[ ص: 243 ] بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة المجادلة
وهي مدنية بإجماع، إلا أن حكى أن قوله تعالى: النقاش ما يكون من نجوى ثلاثة مكي ، وروى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبي بن كعب "من قرأ سورة المجادلة كتب من حزب الله" .
قوله عز وجل:
قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور
"سمع الله" عبارة عن إدراك المسموعات على ما هي ما عليه بأكمل وجوه ذلك دون جارحة ولا تكييف ولا تحديد، "تعالى الله عن ذلك"، وقرأ الجمهور: "قد سمع" بالبيان، وقرأ ابن محيصن: "قد سمع" بالإدغام، وفي قراءة رضي الله عنه: "قد يسمع الله"، وفيها "والله قد يسمع تحاوركما" . ابن مسعود
واختلف الناس في اسم التي تجادل، فقال : هي قتادة خويلة بنت ثعلبة، وقيل عن رضي الله عنه أنه قال: هي عمر بن الخطاب بنت حكيم، وقال بعض الرواة، : هي وأبو العالية خويلة بنت دليج، وقال المهدوي: وقيل: خولة بنت دليج، وقالت رضي الله عنها هي عائشة جميلة، وقال : هي ابن إسحاق خولة بنت الصامت، وقال رضي الله عنهما فيها: ابن عباس خولة بنت خويلد، وقال ، محمد بن كعب القرظي : هي ومنذر بن سعيد خولة بنت ثعلبة .
قال "تجادل": تقاتل في القول، وأصل "الجدل": القتل. ابن سلام:
[ ص: 244 ] وأكثر الرواة على أن الزوج في هذه الآية أوس بن الصامت الأنصاري، أخو ، وحكى عبادة بن الصامت -وهو في المصنفات- حديثا النقاش عن سلمة بن صخر البياضي أنه ظاهر من امرأته إن واقعها مدة شهر رمضان، فواقعها ليلة، فسأل قومه أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا وهابوا ذلك، وعظموا عليه جريرته، فذهب هو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه فسأله واسترشد فنزلت الآية وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتعتق رقبة؟ فقال: والله ما أملك غير رقبتي، فقال: أتصوم شهرين متتابعين؟ فقال: يا رسول الله وهل أتيت إلا في الصوم؟ فقال: أتطعم ستين مسكينا؟ فقال: لا أجد، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات قومه فكفر بها، فرجع سلمة إلى قومه فقال: إني وجدت عندكم الشدة والغلظة، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الرخصة والرفق، وقد أعطاني صدقاتكم.
وأما ما رواه الجمهور في شأن أوس بن الصامت فاختصاره أوسا ظاهر من امرأته خولة بنت خويلد، وكان الظهار في الجاهلية يوجب عندهم فرقة مؤبدة، قاله وغيره، فلما فعل ذلك جاءت زوجته رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبو قلابة أوسا أكل شبابي، ونثرت له بطني، فلما كبرت ومات أهلي ظاهر مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أراك إلا حرمت عليه، فقالت يا رسول الله لا تفعل; إني وحيدة ليس لي أهل سواه، فراجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل مقالته، فراجعته، فهذا هو مجادلتها، وكانت في خلال جدالها تقول: اللهم إليك أشكو حالي وانفرادي وفقري إليه، وروي أنها كانت تقول: اللهم إن لي منه صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، [ ص: 245 ] فهذا هو اشتكاؤها إلى الله، فنزل الوحي -عند جدالها- على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية، وكانت رضي الله عنها حاضرة لهذه القصة كلها، فكانت تقول: سبحان من وسع سمعه الأصوات، لقد كنت حاضرة لهذه القصة كلها، وكان بعض كلام عائشة خولة يخفى علي، وسمع الله تعالى جدالها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوس وقال له: أتعتق رقبة؟ فقال: والله ما أملكها، فقال: أتصوم شهرين متتابعين؟ فقال: والله ما أقدر أن أصبر إلا على أكلات ثلاث في اليوم، ومتى لم أفعل ذلك غشي بصري، فقال له: أتطعم؟ فقال لا أجد إلا أن يعينني رسول الله بمعونة وصلاة -يريد الدعاء-، فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا ودعا له، وقيل: بثلاثين صاعا، فكفر بالإطعام وأمسك أهله. أن
وفي مصحف رضي الله عنه: "تحاورك في زوجها" ، والمحاورة: مراجعة القول ومعاطاته، وقرأ عبد الله بن مسعود ابن كثر، ، ونافع : "يظهرون" وقرأ وأبو عمرو أيضا: "يتظاهرون"، وقرأ أبي بن كعب ، عاصم وأبو جعفر ، والحسن : "يتظاهرون"، بضم الياء من قولك "فاعل"، وهذه مستعملة جدا، وقولهم: "الظهار" دليل عليها، والمراد بهذا كله قول الرجل لأمراته: أنت علي كظهر أمي، يريد: في التحريم، كأنه إشارة إلى الركوب إذ عرفه في ظهور الحيوان، وكان أهل الجاهلية يقولون ذلك، فرد الله تعالى بهذه الآية على فعلهم، وأخبر بالحقيقة من أن الأم هي الوالدة، وأما الزوجة فلا يكون حكمها حكم الأم. وقرأ جمهور الناس: "أمهاتهم" بنصب الأمهات، وقرأ وقتادة -في رواية عاصم عنه-: "أمهاتهم" بالرفع، وهذا على اللغتين في "ما"، لغة المفضل الحجاز ولغة تميم، وقرأ رضي الله عنه: "ما هن بأمهاتهم" بزيادة باء الجر، وجعل الله تعالى القول بالظهار منكرا وزورا، فهو محرم لكنه، إذا وقع لزم، هكذا قال فيه أهل العلم، لكن تحريمه تحريم المكروهات جدا، وقد رجى الله بعده بأنه لعفو غفور مع الكفارة. ابن مسعود