والكلام هاهنا في فصول : أحدها : أنه لا خلاف أن على ما قال رسول الله عليه السلام { الدية من الإبل مائة } ، واختلفوا في أن في النفس المؤمنة مائة من الإبل ، فالمذهب عندنا أنهما أصل ، وفي قول الدراهم ، والدنانير في الدية أصل أم باعتبار قيمة الإبل يدخلان على وجه قيمة الإبل وتتفاوت بتفاوت قيمة الإبل ويحكى عن الشافعي أنه كان يقول : أولا وجوبهما على سبيل قيمة الإبل ، ولكنهما قيمة مقدرة شرعا بالنص فلا يزاد عليها ، ولا ينقص عنها ثم رجع عن ذلك ، وقال : هما أصلان في الدية ، واحتج أبي بكر الرازي رضي الله عنه بحديث الشافعي الزهري قال : { عشرة آلاف درهم أو ألف دينار عمر } ، وفي حديث كانت الدية على عهد رسول الله عليه السلام مائة من الإبل قيمة كل بعير أوقية ثم غلب الإبل فصارت قيمة كل بعير أوقية ونصفا ثم غلبت فصارت قيمة كل بعير أوقيتين فما زالت تعلو حتى جعلها عن أبيه عن جده أن { عمرو بن شعيب } النبي عليه السلام قضى في الدية بمائة من الإبل قيمتها أربعة آلاف درهم أو أربعمائة دينار .
وحجتنا في ذلك حديث أن النبي عليه السلام قال : { سعيد بن المسيب دية كل ذي عمد في عمده ألف دينار } وذكر الشعبي عن عبيدة السلماني أن لما دون الدواوين جعل الدية على أهل الإبل مائة من الإبل ، وعلى أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وقضاؤه ذلك كان بمحضر من الصحابة ، ولم ينكر عليه أحد فحل محل الإجماع منهم . عمر بن الخطاب
والمعنى فيه : أن للقاضي أن يقضي بالدية من الدراهم أو الدنانير مؤجلا في ثلاث سنين فلو كان الأصل في الدية الإبل ، وهي دين ، والدراهم ، والدنانير بدل عنها كان هذا دينا بدين ونسيئة بنسيئة ، وذلك حرام شرعا [ ص: 76 ] يوضحه : أن الآدمي حيوان مضمون بالقيمة كسائر الحيوانات ، والأصل في القيمة الدراهم ، والدنانير إلا أن القضاء بالإبل كان بطريق التيسير عليهم ; لأنهم كانوا أرباب الإبل ، وكانت النقود تتعسر منهم ; ولأنهم كانوا يستوفون الدية على أظهر الوجوه ; ليندفع بها بعض الشر عنهم ، وذلك في الإبل أظهر منه في النقود فكانت بخلاف القياس بهذا المعنى ، ولكن لا يسقط بها ما هو الأصل في قيمة المتلفات .