الدور المطلوب من الحركات النسائية
ما الدور المطلوب من الحركات النسائية للمساهمة في تقنين التقنيات؟
ليس المقصود بالتقدم التقني تسهيل الحصول على التقنيات كيفما اتفق، بل إن لذلك سلبياته الكثيرة ومنها المساهمة في طمس الهوية الحضارية في نفوس الناشئة، مما يسبب ضياع القيم الاجتماعية والوطنية ويخلق عقليات تابعة ومضطربة ذات نفسيات مشتتة بين الأصالة والعولمة ؛ ومما لا شك فيه أن للمرأة دورا إيجابيا في ذلك.
إن عالمنا العربي والإسلامي هـو المعني الأكبر من بين دول العالم الثالث بقضية التقنية والمرأة، فالتقارير الدولية تجمع على الزعم أنه عالم مجحف بحقوقها، هـذا بالرغم من أن المرأة قد اخترقت في أغلبية العالم الإسلامي فضاءات العلم والمعرفة، بل وأصبح لها في المجتمع حضور ثقافي متميز، وفي [ ص: 161 ] بعض جامعات العالم الإسلامي يزيد عدد الطالبات على عـدد الطلاب، كما يظهر أن الأنثى قد استفادت وساهمت أكثر من الذكر من نهضة التربية والتعليم الحديثة التي حققها عالمنا الإسلامي في العقود الأخيرة. وقبل أن تقوم الحركة النسائية في دول العالم الإسلامي بالنظر في مشاكل المرأة كقضايا العنوسة والطلاق، لا بد لها من توليد اتجاهات جديدة حول المشاكل التي يسببها عمل المرأة، هـذا الذي أصبح موضة العصر، تسعى معظم النساء من أجله دون النظر لسلبياته المتعددة، ومن أخطرها الاعتماد الكبير على التقنيات التي قد تضر بالصحة النفسية والجسدية لأفراد العائلة.
لقد آن الأوان الذي تستيقظ فيه الحركات النسائية في دول العالم الثالث، وتتجه إلى العمل على إجراء دراسات جادة وبحوث جادة عن أثر عمل المرأة على تربية وصحة النشء وعلى استقرار الأسرة. كذلك لا بد أن نسلط الضوء على ظاهرة استقدام الخدم والمربيات وملازمة التقنيات لأطفالنا وتأثير ذلك كله على نسبة الطلاق المتصاعدة وعلى ظهور الأمراض المستعصية. كذلك لا بد من وقفة تأمل وتدبر في هـذا المجال بحيث يكون من أهم أدوار الحركة النسائية في دول العالم الثالث الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى التي سبقتها في معالجة قضايا المرأة، خاصة وأن تلك الأمم تجني اليوم المر والعلقم.
وبعد أكثر من مائة عام، وبالرغم من الثقل الجوهري للمرأة الأمريكية في سوق العمل، إلا أن الحركة النسائية الأمريكية تراجعت بشدة عن تشجيع المرأة العاملة، بل وانصبت الجهود اليوم على توضيح الآثار السلبية، [ ص: 162 ] الاجتماعية والصحية والتربوية، الناجمة من عمل المرأة سواء على مستوى تربية الأجيال أو على مستوى المنافسة وانتشار بطالة الرجال بسبب توظيف النساء أو بسبب الاتكال على التقنيات. وقد نشرت بعض الرائدات في الحركة النسائية الأمريكية كتبا مضادة لعمل المرأة؛ وعلى سبيل المثال فقد استقالت «ديبورا فالوس» مؤلفة كتاب عمل أم «WorK AMother’s» من عملها كمديرة لجامعة أمريكية وتفرغت لتربية أطفالها. أما الكاتبة «جين شرويدل» فقد أصدرت كتابا بعنوان «وحدي في الزحام» تشرح تجربة عمل النساء وسط الرجال وما يتعرضن له من مضايقات غاية في الصعوبة والحرج بالإضافة لضغوط تدبير المنـزل وتربية الأطفال. كما تم شرح ذلك بالتفصيل الدقيق في كتاب بعنوان (الجنس الثالث) للمؤلفة «باتريشيا ماكبروم» التي تؤكد تشرب النساء العاملات بجرعات كبيرة من الذكورة والعدوانية، هـكذا ظهر الجنس الثالث في حضارتنا الحديثة بشكل امرأة يخالط تكوينها وتصرفاتها ومزاجها الكينونة الذكورية. وربما تجدر الإشارة لكتاب «أسطورة تحرير النساء في أمريكا» للكاتبة الأمريكية «سيلفيا هـوليت» التي تستعرض فيه دراسـات عديدة حـول عمـل المرأة وتخرج بنتيجة حتمية ألا وهي استحالة توفر الشروط الملائمة للتوفيق بين تربية النشء بصورة سليمة وبين أداء عمل جاد خارج المنـزل؛ إضافة إلى الضرر الكبير الناتج عن استخدام التقنيات السريعة في الطبخ والتنظيف وغير ذلك. [ ص: 163 ] أما أستاذ العلوم السياسية «أندرو هـاكر» في كلية «كوينـز سيتي» في نيويورك فقد نشر في مجلة المرأة في العدد (77) مقالا مدعما بالأدلة القاطعة حول تراجع المجتمع الأمريكي عن تأييده لعمل المرأة، وذلك نظرا لطغيان سلبيات العمل على الإيجابيات وبالذات في ما يتعلق بالأمومة وصحة المرأة، بالإضافة لعدد من المشاكل الصحية والاقتصادية والسياسية والتربوية التي أثبتت خطورة خروج المرأة لسوق العمل. ومنها أيضا حقوق المرأة التي تم اكتسابها على حساب الرجل الذي عادة ما يفقد فرص العمل (كسكرتير مثلا) مما جعل الكراهية والتنافس البغيض يشتعل بين الجنسين. كذلك قد يشجع عمل المرأة على تفشي النمط الاستهلاكي لميزانية الأسرة، مما يؤدي إلى ميوعة واتكالية النشء، كما يؤدي بشكل غير مباشر لتلوث البيئة، نتيجة الإسراف في استخدام التقنيات والأواني الورقية والحفاظات وغيرها مما يرمى في المزابل بعد استخدامه لمرة واحدة فقط.
وحيث إن داء تقنيات الانحلال لم يستفحل بعد في الدول الإسلامية، فإن دور الحركة النسائية في هـذه الدول هـو التصدي لعمل المرأة دون ضرورة، جريا وراء ما يسمى بالحرية والمساواة وحقوق المرأة التي قد تشمل ممارسة الجنس وفي الإجهاض وغيرها من القيم الغربية، التي يظن بعضهم أنها قد تطغى على المرجعية الإسلامية تحت بريق حجج خادعة ومغلفة بالأوهام والأحلام الوردية للنساء [1] . [ ص: 164 ]