الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فأما بيان نفي استيفاء القود بغير السيف وبها يقول علماؤنا رحمهم الله فإن القصاص متى وجب فإنه يستوفى بطريق حز الرقبة بالسيف ولا ينظر إلى ما به حصل القتل وقال الشافعي رضي الله عنه ينظر إلى القتل بماذا حصل ، فإن كان بطريق غير مشروع بأن سقاه الخمر حتى قتله أو لاط بصغير حتى قتله فكذلك الجواب يقتل بالسيف ، وإن كان بطريق مشروع يفعل به مثل ذلك الفعل ويمهل مثل تلك المدة ، فإن مات وإلا تحز رقبته نحو ما إذا قطع يد إنسان عمدا فمات من ذلك واستدل بما روينا { أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر برضخ رأس اليهودي بين حجرين } وكان ذلك بطريق القصاص .

( ألا ترى ) أنه روي في بعض الروايات { فاعترف اليهودي فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص وأمر بأن يرضخ رأسه بين حجرين } ولأن المعتبر في القصاص المساواة ; ولهذا سمي قصاصا مأخوذ من قول القائل التقى الدينان فتقاصا أي تساويا أصلا ووصفا وما قلناه أقرب إلى [ ص: 126 ] المساواة لما فيه من اعتبار المساواة في الفعل ، والمقصود بالفعل يجب اعتباره إلا إذا تعذر وتعذره أن يكون صورة الفعل بخلاف المشروع بأن يكون حراما ، أو أن لا يحصل القتل به فحينئذ يجعل ما يكون متمما له فيما هو المقصود ويكون الثاني متمما للأول .

( ألا ترى ) أن من قطع يد إنسان خطأ ، ثم قتله لم يلزمه إلا دية واحدة وجعل الفعل الثاني تتميما للأول وحجتنا في ذلك ظاهر قوله عليه الصلاة والسلام { لا قود إلا بالسيف } ، وهو تنصيص على نفي استيفاء القود بغير السيف ، والمعنى فيه أنه قتل مستحق شرعا فيستوفى بالسيف كقتل المرتد وهذا ; لأنه إنما يستوفي المستحق بالطريق الذي يتيقن أنه طريق له وحز الرقبة يتيقن بأنه طريق استيفاء القتل فأما قطع اليد فلا يكون طريقا لذلك إلا بشرط ، وهو السراية وذلك لضعف الطبيعة عن دفع أثر الجراحة ولا يعرف ذلك عند القتل وما يتعلق بالشرط لا يكون ثابتا قبل الشرط فقبل السراية هذا الفعل غير القتل فلا يكون مشروعا فضلا عن أن يكون مستحقا وصورة الفعل غير مقصودة ، وإنما المقصود إزهاق الروح عرفا لمعنى الانتقام واستحقاق القتل شرعا فيجب مراعاة ذلك المقصود ولا يقال لا يقمع الناس في الابتداء من أن يكون هذا الفعل مؤثرا في تحصيل المقصود ما لم يبرأ منه ; لأنه ، وإن كان لا يقمع الناس عن ذلك فإنه يؤدي إلى تأخير تحصيل المقصود وكما لا يجوز إبطال مقصود صاحب الحق لا يجوز تأخيره ، ثم هذا اعتبار معادلة توقعنا في الظلم في الانتهاء ; لأنه إذا تراخت يده تحز رقبته ، والفعل الثاني بعد البرء لا يكون إتماما للأول بدليل الخطأ فيؤدي إلى الزيادة على ما كان منه وإلى المثلة وذلك حرام ، فإن قيل بأي طريق تسقط حرمة ذبح القاتل ولم يوجد منه فعل في مذبح المقتول قلنا بالطريق الذي يسقط عندكم حرمة مذبحه إذا تراخت يده ، وهو استحقاق القتل عليه وذلك موجود قبل قطع اليد وتأويل الحديث ما بينا والذي روي أنه قضى بالقصاص شاذ لا يعتمد عليه ، أو قاله الراوي بناء على ما وقع عنده أنه كان بطريق القصاص وفي الحقيقة إنما كان ذلك بطريق السياسة .

التالي السابق


الخدمات العلمية