ولما ذكر المنة بالبحر ذكر النعمة بما ينبت فيه كما فعل بالبر، فقال معبرا بالمبني للمفعول لأن كلا من وجوده فيه والتسليط على إخراجه منه خارق من غير نظر إلى مخرج معين، والنعمة نفس الخروج، ولذلك قرأ [غير] نافع والبصريين بالبناء للفاعل من الخروج: يخرج منهما أي: بمخالطة العذب الملح من غير واسطة أو بواسطة السحاب، فصار ذلك [ ص: 162 ] كالذكر والأنثى، قال الرازي: فيكون العذب كاللقاح للملح، وقال أبو حيان : قال الجمهور: إنما يخرج من الأجاج في المواضع التي يقع فيها الأنهار والمياه العذبة فناسب إسناد ذلك إليهما، وهذا مشهور عند الغواصين، وقال رضي الله عنهما ابن عباس مولاه رضي الله عنه: تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر لأن الصدف [وغيرها] تفتح أفواهها للمطر - انتهى. وعكرمة
فتكون الأصداف كالأرحام للنطف وماء البحر كالجسد الغاذي، والدليل على أنه من ماء المطر كما قال الأستاذ حمزة الكرماني: إن من المشهور أن السنة إذا أجدبت هزلت الحيتان، وقلت الأصداف والجواهر - انتهى. ثم لا شك في أنهما وإن كانا بحرين فقد جمعها وصف واحد بكونهما [ماء]، فيسوغ إسناد الخروج إليهما كما يسند خروج الإنسان إلى جميع البلد، وإنما خرج من دار منها كما نسب الرسل إلى الجن والإنس بجمعهما في خطاب واحد فقال: رسل منكم وكذا وجعل القمر فيهن نورا ومثله كثير اللؤلؤ وهو الدر الذي [هو] في غاية البياض والإشراق والصفاء والمرجان أي القضبان الحمر التي هي في غاية الحمرة، فسبحان من غاير بينهما في اللون والمنافع والكون - نقل هذا [القول] ابن عطية عن رضي الله عنه، وقال: [و]هذا هو المشهور الاستعمال - [انتهى]، وقال جمع كثير: [إن] اللؤلؤ كبار الدر والمرجان صغاره. ابن مسعود