- تفكك أعضاء الجسم والتقنيات الحديثة

ما مدى تفكك أعضاء الإنسان في ظل تقنيات الحضارة الحديثة؟

إن عصر المعلومات اليوم قائم على موجات البث أو الموجات الكهرومغناطيسية السلكية واللاسلكية، تلك التي في قوتها كالزوبعة غير المرئية المخترقة لأعضاء الكائن الحي؛ وبالمقارنة فإن موجات الطاقة الطبيعية سارية كالنسيم، تلك التي تحمل الرسائل بين أعضاء الكائن الحي لتنظيم الوظائف الحيوية؛ وحينما نعرض النسيم الهادئ لزوبعة فمن المتوقع أن تكون النتيجة عدم انتظام رسائل الوظائف الحيوية السارية في الجسد وبالتالي هـدم جهاز المناعة وتجريده من أسلحته. لقد أصبح الغلاف الجوي للكرة الأرضية مشبع بهذه الموجات إلى الحد الذي لن يستطيع جهاز المناعة عنده التحـمل أو الإبقاء على الحياة! ومن هـنا لا بد من تدارك هـذه الأخطار بأقصى حدود السرعة الممكنة. وهذا ما يحاول علم الهندسة الحيوية Biogeiomtry القيام به، من معالجة لتقنيات العصر بأساليب من الوقاية المبسطة حتى يحول حضارتنا الحالية من حضارة مدمرة للجنس البشري إلى حضارة رقي وبناء.

نعم لقد فككت تقنيات الحضارة الحديثة أعضاء الإنسان، فأصبحت تعمل دون انسجام أو توافق.. ويعتقد المفكر أبشتين ^[1] بأن الحضارة الرأسمالية الحديثة تحديدا هـي التي تقسم الجسد إلى أجزاء وتفصل هـذه [ ص: 99 ] الأجزاء من بعضها بنجاح تام؛ إن فصل العين عن الأذن يظهر بوضوح حينما نجلس أمام شاشة الحاسوب نعمل في برنامج ما وفي نفس الوقت تصغي الأذن إلى ما يقوله الراديو أو تستمع إلى أغنية عبر السماعات المعلقة! كذلك قد تنفصل القدم عن الأذن وعن العين أيضا عندما تمشي القدم على شاطئ البحر ولا تصل لآذاننا أصوات أمواجه الهادرة، ولكن لماذا؟ لأننا ننصت إلى حديث يبثه المذياع عبر سماعات الراديو بينما أعيننا تراقب شيئا لا علاقة له بالبحر، وقد يكون الفكر مستغرق في شأن مختلف تماما! ولن يكون الفرد في حالة سليمة حتى تندمج الحواس كلها مع العقل في تناغم واحد، عندها فقط يصل الفرد للسعادة والاستقرار؛ فهل يمكن عودة هـذا الشعور المتوحد بعد غيابه طويلا في ظل حضارتنا الحديثة؟

إن الفرد المفصوم يطلق الآن صرخة نداء مدوية محاولا تجميع أشلائه في وحدة واحدة! ولكن هـذا الإنسان لن يكون هـو الفرد القديم بأي حال من الأحوال بل ربما يظهر له تكوين جديد، فما هـو؟ ربما يصبح هـذا التكوين الجديد هـو إنسان عصر نهضة حديثة تسمى العولمة ؟ تلك الحضارة التي تمضي أبعد فأبعد على طريق التخصص وزيادة التخصص وتخصص التخصص والاصطناعية وزيادة الاصطناعية وهكذا إلى ما لا نهائية ^[2] .

وحتى هـذه اللحظة لم يستطع الفرد الحديث جمع شتات فكره؛ لأنه ببساطة لم يتمكن من الربط والموازنة بين ثقافة الأجهزة وقدرة أعضاء جسمه المحدودة. إن الأدلة على ذلك واضحة وجلية، لقد تعطلت ملايين [ ص: 100 ] الأيادي بسبب طغيان الآلة، وضعفت الأبصار بسبب استخدام العدسات اللاصقة الملونة وعدسات التكبير المجهرية وغيرها من محسنات الرؤية. وقد ثبت علميا أن الإدمان على استخدام الحاسوب يسبب ضمور أصابع اليد وعظام الرسغ؛ هـكذا تضمر أيضا خلايا الدماغ بسبب ضعف التخزين وقلة الاستعمال. وقد أهملت قدرات العقل البشري فعلا، فهو لا يجد الوقت الكافي لجمع المعلومات وتحليلها، بل أصبح العقل يعتمد على الحاسوب والإنترنت والوسائط المعلوماتية الأخرى. أما الأدهى والأمر من ذلك فهو أن أعضاء الفرد السليمة لم تعد كافية للقيام بالمهام الإنسانية بل أصبحت الاستعانة بالفاكس والحاسوب ضرورية كأعضاء إضافية للفرد.

وقد ساعد ذلك بدوره على فك ارتباط الأعضاء بعضها ببعض في الجسد الواحد، فهذه الأجهزة أصبحت بدائل مكملة لتعويض الضعف الحاصل لأعضاء الجسد بعد أن تشبعت بالمعرفة وأصيبت بالصدمة. وقد تضافرت الأعضاء البشرية مع الأجهزة وتوسطت في حساباتها الداخلية لتصبح جزءا منها، وكمثال على ذلك فإنه يمكن اعتبار أصابع اليد والعين البشرية أجزاء من الحاسوب التي لا يمكنه العمل بدونها! هـكذا أصبحت الثقافة التي تنتقل إلينا عبر الأجهزة الحديثة هـي أجزاء مقطعة من الجسد مثل أجزاء الماكينة التي يمكننا تفكيكها وإعادة تركيبها بل ويمكن تجميعها وتبديل قطعها مع أعضاء الجسد، وليس من قبيل الصدفة أن يتزامن ذلك مع ظهور قطع الغيار الآلية التي تحـكمت في أجسـام البشر منذ زمن ليس بالقصير، [ ص: 101 ] مما جعل بعض الأفراد مزيجا من الإنسان والآلة. ومن الملاحظ أن الجسد الواحد قد يتم ترقيعه بقطع من البلاتين وقطع أخرى من جسد حي آخر في نفس الوقت بل وربما في نفس الموضع ^[3] .

ونضرب أمثلة على تداخل التقنيات مع الجسد الإنساني كما يأتي:

1- تطوير أسلحة تؤثر على التصرف البشري

سعت الولايات المتحدة لتطوير أسلحة تؤثر على التصرف البشري غير أنها تخلت عن البرنامج الذي اعتبر مخالفا للتشريعات الدولية وفق ما أوضحت لجنة علمية بإدارة الحكومة الأميركية. وقد وردت هـذه المعلومات في تقرير صدر في حوالي (250) صفحة حول الأسلحة غير القاتلة وتم نشره من خلال المجلس الوطني للأبحاث. وقد شجع هـذا المجلس ووزارة الدفاع الأميركية على معاودة دراسة هـذه الأسلحة تحسبا لاحتمال تورط القوات الأميركية في معارك داخل المدن في إطار حملة مكافحة الإرهاب. وبحسب هـذه الوثيقة فإن الأبحاث حول الأسلحة التي تؤثر على التصرف قد جرت قبل خمس عشرة عاما في مواقع عسكرية في ميريلاند واستخدمت فيها بصورة خاصة مواد «مهدئة» مشتقة من مادة الفنتانيل. وقد اعتبرت اللجنة العلمية هـذا البرنامج «ذا مغزى» من دون أن تكشف عن تفاصيله التي صنفت في فئة المعلومات السرية. وينص التقرير على أن السلطات العسكرية العليا بحثت مرارا في احتمال استخدام مثل هـذه «المواد المهدئة» وخلصت إلى أن هـذه المواد [ ص: 102 ] بشكلها الحالي ستكون مخالفة للمعاهدة حول الأسلحة الكيميائية الموقعة عام 1997م. وعندها أصدر المجلس بيانا يؤكد بأن التأثيرات الفيزيولوجية لجميع المواد المهدئة التي تم النظر فيها تؤدي إلى انهيار النظام العصبي المركزي ويرافق ذلك تبدل في التصرف وانهيار في الجهاز التنفسي.

2- مجسات استشعار لالتقاط نشاط الدماغ البشري من بعد

في خطوة قد تفتح مشاكل كبرى في التحكم بالعقل البشري طور علماء بريطانيون مجسا للاستشعار بإمكانه التقاط وتسجيل موجات الدماغ البشري دون الحاجة إلى وضع الأقطاب على الرأس أو إدخال الإبر الصغيرة في مواقع منه، كما هـو الحال في التقنيات الحالية للتسجيل الكهربائي لنشاط الدماغ. وقد نجح باحثون في مركز إلكترونيات الفيزياء بجامعة «ساسكس» في تصميم المجس الذي يقيس شدة المجال الكهربائي للدماغ بدلا من تسجيل شدة التيار الكهربائي الذي يتم عادة لدى مرور التيار بالأقطاب. كما نقل موقع «بي بي سي» الإنجليزي في المركز بأن عمل أجهزة المسح المتوفرة ناجح جدا لدى دراسة وظائف أعضاء الجسم الثابتة، إلا أن الأجـهزة قد لا تنجح في دراسة التيارات المتغيرة دائما في الجسم البشري كما هـو الحال في الدماغ. المجس الجديد قد يكون أكثر سلامة؛ لأنه لا يعتمد على التدخل في الجسم البشري، بل يمكن في المستقبل القريب استقبال إشارات دماغية عبر المجس لإرسالها إلى الآلات كأوامر للعمل؛ لكن ذلك دون شك يحول الجسم البشري إلى خليط من الذبذبات والإشارات والمتداخلات التي لا بد أن تنقلب وبالا عليه. [ ص: 103 ]

3- تصمم حاسوبين ينافسان عقل الإنسان

قامت شركة «آي. بي. إم» ببناء جهازي حاسوب فائقي القدرة يستطيعان منافسة إمكانات المعالجة التي يتمتع بها عقل الإنسان، أو حتى التفوق عليها، على حد تعبير الشركة. ومن المتوقع أن تزيد سرعة الجهازين إذا اجتمعا معا بخمسمائة ضعف عن أفضل الأجهزة المتوفرة حاليا. أول هـذين الجهازين أطلق عليه اسم «آسكي بيربل، ASCI Purple» ويستخدم لتمثيل ومحاكاة الاختبارات النووية، حيث سيكون بمقدوره إكمال 100 ألف مليار (100 تيرافلوب) عملية حسابية في الثانية الواحدة، أي ما يمكن مقارنته بقدرة عقل الإنسان. ويعتمد على 12544 معالجا من معالجات «باور5» الذي تنتجه «آي. بي. إم» نفسها، أما سعة التخزين في هـذا الجهاز فتصل إلى 2 بيتابايت «Petabytes» أو ما يمكن أن يخزن محتويات 30 مكتبة بحجم مكتبة الكونغرس. أما الجهاز الثاني فظهر عام 2005م، وأطلق عليه اسم «بلو جين/إل، Blue Gene/L»، ويفوق الأول بقدرته، إذ سيكون بإمكانه إكمال 360 تيرافلوب عملية حسابية في الثانية الواحدة، وسيعمل بنظام التشغيل «لينكس»، ويتوقع أن يستخدم لتحليل الزلازل والمساعدة في التنقيب عن النفط، ودراسة التغيرات المناخية على مستوى العالم، وأثر التلوث على البيئة. والجدير بالذكر أن أقوى جهاز حاسوب حتى الآن هـو الذي بنته شركة «إن. إي. سي» اليابانية، وتطلق عليه اسم «arth Simulator» الذي يحقق 40 تيرافلوب عملية في الثانية. [ ص: 104 ] ثم يليه في القدرة جهازان من أجهزة «كراي» تنتجهما شركة «هيولت باكرد»، وكلتا الشركتين تسعيان إلى الوصول إلى قدرات توازي قدرات أجهزة «آي. بي. إم» الجديدة. والجهازان الجديدان لن يستطيعا القيام بعمل عقل الإنسان الذي يصعب تقدير القدرة الحقيقية له بسبب أنهما لن يكونا مزودين بالوعي والإدراك اللذين يميزان عقل الإنسان، كما أنهما لن يزودا أصلا بقدرات الذكاء الاصطناعي. ويؤكد العلماء أنهم ما زالوا بعيدين جدا عن اختراع حاسوب يستطيع أن يحاكي قدرات عقل حيوان بسيط كالفأر!

4- ربط العقل مباشرة بالحاسوب

ليس من المستبعد أن يكون هـناك من بين مستخدمي الحاسوب من يحلم أنه لو يستطيع ربط عقله مباشرة بالحاسوب كي يتحرر من قيود لوحة الكتابة وحروفها وفأرته، أما بالنسبة للمصابين بالشلل الكلي فإن قدرة ربط الدماغ بالحاسوب ستمنحهم من جديد بعدا حياتيا شاملا. وإذا حدث أن استطاع المصابون بعاهات جسدية أن يتحكموا بالحاسوب من خلال أفكارهم فقط، فإنهم سيكونون قادرين على فتح أزرار المصابيح والتلفاز بل حتى الذراع الروبوتية. وقد تمكن الباحثون، عن طريق ربط أدمغة المرضى مباشرة بالحاسوب، من تسجيل تحسن في قدرتهم على التحكم بمؤشر الحاسوب. وقد تحقق، ضمن هـذا المجال، تقدم كبير خلال السنوات الخمس الأخيرة، ونشر أكثر من نصف البحوث العلمية المقدمة في هـذا الموضوع خلال العامين الأخيرين. ويحتل مركز «سايبركينتيكس، [ ص: 105 ] CyberKenetics» الصدارة في مجال البحوث المكرسة لتقنية «ربط الحاسوب بالدماغ» (بي. سي. آي.) . وقد قامت هـذه المؤسسة بتسجيل أول مرضاها لاختبار نظام «برين غيت، BrainGate» في دراسة سريرية. ومن كرسيه المتحرك أصبح المريض قادرا على فتح رسائله الإلكترونية وتبديل محطات التلفاز وإشعال المصابيح واستخدام ألعاب الحاسوب، كل ذلك تم باستخدام قدرة تفكيره فقط بينما بقي معتمدا دائما على جهاز للتنفس الصناعي. ولتحقيق التواصل بين عقل المريض والحاسوب تم زرع جهاز تحت الجمجمة في القشرة العصبية، يحتوي على رقاقة إلكترونية تبلغ أبعادها 2 ملم في 2 ملم، وتحتوي على 100 قطب كهربائي. وربط الجراحون هـذه المجموعة من الأقطاب بخلايا عصبية تقع داخل القشرة العصبية التي تقع في منطقة الدماغ المحددة فوق الأذن اليمنى. وترتبط مجموعة الأقطاب بقابس كهربائي عبر سلك ناتئ من قمة الرأس. وتنقل الأقطاب المعلومات من 50 إلى 150 خلية عصبية عبر كابل للألياف البصرية إلى جهاز بحجم كاسيت الفيديو يقوم بتحويلها إلى نظام رقمي. ثم يقوم كابل آخر مربوط بين جهاز الترقيم إلى الحاسوب بترجمة الإشارات. لكن بعض الباحثين يعملون على تطوير أجهزة ربط بين الحاسوب والدماغ تكون أكثر بساطة. ونشر «جوناثان» و «ولباو» في مركز «وادزورث» بنيويورك بحثا في ديسمبر (كانون الأول) 2004 في مجلة الأكاديمية القومية للعلوم يوضح أن جهازه غير المقتحم للدماغ، يحقق أغراضه من خلال توظيف قبعة قادرة [ ص: 106 ] على التقاط إشارات الدماغ، بدلا من غرز جهاز داخل الدماغ. ويفضل المرضى والأطباء على حد سواء عدم فتح الجمجمة، بهدف زرع جهاز لربط الدماغ بالحاسوب (بي. سي. آي.) . لكن ليس واضحا حتى الآن ما إذا كان وجود هـذا الجهاز خارج الرأس سيمتلك نفس الجودة التي توفرها الأجهزة المزروعة في الدماغ من ناحية التقاط موجاته. أما الذين فقدوا القدرة على استخدام أذرعتهم أو سيقانهم مثلا بسبب الحوادث، فهم لا يرغبون في أي شيء يزرع داخل جمجمتهم، وسيكون من الأفضل أن يحصلوا على أجهزة لا تخترق رءوسهم، إلا إذا كانت قادرة فعلا على تحسين الأنشطة الدماغية بشكل كبير جدا. وقد يمتلك الجهاز الرابط بين الدماغ والحاسوب من الخارج فوائده الخاصة؛ لأنه قادر على التقاط إشارات من الكثير من مواقع الدماغ بدلا من منطقة محددة بالذات.

وهناك شركة خاصة تسمى «نيوترال سيغنالز» طورت جهازا يربط الدماغ بالحاسوب، من خلال صنع جهاز على شكل برغي صغير يتم زرعه تحت الجمجمة بمليمترين. وحصل هـذا الجهاز، الذي يبلغ سعره 50 ألف دولار، على موافقة وكالة الأغذية والعقاقير الأمريكية المسئولة عن منح تراخيص الابتكارات الطبية والأطعمة الجديدة. وأفضل المرضى المرشحين لاستخدام هـذا الجهاز هـم أولئك العاجزون عن القيام بأية حركة جسدية مثل أولئك المصابين بمرض عجز العضلات. ويسمح هـذا الجهاز للمرضى بتحريك مؤشر الحاسوب وفتح الأزرار الكهربائية وغلقها. [ ص: 107 ]

5- ملابس «كهربائية» لمواكبة احتياجات العصر الإلكتروني!

لقد ظهرت أنواع من «الكهرونسيج» تحدد الموقع الجسدي وتقيس ضغط الدم مع تغير ألوانها وأشكالها! و «قماش - مجس» مطور لرجال مكافحة الحريق حيث يستشعر الجسد البشري ويقيس نبضات القلب وحرارة الجسد ويبثها لاسلكيا لحاسوب عبر جهاز يشبه جهاز المنادي مثبت بالقماش! ويختار المصممون عادة الأنسجة وفقا لجمالها أو متانتها أو ثمنها، ولكن بإمكانهم اليوم أن يختاروا الأنسجة وفقا لقدرتها على توصيل الكهرباء! بل تنتج بعض الشركات بما فيها شركة «دوبونت»، أنسجة يمكنها بث الإشارات أو تمرير التيارات الكهربائية.

ويتم حياكة هـذه الأنسجة المصنوعة من ألياف صناعية أو معدنية في القطن أو البوليستر لتنتج نوعا جديدا من القماش الكهربائي يعرف باسم «الكهرونسيج». وقد أمكن وصل ألياف «الكهرونسيج» برقائق وبطاريات لتكوين دوائر يمكنها يوما ما أن تطـبق عددا كبيرا من الاستخدامات. وعلى سبيل المثال إذا استخدم «الكهرونسيج» في فرش مقاعد السيارات فإنه من الممكن أن يقيس وزن الراكب ويقوم بالتالي بتعديل قوة كيس الهواء وفقا للوزن. ويمكن تصميم أقمشة تحتوي على جهاز لتحديد الموقع ومجسات لقياس ضغط الدم وأقمشة يمكنها أن تغير لونها ونمطها. وحتى الآن تقتصر تقنية الكهرونسيج على الاستخدامات العسكرية مثل الهوائيات المنسوجة في زي الجنود. [ ص: 108 ]

6- صفائح من التيتانيوم لرتق الثقوب في جمجمة البشر

تصنع من سبائك رقيقة متينة خفيفة الوزن وتتوافق بيولوجيا مع الجسم البشري! مهندسون وجراحون ألمان يصممون جهازا لتفصيل قطع الدماغ المطلوبة حسب المواصفات بدقة متناهية يقل الفرق بينها عن أجزاء المليمتر:

يضطر الجراحون في العديد من الحالات المرضية إلى رفع جزء من جمجمة المريض بغية تخفيف الضغط المسلط على الدماغ، أو بهدف تخليص المريض من سرطان في الدماغ قد وصل إلى العظم. إلا أن الطب يواجه مصاعب جمة في إعادة لحم هـذه الثقوب أو في إعادة لحم الجزء المرفوع إلى مكانه، بالنظر لتعذر نمو العظام من جديد بما يكفي لستر الجزء المكشوف من الدماغ أو بسبب ظاهرة رفض الجسم للأجزاء المزروعة. ويرى مهندسو وجراحو جامعة «الرور» الألمانية أنهم نجحوا في التوصل إلى حل يكفل تسهيل مهمات الجراحين ويتيح للمصابين إمكانية مواصلة الحياة بنوعية أفضل. وتعتمد التقنية الألمانية الجديدة لسد الثغرات في الجمجمة على نوع جديد من سبائك معدن التياتانيوم المنسجم «Bio Compatible » مع جسم الإنسان حيث تتوافق بيولوجيا معه، وهي صفائح رقيقة متينة وخفيفة الوزن ومن الممكن تصميمها حسب مواصفات الجزء المفقود من الجمجمة كما يمكن الحجز عليها من كل أنحاء العالم بواسطة البريد الإلكتروني. ومن خلال هـذه الصفائح يمكن تسريع عملية شفاء الجروح الناجمة عن عمليات الدماغ وتحسين حياة المرضى بشكل خاص، وعادة ما يلجأ الجراحون إلى إزالة جزء من عظام الجمجمة التي تغطي الدماغ في حالة تعرض المريض إلى [ ص: 109 ] نزيف حاد في الدماغ، فهي الطريقة المثلى لتخفيف الضغط مؤقتا عن الدماغ. كما يضطر الأطباء لإزالة جزء من الجمجمة في حالة تدخلهم الجراحي لإزالة السرطان الدماغي وهو ما يتطلب ترك الفتحة على حالها أو وضع غلاف خارجي لحماية الدماغ من الحوادث. هـذه الصفائح متناهية الدقة يقل الفرق بينها عن أجزاء المليمتر. وتتطلب الحالة من الجراح إرسال معطيات المسح الحاسوبي الدماغي إلى جامعة «الرور»كي يستطيع الخبراء على أساسها تفصيل القطعة الناقصة حسب المواصفات. ومن الممكن في الحالات الاضطرارية إرسال هـذه المعطيات بواسطة البريد الإلكتروني ليتولى حاسوب خاص رسم قالب قطعة الجمجمة المطلوبة.. كما يزود الخبراء القطعة بثقب صغير مغطى قد ينفع لاحقا في عمليات نزح أو تصريف الدماء والسوائل التي قد تتجمع تحت القطعة. وبالرغم من تلك الفوائد إلا أن نتائجها السلبية لم تدرس بعد وقد تكون أسوأ مما كان يتوقع!

7- بطاريات للأجهزة الطبية المزروعة في الأعضاء تعمل على حرارة وطاقة الجسم نفسه!

تواجه الأجهزة الطبية المزروعة في الجسم، مثل بطاريات القلب ومنظمات الأنسولين وغيرها من الأجهزة مشكلة كبيرة، وهي نفاد الطاقة الحرارية لها، وهذا ما يضطر الأطباء إلى تبديل تلك الأجهزة من خلال إجراء عملية أخرى.. وقد قامت شركة أميركية في نيويورك بإنتاج أجهزة طبية ذات بطاريات لها القدرة على استخدام طاقة وحرارة الجسم نفسه، خاصة أن حرارة جسم الإنسان ثابتة وهي بمعدل 37 درجة مئوية. يكمن مبدأ [ ص: 110 ] هذه الفكرة بتزويد البطارية بسلك حراري له القدرة على إعادة شحن البطارية من الجسم، أو يمكن إنتاج بطارية بيولوجية توصل مع الدورة الدموية وتستهلك المواد الحرارية الموجودة في الدم، أو تحول الأغذية الأساسية مثل السـكر والشحـوم إلى طاقة. والأجهزة الحـالية تعمل لمدة لا تتجاوز العشر سنوات وهي تعمل على طاقة اللينيوم التي لا تخلو من الاختلاطات؛ لأنها مصنفة ضمن الطاقة النووية التي يمكن أن تتسرب إلى الخلايا والنسيج وتؤذي المنطقة المزروعة فيها. وسوف يقلل إنتاج أجهزة ذات بطارية دائمة الحاجة لإخضاع المرضى إلى عمليات أخرى من أجل تبديل تلك الأجهزة، إضافة إلى إمكانية التحكم بالطاقة بشكل أفضل من خلال الأجهزة الجديدة. البطاريات القلبية تلعب دورا مهما في إنقاذ حياة المرضى الذين يعانون من بطء قلبي أو اضطرابات نظم قلبية أو الذين لديهم القابلية لحدوث توقف القلب المفاجئ، كما أن البطاريات الحديثة مزودة بجهاز صدمة يمكنه أن يعمل عند توقف القلب.

8- شريحة حاسوب مبصرة تقلد وظائف العين البشرية

ربما تصبح إعادة البصر إلى المكفوفين واقعا ملموسا خلال الأعوام القليلة المقبلة! هـذا ما نشره معهد «إيلينوي» للتقنية في أمريكا ، الذي يقود الآن أكثر الدراسات تقدما في هـذا المجال. وعند إجراء التجارب على الحيوانات نجحت عمليات النقل الإلكتروني للصور والمشاهد إلى الغلاف الخارجي للمخ، ومن المقرر أن تبدأ التجارب على الإنسان خلال شهور معدودة. [ ص: 111 ] وفي الثالث من فبراير 2005م أعلن الجراحون الألمان، من جانبهم، أن بوسعهم إعادة النور إلى عيون المكفوفين بمساعدة رقاقة إلكترونية غاية في الصغر تزرع تحت الشبكية. ويخطط الجراحون في عيادة العيون في جامعة «توبنغن» بألمانيا، لإجراء سلسلة من عمليات الزرع المذكورة وبالتالي تحقيق «رؤية»، طالما حلم المكفوفون بها. ويأمل الفريق في إعادة الأمل إلى 25% من 130 ألف مكفوف ألماني، ممن يعانون من العمى بسبب أمراض الشبكية التنكسية، مثل التهاب الشبكية الصباغي الوراثي «Retinitis Pigmentosa»، إذ من الممكن مساعدة المرضى المعانين من هـذه الحالات في استعادة النظر شريطة ألا يكون عصب العين الرئيسي مصابا بسبب حادث أو ورم أو ما شابه. مثل هـذه الرقاقة قد تم زرعها في عيون الحيوانات المختبرية، وثبت أن أجسام هـذه الحيوانات تقبلتها ولم تلفظها. كما أثبتت الفحوصات الإلكترونية أن الرقاقة أدت عملها من خلال تحويل الإيعاز الضوئي إلى إيعاز كهربائي ينتقل إلى الدماغ. وقد تم البدء بزرع الرقاقة في عيون المكفوفين، نتيجة التهاب الشبكية التنكسي، كما تم تصميم الرقاقة الإلكترونية بشكل يؤهلها لتعويض ما فقدته شبكية العين من «مخاريط» و «نبابيت» (مثل الأنابيب) ، وهي الوحدات البيولوجية التي تقرأ إيعازات الضوء وتنقلها إلى الدماغ، ويتم زرعها تحت الشبكية من خلال عملية دقيقة تدوم عدة ساعات. وتعمل الوحدات التقنية منذ الآن على إنتاج الأجيال المتطورة القادمة من الرقاقة. والجيل الحالي من الرقائق مصمم لمساعدة المرضى على الرؤية بدقة تبلغ 0.05، وهي درجة تكفيهم لتمييز الأشياء في محيطهم والتحرك بمفردهم في محيط غريب دون الحاجة لمساعدة أحد. [ ص: 112 ]

9- نظارة ذكية تسترجع المعلومات وتصنفها ثم تعيدها إلى مستخدمها

في عام 2003م تم تطوير نظارة في أمريكا تحمل شريحة إلكترونية في إطارها، تحفظ ذاكرة تعين لابسها على استذكار المعالم والأشياء. وتعمل الكاميرا بدورها بمساعدة حاسوب جوال، وتستخدم للأغراض الطبية وخصوصا لمساعدة المصابين بوهن الذاكرة. لكن في العام 2004م تم اختراع نظارة ذكية بذاكرة تسترجع المعلومات وتصنفها ثم تعمل على إعادتها لاحقا إلى مستخدمها؛ وقد نجح العلماء الألمان في تطوير ذاكرة افتراضية يحملها الإنسان على أذنيه بشكل نظارات وتعينه في مختلف الأعمال التي تعتمد الذاكرة. الذاكرة المحمولة قد صممت أساسا للاستفادة منها في فروع الإنتاج الصناعي، إلا أنها تعين المستخدم أيضا في تذكر أين وضع مفتاح شقته، أو في أي ركن من المرآب الكبير ترك سيارته. ويمكن للنظارات الذكية مستقبلا، بعد تطوير برامج خاصة ملحقة، أن تعين السائق في كشف المخاطر الطارئة على الطريق أو في البحث عن الشوارع بواسطة نظام تحديد المواقع من الأقمار الصناعية. وستجد النظارة الذكية تطبيقاتها أساسا في قطاعات نصب الأجهزة الإلكترونية؛ لأنها تحفظ خطوات العمل ثم تعيدها مجددا، إن هـذا يؤهل أحد مصلحي السيارات مثلا، لتفكيك جزء من السيارة بشكل منهجي دون أن يصنفها أو يرقمها, ثم يعيد تركيبها بالتسلسل بمساعدة النظارة. وهذا يعني أن من الممكن تصوير شيء بواسطة الحاسوب ومنحه اسما ثم حفظه، لتنقل المعلومات لاحقا من الحاسوب إلى ذاكرة الكاميرا الذكية كي تعينه في التعرف على الشيء. ومن الطبيعي أن [ ص: 113 ] تعمل الكاميرا بصحبة حاسوب جوال صغير خفيف الوزن يتيح للمستخدم تصوير الأشياء آنيا وحفظها في النظارة للاستفادة منها لاحقا.

كما يطرح للبيع حاليا، وفي أول مزاد للتقنية الحديثة في العالم، ما يصفه مسئولو الترويج بأنه فتح تقني جديد يمكنه عمل كل شيء، من زيادة درجة الأمان في قيادة السيارات إلى انتقاء الثمار الناضجة وقت جمع المحاصيل! إنها شريحة حاسوب مبصرة تقلد وظائف العين البشرية، من إنتاج شركة للدراسات البصرية، وهي شركة بحوث فرنسية خاصة. والشريحة التي تشبه عين الإنسان في قدرتها على التمييز بين الألوان ورصد الحركة يمكنها تنفيذ نحو 20 مليار أمر في الثانية، مقارنة مع بضعة ملايين فقط تنفذها معالجات الحاسوب، ويمكن إنتاج الشريحة بكميات كبيرة بكلفة ستة دولارات للقطعة.

10- محاولات لتحقيق اندماج الجسم البشري والحاسوب

إدماج الجسم البشري مع الحاسوب يمهد الطريق إلى الاندماج بين المعالجات الذكية والذات الإنسانية! وهواتف جوالة تزرع في الأرجل وحواسيب في الركبة بنظم لتحديد الموقع العالمي:

يعد استخدام الهواتف الجوالة الصغيرة والآلات الشخصية الدقيقة وأجهزة عرض الفيديو الرقمي الجوالة شيئا جميلا، غير أنه بالإمكان جعل هـذه الأجهزة أخف وزنا إذا زرعت جراحيا تحت جلد بشرة الإنسان في منطقة القدم. لقد مهدت لهذه الفكرة شركة «ابلايد ديجيتال سولوشن» ومقرها مدينة «بالم بيتش» في ولاية فلوريدا الأميركية ، وقد بدأت برنامجا يعتمد على زرع رقائق تحت جـلد الإنسان واستخدام تقنية التعريف [ ص: 114 ] بالهوية الشخصية بالموجات اللاسلكية، التي استعملت من قبل في أجهزة «أي - زيباس»، وقد كانت الرقائق القابلة للزرع قد استخدمت منذ سنوات لاقتفاء آثار الحيوانات الأليفة. ويبلغ حجم الرقيقة التي أطلق عليها اسم «فيري تشيب»، حجم حبة الأرز وتحمل عددا يسند إلى حاملها. وتعتقد الشركة أن الرقيقة ستمكن الأشخاص المؤهلين فقط من الإطلاع على أي معلومات ضرورية. كما يتوقع أن تسهل الرقيقة المذكورة الدخول إلى قاعدة البيانات الشخصية مثل الملفات الطبية.

وهنا نقول: إن أجسادنا إذا أخضعناها إلى مادة السيليكون، عندها تكون الاحتمالات الضارة لا نهاية لها، بل قد ينتهي الوجود الإنساني بالمعنى الحقيقي. أما تقنيات «النانو، Nanotechnology» (التقنيات المتناهية في الصغر) ، فلم تعد من باب الخيال العلمي، بل أصبحت حقيقة واقعة تحظى باهتمام العديد من دول العالم المتقدمة، إذ إنها تبشر بثورة علمية جديدة في المستقبل القريب في شتى مجالات الحياة. هـذا الاكتشاف يعتبر من الاكتشافات الثورية التي أسست لفرع جديد في الكيمياء يسمى «كيمياء الذرات المنفردة» ، والذي يمهد بدوره لطفرة طبية سوف تسهم في علاج العديد من الأمراض التي وقف العلم عاجزا أمامها سنوات طويلة.

تقنية «النانو» هـي تقنية مستحدثة، وكلمة «النانو» مشتقة من كلمة «نانوس» الأغريقية وتعني القزم، ونستخدمها اليوم للدلالة على واحد من المليار من المتر، ويتعامل العلماء والمهندسون مع المادة في هـذا المقياس على مستوى دقيق جدا، أي على مستوى الذرات والجزيئيات النانونية، ليس لبناء [ ص: 115 ] أجهزة نانونية فحسب، بل لخلق مواد جديدة ذات ترتيبات وتجمعات وخصائص مبتكرة، تفتح آفاقا جديدة في العلوم والتقنية، منها: إمكانية تحريك الذرات والجزيئيات بدقة لإحداث تفاعلات كيميائية، مما يؤدي إلى تصنيع أو تعديل بعض الجزيئيات الأحيائية المهمة. وتتمثل قاعدة التقنيات النانوية العلمية في مسألتين: الأولى بناء المواد بدقة من لبنات صغيرة، والحرص على الصغر يؤدي إلى مادة خالية من الشوائب ومستوى أعلى جدا من الجودة والتشغيل.. والثانية أن خصائص المواد قد تتغير بصورة مدهشة عندما تتجزأ إلى قطع أصغر وأصغر، وخصوصا عند الوصول إلى مقياس «النانو» أو أقل، عندها قد تبدأ الحبيبات النانونية في إظهار خصائص غير متوقعة، ولم تعرف من قبل، أي غير موجودة في خصائص المادة الأم.

إن تطبيقات تقنيات «النانو» في الطب والعلاج كثيرة ومتعددة، ويتركز أهمها في مجال تشخيص الأمراض وإيجاد الأدوية المناسبة الفعالة. وهناك تطبيقات مهمة مرتقبة لاستعمال الحبيبات النانونية المضيئة، في مجال تشخيص الأمراض، مثل حبيبات السليكون أو الكادميوم ككاشف ومعلم ضوئي للمواد الحيوية، وما يرجى من هـذه الحبيبات هـو إيجاد حل للمساوئ والمشاكل التي تعترض الطرق المستعملة حاليا للتشخيص باستخدام الأصبغة العضوية، ويتوقع إذا ما حلت الحبيبات محل الأصبغة أن تعطي حساسية وسلامة وقدرة أعلى في التفريق بين المواد الحيوية، وأيضا سرعة أعلى في إعطاء النتيجة وأخذ القرار، وهو ما سيقلل من الوقت والجهد والتكلفة. [ ص: 116 ] لكن ظهرت الكثير من المخاوف المشروعة من استخدام تقنيات «النانو»، وذلك بسبب إمـكانات التدخل في المركبات الحيوية للإنسان. إن تقنيات «النانو» سلاح ذو حـدين، فهناك إمـكانية تحريك الذرات أو الجزيئيات لإحداث تفاعلات كيمياوية، مما يؤدي إلى تصنيع أو تعديل بعض الجزيئيات الحيوية المهمة، وقد تؤدي هـذه المقدرة إلى بناء مركبات معقدة بنيوية مثل المستقبلات والإنزيمات والأجسام المضادة والهياكل الخلوية ، التي يكون تصنيعها مكلفا وصعبا باستعمال تقنيات الكيمياء الصناعية الحالية. وهناك من يقول: إنه من الممكن تصميم وعمل كائنات حارسة أو ملتهمة في الدم متفوقة على الخلايا البيضاء والعوامل الأخرى في وراثتنا البشرية؛ وكذلك يمكن تصميم بكتيريا جديدة يمكن برمجتها وإدخال المعلومات الوراثية بواسطة جسيمات فيروسية مصنعة، إلى خلايا مشوهة وراثيا للمعالجة والتصـليح؛ كما يمكن تصنيع آلات روبوتية صغيرة تدخل في الجسم وتوجه لإجراء جراحة معينة أو مراقبة الأعمال الوظيفية في الخلايا. ويبدو أن النقاد قد أهملوا جانبا مهما في هـذه التقنية، وسببا آخر لإيقاف تنفيذ هـذا البرنامج على الفور، ذلك أن إدماج الجسم الإنساني والحاسوب سيمهد الطريق إلى المزيد من برامج الاندماج بين الدوائر الكهربائية والذات الإنسانية! مما يشوه بنية الفرد الجسدية والنفسية. وربما يصل الوضع لحمل الخلايا سماعات وأجهزة راديو وتلفزيونات وأجهزة مناداة رقيقة! وإذا أصبح السليكون المادة الأكثر شعبية في عمليات تجميل المستقبل، فسوف نتمكن من التغلب على أكبر عائق يمنعنا من أن نصبح مزودين لاسلكيا، بالمعنى التام (!) [ ص: 117 ]

11- استخدام الجين المعجل لنمو قرون الأيل لتسريع نمو والتحام عظام الإنسان

وجد العلماء الألمان في قرون «الأيل» أداة مساعدة لنمو والتحام الكسور في عظام البشر! ونشر أستاذ البيولوجيا في جامعة «غوتنغن»، في مجلة «ناشيونال جيوغرافي - دويتشلاند» أنه على وشك عزل الجين المسئول عن تعجيل نمو قرون «الأيل» بهدف استخدامه في الإنسان لتعجيل نمو العظام والتحامها. كما نشر في عدد فبراير (شباط) 2005م من المجلة أن الجين المسئول عن نمو قرون «الأيل» يمكن تقبله من قبل عظام البشر، وهذا يعني إمكانية زرعه في العظم المكسور، أو المراد تطويله، أو زرعه في العظام المستنبتة مختبريا بهدف تسريع نموها لاحقا في الجسم. وحاليا يستخدم الجين في طبقة مستنبتة مختبريا من العظام ليكسو بها العظام المكسورة أو الأجزاء الصناعية المزروعة بهدف تحسين التحامها مع العظام الطبيعية. كما يعمل منذ الآن لاستنبات خلايا أساسية مستمدة من المريض، ومن ثم لاستخدام جين قرون «الأيل» في تنميتها بسرعة إلى عظام بديلة. وقد تناسى العلماء الدور الذي تقوم به هـذه القرون في العدوانية والتي قد يحملها نفس الجين المنقول للإنسان! فهل من متأمل؟

وبعد طرح الأمثلـة السـابقة، ترى: هـل يمكننا التفاؤل أم التشـاؤم بما تحمله المكتشفات الحاسوبية الجديدة من إمكانيات خارقة لمقاومة مخاطر الأمراض وغيرها من المشاكل التي سوف تتفاقم في الألفية الثالثة؟ لقد حقق التقدم التقني إنجازات هـائلة ومروعة في الوقت ذاته، فهو قد مكننا من تحسين [ ص: 118 ] صور الحياة، وكفل لنا أدوات ازدهارنا والتجـديد الدائـم لرفاهيتنا، كما سهل لنا استمرارية التقدم ووفر لنا فرصا لتحسين نوعية الحياة بصورة متصلة. لكنه من جهة أخرى كفيل بتعريضنا لكوارث كبرى، وكمثال على ذلك: عطل الحواسيب. هـكذا لا بد أن ننظر إلى التخطيط للمستقبل بعين الحرص والحذر الشديد، حيث إن ما ينتجه المستقبل من اختراعات قد يفوق كل ما يمكن أن نتخيله سلفا. ولكن هـذا الخيال يجب أن يكون مزيجا من السعادة والألم.. لقد أصبح الحاسوب رمزا للعصـر السريع، ورمزا للحضارة الحديثة، بما تقدم من ازدهار ودمار في الوقت ذاته.

- تفكك أعضاء الجسم والتقنيات الحديثة

ما مدى تفكك أعضاء الإنسان في ظل تقنيات الحضارة الحديثة؟

إن عصر المعلومات اليوم قائم على موجات البث أو الموجات الكهرومغناطيسية السلكية واللاسلكية، تلك التي في قوتها كالزوبعة غير المرئية المخترقة لأعضاء الكائن الحي؛ وبالمقارنة فإن موجات الطاقة الطبيعية سارية كالنسيم، تلك التي تحمل الرسائل بين أعضاء الكائن الحي لتنظيم الوظائف الحيوية؛ وحينما نعرض النسيم الهادئ لزوبعة فمن المتوقع أن تكون النتيجة عدم انتظام رسائل الوظائف الحيوية السارية في الجسد وبالتالي هـدم جهاز المناعة وتجريده من أسلحته. لقد أصبح الغلاف الجوي للكرة الأرضية مشبع بهذه الموجات إلى الحد الذي لن يستطيع جهاز المناعة عنده التحـمل أو الإبقاء على الحياة! ومن هـنا لا بد من تدارك هـذه الأخطار بأقصى حدود السرعة الممكنة. وهذا ما يحاول علم الهندسة الحيوية Biogeiomtry القيام به، من معالجة لتقنيات العصر بأساليب من الوقاية المبسطة حتى يحول حضارتنا الحالية من حضارة مدمرة للجنس البشري إلى حضارة رقي وبناء.

نعم لقد فككت تقنيات الحضارة الحديثة أعضاء الإنسان، فأصبحت تعمل دون انسجام أو توافق.. ويعتقد المفكر أبشتين ^[1] بأن الحضارة الرأسمالية الحديثة تحديدا هـي التي تقسم الجسد إلى أجزاء وتفصل هـذه [ ص: 99 ] الأجزاء من بعضها بنجاح تام؛ إن فصل العين عن الأذن يظهر بوضوح حينما نجلس أمام شاشة الحاسوب نعمل في برنامج ما وفي نفس الوقت تصغي الأذن إلى ما يقوله الراديو أو تستمع إلى أغنية عبر السماعات المعلقة! كذلك قد تنفصل القدم عن الأذن وعن العين أيضا عندما تمشي القدم على شاطئ البحر ولا تصل لآذاننا أصوات أمواجه الهادرة، ولكن لماذا؟ لأننا ننصت إلى حديث يبثه المذياع عبر سماعات الراديو بينما أعيننا تراقب شيئا لا علاقة له بالبحر، وقد يكون الفكر مستغرق في شأن مختلف تماما! ولن يكون الفرد في حالة سليمة حتى تندمج الحواس كلها مع العقل في تناغم واحد، عندها فقط يصل الفرد للسعادة والاستقرار؛ فهل يمكن عودة هـذا الشعور المتوحد بعد غيابه طويلا في ظل حضارتنا الحديثة؟

إن الفرد المفصوم يطلق الآن صرخة نداء مدوية محاولا تجميع أشلائه في وحدة واحدة! ولكن هـذا الإنسان لن يكون هـو الفرد القديم بأي حال من الأحوال بل ربما يظهر له تكوين جديد، فما هـو؟ ربما يصبح هـذا التكوين الجديد هـو إنسان عصر نهضة حديثة تسمى العولمة ؟ تلك الحضارة التي تمضي أبعد فأبعد على طريق التخصص وزيادة التخصص وتخصص التخصص والاصطناعية وزيادة الاصطناعية وهكذا إلى ما لا نهائية ^[2] .

وحتى هـذه اللحظة لم يستطع الفرد الحديث جمع شتات فكره؛ لأنه ببساطة لم يتمكن من الربط والموازنة بين ثقافة الأجهزة وقدرة أعضاء جسمه المحدودة. إن الأدلة على ذلك واضحة وجلية، لقد تعطلت ملايين [ ص: 100 ] الأيادي بسبب طغيان الآلة، وضعفت الأبصار بسبب استخدام العدسات اللاصقة الملونة وعدسات التكبير المجهرية وغيرها من محسنات الرؤية. وقد ثبت علميا أن الإدمان على استخدام الحاسوب يسبب ضمور أصابع اليد وعظام الرسغ؛ هـكذا تضمر أيضا خلايا الدماغ بسبب ضعف التخزين وقلة الاستعمال. وقد أهملت قدرات العقل البشري فعلا، فهو لا يجد الوقت الكافي لجمع المعلومات وتحليلها، بل أصبح العقل يعتمد على الحاسوب والإنترنت والوسائط المعلوماتية الأخرى. أما الأدهى والأمر من ذلك فهو أن أعضاء الفرد السليمة لم تعد كافية للقيام بالمهام الإنسانية بل أصبحت الاستعانة بالفاكس والحاسوب ضرورية كأعضاء إضافية للفرد.

وقد ساعد ذلك بدوره على فك ارتباط الأعضاء بعضها ببعض في الجسد الواحد، فهذه الأجهزة أصبحت بدائل مكملة لتعويض الضعف الحاصل لأعضاء الجسد بعد أن تشبعت بالمعرفة وأصيبت بالصدمة. وقد تضافرت الأعضاء البشرية مع الأجهزة وتوسطت في حساباتها الداخلية لتصبح جزءا منها، وكمثال على ذلك فإنه يمكن اعتبار أصابع اليد والعين البشرية أجزاء من الحاسوب التي لا يمكنه العمل بدونها! هـكذا أصبحت الثقافة التي تنتقل إلينا عبر الأجهزة الحديثة هـي أجزاء مقطعة من الجسد مثل أجزاء الماكينة التي يمكننا تفكيكها وإعادة تركيبها بل ويمكن تجميعها وتبديل قطعها مع أعضاء الجسد، وليس من قبيل الصدفة أن يتزامن ذلك مع ظهور قطع الغيار الآلية التي تحـكمت في أجسـام البشر منذ زمن ليس بالقصير، [ ص: 101 ] مما جعل بعض الأفراد مزيجا من الإنسان والآلة. ومن الملاحظ أن الجسد الواحد قد يتم ترقيعه بقطع من البلاتين وقطع أخرى من جسد حي آخر في نفس الوقت بل وربما في نفس الموضع ^[3] .

ونضرب أمثلة على تداخل التقنيات مع الجسد الإنساني كما يأتي:

1- تطوير أسلحة تؤثر على التصرف البشري

سعت الولايات المتحدة لتطوير أسلحة تؤثر على التصرف البشري غير أنها تخلت عن البرنامج الذي اعتبر مخالفا للتشريعات الدولية وفق ما أوضحت لجنة علمية بإدارة الحكومة الأميركية. وقد وردت هـذه المعلومات في تقرير صدر في حوالي (250) صفحة حول الأسلحة غير القاتلة وتم نشره من خلال المجلس الوطني للأبحاث. وقد شجع هـذا المجلس ووزارة الدفاع الأميركية على معاودة دراسة هـذه الأسلحة تحسبا لاحتمال تورط القوات الأميركية في معارك داخل المدن في إطار حملة مكافحة الإرهاب. وبحسب هـذه الوثيقة فإن الأبحاث حول الأسلحة التي تؤثر على التصرف قد جرت قبل خمس عشرة عاما في مواقع عسكرية في ميريلاند واستخدمت فيها بصورة خاصة مواد «مهدئة» مشتقة من مادة الفنتانيل. وقد اعتبرت اللجنة العلمية هـذا البرنامج «ذا مغزى» من دون أن تكشف عن تفاصيله التي صنفت في فئة المعلومات السرية. وينص التقرير على أن السلطات العسكرية العليا بحثت مرارا في احتمال استخدام مثل هـذه «المواد المهدئة» وخلصت إلى أن هـذه المواد [ ص: 102 ] بشكلها الحالي ستكون مخالفة للمعاهدة حول الأسلحة الكيميائية الموقعة عام 1997م. وعندها أصدر المجلس بيانا يؤكد بأن التأثيرات الفيزيولوجية لجميع المواد المهدئة التي تم النظر فيها تؤدي إلى انهيار النظام العصبي المركزي ويرافق ذلك تبدل في التصرف وانهيار في الجهاز التنفسي.

2- مجسات استشعار لالتقاط نشاط الدماغ البشري من بعد

في خطوة قد تفتح مشاكل كبرى في التحكم بالعقل البشري طور علماء بريطانيون مجسا للاستشعار بإمكانه التقاط وتسجيل موجات الدماغ البشري دون الحاجة إلى وضع الأقطاب على الرأس أو إدخال الإبر الصغيرة في مواقع منه، كما هـو الحال في التقنيات الحالية للتسجيل الكهربائي لنشاط الدماغ. وقد نجح باحثون في مركز إلكترونيات الفيزياء بجامعة «ساسكس» في تصميم المجس الذي يقيس شدة المجال الكهربائي للدماغ بدلا من تسجيل شدة التيار الكهربائي الذي يتم عادة لدى مرور التيار بالأقطاب. كما نقل موقع «بي بي سي» الإنجليزي في المركز بأن عمل أجهزة المسح المتوفرة ناجح جدا لدى دراسة وظائف أعضاء الجسم الثابتة، إلا أن الأجـهزة قد لا تنجح في دراسة التيارات المتغيرة دائما في الجسم البشري كما هـو الحال في الدماغ. المجس الجديد قد يكون أكثر سلامة؛ لأنه لا يعتمد على التدخل في الجسم البشري، بل يمكن في المستقبل القريب استقبال إشارات دماغية عبر المجس لإرسالها إلى الآلات كأوامر للعمل؛ لكن ذلك دون شك يحول الجسم البشري إلى خليط من الذبذبات والإشارات والمتداخلات التي لا بد أن تنقلب وبالا عليه. [ ص: 103 ]

3- تصمم حاسوبين ينافسان عقل الإنسان

قامت شركة «آي. بي. إم» ببناء جهازي حاسوب فائقي القدرة يستطيعان منافسة إمكانات المعالجة التي يتمتع بها عقل الإنسان، أو حتى التفوق عليها، على حد تعبير الشركة. ومن المتوقع أن تزيد سرعة الجهازين إذا اجتمعا معا بخمسمائة ضعف عن أفضل الأجهزة المتوفرة حاليا. أول هـذين الجهازين أطلق عليه اسم «آسكي بيربل، ASCI Purple» ويستخدم لتمثيل ومحاكاة الاختبارات النووية، حيث سيكون بمقدوره إكمال 100 ألف مليار (100 تيرافلوب) عملية حسابية في الثانية الواحدة، أي ما يمكن مقارنته بقدرة عقل الإنسان. ويعتمد على 12544 معالجا من معالجات «باور5» الذي تنتجه «آي. بي. إم» نفسها، أما سعة التخزين في هـذا الجهاز فتصل إلى 2 بيتابايت «Petabytes» أو ما يمكن أن يخزن محتويات 30 مكتبة بحجم مكتبة الكونغرس. أما الجهاز الثاني فظهر عام 2005م، وأطلق عليه اسم «بلو جين/إل، Blue Gene/L»، ويفوق الأول بقدرته، إذ سيكون بإمكانه إكمال 360 تيرافلوب عملية حسابية في الثانية الواحدة، وسيعمل بنظام التشغيل «لينكس»، ويتوقع أن يستخدم لتحليل الزلازل والمساعدة في التنقيب عن النفط، ودراسة التغيرات المناخية على مستوى العالم، وأثر التلوث على البيئة. والجدير بالذكر أن أقوى جهاز حاسوب حتى الآن هـو الذي بنته شركة «إن. إي. سي» اليابانية، وتطلق عليه اسم «arth Simulator» الذي يحقق 40 تيرافلوب عملية في الثانية. [ ص: 104 ] ثم يليه في القدرة جهازان من أجهزة «كراي» تنتجهما شركة «هيولت باكرد»، وكلتا الشركتين تسعيان إلى الوصول إلى قدرات توازي قدرات أجهزة «آي. بي. إم» الجديدة. والجهازان الجديدان لن يستطيعا القيام بعمل عقل الإنسان الذي يصعب تقدير القدرة الحقيقية له بسبب أنهما لن يكونا مزودين بالوعي والإدراك اللذين يميزان عقل الإنسان، كما أنهما لن يزودا أصلا بقدرات الذكاء الاصطناعي. ويؤكد العلماء أنهم ما زالوا بعيدين جدا عن اختراع حاسوب يستطيع أن يحاكي قدرات عقل حيوان بسيط كالفأر!

4- ربط العقل مباشرة بالحاسوب

ليس من المستبعد أن يكون هـناك من بين مستخدمي الحاسوب من يحلم أنه لو يستطيع ربط عقله مباشرة بالحاسوب كي يتحرر من قيود لوحة الكتابة وحروفها وفأرته، أما بالنسبة للمصابين بالشلل الكلي فإن قدرة ربط الدماغ بالحاسوب ستمنحهم من جديد بعدا حياتيا شاملا. وإذا حدث أن استطاع المصابون بعاهات جسدية أن يتحكموا بالحاسوب من خلال أفكارهم فقط، فإنهم سيكونون قادرين على فتح أزرار المصابيح والتلفاز بل حتى الذراع الروبوتية. وقد تمكن الباحثون، عن طريق ربط أدمغة المرضى مباشرة بالحاسوب، من تسجيل تحسن في قدرتهم على التحكم بمؤشر الحاسوب. وقد تحقق، ضمن هـذا المجال، تقدم كبير خلال السنوات الخمس الأخيرة، ونشر أكثر من نصف البحوث العلمية المقدمة في هـذا الموضوع خلال العامين الأخيرين. ويحتل مركز «سايبركينِتيكس، [ ص: 105 ] CyberKenetics» الصدارة في مجال البحوث المكرسة لتقنية «ربط الحاسوب بالدماغ» (بي. سي. آي.) . وقد قامت هـذه المؤسسة بتسجيل أول مرضاها لاختبار نظام «بْرَين غَيْت، BrainGate» في دراسة سريرية. ومن كرسيه المتحرك أصبح المريض قادرا على فتح رسائله الإلكترونية وتبديل محطات التلفاز وإشعال المصابيح واستخدام ألعاب الحاسوب، كل ذلك تم باستخدام قدرة تفكيره فقط بينما بقي معتمدا دائما على جهاز للتنفس الصناعي. ولتحقيق التواصل بين عقل المريض والحاسوب تم زرع جهاز تحت الجمجمة في القشرة العصبية، يحتوي على رقاقة إلكترونية تبلغ أبعادها 2 ملم في 2 ملم، وتحتوي على 100 قطب كهربائي. وربط الجراحون هـذه المجموعة من الأقطاب بخلايا عصبية تقع داخل القشرة العصبية التي تقع في منطقة الدماغ المحددة فوق الأذن اليمنى. وترتبط مجموعة الأقطاب بقابس كهربائي عبر سلك ناتئ من قمة الرأس. وتنقل الأقطاب المعلومات من 50 إلى 150 خلية عصبية عبر كابل للألياف البصرية إلى جهاز بحجم كاسيت الفيديو يقوم بتحويلها إلى نظام رقمي. ثم يقوم كابل آخر مربوط بين جهاز الترقيم إلى الحاسوب بترجمة الإشارات. لكن بعض الباحثين يعملون على تطوير أجهزة ربط بين الحاسوب والدماغ تكون أكثر بساطة. ونشر «جوناثان» و «ولباو» في مركز «وادزورث» بنيويورك بحثا في ديسمبر (كانون الأول) 2004 في مجلة الأكاديمية القومية للعلوم يوضح أن جهازه غير المقتحم للدماغ، يحقق أغراضه من خلال توظيف قبعة قادرة [ ص: 106 ] على التقاط إشارات الدماغ، بدلا من غرز جهاز داخل الدماغ. ويفضل المرضى والأطباء على حد سواء عدم فتح الجمجمة، بهدف زرع جهاز لربط الدماغ بالحاسوب (بي. سي. آي.) . لكن ليس واضحا حتى الآن ما إذا كان وجود هـذا الجهاز خارج الرأس سيمتلك نفس الجودة التي توفرها الأجهزة المزروعة في الدماغ من ناحية التقاط موجاته. أما الذين فقدوا القدرة على استخدام أذرعتهم أو سيقانهم مثلا بسبب الحوادث، فهم لا يرغبون في أي شيء يزرع داخل جمجمتهم، وسيكون من الأفضل أن يحصلوا على أجهزة لا تخترق رءوسهم، إلا إذا كانت قادرة فعلا على تحسين الأنشطة الدماغية بشكل كبير جدا. وقد يمتلك الجهاز الرابط بين الدماغ والحاسوب من الخارج فوائده الخاصة؛ لأنه قادر على التقاط إشارات من الكثير من مواقع الدماغ بدلا من منطقة محددة بالذات.

وهناك شركة خاصة تسمى «نيوترال سيغنالز» طورت جهازا يربط الدماغ بالحاسوب، من خلال صنع جهاز على شكل برغي صغير يتم زرعه تحت الجمجمة بمليمترين. وحصل هـذا الجهاز، الذي يبلغ سعره 50 ألف دولار، على موافقة وكالة الأغذية والعقاقير الأمريكية المسئولة عن منح تراخيص الابتكارات الطبية والأطعمة الجديدة. وأفضل المرضى المرشحين لاستخدام هـذا الجهاز هـم أولئك العاجزون عن القيام بأية حركة جسدية مثل أولئك المصابين بمرض عجز العضلات. ويسمح هـذا الجهاز للمرضى بتحريك مؤشر الحاسوب وفتح الأزرار الكهربائية وغلقها. [ ص: 107 ]

5- ملابس «كهربائية» لمواكبة احتياجات العصر الإلكتروني!

لقد ظهرت أنواع من «الكهرونسيج» تحدد الموقع الجسدي وتقيس ضغط الدم مع تغير ألوانها وأشكالها! و «قماش - مجس» مطور لرجال مكافحة الحريق حيث يستشعر الجسد البشري ويقيس نبضات القلب وحرارة الجسد ويبثها لاسلكيا لحاسوب عبر جهاز يشبه جهاز المنادي مثبت بالقماش! ويختار المصممون عادة الأنسجة وفقا لجمالها أو متانتها أو ثمنها، ولكن بإمكانهم اليوم أن يختاروا الأنسجة وفقا لقدرتها على توصيل الكهرباء! بل تنتج بعض الشركات بما فيها شركة «دوبونت»، أنسجة يمكنها بث الإشارات أو تمرير التيارات الكهربائية.

ويتم حياكة هـذه الأنسجة المصنوعة من ألياف صناعية أو معدنية في القطن أو البوليستر لتنتج نوعا جديدا من القماش الكهربائي يعرف باسم «الكهرونسيج». وقد أمكن وصل ألياف «الكهرونسيج» برقائق وبطاريات لتكوين دوائر يمكنها يوما ما أن تطـبق عددا كبيرا من الاستخدامات. وعلى سبيل المثال إذا استخدم «الكهرونسيج» في فرش مقاعد السيارات فإنه من الممكن أن يقيس وزن الراكب ويقوم بالتالي بتعديل قوة كيس الهواء وفقا للوزن. ويمكن تصميم أقمشة تحتوي على جهاز لتحديد الموقع ومجسات لقياس ضغط الدم وأقمشة يمكنها أن تغير لونها ونمطها. وحتى الآن تقتصر تقنية الكهرونسيج على الاستخدامات العسكرية مثل الهوائيات المنسوجة في زي الجنود. [ ص: 108 ]

6- صفائح من التيتانيوم لرتق الثقوب في جمجمة البشر

تصنع من سبائك رقيقة متينة خفيفة الوزن وتتوافق بيولوجيا مع الجسم البشري! مهندسون وجراحون ألمان يصممون جهازا لتفصيل قطع الدماغ المطلوبة حسب المواصفات بدقة متناهية يقل الفرق بينها عن أجزاء المليمتر:

يضطر الجراحون في العديد من الحالات المرضية إلى رفع جزء من جمجمة المريض بغية تخفيف الضغط المسلط على الدماغ، أو بهدف تخليص المريض من سرطان في الدماغ قد وصل إلى العظم. إلا أن الطب يواجه مصاعب جمة في إعادة لحم هـذه الثقوب أو في إعادة لحم الجزء المرفوع إلى مكانه، بالنظر لتعذر نمو العظام من جديد بما يكفي لستر الجزء المكشوف من الدماغ أو بسبب ظاهرة رفض الجسم للأجزاء المزروعة. ويرى مهندسو وجراحو جامعة «الرور» الألمانية أنهم نجحوا في التوصل إلى حل يكفل تسهيل مهمات الجراحين ويتيح للمصابين إمكانية مواصلة الحياة بنوعية أفضل. وتعتمد التقنية الألمانية الجديدة لسد الثغرات في الجمجمة على نوع جديد من سبائك معدن التياتانيوم المنسجم «Bio Compatible » مع جسم الإنسان حيث تتوافق بيولوجيا معه، وهي صفائح رقيقة متينة وخفيفة الوزن ومن الممكن تصميمها حسب مواصفات الجزء المفقود من الجمجمة كما يمكن الحجز عليها من كل أنحاء العالم بواسطة البريد الإلكتروني. ومن خلال هـذه الصفائح يمكن تسريع عملية شفاء الجروح الناجمة عن عمليات الدماغ وتحسين حياة المرضى بشكل خاص، وعادة ما يلجأ الجراحون إلى إزالة جزء من عظام الجمجمة التي تغطي الدماغ في حالة تعرض المريض إلى [ ص: 109 ] نزيف حاد في الدماغ، فهي الطريقة المثلى لتخفيف الضغط مؤقتا عن الدماغ. كما يضطر الأطباء لإزالة جزء من الجمجمة في حالة تدخلهم الجراحي لإزالة السرطان الدماغي وهو ما يتطلب ترك الفتحة على حالها أو وضع غلاف خارجي لحماية الدماغ من الحوادث. هـذه الصفائح متناهية الدقة يقل الفرق بينها عن أجزاء المليمتر. وتتطلب الحالة من الجراح إرسال معطيات المسح الحاسوبي الدماغي إلى جامعة «الرور»كي يستطيع الخبراء على أساسها تفصيل القطعة الناقصة حسب المواصفات. ومن الممكن في الحالات الاضطرارية إرسال هـذه المعطيات بواسطة البريد الإلكتروني ليتولى حاسوب خاص رسم قالب قطعة الجمجمة المطلوبة.. كما يزود الخبراء القطعة بثقب صغير مغطى قد ينفع لاحقا في عمليات نزح أو تصريف الدماء والسوائل التي قد تتجمع تحت القطعة. وبالرغم من تلك الفوائد إلا أن نتائجها السلبية لم تدرس بعد وقد تكون أسوأ مما كان يتوقع!

7- بطاريات للأجهزة الطبية المزروعة في الأعضاء تعمل على حرارة وطاقة الجسم نفسه!

تواجه الأجهزة الطبية المزروعة في الجسم، مثل بطاريات القلب ومنظمات الأنسولين وغيرها من الأجهزة مشكلة كبيرة، وهي نفاد الطاقة الحرارية لها، وهذا ما يضطر الأطباء إلى تبديل تلك الأجهزة من خلال إجراء عملية أخرى.. وقد قامت شركة أميركية في نيويورك بإنتاج أجهزة طبية ذات بطاريات لها القدرة على استخدام طاقة وحرارة الجسم نفسه، خاصة أن حرارة جسم الإنسان ثابتة وهي بمعدل 37 درجة مئوية. يكمن مبدأ [ ص: 110 ] هذه الفكرة بتزويد البطارية بسلك حراري له القدرة على إعادة شحن البطارية من الجسم، أو يمكن إنتاج بطارية بيولوجية توصل مع الدورة الدموية وتستهلك المواد الحرارية الموجودة في الدم، أو تحول الأغذية الأساسية مثل السـكر والشحـوم إلى طاقة. والأجهزة الحـالية تعمل لمدة لا تتجاوز العشر سنوات وهي تعمل على طاقة اللينيوم التي لا تخلو من الاختلاطات؛ لأنها مصنفة ضمن الطاقة النووية التي يمكن أن تتسرب إلى الخلايا والنسيج وتؤذي المنطقة المزروعة فيها. وسوف يقلل إنتاج أجهزة ذات بطارية دائمة الحاجة لإخضاع المرضى إلى عمليات أخرى من أجل تبديل تلك الأجهزة، إضافة إلى إمكانية التحكم بالطاقة بشكل أفضل من خلال الأجهزة الجديدة. البطاريات القلبية تلعب دورا مهما في إنقاذ حياة المرضى الذين يعانون من بطء قلبي أو اضطرابات نظم قلبية أو الذين لديهم القابلية لحدوث توقف القلب المفاجئ، كما أن البطاريات الحديثة مزودة بجهاز صدمة يمكنه أن يعمل عند توقف القلب.

8- شريحة حاسوب مبصرة تقلد وظائف العين البشرية

ربما تصبح إعادة البصر إلى المكفوفين واقعا ملموسا خلال الأعوام القليلة المقبلة! هـذا ما نشره معهد «إيلينوي» للتقنية في أمريكا ، الذي يقود الآن أكثر الدراسات تقدما في هـذا المجال. وعند إجراء التجارب على الحيوانات نجحت عمليات النقل الإلكتروني للصور والمشاهد إلى الغلاف الخارجي للمخ، ومن المقرر أن تبدأ التجارب على الإنسان خلال شهور معدودة. [ ص: 111 ] وفي الثالث من فبراير 2005م أعلن الجراحون الألمان، من جانبهم، أن بوسعهم إعادة النور إلى عيون المكفوفين بمساعدة رقاقة إلكترونية غاية في الصغر تزرع تحت الشبكية. ويخطط الجراحون في عيادة العيون في جامعة «توبنغن» بألمانيا، لإجراء سلسلة من عمليات الزرع المذكورة وبالتالي تحقيق «رؤية»، طالما حلم المكفوفون بها. ويأمل الفريق في إعادة الأمل إلى 25% من 130 ألف مكفوف ألماني، ممن يعانون من العمى بسبب أمراض الشبكية التنكسية، مثل التهاب الشبكية الصباغي الوراثي «Retinitis Pigmentosa»، إذ من الممكن مساعدة المرضى المعانين من هـذه الحالات في استعادة النظر شريطة ألا يكون عصب العين الرئيسي مصابا بسبب حادث أو ورم أو ما شابه. مثل هـذه الرقاقة قد تم زرعها في عيون الحيوانات المختبرية، وثبت أن أجسام هـذه الحيوانات تقبلتها ولم تلفظها. كما أثبتت الفحوصات الإلكترونية أن الرقاقة أدت عملها من خلال تحويل الإيعاز الضوئي إلى إيعاز كهربائي ينتقل إلى الدماغ. وقد تم البدء بزرع الرقاقة في عيون المكفوفين، نتيجة التهاب الشبكية التنكسي، كما تم تصميم الرقاقة الإلكترونية بشكل يؤهلها لتعويض ما فقدته شبكية العين من «مخاريط» و «نبابيت» (مثل الأنابيب) ، وهي الوحدات البيولوجية التي تقرأ إيعازات الضوء وتنقلها إلى الدماغ، ويتم زرعها تحت الشبكية من خلال عملية دقيقة تدوم عدة ساعات. وتعمل الوحدات التقنية منذ الآن على إنتاج الأجيال المتطورة القادمة من الرقاقة. والجيل الحالي من الرقائق مصمم لمساعدة المرضى على الرؤية بدقة تبلغ 0.05، وهي درجة تكفيهم لتمييز الأشياء في محيطهم والتحرك بمفردهم في محيط غريب دون الحاجة لمساعدة أحد. [ ص: 112 ]

9- نظارة ذكية تسترجع المعلومات وتصنفها ثم تعيدها إلى مستخدمها

في عام 2003م تم تطوير نظارة في أمريكا تحمل شريحة إلكترونية في إطارها، تحفظ ذاكرة تعين لابسها على استذكار المعالم والأشياء. وتعمل الكاميرا بدورها بمساعدة حاسوب جوال، وتستخدم للأغراض الطبية وخصوصا لمساعدة المصابين بوهن الذاكرة. لكن في العام 2004م تم اختراع نظارة ذكية بذاكرة تسترجع المعلومات وتصنفها ثم تعمل على إعادتها لاحقا إلى مستخدمها؛ وقد نجح العلماء الألمان في تطوير ذاكرة افتراضية يحملها الإنسان على أذنيه بشكل نظارات وتعينه في مختلف الأعمال التي تعتمد الذاكرة. الذاكرة المحمولة قد صممت أساسا للاستفادة منها في فروع الإنتاج الصناعي، إلا أنها تعين المستخدم أيضا في تذكر أين وضع مفتاح شقته، أو في أي ركن من المرآب الكبير ترك سيارته. ويمكن للنظارات الذكية مستقبلا، بعد تطوير برامج خاصة ملحقة، أن تعين السائق في كشف المخاطر الطارئة على الطريق أو في البحث عن الشوارع بواسطة نظام تحديد المواقع من الأقمار الصناعية. وستجد النظارة الذكية تطبيقاتها أساسا في قطاعات نصب الأجهزة الإلكترونية؛ لأنها تحفظ خطوات العمل ثم تعيدها مجددا، إن هـذا يؤهل أحد مصلحي السيارات مثلا، لتفكيك جزء من السيارة بشكل منهجي دون أن يصنفها أو يرقمها, ثم يعيد تركيبها بالتسلسل بمساعدة النظارة. وهذا يعني أن من الممكن تصوير شيء بواسطة الحاسوب ومنحه اسما ثم حفظه، لتنقل المعلومات لاحقا من الحاسوب إلى ذاكرة الكاميرا الذكية كي تعينه في التعرف على الشيء. ومن الطبيعي أن [ ص: 113 ] تعمل الكاميرا بصحبة حاسوب جوال صغير خفيف الوزن يتيح للمستخدم تصوير الأشياء آنيا وحفظها في النظارة للاستفادة منها لاحقا.

كما يطرح للبيع حاليا، وفي أول مزاد للتقنية الحديثة في العالم، ما يصفه مسئولو الترويج بأنه فتح تقني جديد يمكنه عمل كل شيء، من زيادة درجة الأمان في قيادة السيارات إلى انتقاء الثمار الناضجة وقت جمع المحاصيل! إنها شريحة حاسوب مبصرة تقلد وظائف العين البشرية، من إنتاج شركة للدراسات البصرية، وهي شركة بحوث فرنسية خاصة. والشريحة التي تشبه عين الإنسان في قدرتها على التمييز بين الألوان ورصد الحركة يمكنها تنفيذ نحو 20 مليار أمر في الثانية، مقارنة مع بضعة ملايين فقط تنفذها معالجات الحاسوب، ويمكن إنتاج الشريحة بكميات كبيرة بكلفة ستة دولارات للقطعة.

10- محاولات لتحقيق اندماج الجسم البشري والحاسوب

إدماج الجسم البشري مع الحاسوب يمهد الطريق إلى الاندماج بين المعالجات الذكية والذات الإنسانية! وهواتف جوالة تزرع في الأرجل وحواسيب في الركبة بنظم لتحديد الموقع العالمي:

يعد استخدام الهواتف الجوالة الصغيرة والآلات الشخصية الدقيقة وأجهزة عرض الفيديو الرقمي الجوالة شيئا جميلا، غير أنه بالإمكان جعل هـذه الأجهزة أخف وزنا إذا زرعت جراحيا تحت جلد بشرة الإنسان في منطقة القدم. لقد مهدت لهذه الفكرة شركة «ابلايد ديجيتال سولوشن» ومقرها مدينة «بالم بيتش» في ولاية فلوريدا الأميركية ، وقد بدأت برنامجا يعتمد على زرع رقائق تحت جـلد الإنسان واستخدام تقنية التعريف [ ص: 114 ] بالهوية الشخصية بالموجات اللاسلكية، التي استعملت من قبل في أجهزة «أي - زيباس»، وقد كانت الرقائق القابلة للزرع قد استخدمت منذ سنوات لاقتفاء آثار الحيوانات الأليفة. ويبلغ حجم الرقيقة التي أطلق عليها اسم «فيري تشيب»، حجم حبة الأرز وتحمل عددا يسند إلى حاملها. وتعتقد الشركة أن الرقيقة ستمكن الأشخاص المؤهلين فقط من الإطلاع على أي معلومات ضرورية. كما يتوقع أن تسهل الرقيقة المذكورة الدخول إلى قاعدة البيانات الشخصية مثل الملفات الطبية.

وهنا نقول: إن أجسادنا إذا أخضعناها إلى مادة السيليكون، عندها تكون الاحتمالات الضارة لا نهاية لها، بل قد ينتهي الوجود الإنساني بالمعنى الحقيقي. أما تقنيات «النانو، Nanotechnology» (التقنيات المتناهية في الصغر) ، فلم تعد من باب الخيال العلمي، بل أصبحت حقيقة واقعة تحظى باهتمام العديد من دول العالم المتقدمة، إذ إنها تبشر بثورة علمية جديدة في المستقبل القريب في شتى مجالات الحياة. هـذا الاكتشاف يعتبر من الاكتشافات الثورية التي أسست لفرع جديد في الكيمياء يسمى «كيمياء الذرات المنفردة» ، والذي يمهد بدوره لطفرة طبية سوف تسهم في علاج العديد من الأمراض التي وقف العلم عاجزا أمامها سنوات طويلة.

تقنية «النانو» هـي تقنية مستحدثة، وكلمة «النانو» مشتقة من كلمة «نانوس» الأغريقية وتعني القزم، ونستخدمها اليوم للدلالة على واحد من المليار من المتر، ويتعامل العلماء والمهندسون مع المادة في هـذا المقياس على مستوى دقيق جدا، أي على مستوى الذرات والجزيئيات النانونية، ليس لبناء [ ص: 115 ] أجهزة نانونية فحسب، بل لخلق مواد جديدة ذات ترتيبات وتجمعات وخصائص مبتكرة، تفتح آفاقا جديدة في العلوم والتقنية، منها: إمكانية تحريك الذرات والجزيئيات بدقة لإحداث تفاعلات كيميائية، مما يؤدي إلى تصنيع أو تعديل بعض الجزيئيات الأحيائية المهمة. وتتمثل قاعدة التقنيات النانوية العلمية في مسألتين: الأولى بناء المواد بدقة من لبنات صغيرة، والحرص على الصغر يؤدي إلى مادة خالية من الشوائب ومستوى أعلى جدا من الجودة والتشغيل.. والثانية أن خصائص المواد قد تتغير بصورة مدهشة عندما تتجزأ إلى قطع أصغر وأصغر، وخصوصا عند الوصول إلى مقياس «النانو» أو أقل، عندها قد تبدأ الحبيبات النانونية في إظهار خصائص غير متوقعة، ولم تعرف من قبل، أي غير موجودة في خصائص المادة الأم.

إن تطبيقات تقنيات «النانو» في الطب والعلاج كثيرة ومتعددة، ويتركز أهمها في مجال تشخيص الأمراض وإيجاد الأدوية المناسبة الفعالة. وهناك تطبيقات مهمة مرتقبة لاستعمال الحبيبات النانونية المضيئة، في مجال تشخيص الأمراض، مثل حبيبات السليكون أو الكادميوم ككاشف ومعلم ضوئي للمواد الحيوية، وما يرجى من هـذه الحبيبات هـو إيجاد حل للمساوئ والمشاكل التي تعترض الطرق المستعملة حاليا للتشخيص باستخدام الأصبغة العضوية، ويتوقع إذا ما حلت الحبيبات محل الأصبغة أن تعطي حساسية وسلامة وقدرة أعلى في التفريق بين المواد الحيوية، وأيضا سرعة أعلى في إعطاء النتيجة وأخذ القرار، وهو ما سيقلل من الوقت والجهد والتكلفة. [ ص: 116 ] لكن ظهرت الكثير من المخاوف المشروعة من استخدام تقنيات «النانو»، وذلك بسبب إمـكانات التدخل في المركبات الحيوية للإنسان. إن تقنيات «النانو» سلاح ذو حـدين، فهناك إمـكانية تحريك الذرات أو الجزيئيات لإحداث تفاعلات كيمياوية، مما يؤدي إلى تصنيع أو تعديل بعض الجزيئيات الحيوية المهمة، وقد تؤدي هـذه المقدرة إلى بناء مركبات معقدة بنيوية مثل المستقبلات والإنزيمات والأجسام المضادة والهياكل الخلوية ، التي يكون تصنيعها مكلفا وصعبا باستعمال تقنيات الكيمياء الصناعية الحالية. وهناك من يقول: إنه من الممكن تصميم وعمل كائنات حارسة أو ملتهمة في الدم متفوقة على الخلايا البيضاء والعوامل الأخرى في وراثتنا البشرية؛ وكذلك يمكن تصميم بكتيريا جديدة يمكن برمجتها وإدخال المعلومات الوراثية بواسطة جسيمات فيروسية مصنعة، إلى خلايا مشوهة وراثيا للمعالجة والتصـليح؛ كما يمكن تصنيع آلات روبوتية صغيرة تدخل في الجسم وتوجه لإجراء جراحة معينة أو مراقبة الأعمال الوظيفية في الخلايا. ويبدو أن النقاد قد أهملوا جانبا مهما في هـذه التقنية، وسببا آخر لإيقاف تنفيذ هـذا البرنامج على الفور، ذلك أن إدماج الجسم الإنساني والحاسوب سيمهد الطريق إلى المزيد من برامج الاندماج بين الدوائر الكهربائية والذات الإنسانية! مما يشوه بنية الفرد الجسدية والنفسية. وربما يصل الوضع لحمل الخلايا سماعات وأجهزة راديو وتلفزيونات وأجهزة مناداة رقيقة! وإذا أصبح السليكون المادة الأكثر شعبية في عمليات تجميل المستقبل، فسوف نتمكن من التغلب على أكبر عائق يمنعنا من أن نصبح مزودين لاسلكيا، بالمعنى التام (!) [ ص: 117 ]

11- استخدام الجين المعجِّل لنموِ قرونِ الأيل لتسريع نمو والتحام عظام الإنسان

وجد العلماء الألمان في قرون «الأيل» أداة مساعدة لنمو والتحام الكسور في عظام البشر! ونشر أستاذ البيولوجيا في جامعة «غوتنغن»، في مجلة «ناشيونال جيوغرافي - دويتشلاند» أنه على وشك عزل الجين المسئول عن تعجيل نمو قرون «الأيل» بهدف استخدامه في الإنسان لتعجيل نمو العظام والتحامها. كما نشر في عدد فبراير (شباط) 2005م من المجلة أن الجين المسئول عن نمو قرون «الأيل» يمكن تقبله من قبل عظام البشر، وهذا يعني إمكانية زرعه في العظم المكسور، أو المراد تطويله، أو زرعه في العظام المستنبتة مختبريا بهدف تسريع نموها لاحقا في الجسم. وحاليا يستخدم الجين في طبقة مستنبتة مختبريا من العظام ليكسو بها العظام المكسورة أو الأجزاء الصناعية المزروعة بهدف تحسين التحامها مع العظام الطبيعية. كما يعمل منذ الآن لاستنبات خلايا أساسية مستمدة من المريض، ومن ثم لاستخدام جين قرون «الأيل» في تنميتها بسرعة إلى عظام بديلة. وقد تناسى العلماء الدور الذي تقوم به هـذه القرون في العدوانية والتي قد يحملها نفس الجين المنقول للإنسان! فهل من متأمل؟

وبعد طرح الأمثلـة السـابقة، تُرى: هـل يمكننا التفاؤل أم التشـاؤم بما تحمله المكتشفات الحاسوبية الجديدة من إمكانيات خارقة لمقاومة مخاطر الأمراض وغيرها من المشاكل التي سوف تتفاقم في الألفية الثالثة؟ لقد حقق التقدم التقني إنجازات هـائلة ومروعة في الوقت ذاته، فهو قد مكننا من تحسين [ ص: 118 ] صور الحياة، وكفل لنا أدوات ازدهارنا والتجـديد الدائـم لرفاهيتنا، كما سهل لنا استمرارية التقدم ووفر لنا فرصا لتحسين نوعية الحياة بصورة متصلة. لكنه من جهة أخرى كفيل بتعريضنا لكوارث كبرى، وكمثال على ذلك: عطل الحواسيب. هـكذا لا بد أن ننظر إلى التخطيط للمستقبل بعين الحرص والحذر الشديد، حيث إن ما ينتجه المستقبل من اختراعات قد يفوق كل ما يمكن أن نتخيله سلفا. ولكن هـذا الخيال يجب أن يكون مزيجا من السعادة والألم.. لقد أصبح الحاسوب رمزا للعصـر السريع، ورمزا للحضارة الحديثة، بما تقدم من ازدهار ودمار في الوقت ذاته.