ولما كان العلم المحيط من الملك القاهر أعظم مسل للولي وأكبر مخيف للعدو، قال عاطفا على فذرهم أو على ما تقديره: فكن أنت من العلماء بذلك ليكون فيه لك أعظم تسلية: واصبر أي أوجد هذه الحقيقة لتصبر على ما أنت فيه من أداء الرسالة وما لها من الكلف من أذى الناس وغيره ولكونه في مقام الإعراض عن الكفار وكون إعراضه عنهم أصعب عليه من مقاساة إنذاره وإن نشأ عنها تكذيبهم واستهزاؤهم، اشتدت العناية هنا بالصبر فقدم، وأيضا فإن الإعراض عنهم مقتض لعدهم فانين، وذلك هو مقام الجمع، والجمع لا يصلح إلا بالفرق، فلذلك قدم الأمر بالصبر، وذكر الحكم إشارة إلى أنه متمكن في مقام الفرق كما أنه عريق في مقام الجمع بخلاف المدثر، فإن سياقها للإنذار الناشئ عنه غاية الأذى فاشتدت العناية هناك بتقديم ذكر الإله نظرا إلى الفناء عن الفانين وإن كان مباشرا لدعائهم، وعبر بما يذكر بحسن التربية زيادة في التعزية فاقتضى هذا السياق أن رغبه سبحانه بقوله: لحكم ربك أي المحسن إليك فإنه هو المريد لذلك ولو لم يرده لم يكن شيء منه، فهو إحسان منه إليك وتدريب لك وترقية في معارج [ ص: 38 ] الحكم، وسبب عن ذلك قوله لما يغلب على الطبع البشري في بعض أوقات الامتحان من نوع نسيان: فإنك بأعيننا جمع لما اقتضته نون العظمة التي هذا سياقها، وهي ظاهرة في الجمع وإشارة إلى أنه محفوف بالجنود الذين رؤيتهم من رؤيته سبحانه فهو مكلوء مرعي به وبجنوده وفاعل في حفظه فعل من له أعين محيطة بمحفوظه من كل جهة من جهاته.
ولما كانت الطاعة أعظم ناصر وأكبر معز، وكانت الصلاة أعظمها قال: وسبح أي أوقع متلبسا التنزيه عن شائبة كل نقص بالقلب واللسان والأركان، بحمد ربك أي المحسن إليك، فأثبت له كل كمال مع تنزيهه له عن كل نقص، فلا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يريد إلا ما هو حكمة بالغة حين تقوم أي من الليل في جميع الأوقات التي هي مظنة القيام على الأمور الدنيوية والأشغال النفسانية، وهي أوقات النهار الذي هو للانتشار بصلاة الصبح والظهر والعصر، وتحتمل العبارة وهو التسبيح عند كل قيام بكفارة المجلس فإنها تكفر ما كان في المجلس - كما رواه "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك" أبو داود وقال: حسن صحيح غريب والترمذي والنسائي في صحيحه عن وابن حبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
أبي هريرة