- مضار التقنيات المرتبطة بالضجيج الصوتي والضوضاء
لقد تعددت، في العصـر الراهن، المؤثرات الصوتية وتنوع الضجيج ما بين محركات السيارات وأزيز الطائرات، بالإضافة للأصوات الصادرة من التلفاز والإذاعة والكاسيت والأجهزة المنـزلية وغير ذلك كثير. والملاحظ أنه تبعا لذلك ارتفعت نبرات الأصوات البشرية، وصار الجميع يشكو من الصراخ والضوضاء. وهما مصدران للتلوث الفيزيائي الذي لا يضر براحة الفرد فقط بل ينشر الكثير من الذبذبات المشوشة للسمع، وللجهاز العصبي بصورة خاصة، وما يترتب على ذلك من تأثيرات فسيولوجية سلبية على الجسم؛ حيث يؤدي الضجيج إلى نقص النشاط الحيوي وإلى الإثارة والتوتر والارتباك. كما تصل الضوضاء عبر الألياف العصبية إلى الخلايا العصبية المركزية في المخ فتهيجها، مما يؤدي لأضرار نفسية وصحية قد تؤدي إلى القلق المزمن والتوتر النفسي والاكتئاب وربما الإرهاق المزمن أيضا. ولا شك في أن التأثير السلبي على حيوية الجهاز العصبي هـو السبب المباشر لارتفاع ضغط الدم وبعض الأمراض الأخرى، كما أن الضجيج والضوضاء يؤديان إلى تدني القدرة على الاستيعاب لدى الطلاب.. ويصيب الضجيج كثيرين من سكان المدن بالإرهاق، إلا أن أغلبهم لا يرجعون ذلك إلى تعرضهم إلى الضوضاء ويبحثون عن أسباب أخرى. ولا شك في أن التلوث بالضوضاء والتلوث الكهرومغناطيسي هـما أكبر مشكلتين حضاريتين يعاني منهما الغرب الصناعي اليوم، حيث يلاحق [ ص: 83 ] الضجيج سكان المدن الحديثة في كل مكان، بل وأصبحت بعض العواصم صاخبة بشكل لا يطاق، بسبب الأصوات الصادرة من عشرات الألوف من السيارات ووسائل النقل الأخرى التي تجري في طرقات المدن ولا تنقطع ليلا أو نهارا، وهناك الأصوات الصادرة من آلات الحفر وبعض الآلات الأخرى المستخدمة في أعمال البناء والتشييد ورصف الطرق وإقامة مشاريع الخدمات. ليس ذلك فحسب بل يلحق الضجيج بالإنسان في عقر داره من الأجهزة المنـزلية كالمكانس الكهربائية وخلاطات الفواكه والخضراوات والغسالات ونحوها، هـذا إلى جانب ضوضاء وسائل الإعلام المتعددة وأجهزة الموسيقي الصاخبة.
- دراسات تؤكد أضرار الضوضاء
وقد أكد خبير الضجيج في دائرة البيئة الاتحادية الألمانية أن ضجيج المكائن المستمر يؤدي إلى إصابة أذني العامل بأضرار دائمة ما لم يق نفسه بواسطة كاتمات الصوت. وأشار الباحث إلى وجود أبحاث علمية سابقة تثبت أن زوار «الديسكو» الدائمين يتعرضون إلى أضرار دائمة في الأذن جراء التعرض إلى ضجيج عال بقوة 100 ديسبل (ديسبل - وحدة قياس الضجيج) في كل مرة، في حين أن ضجيج المدن الدائم لا يسبب مثل هـذه الأضرار. وقد سبق للدائرة الاتحادية للبيئة أن قدرت وفاة حوالي ألفي شخص في ألمانيا سنويا بسبب الأمراض الناجمة عن الضجيج. وتعتبر أمراض العمود الفقري الناجمة عن اهتزاز الآلات والضجيج من أهم مضاعفات [ ص: 84 ] الضجيج أيضا. كما تعمل المختبرات الألمانية على تجربة مواد صناعية خاصة تمتص ضجيج المصانع والطرقات السريعة. كما أعلن وزير البيئة الألماني، في عام 2002م، عن رفع الضرائب على الطائرات بسبب دورها في زيادة الضجيج في الأجواء الألمانية. وفي حين تعمل شركات صناعة إطارات السيارات على تطوير بصمات خاصة للإطارات تضمن كبت الضجيج الناجم عن احتكاكها بأرضية الشارع، تعمل المختبرات على تطوير نوع من الأسفلت الذي يضمن تقليل الضجيج الصادر عن الاحتكاك.
وللأسف الشديد فإن الدراسات التي قام بها بعض الباحثين تشير إلى أن المدن الخليجية تعيش أعلى نسب من الضوضاء، هـذا بجانب استخدام الأجهزة الباعثة للموجات الكهرومغناطيسية بكثافة عالية. وقد توصل أحد الباحثين إلى أن مدن المملكة العربية السعودية تعاني من نسبة ضوضاء عالية قد بلغت في بعض مدنها حوالي 80 -90 ديسيبل. والديسيبل كما هـو معروف هـو وحدة قياس شدة الضوضاء، ويبدأ من الصفر حيث تكون الأصوات شديدة الخفوت إلى 130 حيث تكون الأصوات مسببة للألم. وهذه مستويات فادحة الخطورة خاصة إذا ما عرفنا أن معدل الضوضاء في بعض المدن الأميركية والأوروبية حوالي 90 - 95 ديسيبل، وأن معدل الضوضاء يزداد سنويا في مدن المملكة العربية السعودية بمعدل واحد ديسيبل بسبب الزيادة المطردة في وسائل النقل والمواصلات.
وقد قامت سلطنة عمان ضمن خططها الشاملة لحماية البيئة من كل صور التلوث، بتنفيذ مشروعات لمكافحة التلوث بالضوضاء؛ منها تنفيذ [ ص: 85 ] مشروع السيطرة على الضوضاء في أماكن العمل ووضع مجموعة من اللوائح الخاصة بالتلوث، وينطبق ذلك أيضا على الأضرار التي تصيب الأذن جراء الضجيج بهدف مراقبة مستويات الضوضاء والتأكد من بقائها دون الحدود المحظورة دوليا. وواقع الحال يؤكد أن السمع الثقيل والطرش الناجم عن الضجيج لا يزال يتبوأ المرتبة الأولى في قائمة أمراض العمل. وقد رصد في ألمانيا في العام2001م تعرض حوالي6200 عامل إلى ثقل السمع أو الصمم بدرجات مختلفة بسبب الضجيج. ويعمل معظم المتضررين في المصانع الصاخبة وفي استوديوهات الموسيقى وفي أعمال البناء في الطرقات ومختبرات تقنية الأسنان، ولا يقتصر ضرر الضجيج على الصمم فقط بل يؤدي إلى الاكتئاب والعزلة الاجتماعية أيضا.