ثانيا: مهارات خاصة
على الرغم من أهمـية المهارات العمـلية العامة، في التربية الإسلامية، إلا أنها لا تشمل جميع مهارات التربية الإسلامية العملية، فهناك مهارات عملية غيرها، وهي المهارات الخاصة.
والمهارات الخاصة هـي تلك المهارات العملية الخاصة بكل فرع من فروع التربية الإسلامية، وتشمل: المهارات الخاصة بالقرآن الكريم، والمهارات الخاصة بالحديث الشريف، والمهارات الخاصة بالفقه، والمهارات الخاصة بالعقيدة.
1 – مهارات القرآن الكريم
إن الأساس المهم في نجاح التربية الإسلامية لدى المتعلمين عموما، هـو أن ينجح المتعلم في دراسة القرآن الكريم وتعلمه على الوجه الأمثل؛ فالقرآن الكريم هـو المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي، وعلى هـذا الأساس فإن إتقان المتعلم لمهارات القرآن الكريم يعد أمرا في غاية الضرورة؛ ذلك أن تدريس القرآن الكريم لا يقصد منه معرفة المتعلم لأحكام وآداب التلاوة فقط، وإنما القصد منه أن يكون المتعلم قادرا على التلاوة الجيدة، قادرا على تطبيق أحكام التجويد، قادرا على الإفادة مما تدل عليه آيات القرآن من أحكام وفوائد، وهذا كله لا يمكن للمتعلم الوصول إليه إلا من خلال المهارة العملية التي تساعده على ذلك. وإذا كانت المهارات العملية التي يحتاجها المتعلم في القرآن الكريم كثيرة؛ فإن من أهم هـذه المهارات أنه لا بد للمتعلم من القدرة على: تطبيق [ ص: 143 ] التلاوة الصحيحة للقرآن، والترتيل الجيد له، ولا بد أن يكون قادرا على تطبيق أحكام التجويد وتطبيق مخارج الحروف بشكل سليم، ولا بد أن يطبق الآداب المشروعة عند تلاوة القرآن الكريم وعند تعلمه.
أ- مهارة التلاوة والترتيل
إذا كان تدريس القرآن الكريم يستوجب من المربين الاهتمام بمستوى المتعلمين في تلاوة القرآن الكريم، بهدف تنمية «القدرة على جودة تلاوتهم برسم المصـاحف وإن خـالفت قواعد الإملاء»
[1] ، فإن ذلك يعني أن من المهارات العملية الضرورية التي لا بد أن يكتسبها المتعلم: مهارة جودة التلاوة والترتيل لكتاب الله عز وجل . وقد حث الإسلام على الاهتمام بحسن التلاوة،
يقول الحق تبارك وتعالى: ( ورتلناه ترتيلا ) (الفرقان:32) ،
ويقـول: ( ورتل القرآن ترتيلا ) (المزمـل:4) ،
وفي الحـديث: ( عن أبي موسى ، رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا موسى، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود )
[2] .
ومهارة تلاوة القرآن الكريم لا يقصد بها مجرد قراءة المتعلم للقرآن فحسب، وإنما تعني التطبيق الأمثل للقراءة السليمة، بحيث يكون القارئ للقرآن قادرا على أن «يضبط حركاته وسكناته، ودقة نطق حروفه، والقراءة [ ص: 144 ] التعبيرية»
[3] . كما تعني أن يكون المتعلم قادرا على «أداء القرآن الكريم أداء سليما أو مجودا مرتلا»
[4] ، وأن يكون متقنا لأداء القرآن الكريم على الوجه الأمثل، من خلال القراءة السليمة لكلمات القرآن والأداء المتأني لها على النحو الذي يساعد على تدبر معاني القرآن وفهمها، وتعني أيضا «تلاوة الآيات القرآنية تلاوة صحيحة وفق أحكام التلاوة»
[5] ، وأن يؤدي المتعلم تلاوة القرآن في يسر وسهولة.
وليس من المهارة في تلاوة القرآن الكريـم القراءة بسرعة؛ فإذا كان مما تتطـلبه التلاوة الجيدة للقرآن الكريـم حسن الترتيل لها، فإن الترتيل، كما يقول العلماء «مستحب للتدبر؛ ولأنه أشد تأثيرا في القلوب»
[6] . ولهذا فإن مهارة التلاوة توجب على المتعلم الابتعاد عن الهذ أو السرعة المفرطة.. فقد " قال رجل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه : «إني لأقرأ المفصل في ركعة.. فقـال عبد الله: هـذا كهـذ الشعر.. إن أقواما يقرءون القـرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع» "
[7] .
ومن هـنا يتضح أن مهارة تلاوة القرآن الكريم وترتيله من المهارات العملية المهمة، التي يجب أن يمتلكها المتعلم عند دراسته وتعلمه لكتاب الله عز وجل ، وهذه المهارة لا تتحصل من خلال الدراسة النظرية وحـدها، [ ص: 145 ] وإنـما لا بد من التطبيق العملي، الذي يمارس المتعلم من خلاله -فعلا- ما تعلمه من أحكام خاصة بتلاوة القرآن الكريم.
ب- مهارة تطبيق أحكام التجويد
إن من أهم الأهداف التي ينبغي أن يسعى المتعلم لتحقيقها من خلال دراسته للقرآن الكريم: إتقان أحكام التجويد، وتطبيقه السليم لها؛ ذلك أن معرفة المتعلمين لأحكام التجويد وإلمامهم بها يعد من أهم ما يساعد المتعلمين على النجاح والتطبيق السليم لما يتضمنه كتاب الله عز وجل . والتجويد يعمل «على كل ما من شأنه زيادة فهم التلاميذ للقرآن وإعدادهم للحياة الإسلامية السليمة بمقتضى تشريعاته»
[8] ، وذلك بمقتضى طبيعة علم التجويد التي تستوجب المهارة العملية نحو تطبيق أحكامه تطبيقا سليما من قبل المتعلم.
وتقتضي هـذه المهارة من المتعلم الإلمام التام بأحكام التجويد، وأهمها: مخارج الحروف، وأحكام النون الساكنة والتنوين ، وأحكام المد ، وأحكام الميم الساكنة ، وصفات الحروف، وأهمها: التفخيم ، والترقيق . كما ينبغي معرفة حكم اللام الشمسية واللام القمرية، وأحكام الوقف ، وضبط بنية الكلمة وآخرها، ومعرفة هـمزتي الوصل والقطع
[9] ؛ ذلك أن الإلمام بهذه الأحكام يساعد المتعلم على التمكن من المهارات السليمة لتطبيق أحكام التجويد.
كما تقتضي من المتعلم أن يكون صـوته حسنا،
فقد جاء ( عن البراء ابن عازب ، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : زينوا القرآن [ ص: 146 ] بأصواتكم )
[10] . وقد كان أبو موسى ، رضي الله عنه ، حسـن الصوت، كما جاء في الحديث ( عن أبي موسى ، رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا موسى، لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود )
[11] . وتميز الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، رحمه الله، بحسن صوته وتجويده للقرآن. يقول بحر بن نصر : «كنا إذا أردنا أن نبكي قلنا بعضنا لبعض: قوموا بنا إلى هـذا الفتى المطلبي يقرأ القرآن، فإذا آتيناه استفتح القرآن حتى نتساقط بين يديه، ويكثر عجيجهم بالبكاء، فإذا رأى ذلك أمسك عن القراءة، من حسن صوته»
[12] .
وتنطلق أهمية هـذه المهارة المهمة مما تتطلبه طبيعة دراسة التجويد؛ ذلك أنه على الرغم من معرفة المتعلم لأحكام التجويد وإلمامه التام بها، إلا أن ذلك غير كاف في سبيل التعلم الأمثل لتجويد القرآن الكريم، ومن هـنا لا بد أن يتضمن الموقف التعليمي تطبيقا عمليا لأحكام التجويد من قبل المتعلم، كما أن الحكم على تجويد القرآن عند المتعلم لا يتم إلا من خلال تطبيقه السليم للأحكام. وعلى هـذا الأساس فإن جميع مواقف التعلم في القرآن الكريم تستوجب من المتعلم التطبيق السليم لأحكام التجويد.
ج- مهارة تطبيق آداب التلاوة
إن تعليم القرآن الكريم لا يقتصر فقط على ما يدرسه المتعلم من أحكام، وما يطبقه منها فحسب، ولكنه يتناول أيضا الآداب التي ينبغي أن يكون عليها [ ص: 147 ] متعلم القرآن الكريـم؛ وهي مأخـوذة من كتاب الله عز وجل ، حيث وجه القرآن الكريـم إلى ما ينبغي أن يكون عـليه المسـلم -عند تعلم كتاب الله- من طهارة، وذكر، وتريث وتأن، إلى غير ذلك من الآداب العظيمة التي تسـتوجبها المواقف التعليمية في القرآن الكريم،
يقول تعالى: ( لا يمسه إلا المطهرون ) (الواقعة:79) ،
ويقول: ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) (النحل:98) ،
ويقول: ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) (القيامة:16) ،
إلى غير ذلك من الآيات القرآنية الكريمـة، التي توضـح لنا بعض الآداب التي ينبغي أن يلتزم بها المتعلم لكتاب الله تعالى.
ومهارة تطبيق آداب تلاوة القرآن الكريم توجه المتعلم إلى الاستعداد الأمثل لدرس التلاوة، من حيث الطهارة اللازمة؛ فالمتعلم خليق أن يلتزم بذلك، ويعد هـذا أدبا مهما يجب أن يتعلمه ويطبقه قبل أن يتعلم القرآن الكريم، كما ينبغي تهيئة المكان المناسب لدرس القرآن، والوقت المناسب؛ فعلى المتعلم أن يختار وقت دراسة القرآن الكريم في الأوقات المبكرة، فقد كان درس القرآن هـو الدرس الأول في حلقة الشـافعي ، رحمه الله، يقول تلميذه الربيع ابن سليمان : «إن الشافعي رحمه الله يجلس في حلقته إذا صلى الصبح فيجيئه أهل القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار، ثم ينصرف رضي الله عنه »
[13] . [ ص: 148 ]
كما أن مهارة تطبيق آداب تلاوة القرآن الكريم توجب على المتعلم أن يبدأ بذكر الله عز وجل ، من حيث الاستعاذة والبسملة، وأن يتأنى في تعلمه للقرآن، كما ينبغي أن يكون مستعدا، من حيث توفر المصحف وما يلزم من وسائل وأدوات حتى لا يفوته فضل تعلم كتاب الله عز وجل ، كما ينبغي أن يعطي القرآن ما يستحقه من الخشوع والسكينة.. ومن المهارة أيضا أن يجعل المتعلم درس القرآن من أعظم الأوقات لديه، ويعتبره قربة إلى الله تعالى، وأن له من الله عز وجل عظيم الأجر والثواب.. جاء ( عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه )
[14] .
2– مهارات الحديث الشريف
يحتل تدريس الأحاديث النبوية الشريفة مكانة عظيمة في التربية الإسلامية؛ لذلك فإن المتعلم بحاجة ماسة إلى امتلاك المهارات العملية الخاصة بتعلم الحديث. وتنطلق أهمية مهارات الحديث الشريف مما للسنة النبوية المطهرة من مكانة عظيمة من القرآن الكريم؛ فهي إما مقررة ومؤكدة لما جاء في القرآن الكريم، أو مفصلة ومفسرة لما جاء في كتاب الله، أو أنها [ ص: 149 ] ترد بحكم جديد لم يرد في القرآن الكريم
[15] ، وفي جميع الحالات فإن ذلك تأكيد لمكانة الحديث الشريف.
ومن هـنا تأتي الأهمية الكبيرة للمهارات العملية الخاصة بالحديث الشريف. فالمتعلم بحاجة إلى امتلاك الكثير منها؛ فالدراسة النظرية للحديث وحدها لا تكفي؛ ذلك أن المتعلم بحاجة إلى تطبيق الحديث في مواقف كثيرة. ومن أهم مهارات الحديث الشريف: مهارة إلقاء الحديث بشكل يليق بمكانة الحديث الشريف، ومهارة الخطابة، ومهارة تخريح الأحاديث، ومهارة تطبيق آداب الحديث، وفيما يأتي شرح موجز لكل منها:
أ- مهارة إلقاء الحديث
الإلقاء مهارة عملية مهمة.. ومن أهم ما ينبغي على المتعلم أن يمتلكه في هـذا المجال تمكنه من إلقاء الحديث بصورة سليمة. ومن أهم ما يساعده على ذلك تمكنه من اللغة العربية وقدرته على اسـتخدامها على نحو جيد؛ لذا فإن مهارة الإلقاء تستوجب الإلمام باللغة العربية الفصيحة، انطلاقا من قوله تعالى:
( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ) (الشعراء:192-195) ،
وقولـه تعالى: ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) (النحل:103)
( وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «إن من [ ص: 150 ] البيان لسحرا -أو- إن بعض البيان لسحر )
[16] . ( وعـن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يتكلم بكلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن من البيان سحرا، وإن من الشعر حكما )
[17] .
كما أن من مهارة إلقاء الحديث أن يكون المتعلم ملما بالكيفية التي يلقي بها الأحاديث، ملما بالاصطلاحات التي ينبغي استخدامها عند إلقاء الأحاديث. وقد كان الإمام الشافعي ، رحمه الله، يدرب طلابه على مهارة إلقاء الحديث، كما يقول الربيع : قال الشافعي : «إذا قرأ عليك المحدث فقل: حدثنا، وإذا قرأت على المحدث، فقل أخبرنا»
[18] .
ومهارة إلقاء الحديث توجب على المتعلم أن يعرف مكانة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ الأمر الذي يؤدي إلى احترامها وتوقيرها؛ فلا يحدث في مكان لا يليق بشرف الحديث ومكانته، ولا يحدث في وقت لا يسمح بإعطاء الحديث ما يستحقه من تأن وتوضيح، ولا يطيل على النحو الذي يجعل السامعين يملوا الحديث؛ فلا يفقهوا منه شيئا، ولا يخل على النحو الذي يقوده إلى الإخلال بمعاني الحديث ومضمونه، وكل ذلك نأخذه من فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم ، كما جاء ( عن عائشة ، رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ) ( يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه )
[19] . [ ص: 151 ]
من خلال كل ما سبق يتبين لنا عن كثب أن مهارة إلقاء الحديث من المهارات التي لا تستغن عنها مواقف التعلم، وأن المتعلم الذي يسعى إلى أن يتعلم الحديث بشكل جيد لا بد له من التدريب المستمر على مهارة إلقاء الحديث.
ب- مهارة الخطابة
تحتاج الخطـابة إلى مقومـات رئيسـة يجب أن تتوفر في الخطـيب أو الداعية. ومن خلال دراسة الحديث يمكن للمتعلم أن يمتلك هـذه المهارة المهمة. ومن أهم مقومات هـذه المهارة أن يكون الخطيب متمكنا من موضوعه؛ من خلال فهمه لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وقدرته على شرحها وإيضاحها؛ فالخطيب الماهر هـو الذي يلم بالأحاديث، ويكون قادرا على تبليغها بالأسلوب المناسب.
ومهارة الخطابة توجب على الخطيب أن يتصف بالفصاحة، والقدرة على جذب السامعين، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان موضوعه في حدود مستوى معرفة وفهم الناس الذين يتحدث إليهم.. جاء في صحيح البخاري: " قال علي ، رضي الله عنه : «حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله» "
[20] ، وجاء في صحيح مسلم " أن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال: «ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة» "
[21] . كما توجب مهارة الخطـابة على الخطـيب أن يبتعد عن البلاغة المتعمقة؛ لما تؤدي إليه من صعوبة في الفهم من قبل السامعين. ولهذا فقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم أن يستخدم الخطيب ألفاظا بلاغية بعيدة عن فهم السامع، واعتبر أن هـذا ضرب [ ص: 152 ] من التشدق: ( إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها )
[22] . والمقصـود من ذلك أن يكـون ما يلقيه الخطيب مفهوما، يستطيع الناس فهمه، والانتفاع به.
ولا بد أن يفعل الخطيب موضوع خطبته، وما تتضمنه الأحـاديث من جـوانب ضرورية لا بد للناس أن يعـوا ما فيها؛ وهذا ما يسـتوجب أحيانا الاستعانة ببعض المؤثرات، مثل رفع الصوت، ونحو ذلك، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. فقد روي ( عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه، واشتد غضبه، وعلا صوته، كأنه منذر جيش صبحتم مسيتم.. قال: وكان يقول: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ومن ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي، وأنا أولى بالمؤمنين )
[23] .
ويستطيع المتعلم أن يفيد مما يتعلمـه من أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -من خلال دراسته للحديث- في تطبيق مهارة الخطابة وممارستها، في المدرسة وخارج المدرسة، في حدود مستواه، وذلك ليتمكن منها في سبيل القيام بواجبه تجاه تبليغ هـذا الدين والدعوة إليه.
ج- مهارة تخريج الأحاديث
وهي من المهارات العملية المهمة في التربية الإسلامية؛ حيث يحتاج إليها كل متعلم، لما تؤدي إليه من المعرفة الصحيحة بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم والتيقن التام من صحتها وفق الضوابط والاصطلاحات المتفق عليها في علم مصطلح الحديث. وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون أحدنا إمعة :
( لا تكونوا إمعة، [ ص: 153 ] تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا )
[24] .
ومهارة تخريج الحديث تستوجب من المتعلم أن يكون ملما بأنواع الحديث، بحيث يفرق بين الحديث القدسي والحديث النبوي ، وأن يفرق بين أقسام الحديث حسب وصوله: ( المتواتر ، وخبر الآحاد ، والحديث المشهور ) ، ويكون قادرا على أن يميز بين الحديث: ( الصحيح ، والحسن ، والضعيف ) ، وأن يعرف ماذا يعني كل من الحديث: ( المرفوع ، والموقوف ، والمقطوع ) ، وأن يعرف بعض الاصطلاحات الخاصة بألقاب علماء الحديث مثل: ( المسند ، المحدث ، الحافظ ، أمير المؤمنين ) ، ويعرف المصنفات التي تشتمل على الحديث الصحيح، ويعرف كيفية الإفادة منها
[25] ، ويعرف معنى بعض المصطلحات المشهورة، مثل: « متفق عليه »، ولا بد أن يكون قادرا على الحكم على الحديث من خلال إسناده أو متنه، ونحو ذلك.
ولا بد أن يكون المتعلم قادرا على التعامل مع المصنفات العظيمة التي تحتوي على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، مثل: صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ... إلخ، وأن يكون قادرا على الإفادة منها في تخريج الأحاديث من خلال مكتبة المدرسة. ثم لا بد مع ذلك كله أن يكون المتعلم قادرا على استخدام وسائل التقنية الحديثة، شريطة ألا يعول عليها وحدها في تخريج الأحاديث دون الرجوع إلى [ ص: 154 ] المصادر الأصلية، ومن أمثلة هـذه الوسائل: الحاسب الآلي ، واستخدام شبكة المعلومات ، وغيرها مما استحدثه العصر من منجزات تعليمية مهمة.
د- مهارة تطبيق آداب الحديث
للحديث آداب عظيمة، حتى أننا نعتبر أن من المهارات العملية الضرورية أن يطبق المتعلم هـذه الآداب عند دراسته لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأهم هـذه الآداب، أن يطبق المتعلم كل ما تعلمه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يفعل ما طبقه والتزم به من أحـاديث.. أما التطبيق فقد روي: ( عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما ، قال: «كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظـه، فنهتني قريش ، فقـالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا.. فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله فقال: اكتب، فو الذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق )
[26] . والكتابة المباشرة عن رسول الله دليل على الحرص على التطبيق والاتباع، فهذا أهم أدب ينبغي لطالب الحديث أن يطبقه. أما أدب التفعيل، فقـد حث المصطـفى صلى الله عليه وسلم على تبليغ دعوته للناس: ( نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه، فرب حامل فقه إلى من هـو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه )
[27] ؛ ( والله، لأن يهدي الله بهداك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم )
[28] . فلا بد أن يكون المتعلم لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ماهرا في تبليغها للناس. [ ص: 155 ] ومهارة أدب الحديث تقتضي من المتعلم أن يعظم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن يحترمها، وأن يقوم بما يجب تجاهها من طهارة وخشوع وسكينة؛ فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينهى عن كل فعل يخالف أدب الحديث، كما يشير إلى ذلك ما جاء ( عن حذيفة : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من جلس وسط الحلقة )
[29] .
يضاف إلى كل ما سـبق أن جمـيع الآداب المهمة التي ينبغي أن يتحلى بها طالب العلم؛ ينبغي توافرها لطالب الحديث، حتى يعلم عن كثب ما تضمنته سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم من أحاديث عظيمة، وينتفع منها وينفع غيره من المسلمين.
3 – مهارات الفقه
للفقه أهمية كبيرة في التربية الإسلامية؛ لما يؤدي إليه من تبصير المتعلمين بما تتضمنه النصوص والأدلة الشرعية من أحكام عملية. والفقه يساعد المتعلم على التربية الإسلامية السليمة وفق أحكام الشريعة الإسلامية ومصادرها العظيمة،
يقول الله تعالى: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) (التوبة:122) ،
( وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما العلم بالتعلم )
[30] . ولما كان الفقه يهتم بالأحـكام الشرعية العمـلية، فإن دراسته يجب ألا تقتصر على مجرد ما يدرسه المتعـلم من معلومات نظرية، سواء كانت هـذه المعـلومات: مفاهيم، أو كانت حقائق، أو تعميمات؛ إذ لا بد للمتعلم [ ص: 156 ] من أن يمتلك مهارة تطبيقها وممارستها عمليا، وكل ذلك لا يتحقق إلا بامتلاك المتعلم للمهارات العملية للفقه، وهي مهارات كثيرة، منها ما يتعلق بتطبيق القدرات الفقهية، التي ينبغي أن تتوفر في الفقيه، ومنها ما يتعلق بتطبيق الأحكام الفقهية في العبادات، ومنها ما يتعلق بتطبيق الأحكام الفقهية في المعاملات.. ولأهمية هـذه المهارات، فسوف نعرض لها على النحو الآتي:
أ- مهارة تطبيق القدرات الفقهية
على الرغم من أن دراسة الفقه تهدف، من بين أهم ما تهدف إليه، إلى تزويـد المتعلمين
[31] : «بأحكام الفقه الإسلامي التي يحتاجون إليها في حياتهم حتى يميزوا بين الحلال والحرام، ويقفوا عند حدود الله»، و «إرشادهم إلى خصوبة الفقه واستثمار مسائله وصلاحيته لكل زمان ومكان، بما يغني عن القوانين الوضعية، ويحقق للإنسانية سعادتها في الدنيا والآخرة»؛ إلا أنه لا بد للمتعلم من أن يمارس مهارة «استنباط الأحكام، وكتابة موجز لها على السبورة، مع الاهتمام بوسائل الإيضـاح والتطبيق العملي»
[32] . ومع هـذه المهارة؛ فإن المتعلم بحاجة ملحة إلى تطبيق القدرات الفقهية.
وعلى الرغم من أن المتعلم للفقه لا يمكن أن يكون فقيها لمجرد البدء في تعلم الفقه، إلا أن من الضروري أن يقف هـذا المتعلم على المهارات التي يجب أن تتوفر في الفقيه. من ذلك: أن يحدد مصادر الفقه الإسلامي من خلال دراسته للفقه، وأن يقف على كيفية استنباط الأحكام، وأن يطبق الأحكام على الأدلة، وأن يحدد الأولويات التي يعتمد عليها الفقيه في تقديم فتواه. كما أن المتعلم لا بد [ ص: 157 ] أن يدرس الفقه دراسة عملية غير الدراسة النظرية التي تعود عليها؛ فالحكم في مسألة ما قد يختلف باختلاف الزمان والمكان. ولا بد أن يعلم المتعلم عن كثب من خلال امتلاكه لهذه المهارة أن الإسـلام صالح لكل زمان ومكان؛ ولا بد -من خلال هـذه المهارة أيضا- أن يصل إلى أن الفقه الإسلامي يمتاز بخصوبته ومرونته، وأنه يستوعب جميع القضايا والأحكام المعاصرة.
ولا بد أن يمارس الصفات الضرورية التي يجب أن يتصف بها الفقيه، وأهمها: التمكن العلمي، والإلمام باللغة العربية، وتفسير القرآن، والإلمام بمصادر الفقه الإسلامي، وكيفية الإفادة منها، وفقهاء المذاهب الأربعة، وكيفية الموازنة بين الأدلة العقلية والنقلية، وكيفية الربط بين موضوعات الفقه والواقع الذي يعيشه المتعلم، وأن يتدرب المتعلم على ملكة الاجتهاد
[33] .
ثم لا بد أن يتوصل المتعلم -من خلال ممارسته لمهارة تطبيق القدرات الفقهية- إلى أن هـذه المهارات هـدفها أن يمارس ما تعـلمه في الفقه عمليا، أما الوصول إلى مرتبة الفقه والعلم؛ فإن هـذه المنـزلة لا يصلها إلا العلماء؛ وأن بدء دراسته للفقه لا يخوله أن يصير فقيها، ولكنه يتعلم الفقه بشكل فاعل، ويمارسه عمليا.
ب- مهارة تطبيق الأحكام الفقهية في العبادات
إن بلوغ ما يهدف إليه الفقه من أهداف مهمة يعتمد بشكل رئيس على مدى تطبيق المتعلم لما يدرسه من أحكام فقهية. ومن هـذا المنطلق؛ فإنه ينبغي للمتعلم أن يمتلك المهارات الفقهية اللازمـة التي تمكنه من تطبيق [ ص: 158 ] ما درسه من أحكام بشكل سليم. ومهارة تطبيق الأحكام الفقهية في العبادات تتضمن: «مهارات العبادات ومنها مهارات الوضوء، والصلاة، وأداء مناسك الحج والعمرة.. إلخ ) »
[34] .
ومهارة تطبيق الأحكام الفقهية في العبادات توجب على المتعلم أن يقوم بتطبيق موضوع الدرس عمليا؛ لأن ذلك أكثر تأثيرا؛ لذلك «لا بد أن يدخل التدريب العملي في مناهج الدراسات الفقهية حتى تكون استجابة الطلاب سريعة ويكون وصولهم إلى المقصود مباشرا»
[35] . وعندما «يلجأ المعلم، عند تدريس العبادات، إلى البيان العملي أمام التلاميذ - فعند تدريس الوضوء يتوضأ أمامهم، وعند تدريس الصلاة يصلي أمامهم»
[36] - فإن المتعلم لا بد أن يتعلم مهارة تطـبيق الأحكام الفقهية في العبادات بنفسه، ولا يكفي أن يعرف -في الصلاة مثلا- أركان الصلاة ، أو واجبات الصلاة ، أو سنن الصلاة ، فقط دون أن يمتلك مهارة التطبيق العملي لها.
إن تدريب المتعلم على مهارة تطبيق الأحكام الفقهية في العبادات هـو السبيل المهم نحو تعزيز أنماط السلوك التي يدعو إليها الإسلام؛ لأن «الممارسة الصحيحة للعبادة التي فرضها الله سبحانه... من أعظم المجالات التي يمارس فيها... أنماط السلوك التي يرتضيها الإسلام»
[37] . كما أن تطبيق الأحكام [ ص: 159 ] الفقهية في العبادات من قبل المتعلم يتيح الفرصة أمام المعلم لمعرفة الأخطاء ومعالجتها من خلال «متابعة التلاميذ أثناء قيامهم بإقامة بعض الشعائر الدينية، الصلاة مثلا - ليكشف عن الأخطاء التي قد يقعوا فيها حين تطبيقهم لهذه الشعيرة»
[38] ، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وجه المسئ في صلاته إلى إعادة صلاته: ( عن أبي هـريرة ، رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فرد وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل.. فرجع يصلي كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصل فإنك لم تصـل، ثلاثا.. فقال: والـذي بعثك بالحق، ما أحسن غيره فعلمني.. فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، وافعل ذلك في صلاتك كلها )
[39] . فنجد من خلال هـذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على أداء الصلاة بشكل صحيح؛ تأكيدا لضرورة توفر المهارة العملية عند تطبيق أحكام الصلاة، سواء كانت أركانا أو واجبات أو سننا.
ج- مهارة تطبيق الأحكام الفقهية في المعاملات
إن كثيرا من الموضوعات الفقهية التي يتعلمها الطالب في المعاملات تحتاج إلى الممارسة والتطبيق. وحيث إن المعاملات تمثل جزءا مهما في الفقه الإسلامي، فإن دراسة المتعلم لها من الناحية النظرية وحدها لا تكفي؛ ذلك [ ص: 160 ] أن المتعلم بحاجة إلى معرفة الجانب التطبيقي لها؛ لا سيما في ضوء المتغيرات المعاصرة، وانطلاقا من أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان.
إن مهارة تطبيق الأحكام الفقهية في المعاملات تساعد المتعلم على أن يفكر ويبدع، كما أنها تدفعه إلى أن يتعلم المادة عن فهم تام، دون الاكتفاء بدراستها من الناحية النظرية فقط ثم نسيانها. إن معلم التربية الإسلامية إذا «ركز وظيفته في نقل المعلومات من الكتاب المدرسي إلى أذهان التلاميذ ومن ثم التأكد من مدى حفظهم لهذه المعلومات عن طريق الحفظ والتسميع»
[40] ، فإنه يهمل جانبا مهما ومقوما ضروريا في تدريس فقه المعاملات وهو امتلاك المتعلم للمهارات العملية اللازمة لتطبيق الأحكام الفقهية في المعاملات. ولهذا لا بد من فتح المجال للمتعلم ليمارس الفقه عمليا من خلال المواقف التطبيقية المناسبة.
ويمكن تنمية هـذه المهارة بشكل واسع، سواء داخل المدرسة أو خارجها. فموضوع «البيع»، على سبيل المثال، يستطيع المتعلم أن يمارسه عمليا من خلال الجمعية التعاونية الموجودة بالمدرسة، ويمكن للمتعلم أن يكتب تقريرا عن عقد البيع في ضوء ممارسته، وتتم مناقشته مع زملائه في الفصل تحت إشراف وتوجيه المعلم. ويمكن للمعلم أن يشجع المتعلمين نحو ممارسة بعض العقود من خلال الأمثلة التي يتيحها لهم، والمواقف التعليمية البسيطة داخل المدرسة. ويستطيع المتعلم أن يطبق الأحكام الفقهية في المعاملات من خلال زيارته للمواقع التي تجرى المعاملات من خلالها في مجتمعه الذي ينتمي إليه. [ ص: 161 ]
كما أن مهارة تطبيق الأحكام الفقهية في المعاملات تستوجب من المتعلم أن يبحث عن المواقف العملية التي تساعده على تطبيق ما تعلمه من معاملات؛ ليقف على دراستها عن كثب، ويطبقها من الناحية العملية؛ كذلك تستوجب هـذه المهارة أن يربط المتعلم ما يتعلمه في المدرسة بما يدور في مجتمعه من معاملات.
4- مهارات العقيدة
تحتل المهارات العملية في التربية الإسلامية جانبا مهما في تربية المتعلم وتقويم سلوكه على النحو الأمثل، ذلك أنه ليس المهم من دراسة التربية الإسلامية حفظ ذلك الكم من المعلومات، دون أن يكون لها أثرها التربوي في نفس المتعلم، وإنما المهم أن يمتلك المتعلم المهارات العملية المتعلقة بالعقيدة. وتنطلق أهمية المهارات العملية في العقيدة من كون العقيدة تمثل الأساس المهم لأي عمل سليم يقوم به المسلم.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هـناك الكثير من المهارات العملية التي ينبغي أن يمتلكها المتعلم في التربية الإسلامية مما له صلة بالعقيدة. وأهم هـذه المهارات: مهارة اجتناب الألفاظ المحذورة، ومهارة اجتناب الممارسات المحذورة، ومهارة تلاوة الأوراد والأذكار الشرعية. وفيما يلي عرض لهذه المهارات:
أ - مهارة اجتناب الألفاظ المحذورة
ليس الغرض من دراسة العقيدة الإسلامية حشو أذهان المتعلمين بالمفاهيم والحقائق والتعميمات ليحفظوها فحسب، ولكن ليؤدي حفظها لديهم إلى تطبيقها والتزام ما فيها، ذلك أن الهدف من دراسة المتعلمين [ ص: 162 ] للعقيدة هـو
[41] : تربيتهم على «العقيدة الإسلامية الصحيحة التي لا تشوبها شائبة شرك أو كفر أو بدعة»
( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) (البينة:5) ،
وتبصيرهم «بما يخل بعقيدة التوحيد في أنواعه الثلاثة، صيانة لعقيدتهم، وتجنبا لمزالق الشرك التي تعرض لهم في حياتهم»، و «تعريفهم بصلة مظاهر الوثنية الحديثة بوثنية الجاهلية الأولى».
وتقتضي هـذه المهارة أن يكون المتعلم ماهرا في اختيار الألفاظ التي تتفق مع العقيدة الإسلامية؛ مبتعدا عن كل ما يخالفها؛ فعند دراسة موضوع التوحيد وأنواعه -مثلا- ينبغي أن يطبق المتعلم الألفاظ التي تدلل على توحيد الله، سواء توحيد الألوهية ، أو توحيد الربوبية ، أو توحيد الأسماء والصفات ، ويجتنب الألفاظ الشركية خاصة الألفاظ التي يشيع استخدامها لدى بعض الناس.. إنه من خلال هـذه الممارسة يعمق معنى الموضوع الذي درسه في العقيدة، ويمتلك مهارة البعد عن الألفاظ المحذورة.
كما تقتضي من المتعلم أن يكتشف الألفاظ المنهي عنها لديه، وأن يعتاد التقليل منها حتى يجتنبها نهائيا، من خلال إحلال الألفاظ التي يحث عليها الإسلام، حتى يتعود عليها وينتهي عن كل ما حرمه الإسلام من ألفاظ مخالفة للعقيدة الإسلامية. كما تقتضي هـذه المهارة أن يكون المتعلم ماهرا بالشعور والإحساس لكل لفظ منهي عنه، ماهرا في اجتنابه والدعوة إلى تركه. [ ص: 163 ]
ومن مقتضياتها كذلك أن يكون المتعلم ماهرا في الإلمام بما تدل عليه العقيدة الصحيحة -عقيدة أهل السنة والجماعة- وأن يكون ماهرا في اكتشاف الغلو والبعد عنه، واجتناب الألفاظ التي يقذف بها الآخرين، أو يتهمهم بالكفر، أو النفاق، أو الشرك، أو غير ذلك مما لا ينبغي عليه أن يقع فيه، وأن يكون ماهرا في معرفة العقيدة الإسلامية كما شرعها الإسلام، يقول الحق تبارك وتعالى: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) (البقرة:143) .
ب- مهارة اجتناب الممارسات المحذورة
إن العمل بالعقيدة الصحيحة، التي يجب أن يكون عليها المسلم، لا يقف عند حدود معرفتها فقط، بل لا بد من العمل بمقتضاها. فإذا علم المتعلم من خلال دراسـته للتربية الإسـلامية أن «لا إله إلا الله» معناها توحـيد الله عز وجل ، فإن هـذا يقتضي أن يعمل بالتوحيد، ويبتعد عن ما يخالفه من ممارسات. فالصلاة، على سبيل المثال، هـي ركن من أركان الإسلام، ومن أهم العبادات التي يحث عليها ديننا الإسلامي الحنيف، فلو قصد المسلم بالصلاة ثناء الناس عليه وذكره بالصفات الحسنة لانتفى المقصود من هـذا الركن العظيم، وخالف المسلم ما تدل عليه كلمة التوحيد؛ لذلك لا بد أن يكون المتعلم ماهرا في الكشف عن الممارسات التي تخالف العقيدة، والبعد عنها فورا.
وتقتضي هـذه المهارة أن يكون المتعلم قادرا على البحث عن كل ممارسة منهي عنها، قادرا على اكتشاف آثارها وما يترتب عنها، قادرا على [ ص: 164 ] قطع الأسباب التي تؤدي إليها.. كما تقتضي أن يكون المتعلم خبيرا بما يدور حوله، ملما بواقعه الذي يعيش فيه، وأن يكون قادرا على الحكم على هـذا الواقع من خلال دراسته للعقيدة الإسلامية في المدرسة، فليس بالضرورة أن تكون جميع العادات التي يمارسها المجتمع عادات صحيحة، من ناحية العقيدة، فقد يشاهد المتعلمون بعض الممارسات المحذورة، لذلك لا بد أن تتوفر لديهم مهارة الامتناع والرفض لجميع العادات المخالفة للعقيدة.
صفوة القول: إن المتعلم الماهر لا بد أن يكون قادرا على الكشف عن جميع الممارسات المنهي عنها في العقيدة الإسلامية، قادرا على اجتنابها والبعد عنها؛ وعدم التأثر بها، حتى لو اعتاد المجتمع من حوله فعلها أو عدم إنكارها.
ج- مهارة تلاوة الأوراد والأذكار الشرعية
على الرغم من أن التربية الإسلامية قد تم الاصطلاح عليها بأنها ذلك الكتاب الذي تقرره المدرسة على طلابها في بداية كل عام، وذلك المعلم الذي يقوم بتدريس هـذا الكتاب، وتلك الفترة الزمنية المحددة بالعام الدراسي، وذلك المقرر الذي تم إعداده سلفا، وتلك اللوائح والأنظمة التي تنظم العمل التربوي داخل المدرسة، إلا أنها في معناها البعيد أعظم وأشمل وأعمق من ذلك كله. إن التربية الإسـلامية حياة تتغلغل في الوجـدان، وتنطلق في الأبدان؛ إنـها تربية لا تحددها حدود زمنية، ولا تضيقها كتب مدرسية، ولا توجدها مبان تربوية؛ ولكنها تربية مستمرة أبدية، حيوية عالمية، وهي باختصار شديد ذلك الإنسان الذي يعيش حياته كلها بالإسلام، ويموت على الإسلام. [ ص: 165 ] ولما لم تكن التربية الإسلامية محدودة، زمانا ومكانا ومجالا؛ حتى وإن تم تحديدها إجرائيا وتنظيميا، فإنه لا بد أن تأخذ هـذه التربية مداها في عمق أعماق المتعلم، ولا بد أن يكون ما يأخذه في المدرسة منبع هـداية يسري في كل شئونه. ومن هـذا المنطلق فإن من أهم المهارات العملية امتلاك المتعلم لتلاوة الأذكار المشروعة؛ فالتربية الإسلامية في معناها الواسع، وفي مداها الأعمق، هـي المقصودة من تعليم الطالب، والتربية الإسلامية المدرسية هـي الوسيلة لتحقيق ذلك، ومن هـنا فإنه لا بد أن يمتلك المتعلم القدرة على تطبيق جميـع الأذكار الشرعية التي يدرسها، وأن يكون ماهرا في تلاوتـها والالتزام بها.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما اجتمع قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وتغشتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده ) .. وقال: ( إن الله يمهل حتى إذا كان ثلـث الليل الآخر نزل الله عز وجل إلى هـذه السماء فنادى: هـل من مذنب يتوب؟ هـل من مستغفر؟ هـل من داع؟ هـل من سائل؟ إلى الفجر )
[42] .
إن مهارة تلاوة الأوراد والأذكار الشرعية من المهارات المهمة، لا سيما وأنها تجعل المتعلم دائم الصلة بالله تبارك وتعالى؛ هـذا فضلا عن كونها تمثل حصنا له، كما أنها تعزز قيم التربية الإسلامية لديه، وتمكنه من الاستقامة على أمر الله تعالى، والانتهاء عن نهيه. [ ص: 166 ]