ولما ذكر حدوده، ولوح بالعطف على غير معطوف عليه إلى بشارة حافظها، وصرح بتهديد متجاوزيها أتبع ذلك تفصيل عذابهم الذي منه بشارة المؤمنين بالنصر عليهم، فقال مؤكدا لأجل إنكارهم لأن يغلبوا على كثرتهم وقوتهم وضعف حزبه وقلتهم: إن الذين يحادون الله أي يغالبون الملك الأعلى على حدوده ليجعلوا حدودا غيرها، وذلك صورته صورة العداوة، مجددين ذلك مستمرين عليه بأي محادة [كانت] ولو كانت خفية - بما أشار إليه الإدغام كمحادة أهل الاتحاد الذين يتبعون المتشابه فيجرونه على ظاهره فيخلون به المحكم لتخل الشريعة بأسرها، فإن كثيرا من السورة نزل في المنافقين واليهود والمهادنين كما يأتي في النجوى وغيرها ورسوله الذي عزه من عزه كبتوا أي صرعوا وكبوا لوجوههم وكسروا وأذلوا وأخزوا فلم يظفروا [ ص: 356 ] وردوا بغيظهم في [كل] أمر يرومونه من أي كابت كان بأيسر أمر وأسهله، وعبر بالماضي إشارة إلى تحقق وقوعه والفراغ من قضائه كما فرغ مما مضى، فلذا قال لتكون الدعوى مقرونة بدليلها: كما كبت الذين ولما كان المحادون لم يستغرقوا جميع الأزمان الماضية والأماكن، أدخل الجار فقال: من قبلهم أي المحادين كقوم نوح ومن بعدهم ممن أصر على العصيان، ولم ينقد لدليل ولا برهان، قال القشيري: ومن ضيع لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة وأحدث في دينه بدعة انخرط في هذا السلك، ووقع في هذا الذل.
ولما استوفى المقام حظه بيانا وترغيبا وترهيبا، عطف على أول السورة أو على ما يقدر من نحو: فقد كان لكم فيما مضى من أول الإسلام إلى هذا الأوان مما يدل على كونه سبحانه بالنصر والمعونة مع نبيه صلى الله عليه وسلم وأتباعه رضي الله عنهم معتبر، قوله: وقد أنـزلنا [أي] بما لنا من العظمة عليكم وعلى من قبلكم آيات بينات أي دلالات عظيمة هي في غاية البيان لذلك ولكل ما يتوقف عليه الإيمان بترك المحادة ويحصل الإذعان. ولما كان التقدير: فللمؤمنين بها نعيم مقيم في مقام أمين، عطف عليه قوله: وللكافرين [أي] [ ص: 357 ] الراسخين في الكفر بها وبغيرها من أمر الله عذاب مهين بما تكبروا واغتروا على أولياء الله وشرائعه، يهينهم ذلك العذاب ويذهب عزهم وشماختهم ويتركون به محادتهم.