الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        مقدمة

        الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحابته الأخيار المطهرين، أما بعد : فقد ميز الله تعالى أمة الإسلام على سائر الأمم، وخصها بمزيد من الفضل، وهداها إلى أقوم السبل؛ حتى جعلها خير الأمم كما يقول تبارك وتعالى:

        ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) (آل عمران:110) .

        وإنما كانت هـذه الميزة العظيمة، وهذه الفضيلة الكبيرة نتيجة الدور العظيم الذي تقوم به هـذه الأمة، وهو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله، فهي «خير الأمم، وأنفع الناس للناس»



        [1] .

        لذلك كان على المنتمين إليها -في كل عصر- أن يأخذوا بزمام هـذا الدور، وأن يجعلوا منها نبراسا عظيما يضيء الطريق للأمم قاطبة، ويتخذوا من دستورها طريقا لهداية المجتمعات؛ فيحظون بالفضل الذي خصهم الله تبارك وتعالى به، ويتبوءون المكانة التي تستحقها أمتهم من بين سائر الأمم.

        وهذا الأمر، إذا كان لا بد له أن يتحقق، فإن الأمه مطالبة أن تهتم بكيانها، وتسعى إلى صلاح أفرادها، وإعدادهم إعدادا متكاملا؛ ليكونوا قادرين على تحمل الأعباء، وإنجاز المسيرة النيرة، بخطى واثقة، ومنهجية دقيقة واضحة؛ في أهدافها، ومحتواها، وطرائقها، وتقويمها. [ ص: 31 ]

        إن مسئولية هـذا الإعداد، وطريقة ذلك البناء، وسبيل ذلك المنهج، هـو التربية الإسلامية، بما تعنيه من عقيدة راسخة، وسلوك قويم. وإذا كانت التربية عند الأمم قاطبة قد اتخذت كل سبيل بشأن الرقي بأفرادها، والنهوض بمجتمعاتها؛ فإن التربية الإسلامية ليست أنموذجا آخر فتدخل في خضم المنافسة، ولا آخر مبتكرا فتدخل في زمام المبادرة، ولكنها تربية أصيلة، راسخة قويمة، تستمد منابعها وتؤصل جذورها على ما جاء في كتاب الله عز وجل ، وما جاء في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ،

        كما يقـول تبارك وتعـالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) (الأنعام:38)

        ( ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه )



        [2] .

        والتربية الإسلامية من هـذا المنطلق قادرة على النهوض بأفرادها، متقنة لأساليب إعدادهم، وطرائق تعليمهم، واعية لإمكاناتهم وقدراتهم؛ تهتم بتزويدهم بالمهارات التي يحتاجونها ليقوموا بما يجب عليهم تجاه ربهم أولا، ثم تجاه أنفسهم ثانيا، ومجتمعهم ثالثا. وإذا كان الإنسان في عالم اليوم يتطلع إلى أن يكون قادرا على استيعاب ما يدور حوله، وفهم ما يحدث أمامه، وكان المجتمع يتطلع أيضا إلى تكوين الفرد الذي يمتلك القدرات والمهارات، التي تجعله قادرا على التكيف مع عالم متجدد متغير، وفي ذات الوقت محافظا على ثوابت دينه، وأصالة مجتمعه، فإن من المهم أن يعي المتعلم لمهارات التربية الإسلامية، وأن يعي المعلم ما يجب عليه من مهام ومسئوليات ليقوم بها خير قيام. [ ص: 32 ]

        إنها تربية شاملة، تهتم بالفرد من جميع جوانبه، الروحية، والاجتماعية، والعقلية، والجسمية، ولا تركز على جانب على حساب الآخر.. وتعليم الفرد فيها لا يقوم على «حفظ واسترجاع يعتمد على الذاكرة، أكثر مما يعتمد على التفكير والتحليل والنقد، وحل المشكلات المتجددة»



        [3] ، ولكنه يقوم على تنمية المهارات بأنواعها جميعها؛ ذلك أن نظام التعليم في التربية الإسلامية، كان في الأساس فرديا، «فالطالب يتمتع بقسط كبير من الحرية، يختار من المواد الدراسية ما يناسب ميوله الفطرية، واستعداده العقلي، ويختار العالم الذي يتلقى عنده العلم، ويحضر ما يلقيه أستاذه من المحاضرات، ويقرأ المادة ويدرسها ويعدها قبل الدرس حتى يفهمها، ويسأل أستاذه فيما صعب عليه منها»



        [4] .

        إن مهارات التربية الإسلامية تدعو الفرد إلى أن يكون مفكرا ناضجا، ومتعلما واعيا، كما تدعوه إلى أن تتكون لديه القدرة على التعامل السليم مع الأحداث، والفهم الجيد للمتغيرات التي تحيط به، ولهذا فإنها تسلك جانبا متميزا عندما تهتم بشخصية الفرد اهتماما بالغا، وعندما لا تقتصر على العقل وحده، فما العقل إلا جانب واحد من جوانب الشخصية، «وما التحصيل العلمي إلا جانب واحد من جوانب الشخصية، ليس هـو أهمها بأي حال، [ ص: 33 ] وإن كانت له أهميته الذاتية. إنما أهم منه كيفية الاستفادة بهذا العلم، وكيفية التصرف مع الحياة العملية، وكيفية التعامل مع الناس والأحداث»



        [5] .

        ومهارات التربية الإسلامية تساعد الفرد على أن يكون قادرا على اكتشاف ما حوله، قادرا على الانتفاع مما يتعلمه، من خلال تبصيره بسبل التطبيق العملي السليم لما توصل إليه من علم، ذلك أن «التربية الإسلامية تنمي العقل على التفكير السليم، والتواضع والتسليم بالحق، والأمانة العلمية، وابتغاء الحق دون الهوى، والانتفاع بما يعلم، لا الاكتفاء بالعلم النظري»



        [6] .

        والتربية الإسلامية -في واقع الأمر- ليست مادة دراسية يتعلمها الطالب في مراحل التعليم العام، تقوم على فكر نظري ضيق متى ما استوعبه الطالب حدثت له التربية الإسلامية بمفهومها الشامل الصحيح، ولكنها أشمل من أن تكون مادة، ومنهجها أكثر من أن يقتصر على ما يتعلمه الطالب في المدرسة، إنها السبيل الذي يؤكد أن المتعلم، أيا كان مستواه، ومهما كانت درجته، يجعل من حياته كلها طريقا إلى العلم.

        ولهذا، فإن المتعلم في التربية الإسلامية ساع دائما إلى العلم، مجتهد في طريق الوصول إليه، مبتغ أرقى وسائل الإفادة منه، الأمر الذي يقودنا إلى ضرورة دراسة مهارات التربية الإسلامية: مفهومها، وأهميتها، وأسسها، وأنماطها، وطرق تنميتها. وهذا ما يسعى البحث الحالي إليه، بإذن الله. [ ص: 34 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية