشاط؛ ولا بد أن يخطط له المعلم ضمن خطة التدريس، وأن يجعل النشاط المدرسي أحد العناصر المهمة التي تنفذ من أجل تنمية مهارات التربية الإسلامية لدى المتعلم؛ وهذا يعني ضمنا أن يبتعد المعلم عن كل تلك الأنشطة التي يكون الغرض منها إبراز الشكل وإظهار الزينة، ذلك أن أخطر ما يهدم النشاط ويصرفه عن معناه أن تطلب المدرسة من طلابها «القيام بنشاط، فيذهبون إلى بعض الحرفيين مثل الرسامين أو النجارين أو الحدادين أو غيرهم لرسـم لوحة أو عمل نموذج أو خريطة أو غيرها، ويكتبون عليها عمل الطالب فلان، وإشراف الأستاذ [ ص: 198 ] فلان، ولا هـذا ولا ذاك يعرف كيف عمل هـذا الشيء ولأي غرض»



        [6] ؛ فتقدم من جراء ذلك أعمال لا تمت إلى النشاط ولا إلى العمل التربوي بصلة، ويظل المتعلم طوال عمره عاجزا عن امتلاك أي مهارة. لذلك لا بد أن يكون معلم التربية الإسلامية يقظا في توجيه النشاطات، التي تخدم مادته، وتساعد على تنمية مهارات التربية الإسلامية لدى طلابه.

        6- تنمية مهارات التربية الإسلامية من خلال التقويم

        إذا كان المفهوم الشائع لدى المعلمين عن التقويم بأنه تلك العملية التي يتمكن المعلم من خلالها معرفة مدى ما تحقق لديه من أهداف، وكانت الأهداف، كما تبين معنا مما سبق، يجب أن تكون شاملة للجوانب المعرفية، والمهارية، والوجـدانية، فإنه يجب أن يكون التقويم شاملا لهذه الجوانب، ولا يقتصر على الجانب المعرفي وحده.

        ومهارات التربية الإسلامية تنمو لدى المتعلم إذا عمل المعلم على الاهتمام بها من خلال عملية التقويم. فإذا اعتمد في تقويمه للمتعلمين على قياس مدى تحصيلهم للجانب المعرفي وحده، فإن ذلك يشجع المتعلم على حفظ المعلومات وحدها، ويهمل المهارات، على الرغم من أهميتها الكبيرة.. وإذا « ركز وظيفته في نقل المعلومات من الكتاب المدرسي إلى أذهان التلاميذ، ومن ثم التأكد من مدى حفظهم لهذه المعلومات عن طريق الحفظ [ ص: 199 ] والتسميع»



        [7] ، فإن ذلك يجعل عملية التدريس عملية آلية تقوم على حفظ واسترجاع المعارف فقط دون الاهتمام بمهارات التربية الإسلامية وسبل تعزيزها وتنميتها عند المتعلم.

        لذلك، ولكي يتم تنمية مهارات التربية الإسلامية من خلال التقويم، فإن التقويم يجب أن يعتمد على وسائل كثيرة ومتنوعة، بحيث لا يقتصر على الاختبارات وحدها، ومن الوسائل المهمة: إجراء المقابلات مع المتعلمين، واستخدام الاستفتاءات، واستخدام الملاحظة في التقويم، هـذا فضلا عن إجراء الاختبارات العملية التي يتم من خلالها قياس مدى امتلاك المتعلم للمهارات العملية... إلى غير ذلك من الوسائل المهمة.

        إن مهارات التربية الإسلامية لكي تنمو بشكل سليم فإنه يجب الأخذ بجميع العناصر السابقة، والتركيز على المهارات من خلالها؛ وعلى معلم التربية الإسلامية أن يدرك أن المتعلم المعاصر بحاجة إلى الكثير من المهارات؛ وأنه لا يمكن الرقي بمستوى المتعلم إلا من خلال الاهتمام بهذه المهارات، والتركيز عليها. كما ينبغي تعويد المتعلم على التزود المستمر من المهارات المفيدة، التي لا يمكنه الاستغناء عنها، بجميع أنواعها ومستوياتها. [ ص: 200 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية