الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا اشترى الرجل إبريق فضة فيه ألف درهم بمائة دينار ، وتقابضا ثم وجد بالإبريق عيبا ، فله أن يرده ; لفوات ما صار له مستحقا بعقد المعاوضة ، وهو السلامة عن العيب فإن صالحه البائع على دينار ، وقبض فهو جائز ، وإن كان الدينار أقل ، أو أكثر من قيمة العيب في قول أبي حنيفة . وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - : إذا كان الفضل مما لا يتغابن الناس في مثله ، فهو غير جائز ، وهذا بناء على مسألة كتاب الصلح عن المغصوب المستهلك على أكثر من قيمته ، يجوز عند أبي حنيفة رضي الله عنه ، ولا يجوز عندهما ; لأن عندهما الحق في القيمة ، وهي مقدرة شرعا ، فالفضل على ذلك يكون ربا ، إلا أنه لا يتيقن بالفضل فيما يتغابن الناس في مثله ; لأن ذلك يدخل من تقويم المقومين ، فهنا أيضا حقه في بدل الجزء الفائت ، فإذا صالحه على أكثر من ذلك القدر ، ربما لا يتغابن الناس في مثله ، كان الفضل ربا ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه يصح الصلح على أن يكون المقبوض عوضا عن أصل ملكه ، وإن كان مستهلكا ، فكذلك هنا يصح الصلح على أن يكون المقبوض عوضا عن الجزء الفائت الذي استحقه بالعقد ، ولا ربا بين الدراهم ، والدنانير ; ولأنه يصح الصلح بطريق الحط ، وهو أن يجعل كأنه حط من ثمن الإبريق هذا المقدار ، ولكن الأول أصح ; لأن القبض في المجلس شرط ، وإنما يشترط ذلك إذا جعلنا بدل الصلح عوضا عن الجزء الفائت ، حتى لا يكون دينا بدين ، وإن صالحه على عشرة دراهم فهو جائز ، وإن كانت الدراهم أكثر من قيمة العيب عندهم جميعا ; لأن حصة العيب من الذهب ولا ربا بين الدراهم ، والدنانير ، وهذا على قولهما ظاهر ، وكذلك عند أبي حنيفة رضي الله عنه ; لأنه في الفصل الأول إنما يجعل بدل الصلح عوضا عن الجزء الفائت لتصحيح العقد ، وتصحيح العقد هنا في أن يجعل عوضا عما يخص الجزء الفائت من الذهب ، والفضة ، ويشترط القبض فيه قبل الافتراق ، فإن افترقا قبل القبض ، أو على شرط أجل ، أو خيار بطل الصلح لكون العقد صرفا بينهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية