الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            التقنيات الحديثة (فوائد وأضرار) (دراسة للتأثيرات السلبية على صحة الفرد)

            الأستاذ الدكتور / شعاع اليوسف

            - الانسياق وراء التقنيات الحديثة مهما كانت أضرارها:

            يواجه الفرد في الحضارة الحديثة أزمات اقتصادية كثيرة من أهمها أزمة عالم الوفرة وأزمة التنوع غير المحدود للمنتجات مما يوقعه في حبائل الإسراف والحيرة في آن واحد. واليوم يزداد التنافس التجاري، ويظهر في تنوع طرق [ ص: 178 ] العرض ومنها خفض الأسعار، أو تقديم الجوائز والكوبونات والهدايا المرتبطة بالسلع المختلفة. هـكذا باتت البيوت ومكاتب الشركات والمؤسسات مليئة بأغراض ليست ضرورية، بل إن أكواما منها ومن الملابس ترمى يوميا في حاويات القمامة. ومن الملاحظ تفشي ظاهرة إدمان التسوق بين الناشئة والمراهقين، وهي ظاهرة خطيرة جدا نظرا لاستنفادها الوقت والجهد والمال. ترى هـل المشاعر المتفشية مثل الشعور بالنقص والإحباط يرجع بعض أسبابها إلى عدم الشعور بالاكتفاء الذاتي من معطيات الحضارة غير المتناهية؟

            وبالرغم من أن الفرد يحصل على ما يريده في معظم الأحيان، إلا أن ظهور منتجات جديدة وبسرعة فائقة قد يثير رغبة الفرد في الحصول على أحدث ابتكار مرة أخرى. هـكذا يعتاد الفرد الرفاهية، ويدخل في دوامة الاستهلاك اللا نهائية، ويتوقع تلقي الجاهز والجديد من كل شئ، كيف بعد ذلك لا تقع الأجيال الحديثة في الميوعة والاتكالية؟ تبدو هـذه المشكلة واضحة للعيان بعد ظهور الثروة النفطية في دول العالم الثالث ، وعليه ظهرت وتكاثرت مجتمعات الرفاه، وهو اتجاه جسد العديد من المعاني الخاطئة والسلوكيات الغريبة التي أوجدت نموذجا اقتصاديا يعتمد على القطاع العام [1] .

            ومن الملاحظ أن المجتمع الحالي قد تخطى مرحلة التركيز على المنتجات الثقيلة وتوجه نحو المنتجات ذات الطبيعة التقنية الدقيقة الموجهة لنظم الخدمات والمعلومات، وكلما زادت دقة التخصص زاد نجاح المنتج في عالم الطلب [ ص: 179 ] والتسوق. ومعظم صناعات اليوم موجهة نحو إنتاج وسائل التغيير المستمر في أنفسنا وفي الطبيعة من حولنا، وربما كان ذلك على حساب بصيرة العقل التي لم تتطور حتى الآن بنفس تطور العلوم المادية الصرفة. لقد أصبح التنوع المكثف للماديات أسرع تنوعا في تاريخ البشرية! وهو نتيجة للحصاد التقني الذي فاق كل ما أنتجته البشرية في القرون الماضية. وقد أدى ذلك إلى أزمة تسمى «التحول إلى الاستهلاك غير المحدود» ثم إلى أزمة تسمى «سرعة الزوال» وأزمة «التجدد السريع»، وجميع هـذه الأزمات تجعل تكيف الفرد صعبا جدا. ولن يستطيع الفرد العادي مسايرة التطور حتى ولو ازدادت سرعته إلى حد معين، وحين يفقد المرء مرونته مع التطور الحالي فسوف تظهر عليه ضروب من ردود الفعل، منها القلق، وعدم الرغبة في التعاون، والعنف، والمرض الجسدي والنفسي، وعلى أقل تقدير الشعور بالكآبة والفتور.

            لقد بدأ الاقتصاد بتقديم السلع الضرورية الجيدة ثم أصبح يقدم خدمات الرفاهية المتنوعة، وفي مرحلة أرقى اتجه الاقتصاد إلى محاربة الفساد الفني والقذارة والضجيج والتلوث بكل أشكاله. لكن في ظل الوفرة المتاحة لغالبية البشر، وفي ظل الصناعات الغذائية المتعددة سوف يتعطل الاقتصاد المبني فقط على تغذية الجسد، وعليه لا بد أن يكون للاقتصاد العالمي دور فعال في توفير غذاء العقل والروح وترضية النفس البشرية من جوانب أخرى. وهاقد بدأ ذلك فعلا بإرضاء الجوانب النفسية لعدد من المنتجات، وكمثال جيد على ذلك السيارة ذات الأزرار المتعددة التي ليس لبعضها فائدة تذكر لكنها [ ص: 180 ] ترضي نفسية المشتري كثيرا. وهكذا سوف ينظر في المستقبل لكل سلعة من حيث أبعادها النفسية بالإضافة لجانب نفعها المادي، ولتلك الأسباب مجتمعة يتجه الفرد اليوم لشراء واقتناء كل ما هـو غريب وغير مألوف. ومن عادة الفرد عدم الاعتراف بالتغيير رغبة منه في الهدوء والسلام، إلا أنه بازدياد التغيرات غير المألوفة فلن يتمكن من إنكارها، وهكذا سوف تخرج الأمور بالتدريج عن سيطرة البشر وسوف تتسارع الأمور الغريبة والطارئة في حياة البشرية مما يجبرها على إعادة النظر في كل شيء.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية