وأما ما يزيد على ذلك في البدن فهي الأسنان ; لما روينا من الحديث ويستوي في ذلك الأنياب ، والنواجذ ، والضواحك ، والطواحين ومن الناس من فضل الطواحين على الضواحك لما فيها من زيادة المنفعة ، ولسنا نأخذ بذلك ; لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : { يجب في كل سن نصف عشر الدية } من غير تفصيل ثم إن كان في بعضها زيادة منفعة ففي بعضها زيادة جمال ، والجمال في الآدمي كالمنفعة حتى قيل : إذا في كل سن خمس من الإبل فعليه ستة عشر ألفا ; لأن الأسنان اثنان وثلاثون سنا فإذا الواجب في كل نصف عشر الدية خمسمائة بلغت الجملة ستة عشر ألفا ، وليس في البدن جنس يجب بتفويته أكثر من مقدار الدية سوى الأسنان فإن قلع جميع أسنانه فعليه أربعة عشر ألفا ; لأن أسنانه ثمانية وعشرون ، هكذا حكي أن امرأة قالت لزوجها : يا كوسج : فقال إن كنت كوسجا فأنت طالق فسئل قلع جميع أسنان الكوسج رحمه الله عن ذلك فقال تعد أسنانه فإن كانت اثنين وثلاثين فليس بكوسج ، وإن كانت ثمانية وعشرين فهو كوسج . أبو حنيفة
قال : وبلغنا عن رضي الله عنه قال : في الرأس إذا حلق ولم ينبت الدية كاملة ، وبهذا أخذ علماؤنا رحمهم الله وقال إذا علي فعليه كمال الدية الرجل ، والمرأة في ذلك سواء ، وقال حلق شعر رأس إنسان حتى أفسد المنبت في شعر الرأس حكومة عدل ، وكذلك الشافعي كمال الدية عندنا [ ص: 72 ] وقال في اللحية إذا حلقت فلم تنبت رضي الله عنه حكومة عدل ; لأنه شعر مستمد من البدن بعد كمال الخلقة فلا يتعلق بحلقه كمال الدية كشعر الصدر والساق ; وهذا لأنه ليس في حلق الشعر تفويت منفعة كاملة إنما فيه فقط تفويت بعض الجمال فإنه يلحقه نوع شين على الوجه الذي لغير الكوسج بقلة شعره ، ووجوب كمال الدية يعتبر بتفويت منفعة كاملة ، والدليل عليه أن ما يوجب في الحر كمال الدية يوجب في العبد كمال القيمة ، وبالاتفاق لو الشافعي لا يلزمه كمال القيمة ، وإن أفسد المنبت ، وإنما يلزمه النقصان فكذلك في حق الحر . حلق لحية عبد إنسان
وحجتنا في ذلك حديث رضي الله عنه فإن ما نقل عنه في هذا الباب كالمرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأن ذلك لا يستدرك بالرأي ، والمعنى فيه أنه فوت عليه جمالا كاملا فيلزمه كمال الدية كما لو قطع الأذنين الشاخصتين ، وبيان ذلك أن في اللحية جمالا كاملا في أوانه ، وكذلك في شعر الرأس جمال كامل . علي
( ألا ترى ) أن من عدم ذلك خلقة تكلف لستره ، وإخفائه ، ولا شك أن في شعر الرأس جمالا كاملا ، وبعض المنفعة أيضا فما يحصل لها بالجمال من المنفعة أعظم وجوه المنفعة ، وكذلك في اللحية ، والأصل فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : إن لله تعالى ملائكة تسبيحهم سبحان من زين الرجال باللحى والنساء بالقرون والذوائب } ثم تفويت المنفعة يوجب كمال الدية كما إذا فكذلك تفويت الجمال الكامل يوجب كمال الدية ; لأن الغرض للعقلاء في الجمال أكثر مما هو في المنفعة بخلاف ضرب على ظهره حتى انقطع ماؤه . شعر الصدر ، والساق فليس في حلقه تفويت جمال كامل فلهذا لم يؤثر ذلك في النقصان فلا يجب شيء
فأما في فروايتان روى لحية العبد الحسن عن أنه يجب كمال القيمة ، وفي ظاهر الرواية يجب نقصان القيمة ، وهو نظير الروايتين في قطع الأذنين الشاخصتين من العبد ففي رواية أبي حنيفة قال : القيمة في العبد كالدية في الحر فما يجب بتفويته كمال الدية في الحر يجب بتفويته كمال القيمة في العبد ، وفي ظاهر الرواية قال : الجمال غير مقصود للمولى من عبده ، وإنما المقصود منفعة الاستخدام وبحلق لحيته أو قطع الأذنين الشاخصتين منه لا يفوت هذا المقصود ; فلهذا لا يجب به كمال القيمة فأما الجمال فمقصود في الأحرار وبتفويته يجب كمال الدية ، وتكلموا في حلق لحية الكوسج ، والأصح في ذلك ما فصله الحسن أبو جعفر الهندواني رحمه الله ; لأن وجود ذلك لا يزينه ، وربما يشينه ، وإن [ ص: 73 ] كان أكثر من ذلك فكان على الذقن ، والخد جميعا ، ولكنه غير متصل ففيه حكومة عدل ; لأن في هذا بعض الجمال ، ولكنه ليس بكامل فيجب بتفويته حكومة عدل ، وإن كان متصلا ففيه كمال الدية ; لأنه ليس بكوسج ، وفي لحيته معنى الجمال الكامل ، وهذا كله إذا فسد المنبت فإن نبت حتى استوى كما كان لا يجب فيه شيء ; لأنه لم يبق لفعل الجاني أثر فهو بمنزلة الضربة التي لا يبقى أثرها في البدن ، ولكنه يؤدب على ذلك ; لارتكاب ما لا يحل له ، وإن نبتت بيضاء فقد ذكر في النوادر أن عند إن كان الثابت على ذقنه شعرات معدودة فليس في حلق ذلك شيء لا يلزمه شيء ; لأن الجمال يزداد ببياض شعر اللحية ، وعندهما يجب حكومة عدل ; لأن بياض الشعر جمال في أوانه ، فأما في غير أوانه فيشينه فيجب حكومة العدل باعتباره ، وقد بينا أن في أحد العينين نصف الدية ، ويستوي الجواب إن انخسفت أو ذهب بصرها ، وهي قائمة أو ابيضت حتى ذهب البصر ; لأن المنفعة المقصودة من العين تفوت في هذا كله ، وقيل : ذهاب البصر بمنزلة فوات العين فلا معتبر ببقائها بعدما ذهب البصر . أبي حنيفة
( ألا ترى ) أن من عليه كمال الدية ، وإن كانت النفس باقية على حالها ، وكذلك اليد إذا شلت حتى لا ينتفع بها ففيها أرشها كاملا إما ; لأن الشلل دليل موتها أو لأن ما هو المقصود ، وهو منفعة البطش تحقق فواته بصفة الكمال فهو ، وما لو قطعت اليد سواء في إيجاب الأرش . خنق إنسانا حتى مات