الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        المبحث الثالث: المهارات الاجتماعية

        يشغل الجانب الاجتماعي ركنا مهما في شخصية المتعلم.. والتربية الإسلامية ليست مجرد معلومات يحفظها المتعلم عن ظهر قلب ثم لا يعرف كيفية توظيفها بالشكل السليم، ولكنها تربية شاملة لجميع جوانب شخصية المتعلم، لذلك فإن المهارات الاجتماعية تكتسب أهميتها من اهتمام الإسلام بالجانب الاجتماعي في شخصية المسلم، حيث إن للعبادة أثارا تربوية عظيمة، من أهمها أنها تؤدي إلى تجمع المسلمين تحت لواء واحد؛ ذلك أن بعض العبادات لا تتم أصلا بدون التجمع، مثل الزكاة والحج



        [1] .

        ولامتلاك المتعلم للمهارات الاجتماعية أثر كبير في تحقيق أهداف التربية الإسلامية؛ خاصة ما يتصل منها بالجانب الاجتماعي؛ ذلك أن «الهدف الاجتماعي للتربية الإسلامية يغرس في النشء أن البشر سواسية، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، وذلك من أجل تنمية الأخوة الإنسانية، وتنمية الولاء للمجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية وتحقيق الكرامة الإسلامية»



        [2] . ويوجب الهدف الاجتماعي للتربية الإسلامية على المتعلم «أن يحافظ على القيام بشعائر الإسلام وظواهر الأحكام، كإقامة الصلاة في المساجد للجماعات»



        [3] .

        وتنبع أهمية المهارات الاجتماعية، إضافة إلى ما سبق، من أن التربية الإسلامية في مداها البعيد لا بد أن تعد المتعلم بحيث يكون قادرا على [ ص: 167 ] التعامل مع الجماعات، فالفقه على سبيل المثال، لا يقتصر فقط على أن يتمكن الفقيه من النصوص الشرعية فحسب، ولكن «عليه أن يتقن فنون التعامل مع الناس، ذلك ليتسنى له فهم حالهم بصواب، وأن يوصل ما يريد إليهم بدقة... يلزم معرفة وإتقان الأمور التالية: مهارة التواصل والعلاقات الإنسانية، عمل الفريق وعمل المجموعات، أساليب الحوار والمقابلات المهنية التشخيصية، مهارات العمل الاجتماعي والإرشادي مع الأفراد والجماعات، مهارات اتخاذ القرار وأساليب حل المشكلات ومتابعتها»



        [4] .

        هناك الكثير من المهارات الاجتماعية التي يمكن للمتعلم أن يمتلكها من خلال دراسته للتربية الإسلامية، ومن هـذه المهارات «كسب الأصدقاء، والتأثير في الآخرين، والتفاهم والتعاون معهم، وحل المشكلات الاجتماعية»



        [5] . ومنها أيضا: القدرة على التخطيط الجماعي، القدرة على التحدث إلى الجماعة بوضوح وإيجاز، القدرة على الاستماع إلى الآخرين، القدرة على مشاركة الآخرين في آرائهم



        [6] . ومنها أيضا: مهارة النظافة ومراعاة النواحي الصحية، مهارة ضبط الانفعالات، ومهارة حل المشكلات



        [7] ، إلى غير ذلك من المهارات الاجتماعية.

        وبشكل عام يمكن تصنيف المهارات الاجتماعية في التربية الإسلامية، إلى ثلاثة أصناف: مهارات التكافل الاجتماعي، ومهارات العلاقات [ ص: 168 ] الاجتماعية، ومهارات النظام الاجتماعي. ولأهمية كل صنف من هـذه الأصناف، وما يتضمنه من مهارات، فسوف نعرض لها على النحو الآتي:

        أولا: مهارات التكافل الاجتماعي

        من أهم المهارات الاجتماعية للتربية الإسلامية مهارات التكافل الاجتماعي؛ و «القرآن يقرر ألوان التكافل، سـواء كان بين الفرد ونفسه، أو بين الفرد والمجتمع جميعا، فكل فرد في المجتمع مسؤول عن هـذا التكافل، ومجموع الأفراد مسؤول عنه»



        [8] . والتكافل الاجتماعي يؤدي إلى تلاحم المجتمع وتماسكه؛ الأمر الذي يؤدي إلى ثمرات إيجابية للمجتمع والفرد.

        وامتلاك المتعلم للمهارات الاجتماعية، من خلال دراسته للتربية الإسلامية، يؤدي إلى بلوغ مقاصد الإسلام وغاياته، التي تحث على الترابط والتماسك، بحيث يكون المجتمع الإسلامي مثل البناء الواحد، يقول الرسول (: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»



        [9] ، كما يؤدي بالمتعلم إلى معرفة ما يجب عليه تجاه مجتمعه من حقوق وواجبات، والقيام بها.

        وتنطلق مهارات التكافل الاجتماعي، لتشمل جميع الوجوه التي تساعد على التكافل الاجتماعي، ومن هـذه الوجوه: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير واستباق الخيرات، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر والمرحمة، والبر بالفئات الفقيرة والضعيفة، ووحدة [ ص: 169 ] المجتمع الإسلامي



        [10] . ومن هـذا المنطلق فإن التربية الإسلامية يجب أن تهتم بتنمية التكافل الاجتماعي لدى المتعلمين، من خلال تدريبهم على امتلاك مهارات التكافل الاجتماعي، وممارستها، والتي من أهمها: مهارة القيام بواجب النصيحة، ومهارة البر بالآخرين، ومهارة العمل الجماعي. ولأهمية كل مهارة من هـذه المهارات، فسوف نعرض فيما يأتي:

        1- مهارة القيام بواجب النصيحة

        تمتاز التربية الإسلامية بأنها تربية فريدة في مقاصدها العظيمة؛ لأنها تهتم بمصلحة الأفراد والجماعات معا؛ فالأنانية، والانطواء، والأثرة، وحب الذات، ليس من مقاصـد هـذه التربية، ولهذا فإن ما يتعلمه الطالب، سواء في المدرسة أو من خلال مجتمعه الكبير الذي ينتمي إليه، لا بد أن تؤثر فيه التربية الإسلامية على النحو الذي يمكنه من القيام بواجبه الاجتماعي تجاه المجتمع من حولـه، ولهذا أمر الله تعالى بالدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

        ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هـم المفلحون ) (آل عمران:104) ،

        وجاء في الحديث، عن تميم الداري ، رضي الله عنه ، قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الدين النصيحة، الدين النصيحة –ثلاثا- قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم )



        [11] . [ ص: 170 ]

        ومهارة القيام بواجب النصيحة تمكن المتعلم من الشعور بالمسئولية، والحرص على مصلحة الأفراد، وتحقيق المنفعة والخير للجماعة التي ينتمي إليها. كما أنها تربي المتعلم على المبادرة والإقدام وحب الخير للناس، وتجعله يشعر بأن المجتمع المسلم كالبناء الواحد، كما تثير فيه روح المشاركة الاجتماعية، والإسهام الفاعل في تنمية المجتمع وتنشئة أفراده على مبادئ التربية الإسلامية وقيمها الأصيلة.

        والتربية الإسلامية، عندما تهتم بتأكيد هـذه المهارة المهمة، فإنما تهتم بذلك؛ لأن البناء الاجتماعي العام لا يصل إلى قوته وتماسكه ومتانته إلا من خلال الاهتمام بالأفراد أولا، ثم تحقيق التلاحم والترابط فيما بينهم ثانيا.

        إن التربية الإسلامية عندما تهتم بالفرد، فإن «هذه الفردية ليست فردية انعزال أو وحدة انطوائية، بل هـي فردية عضوية متشابكة الحلقات في بناء المجتمع المتماسك.. فقوة البناء للمجتمع من قوة بناء كل لبنة في حد ذاتها، وكونها في المكان المناسب لها، مع وجود اللحمة الواصلة فيما بين اللبنات»



        [12] . ومن هـذا المنطلق فإن مهارة القيام بواجب النصيحة من أهم المهارات التي تساعد على تحقيق التلاحم والتماسك الاجتماعي، كما أنها مهارة مهمة؛ لأنها تقوم أساسا على «مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومبدأ النصيحة»



        [13] .

        والمتعلم الماهر هـو الذي يعرف مقتضيات هـذه المهارة ويؤديها؛ فلا بد أن يمتلك المتعلم أساليب توجيه النصح، وأساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ من خلال ما تدعو إليه التربية الإسلامية من توجيهات عظيمة، مثل [ ص: 171 ] استخدام اللين، والموعظة الحسنة،

        يقول تعالى: ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ) (آل عمران:159) ،

        ويقول تعالى: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هـي أحسن إن ربك هـو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) (النحل:125) .

        2- مهارة البر بالآخرين

        إن من أهم خصال التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع فعل البر، والحث عليه. والتربية الإسلامية لا بد أن تشجع المتعلم على التعود على مثل هـذه الخصلة العظيمة، فهي تشجع المتعلم على البذل والعطاء، والبعد عن الشح والبخل كما قال الله تعالى:

        ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) (الليل:5-10) .

        ( ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله عز وجل من عالم بخيل )



        [14] . كما تربي مهارة البر المتعلم على حب أخيه المسلم، وتجعله يبر بإخوانه المتعلمين الذين هـم بحاجة إليه، ويعلم [ ص: 172 ] عن كثب أن التربية الإسلامية لا بد أن تصل بالمتعلم إلى مستوى الإيثار والتضحية وحب المسلمين ومساعدتهم.

        ومهارة البر هـي مهارة اجتماعية عظيمة، تنطلق مبادئها مما يتعلمه الطالب في التربية الإسلامية؛ لذلك فإن الآيات والأحاديث التي يدرسها، بما تحمله من مضامين عظيمة تحث على البر، يجب ألا تكون مجرد معارف تحفظ ثم تنسى، وإنما يجب أن يتعدى أثرها إلى الآخرين. والمتعلم عندما يمتلك هـذه المهارة؛ فإنه يشعر بالصلة العميقة بين ما يتعلمه في التربية الإسلامية وبين ما تحتاجه الحياة الاجتماعية من ترابط وتكافل، وحياة إسلامية مستقيمة.

        إن مهارة البر تمكن المتعلم من التعود على خصال الخير مبكرا، من خلال قيامه -مثلا- بإصلاح «العلاقات بين الطلاب، وتقوية أواصر المحبة والتماسك بين الزملاء، ومحو أمية بعض عمال المدرسة... عن طريق مساعدة الفقراء من الطلاب بمعونات نقدية... وعقد لجان الصلح بين المتخاصمين من الطلاب... وعقد جلسات الود والتعارف بين الطلاب والمعلمين»



        [15] . وعندما يمتلك المتعلم مثل هـذه المقومات، من خلال التربية الإسلامية في المدرسة، فإن ذلك يمكنه من امتلاكها في الحياة الاجتماعية خارج المدرسة.

        3- مهارة العمل الجماعي

        إن مهارة العمل الجماعي والعمل بروح الفريق مهارة عظيمة، يؤكدها الدين الإسلامي الحنيف:

        ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) (المائدة:2)

        فالعمل [ ص: 173 ] بروح الأخوة، والعمل التعاوني المشترك، من أهم ما يدعو إليه ديننا الإسلامي ويحث عليه. ولهذا فإن التربية الإسلامية -فيما تهدف إليه- لا تقتصر على مجرد إلقاء تلك المعلومات التي يحفظها المتعلم ثم ينساها، ولكنها تمتد معه إلى أن يمتلك مهارة العمل الجماعي بكل نجاح ويسر.

        ومن خلال مهارة العمل الجماعي يصل المتعلم إلى أفضل مستوى من الإنجاز، الأمر الذي ينعكس إيجابا على جميع أفراد الجماعة. إن مستوى الإنجاز الذي يحققه المتعلم في التربية الإسلامية ليس بالضرورة أن يعبر فقط عما يمتلكه من معلومات؛ ولكنه يعبر أيضا عن طرق توظيفها وأساليب تطبيقها، من خلال العمل الجماعي المشترك؛ فالمتعلم الذي توجد لديه الرغبة للعمل مع الجماعة والتعاون معها تتاح لـه فرصة تطبيق ما تعلمه من معلومات، سواء كانت مفاهيم، أو حقائق، أو تعميمات، أكثر من ذلك الذي لا توجد لديه الرغبة للانضمام للجماعة والعمل معها.

        فهي تؤدي إلى الوحدة والتضامن بين المتعلمين.. وعندما يقوم المتعلمون بتحديد أعمال مسبقة ويضعون الخطـط اللازمة لتنفيذها، فإن «النشاط والحركة الإيجابية والفعالية هـي السمات الأساسية للعمل من أجل تنفيذ ما اتفق عليه»



        [16] ، والنجاح في النهاية هـو المعيار الرئيس الذي يحكم ما قاموا به من أعمال. إن مهارة العمل الجمـاعي تؤدي إلى مميزات كثيرة، لا تقتصر على المتعلم وحده، ولكنها تمتد إلى جميع أفراد المجتمع من المتعلمين، الأمر الذي يكون معه تقدم وازدهار المجتمع الكبير أيضا. [ ص: 174 ]

        وتساعد مهارة العمل الجماعي على بث روح التعاون المثمر بين المتعلمين، وتقوية الأواصر والروابط بيهم، وتساعد المتعلم على الوقوف على جهود وخبرات زملائه، والوصول إلى المتميزين والإفادة منهم.

        ثانيا: مهارات العلاقات الاجتماعية

        تحتل العلاقات الاجتماعية مكانة كبيرة في التربية عموما، وفي التربية الإسلامية خصوصا، وتظهر أهمية العلاقات الاجتماعية، وضرورة تنميتها لدى المتعلم بالنظر إلى طبيعة النفس البشرية.. «فمن طبيعة النفس البشرية أن تخالط الناس، وتتعرف عليهم، وتتخذ من بينهم ثلة تقترب منهم، وتعيش معهم حياة الأخوة والمحبة»



        [17] . ومن طبيعة النفس البشرية الشعور بالحاجة إلى الآخرين، الأمر الذي يؤكد ضرورة وجود علاقة قوية بين الفرد وأعضاء المجتمع الآخرين.

        وبما أن طبيعة مادة التربية الإسلامية، التي يتعلمها الطالب في المدرسة تؤكد -من خلال الأحاديث التي يدرسها- أهمية كثير من القيم والآداب العظيمة، فإن من مقتضيات تطبيق مهارات العـلاقات الاجـتماعية العمل بما تدلل عليه تلك الأحاديث، والتعود على ذلك؛ ذلك أنها تتضمن موضوعات مهمة تؤثر في تنمية العلاقات الاجتماعية، فموضوعات عن «التعاون، والإخاء، والمحبة، والقدوة الحسنة، وحسن الجوار، وفعل الخيرات، إلى غير ذلك من القيم والمثل والمبادئ»



        [18] تؤثر تأثيرا كبيرا في تقوية العلاقات الاجتماعية واستمرارها. [ ص: 175 ]

        وتحتاج مهارات العلاقات الاجتماعية من المتعلم أن يكون متخلقا بأخلاق الإسلام، متأدبا بآدابه، مؤتمرا بكل ما جاء فيه من أمر، منتهيا عن كل نهي؛ لأنه لا بد للعلاقات من «العمل على تماسك الجماعة وسلامة بنائها، وأن يقوم التفاعل الاجتماعي في داخلها، على أساس العلاقات الطيبة، والصلات الودية، والتفاهم المتبادل، والتعاون الوثيق، والثقة المتبادلة بين الأفراد العاملين»



        [19] ، وهذه كلها لا يمكن للمعلم امتلاكها والعمل بها إلا من خلال التطبيق المباشر لما يتعلمه من أخلاق وآداب في التربية الإسلامية.

        ومما تجدر الإشارة إليه أن المهارات التي تدخل تحت هـذا المحور كثيرة جدا؛ ولهذا فسوف نركز على أهم المهارات التي تساعد على تنمية العلاقات الاجتماعية، وهي: مهارة حسن المعاملة، ومهارة إلقاء التحية، ومهارة الاستئذان، ومهارة الصحبة.

        1- مهارة حسن المعاملة

        إن مما يساعد على تقوية العلاقات والأواصر بين الأفراد: امتلاك مهارة حسن المعاملة. ولكي ينجح المتعلم في الإفادة من كل ما يتعلمه عموما، وفي التربية الإسلامية على وجه الخصوص، لا بد أن يمتلك مهارة حسن المعاملة. وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأروع لحسن المعاملة، فقد كان صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا،

        يقول الله تعالى: ( وإنك لعلى خلق عظيم ) (القلم:4) ،

        ( ويقول أنس ، رضي الله عنه : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا )



        [20] . [ ص: 176 ]

        ( وعن مسروق قال: دخلنا على عبد الله بن عمرو ، حين قدم معاوية إلى الكوفة ، فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لم يكن فاحشا ولا متفحشا.. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا )



        [21] .

        ومهارة حسن المعاملة من المهارات الاجتماعية المهمة التي يجب أن يمتلكها المتعلم من خلال دراسته للتربية الإسلامية؛ وقد أكد العلماء أهمية أن تتضمن مواقف التربية الإسلامية ما يشجع على هـذه المهارة، فيرى بدر الدين بن جماعة أن على المعلم «كما يعلمهم مصالح دينهم لمعاملة الله تعالى، يعلمهم مصالح دنياهم لمعاملة الناس، لتكمل لهم فضيلة الحالتين»



        [22] . ومهارة حسن المعاملة عند ابن جماعة توجب على المتعلم أن يلتزم «بمكارم الأخلاق، من طلاقة الوجه، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، وكظم الغيظ، وكف الأذى عن الناس، واحتماله منهم، والإيثار، وترك الاستئثار، والإنصاف، وترك الاستنصاف، وترك التفضل، وإيجاد الراحة، والسعي في قضاء الحاجات، وبذل الجاه في الشفاعات، والتلطف بالفقراء، والتحبب إلى الجيران والأقرباء»



        [23] .

        والمعاملة الحسنة عند النووي أساس مهم من الأسس التي ينبغي أن تتوفر للمتعلم، حيث يجب على المتعلم أن «يتلطف في سؤاله، ويحسن خطابه، ولا يستحي من السؤال عما أشكل عليه، بل يستوضحه أكمل استيضاح، فمن رق وجهه رق علمه، ومن رق وجهه عند السؤال ظهر نقصه عند اجتماع الرجال»



        [24] . [ ص: 177 ]

        وقال أبو عمرو بن العلاء : «وليس من الأدب أن تجـيب من لا يسـألك، أو تسـأل من لا يجيبك، أو تحدث من لا ينصت لك»



        [25] . إن ذلك كله يأتي من قبيل حسن المعاملة التي ينبغي أن يكون عليها المتعلم.

        إن مهارة حسن المعاملة تساعد المتعلم على «تحقيق الفهم الإسلامي الصحيح... بطبيعة العلاقات الإنسانية في محيط أسرته وبيئته، ولأسس التعامل في المجتمع»



        [26] . كما تساعده على أن يكون متمكنا من «التحدث بلباقة مع الغير وحسن الاستماع إليهم»



        [27] ، وأن يكون قادرا على الإفادة من الآخرين والاندماج معهم، ولهذا فإنه لا غضاضة أن يتمكن المتعلم من مهارات «كيفية المجاملة في أثناء الحديث، دون إخلال أو إضرار بمبادئ التربية الإسلامية»



        [28] .

        2- مهارة إلقاء التحية

        إن مما يساعد على تقوية العلاقات الاجتماعية، ونشر المودة والمحبة بين أفراد المجتمع إلقاء التحية وإفشاء السلام فيما بينهم،

        يقول الحق تبارك وتعالى: ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا ) (النساء:86)

        كما يؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرورة إفشاء السـلام، فقد جاء ( عن عبدالله بن عمرو ، رضي الله عنهما : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف )



        [29] . [ ص: 178 ]

        ومهارة إلقاء التحية من المهارات الجوهرية مما ينبغي أن يمتلكه المتعلم من خلال دراسته للتربية الإسلامية؛ لأن السلام من شعائر الإسلام المهمة، ولهذا فقد عد ابن جماعة أن من شعائر الإسلام التي يجب على المتعلم أن يحافظ عليها «إفشاء السلام للخواص والعوام»



        [30] ، وأن مما ينبغي أن يعامل المتعلمون به بعضهم بعضا «إفشاء السلام، وحسن التخاطب في الكلام، والتحابب والتعاون على البر والتقوى»



        [31] . ويرى الإمام النووي أن إلقاء التحية والسلام من قبل المتعلم على الزملاء والأستاذ من الصفات الجوهرية التي يجب أن يمتلكها المتعلم، عندما قال: «وأن يسلم على الحاضرين إذا دخل، ويخصه دونهم بالتحية، وأن يسلم عليه وعليهم إذا انصرف»



        [32] .

        وتؤدي مهارة إلقاء التحية إلى تقوية الأواصر والروابط الاجتماعية، وإلى التسامح ونبذ الخصام، كما تؤدي إلى الألفة والمحبة، وتقطع كل سبب يؤدي إلى البغضاء والكراهية بين الناس.. وبما أن كل فرد من أفراد المجتمع بحاجة للآخرين، فإنه «يحتاج ليتعرف على مفتاح الكلام معهم»



        [33] ، وإلقاء التحية من خلال إفشاء السلام هـو الطريق إلى ذلك. [ ص: 179 ]

        ومن مهارة إلقاء التحية أن يكون المتعلم ملما بأحكام السلام وآدابه، كما وردت في الشريعة الإسلامية وكما وضح ذلك أهل العلم، لتكون تلك الأحكام نبراسا يهتدي به في أخلاقه وسلوكه؛ ذلك أن «السلام هـو التحية التي شرعـها الله لعباده المؤمنين من لدن آدم إلى يوم القيامـة»



        [34] ، كما أنه لا بد أن يفيد مما يدرسه من موضوعات في التربية الإسلامية عن إفشاء السلام، ليتمكن من امتلاك هـذه المهارة.

        3- مهارة الاستئذان

        عندما كانت مبادئ التربية الإسلامية، التي يتعلمها المتعلم في المدرسة، تحث على الاستئذان كأدب عظيم من الآداب التي ينبغي أن يكون عليها كل مسلم، فضلا عن طالب العلم، فإن من المهم أن يمتلك المتعلم مهارة الاستئذان وفق ما تحث عليه مبادئ الإسلام وقيمه الأصيلة. إن الاستئذان من أهم ما شرعه الإسلام وأكد أهميته،

        يقول الحق تبارك وتعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون ) (النور:27) ،

        فالاستئذان من المهارات الاجتماعية التي لا غنى للمتعلم عن امتلاكها والعمل بها.

        ومهارة الاستئذان تربي في المتعلم حسن الخلق، وتعوده على الأساليب الحسنة في التعامل مع إخوانه، ولهذا فإن من مقتضياتها أن يتمكن المتعلم من آداب العمل بها وفق ما شرعه الإسلام، ومن ذلك الاستئذان ثلاث مرات [ ص: 180 ] ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك فادخل، وإلا فارجع )



        [35] . ومنها البدء في الاستئذان بالسلام، كما روي ( عن ربعي ، رضي الله عنه ، قال: «حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: اخرج إلى هـذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم، أأدخل؟.. فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل )



        [36] . ومنها عدم النظر إلى داخل دار المسلم المقصود بالاستئذان عليه، إلى غير ذلك من الآداب والأحـكام الشرعية المهمة. كما أن الاستئذان له مجالات كثيرة، منها استئذان الفرد على من له حق الولاية عليه، كاستئذان الإمام، أو استئذان المتعلم من أستاذه، أو نحو ذلك،

        يقول الله تعالى: ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله ) (النور:62) ،

        أو استئذان كل من له حق على الآخر.

        ومهارة الاستئذان تبدأ مع المتعلم من خلال ممارسته الاستئذان من أسـتاذه [ ص: 181 ] كما قال ابن جمـاعة : «لا يدخل على الشيخ في غير المجلس العام إلا باستئذان، سواء كان الشيخ وحده أو كان معه غيره، فإن استأذن بحيث يعلم الشيخ ولم يأذن له انصرف ولا يكرر الاستئذان، وإن شك في علم الشيخ به فلا يزيد في الاستئذان فوق ثلاث مرات أو ثلاث طرقات بالباب أو الحلقة، وليكن طرق الباب خفيا بأدب بأظفار الأصابع ثم بالأصابع ثم بالحلقة قليلا قليلا، فإن كان الموضع بعيدا عن الباب والحلقة فلا بأس برفع ذلك بقدر ما يسمع لا غير، وإذا أذن وكانوا جماعة يقدم أفضلهم وأسنهم بالدخول والسلام عليه، ثم يسلم عليه الأفضل فالأفضل»



        [37] . إن مهارة الاستئذان تربي المتعلم على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف التي تؤكد «الاهتمام بتنظيم حياة الناس تنظيما فيه الرحمة ورفع الحرج والضيق، وفيه الأدب الرفيع والسمو الذي لا مثيل له»



        [38] .

        صفوة القول: إن مهارة الاستئذان من أهم المهارات الاجتماعية التي يجب أن يمتلكها المتعلم، انطلاقا من أن «أدب الاستئذان واجب الكبير والصغير، ولـه مكانة خاصة في التشريع الإسلامي، حتى خصه الله تعالى بآيات تتلى على مر الأجيال، وتعاقب الزمان، وله أهمية كبرى في الحياة الاجتماعية والأسرية»



        [39] .

        4– مهارة الصحبة

        لما كانت التربية الإسلامية تهتم بتقوية الأواصر والروابط الاجتماعية بين المتعلم والمتعلمين الآخرين، فإن من المهارات المهمة التي ينبغي أن تعود التربية الإسلامية عليه طلابها مهارة الصحبة. وصحبة المتعلم لمن هـو أكثر منه علما وأقدم منه فضلا يساعد على تربيته، ويمكنه من امتلاك الكثير من الصفات التي [ ص: 182 ] تدعو إليها التربية الإسلامية، لذا فإن من المهم أن يصحب المتعلم أستاذه «ليجد فيه القدوة التي ينقل عنها السلوك المرغوب به، وليساعده على الفهم، وليجد البيئة التي تمكنه من تطبيق ممارسة ما ترنو إليه أهداف التعليم»



        [40] .

        وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحبة، وأكد مكانة أصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين، عندما قال: ( لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحـدهم ولا نصيفه )



        [41] ، الأمر الذي يدلل على ما للصحبة من أهمية كبيرة، وذلك لما تؤدي إليه الصحبة من فائدة عظيمة للمتعلم وللمجتمع قاطبة.

        ومن هـذا المنطلق فإن المتعلم ينبغي أن يكون ماهرا في اتخاذ الصحبة، منذ وقت مبكر من الرفقة الصالحة، ليفيد من صحبتهم، وعليه أن يتجنب رفقاء السوء، منطلقا من توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم القائل: ( مثل الجليس الصالح والجلـيس السـوء كمثل صاحب المسك وكـير الحـداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحا خبيثة )



        [42] . ومن مهارة الصحبة أن يكون المتعلم قادرا على التفريق بين الجليس الصالح والجليس السوء، واختيار الرفقاء الصالحين، ويوجد معهم الصحبة.

        إن المتعلم عندما يمتلك مهارة الصحبة فإنه يتمكن من الإفادة من الآخرين، وعندما يتمكن من رفقة الصالحين فإنه يفيد منهم فائدة عظيمة؛ [ ص: 183 ] لأن «تكوين صحبة صالحة ضرورة لكل إنسـان يتأثر بغيره تأثرا إيجـابيا أو سلبيا بطريق غير مباشر ودون أن يشعر، وتكون أهمية اتخاذ عشراء صالحين في المراحل الأولى من حياة الإنسان أكثر ضرورة وبخاصة مرحلة البلوغ وما قبلها، لأن التأثر في ذلك الوقت يكون أسرع وأقوى»



        [43] .

        ثالثا: مهارات النظام الاجتماعي

        تقوم الحياة الاجتماعية على نظام محكم ينظم شئون الحياة الاجتماعية في جميع مستوياتها، الأمر الذي يؤكد أن المتعلم من خلال دراسة التربية الإسلامية لا بد أن يمتلك المهارات التي تساعده على التكيف مع الحياة الاجتماعية، مما يحقق له التفاعـل مع مجتمعه، ويصبح عضوا نافعا فيه. إن ما يدرسه المتعلم في التربية الإسلامية في المدرسة من حقوق وواجبات هـو جزء من معرفته لذلك النظام؛ إلا أن الاقتصار في الدراسة عند حدود المعرفة وحدها لا يكفي، ما لم يتمكن المتعلم من امتلاك المهارات الضرورية التي تساعده على الاندماج بكل كفاءة وفاعلية مع الحياة الاجتماعية.

        ولهذا فإنه لا بد أن تعنى التربية الإسلامية بالمهارات الاجتماعية المتعلقة بالنظام الاجتماعي، ومن أهم مهارات النظام الاجتماعي: مهارة العمل بالنظام، ومهارة النظافة والالتزام بالمظهر الإسلامي، ومهارة استثمار الوقت، ومهارة الاستعارة. وفيما يأتي استعراض لكل مهارة من هـذه المهارات:

        1– مهارة العمل بالنظام

        تهتم التربية الإسلامية اهتماما بالغا بالنظام، حفاظا على وحدة المجتمع العام وتماسكه وانتظامه.. إن الحياة السليمة المتزنة المستقيمة لا تتم إلا في [ ص: 184 ] وجود النظام، ولا أدل على ذلك من أن الله جلت قدرته أعد الكون كله وفق نظام محكم بديع:

        ( والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) (يس:38-40) ،

        فالنظام سمة أساسية لكل عمل ناجح.

        ومن هـنا، فإن معرفة المتعلم للنظـام، وتطبيقـه له، يعد متطلبا مهما لما تسعى إليه التربية الإسلامية، ذلك أن هـذا المتعلم الفرد هـو أحد أعضاء المجتمع، ولهذا لا بد أن تتوفر لديه القدرة على تطبيق النظام، والتكيف مع نظم المجتمع وأساليبه. والنظام يعني: «احترام وتفاهم متبادل وضبط للنفس، وحكم صحيح للأمور»، ويعني أن تنمو عند المتعلم «المهارات المعينة في العلاقات الإنسانية، والمهارات الخاصة بتكوين العادات السليمة للعمل، وتفهم الذات، وضبط النفس، إلى غير ذلك من المهارات»، ويعني «إلى جانب ضبط النفس، القدرة على اتخاذ القرار»



        [44] . إنه يعني القدرة التي تمكن المتعلم من الحياة، وتعوده على الصفات القيادية والنظامية التي يحتاجها. والنظام أيضا هـو: «مجموعة الإرشادات والتعليمات والأوامر التي تصدر عن السلطة الضابطة الموجهة، وتتكرر، ويتكرر تطبيقها على شكل يجعل الحياة أسهل وأجدى وأكثر اختصارا للجهد والوقت، ويجعل المجتمع أكثر تفاهما وتعاونا بين أفراده، ويضبط حياة الفرد ودوافعه، ويرسخ عنده الأخلاق الحميدة والعادات المفيدة، وينفي عنه التردد والكسل»



        [45] . [ ص: 185 ]

        ومهارة العمل بالنظام، انطلاقا مما يعنيه النظام، تحفز المتعلم على المشاركة الفاعلة في المجتمع، والمساهمة في تطويره، ذلك أن مهارة العمل بالنظام تساعد «على مواجهة الكثير من المشكلات التي تواجه التلاميذ، بحيث يتولد لدى التلميذ الذي يواجه مشكلة اجتماعية جو مدرسي قوامه الحب والتعاطف والإخاء»



        [46] ، ويعود المتعلم على الجرأة والقدرة على تحمل المسئولية.

        2- مهارة النظافة والالتزام بالمظهر الإسلامي

        تؤكد التربية الإسلامية أهمية النظافة، والالتزام بالمظهر الإسلامي من قبل المتعلم. فكما أن التربية الإسلامية تعنى بإصلاح الباطن، ويهمها إعداد الفرد الصالح الذي يؤمن بقيم الإسلام وتعاليمه ويتمسـك بـها، فإنها أيضا لم تهمل جانب النظافة والمظهر العام للمسلم؛ ذلك أن العناية بالشكل لها أثر اجتماعي كبير، ومن هـذا المنطلق، فإنه لا بد للمتعلم في ميدان التربية الإسلامية أن يمتلك مهارة التمسك بالنظافة والحفاظ على المظهر العام،

        يقول الله تعالى: ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) (البقرة:222) ،

        ويقول تعالى: ( والله يحب المطهرين ) (التوبة:108) .

        ومهارة النظافة والالتزام بالمظهر الإسـلامي، تقتضي من المتعلم معرفة ما تنطوي عليه هـذه المهارة من معان سامية، فالنظافة أو الطهارة لا تصح العبادات من دونها.. والنظافة في التربية الإسلامية ليست مجرد عادة يومية يقوم بها الإنسان فحسب، بل إنها عمل عظيم أساس لأعمال أخرى مهمة أمره الله تعالى وكلفه القيام بها.. والمتعلم حين يلتزم بالنظافة كما شرع الله، [ ص: 186 ] ويتمسك بالمظهر الإسلامي كما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه يهتم بأمر عظيم أقره الإسلام وأكد أهميته.

        إن مهارة النظافة، والالتزام بالمظهر الإسلامي، تدعو المتعلم المسلم إلى أن يكون دائما ملتزما بتعاليم الإسلام وآدابه.. فاستخدام الطيب، وتنظيف الفم بالسواك، والعناية بطهارة الثوب والبدن، والحرص على الاقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في المظهر، من حيث إعفاء اللحية، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، وغيرها من السنن الإسلامية العظيمة، تجعل للمتعلم المسلم مكانته الإسلامية، وتحفظ له هـيبته، وتمكنه من القيام بواجبه في تبليغ هـذا الدين العظيم، كما أنها تجعله محبوبا لدى أفراد المجتمع، وتجعله قريبا منهم.

        وامتلاك المتعلم لمهارة النظافة والالتزام بالمظهر الإسلامي، يساعد المتعلم على تطبيق ما تعلمه في التربية الإسلامية من آيات وأحاديث تدعو إلى النظافة والتأدب بآداب الإسلام، ظاهرا وباطنا، كما أنها تمكنه من النمو الصحي السليم، لأن الناحية الصحية لا تنمو لدى المتعلم «إلا إذا سادت معالم التربية الصحية في شخصيته وطبقها تطبيقا عمليا»



        [47] .

        3- مهارة استثمار الوقت

        يحتل الوقت مكانة كبيرة لدى كل فرد، ولدى المتعلم على وجه الخصوص. وفي إشارة لأهمية الحفاظ على الوقت، وبيان أثره الكبير على مستقبل الإنسان،

        يقول الحق تبارك وتعالى: ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ) (المؤمنون:99-100) . [ ص: 187 ]

        إن للوقت قيمة عظيمة، ولهذا فإن من أهم المهارات الاجتماعية التي ينبغي أن يمتلكها المتعلم من خلال دراسته للتربية الإسلامية أن يكون ماهرا في استغلال الوقت والحفاظ عليه.

        ومهارة استثمار الوقت توجب على المتعلم أن يكون ذكيا في استغلال الأوقات واستثمارها على النحو الذي يعود عليه بالنفع والفائدة، ولهذا قال الإمام برهان الإسلام الزرنوجي : «وينبغي أن يكون طالب العلم مستفيدا من كل وقت حتى يحصل له الفضل والكمال في العلم. وطريق الاستفادة أن يكون معه في كل وقت محبرة حتى يكتب ما يسمع من الفوائد العلمية»



        [48] . فالإمام الزرنوجي هـنا لم يكتف بتأكيد أهمية استغلال الوقت فقط، ولكنه أكد أهمية أخذ المتعلم بالمهارة التي تساعده على استثمار الوقت بشكل سليم.

        ومهارة استثمار الوقت لدى المتعلم توجب عليه أن يصرف وقته كله في سبيل العلم، يقول الخطيب البغدادي : «قيل لبعضهم: بم أدركت العلم ؟ فقال: بالمصباح والجلوس على الصباح. وقيل لآخر، فقال: بالسفر، والسهر، والبكور في السحر»



        [49] . ويرى ابن جماعة : «دوام الحرص على الازدياد بملازمة الجد والاجتهاد، والمواظبة على وظائف الأوراد من العبادة، والاشتغال قراءة وإقراء ومطالعة وفكرا وتعليقا وحفظا وتصنيفا وبحثا»



        [50] . ويرى أيضا «أن يقسم أوقات ليله ونهاره، ويغتنم ما بقي من عمره، فإن بقية العمر لا قيمة له. وأجود الأوقات للحفظ الأسحار، وللبحث الأبكار، وللكتابة وسط النهار، وللمذاكرة [ ص: 188 ] الليل»



        [51] . إن المتأمل في أعمال المتعلمين المسلمين يجد أنهم قضوا حياتهم كلها في سبيل طلب العلم، والسعي إليه، والبحث الجاد عنه، والعمل به، وأنهم لم يبخلوا على أنفسهم في سبيل الوصول إليه.

        والمهارة في استغلال الوقت لدى المتعلم في التربية الإسلامية تبدأ معه من المدرسة، من خلال استغلاله لجميع أوقات الفراغ فيها، وصرفها في وجهها الصحيح. وتحتاج هـذه المهارة إلى تخطيط مسبق من قبل المتعلم، من خلال حصر أوقات الفراغ لديه، ثم حصر الأنشطة والأعمال التي يحتاج إليها، أو التي تحتل أولويات سابقة، ثم يقوم بتنظيم وقته في ضوئها. إن المتعلم عندما يعتاد على مهارة استثمار الوقت، وصرفه فيما يفيد، فإن ذلك يساعده على امتلاك جميع قيم التربية الإسلامية ومبادئها العظيمة.

        4- مهارة الاستعارة

        عندما كان العلم مطلبا ضروريا -كما تبين معنا من خلال الحديث عن مهارة استثمار الوقت- وكان المسلمون السابقون يوظفون جل أوقاتهم في سبيل طلب العلم، فإن من مهارات النظام الاجتماعي أيضا أنهم كانوا يضعون نظاما اجتماعيا مميزا لاستعارة كتب العلم والإفادة منها. ومهارة الاستعارة من المهارات الاجتماعية المهمة التي يحتاج إليها المتعلم. ويرىالإمام بدر الدين بن جماعة أن إعارة الكتب مستحب، لما تحققه الإعارة من الخير والنفع العظيم بين طلاب العلم، شريطة أن يعمل المتعلم بنظام الإعارة وما يتعلق به من أحكام مثل شكر المعير، وألا يكون هـناك ضرر مترتب عن الإعارة على المعير، وعدم حبس الكتب، والحفاظ عليها



        [52] . إن العمل بنظام [ ص: 189 ] الإعارة من قبل المتعلم جزء من العمل بالنظام الاجتماعي العام، ولهذا ينبغي أن يتعود المتعلم على النظام ويعمل به.

        ولا بد للمتعلم أن يكون ماهرا بنظام الإعارة، ويفضل أن تقدم المدرسة نظاما مفصلا عن الإعارة ليسير عليه المتعلمون. كما ينبغي أن يحتوي كل فصل أو كل جماعة من المتعلمين على مكتبة -في حدود مستواهم وإمكانياتهم- كما يفضل أن يتمهر المتعلمون على تبادل الكتب النافعة فيما بينهم، من باب تحقيق المنفعة، والتعاون على فعل الخير. ويفضل أن يكون المتعلم على صلة مستمرة بالمؤسسات التربوية والثقافية الموجودة بالمجتمع، وأن يزور المكتبات العامة، ويتعرف عن كثب على أنظمتها ويفيد منها.

        ومهارة الاستعارة تمكن المتعلم من الإفادة مما يتعلمه في التربية الإسلامية على نحو واسع، فهو عندما يمتلك هـذه المهارة يتجه نحو اقتناء الكتب وإعارتها، ومن ثم العمل على نشر العلم.

        ومما تتطلبه هـذه المهارة، أن يتمرس المتعلم على عادات القراءة وتبويب الكتب وفهرستها، كأن يقرأ الكتاب ثم يجعله «مع غيره من الكتب في مكتبة المنـزل التي ينبغي الحرص على ترتيبها وتصنيفها حسب موضوعات الكتب؛ ليسهل الوصول إلى الكتاب في أسرع وقت، مع الاستفادة من تقنية العصر في تصنيف المكتبات بالحاسب الآلي وحفظ المعلومات والوثائق فيه، وليكن... كريما باذلا للعلم، فمن احتاج من أقاربه أو زملائه فليعره، فإن العلم رحم بين أهله، وهذا من نشر العلم والتعاون على البر والتقوى



        [53] . [ ص: 190 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية